الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هجوم حماس.. كيف يمكن حدوث هذا؟!


ياسمين عبداللطيف زرد *
يُعد الجيش الإسرائيلي أقوى جيش في المنطقة والأكثر تطوراً، ومع ذلك تمكنت حركة حماس من إلحاق هزيمة قاسية به لم يشهدها منذ خمسة عقود، وباستخدام أدوات بدائية ومحلية الصنع. في ضوء ذلك، نشرت صحيفة (“ذا جوروزاليم ستراتيجيك تريبيون”The Jerusalem Strategic Tribune) مقالين حول العوامل التي ساعدت الجناح العسكري لحركة حماس بغزة في هجومه على المنطقة الجنوبية لإسرائيل، براً وبحراً وجواً… نعرض من المقالين ما يلي:
استيقظ الشعب الإسرائيلي في يوم السبت الماضي، 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، على يوم حزين ومليء بعدم الفهم، بالطبع لم تكن الصواريخ هي التي تهم، إذ اعتاد شعب إسرائيل على الهجمات الصاروخية من غزة. لكن مع تجاوز عدد القتلى ألف، وما زال العدد غير نهائي، وازدياد عدد الجرحى لأكثر من ألفين، وعدد الرهائن لأكثر من مائة، بما في ذلك أطفال، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في إسرائيل قبل أي شيء آخر هو: كيف يمكن أن يحدث هذا؟
يقول عيران ليرمان في مقاله إنه بعد خمسين عاماً ويوم واحد من حرب تشرين الأول/ أكتوبر المفاجئة عام 1973، وجد الجيش الإسرائيلي نفسه مرة أخرى غير مستعد. إذ وقع الهجوم في يوم عطلة، ومن المؤكد أنه ستكون هناك لجنة تحقيق، ولكن قبل أن يحدث ذلك، يمكن تقديم العديد من الملاحظات الأولية.
أولاً: خطط الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب القسام، ونسق بدقة عملية تضمنت استخداما غير مسبوق لمعدات متطورة محلية الصنع، وهذا بدوره يثير المزيد من التساؤلات حول عدم معرفة مثل هذه الخطط من قبل الجانب الإسرائيلي. كان أداة اختراق السياج الحدودي هو استخدام القنابل الصغيرة التي أسقطتها الطائرات بدون طيار، والتي استخدمت أيضاً لتعطيل الدبابات وكذلك تدمير كاميرات المراقبة التي تحرس السياج.
هذا طبعاً يبرهن وجود فشل استخباراتي وكذلك تكتيكي إلا أنه لم يبدأ من هنا وإنما بدأ قبل ذلك عندما أساءت تل أبيب فهم نوايا حماس. بعبارة أوضح، خلال الأسبوعين السابقين، بدا أن “حكومة الأمر الواقع” لحماس في غزة، بقيادة يحيى السنوار، تسعى للحصول على المزيد من الأموال القطرية، والسماح لمزيد من العمال بدخول إسرائيل، وهو ما كانت حكومة نتنياهو على استعداد للتنازل عنه، استخلص محللون إسرائيليون من ذلك أن حماس أصبحت أكثر اهتماماً بإدارة الأوضاع بدلاً من شن هجوم ضد أهداف مدنية إسرائيلية. وكان حوار السنوار غير المباشر مع إسرائيل من خلال الأطراف الإقليمية لا سيما مصر بمثابة غطاء لخطط الجناح العسكري لحماس الخاضعة لحراسة مشددة.
من ثم، رأت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (DMI) وكذلك الشاباك- رداً على ارتفاع الهجمات في الضفة الغربية- إلى أن غزة يمكن السيطرة عليها بعدد أقل من القوات، فحولت 21 كتيبة خلال الأشهر القليلة الماضية إلى الضفة الغربية، معتقدين أن التوغل داخل إسرائيل من غزة غير مرجح. باختصار، كان هناك مستوى منخفض من التأهب.
ثانياً: حدث فشل آخر على المستوى التكتيكي لجمع المعلومات الاستخباراتية وهو أنه كان ينبغي أن تكون هناك في ساعات الصباح الباكر من 7 تشرين الأول/ أكتوبر مراقبة بصرية لنقطة الاختراق وثم التنبيه في الوقت المناسب. ولكن باستخدام هجمات الطائرات بدون طيار، يبدو أن مهاجمي حماس قاموا بقصف وتحييد وحدة المراقبة بعيدة المدى مما جعل الجيش الإسرائيلي أعمى لفترة طويلة.
ثالثاً: حدث ما حذر منه بعض المراقبين، ولا سيما اللواء احتياط اسحاق بريك، ضابط دبابة سابق، منذ 15 عامًا قائلاً: “إن جيش الدفاع الإسرائيلي- الذي كان ذات يوم جيشًا مدربًا جيدًا وكبيرًا نسبيًا- أصبح أصغر بكثير، وأقل انضباطًا وتدريبًا لأنه نادرًا ما يتم استدعاء الاحتياط، وبالتالي أصبح سيء الاستعداد للحرب البرية والمناورة”. وفي حين أن الأفراد ووحدات القوات الخاصة قاتلوا وتكبدوا بالفعل خسائر فادحة يوم السبت الماضي وما بعده، إلا أن الأمر استغرق وقتاً طويلاً حتى تكون تشكيلات جيش الدفاع الإسرائيلي في “غلاف غزة”، فطوال معظم اليوم شعر سكان المنطقة بأن أجلهم قد حان.
من جانب آخر، قال الكاتب دوف زيخيم أن نتنياهو لا يستطيع إلقاء اللوم على الإخفاقات الاستخباراتية والعملياتية والتكتيكية وحدها في هجوم حماس المفاجئ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. فلقد بقي في منصبه لفترة أطول مما ينبغي. وبسبب تصميمه على تجنب عقوبة السجن في قضايا فساد، شكل نتنياهو ائتلافاً مع اليمين المتطرف وفقد البصر عن واجبه الأساسي، المتمثل في ضمان سلامة شعب بلاده. إذ واصل في جهود حثيثة فرض إصلاح شامل للمحكمة العليا (فيما عُرف بقانون الإصلاح القضائي)، مما أطلق العنان لشروخ اجتماعية كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، والتي استغلت حماس ضعفها بسهولة.
فضلاً عن ذلك، أدى تركيزه بشكل شبه كامل على مطالب المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، بدعم من سموتريش وبن غفير، إلى إهمال الحاجة لضمان أمن البلدات الإسرائيلية الجنوبية المتاخمة لحدود غزة. كما استسلم باستمرار للمطالب المتزايدة بالتوسع الاستيطاني، في حين تجاهل حرب العصابات التي كانت في المدن العربية داخل إسرائيل. إذن، عمل نتنياهو على تنشيط المقاومة في كل من غزة والضفة الغربية، وعمل على تنفير العرب في إسرائيل تدريجياً. بدا غير مبالٍ بحقيقة أن حكومته كانت تشرف على سياسة تغذي الاستياء العميق حتى بين أفراد الشعب الفلسطيني الأكثر اعتدالاً.
فعل نتنياهو كل هذا لأنه أراد البقاء خارج السجن، لكنه غيّر لهجته الآن، وقد شكل قبل يومين حكومة طوارئ ينبثق عنها مجلس أمني يدير الحرب يضم: نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جلانت، وزعيم حزب (معسكر الدولة) بيني جانتