الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

نتنياهو.. وسيناريوهات إنجاز التطبيع مع السعودية

ياسمين عبداللطيف زرد *

ينقسم ائتلاف حكومة نتنياهو إلى يمين وسط وأقصى يمين. التيار الأول معتدل يتبع طريقة «إدارة الصراع» مع الشعب الفلسطيني إلى أن يصبح الحل ممكناً ذات يوم، أما التيار الثاني فهو متطرف يعارض نهج إدارة الصراع كما يرفض تقديم أية تنازلات للجانب الفلسطيني صغيرة كانت أم كبيرة. من جانبها، تقوم الآن الإدارة الأمريكية بدراسة هذا الاختلاف بين طرفي الائتلاف الحكومي الإسرائيلي- في إطار رعايتها لاتفاق تطبيع محتمل للعلاقات السعودية الإسرائيلية- إذ ينطوي الاتفاق على تقديم تنازلات إسرائيلية للشعب الفلسطيني. في ضوء ذلك، نشرت صحيفة The Jerusalem Strategic Tribune مقالاً لرئيس تحريرها، “إران ليرمان”، أورد فيه ثلاثة سيناريوهات يصعب على نتنياهو الاختيار من بينها للتعامل مع ائتلافه المتصدع، من أجل إتمام صفقة تحسين العلاقات مع الرياض… نعرض من المقال ما يلي:

عندما عقد رئيس الوزراء نتنياهو اجتماعاً لمجلس الوزراء في 12 أيلول/ سبتمبر الفائت، قبل أسبوع واحد من توجهه إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والالتقاء بالرئيس بايدن وغيره من زعماء العالم، برزت قضية مثيرة للجدل: هل ينبغي السماح لعائلات السجناء الفلسطينيين بزيارة ذويهم مرة واحدة في الشهر كما هو متبع الآن، أم مرة واحدة فقط كل شهرين؟!

بداية، معاملة السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مسألة حساسة للغاية في المجتمع الفلسطيني؛ والآن يدفع حلفاء نتنياهو في الحكومة إلى تفاقم الأوضاع بتغيير مواعيد الزيارات، بينما الجيش وأجهزة المخابرات ومصلحة السجون نفسها لا يرون أي سبب للتلاعب بقضية قد تؤدي إلى رد فعل فلسطيني متفجر. في النهاية، انحاز نتنياهو إلى «الدولة العميقة» ورفض موقف اليمين المتشدد، مما أدى إلى تأجيل أي إجراء حتى مناقشة الأمر في اجتماع وزاري في تشرين الأول/ أكتوبر.

  • • •

بشكل عام، يتبِع يمين الوسط الحاكم في إسرائيل نهج «إدارة الصراع» تجاه القضية الفلسطينية، بمعنى أنهم يفضلون أن يتركوا الباب مفتوحاً أمام احتمال أن يصبح حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ممكناً ذات يوم مع تغير المنطقة وظهور زعماء جدد، ولكن حتى ذلك الحين فإن ما ينبغي لإسرائيل أن تفعله هو تخفيف التوترات وتحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين تحتفظ بحق الرد على الأنشطة العدائية بطريقة انتقائية تعتمد على المعلومات الاستخباراتية، ويحظى هذا النهج بدعم عناصر داخل حزب الليكود، بما في ذلك وزير الدفاع “يوآف جالانت”. وتمشياً مع هذا النهج، أذن نتنياهو، في أوائل 2023، بإنشاء «منتدى العقبة»، وهو اجتماع دوري لكبار ضباط الأمن من السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأردن ومصر والولايات المتحدة. وكشف مؤخراً مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، “تساحى هنغبي”، أنه يجري حواراً مباشراً مع الأطراف الفلسطينية بشأن صفقة التطبيع الإسرائيلية السعودية المقترحة.

ومع ذلك، هناك حزبان داخل الحكومة الائتلافية يعارضان نهج إدارة الصراع وهما حزب «القوة اليهودية» بزعامة “إيتمار بن غفير”، وحزب «الصهيونية الدينية» بزعامة “بتسلئيل سموتريتش”، ويشغلان معاً 14 مقعداً من مقاعد الائتلاف البالغ عددها 64 مقعداً، من أصل 120 في الكنيسيت الإسرائيلي.

  • • •

تتم الآن دراسة هذا الصدع داخل ائتلاف نتنياهو بالتفصيل في سياق الجهود الأمريكية للتوسط في صفقة تطبيع إسرائيلية سعودية، إذ أشار الرئيس بايدن في خطابه أمام الأمم المتحدة أن الصفقة تتطلب تنازلات إسرائيلية كبيرة للشعب الفلسطيني.

من وجهة نظر يمين الوسط، فإن ما قد يكون مطروحاً في إطار الصفقة لا يدخل في مجال حل الصراع. فإسرائيل ليست على وشك الانسحاب من الأراضي أو إزالة المستوطنات في الضفة الغربية، وكل ما يشغلهم الآن هو تحسين إدارة الصراع. بينما أقصى اليمين في الائتلاف من المرجح أن يعارض تدفق بعض الأموال إلى السلطة الفلسطينية، وسيعمل على بناء عدد من مشاريع البنية التحتية الكبرى، وربما يتم اتخاذ ترتيبات للإنتاج في حقل الغاز البحري في غزة. كما أن هناك إجراءات أخرى سيقاومها اليمين المتشدد، مثل إعادة فتح قنصلية لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

على أي حال، إحدى الإشارات الإيجابية لا تأتي من الجانب الإسرائيلي بل من الجانب الفلسطيني، إذ اختارت السلطة الفلسطينية الانخراط هذه المرة مع السعوديين ومع المسؤولين الأمريكيين وحتى مع إسرائيل من أجل الحصول على بعض «العطاء» الذي قد يطرحه الجانب السعودي كمطلب في إطار الصفقة المحتملة، وذلك لإضفاء الشرعية على أي تطبيع مستقبلي في نظر الشعب السعودي والعالم العربي.

  • • •

في الحقيقة، هناك عدة سيناريوهات محتملة أمام نتنياهو لإنجاز الصفقة مع السعودية، نوجزها كالآتي:

السيناريو الأول؛ هو استسلام نتنياهو لضغوط ائتلافه المتطرف وعناصر من قاعدته في الليكود ورفض أي تنازلات كبيرة للشعب الفلسطيني. وطبعاً إذا حدث هذا، فسيحافظ على ائتلافه سليماً؛ ولا توجد احتمالات بأن يقوم المعتدلون في الليكود بإسقاط الحكومة فعلياً، لكن العواقب قد تكون وخيمة إذا تصاعدت التوترات مع الشعب الفلسطيني؛ كما قد يتآكل التماسك الداخلي لإسرائيل بالنظر إلى أن دوائر انتخابية كبيرة تدعم المفاوضات التي تؤدي إلى حل الدولتين؛ ناهينا عن انخفاض مكانة إسرائيل الدولية، بما في ذلك مع الشركاء العرب الحاليين. والأمر الأكثر أهمية هو أن العلاقات مع أمريكا سوف تتدهور في وقت يزداد فيه الضغط الإسرائيلي عليها لمواجهة التحدي النووي الإيراني. ومع ذلك، قد يشعر نتنياهو أن هذا هو الطريق الأكثر أماناً للمضي قدماً.

أما السيناريو الثاني؛ فهو أن تنضم أحزاب المعارضة الوسطية إلى حكومة نتنياهو وتسمح لها بالحفاظ على أغلبية برلمانية. والمرشح الأكثر ترجيحاً للقيام بذلك هو “بيني جانتس” (ولكن فقط إذا تخلى نتنياهو بشكل أساسي عن خططه للإصلاح القضائي)؛ والمرشح الأقل احتمالا للتحالف مع نتنياهو هو “يائير لابيد”، رئيس الوزراء السابق. وإذا كان هذا السيناريو من شأنه أن يمنح الجيش الإسرائيلي والشاباك دعماً واسعاً لجهودهم لتحقيق الاستقرار، وإزالة العقبات الإسرائيلية أمام الصفقة السعودية وإصلاح العلاقات مع أمريكا. إلا أنه سيكون مؤلماً بالنسبة للمعارضة التي شعرت بالخيانة من قبل نتنياهو في الحكومات السابقة، وكذلك بالنسبة لحزب الليكود الذي سيتعين عليه التخلي عن القضية الأساسية التي خاض حملته الانتخابية على أساسها وهي الإصلاح القضائي. في الوقت نفسه، ترغب إدارة بايدن في معرفة ما إذا كانت أحزاب المعارضة هذه ستأتي وتدعم نتنياهو إذا انسحب اليمين المتشدد.

السيناريو الأخير؛ وهو بعيد ولكنه ليس مستحيلاً، فهو أن يقامر نتنياهو ويختار حل الحكومة والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في وقت ما في النصف الأول من عام 2024. والسبب الظاهري للقيام بذلك هو الحصول على دعم شعبي واسع النطاق للسلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة في الصحافة الإسرائيلية ولكن دون تفاصيل محددة من السعودية أو الولايات المتحدة. أما السبب الحقيقي فهو قراءة المشاعر العامة خاصة بشأن التطورات في قضاياه الجنائية المعلقة في المحكمة، وبشأن الجهود التي بذلتها حكومته للتوصل إلى تسوية متفق عليها بشأن الإصلاح القضائي.

بلا شك يصعب التنبؤ بأي سيناريو سيختاره نتنياهو، في وقت تواجه فيه حكومته قضايا مصيرية- في آن واحد- وهي التسوية بشأن الإصلاح القضائي، والحاجة إلى بعض التحرك على الجبهة الفلسطينية من أجل تمكين التوصل إلى صفقة سعودية، وزيادة المخاوف بشأن التهديدات الإيرانية.

…………………..

النص الأصلي

ـــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.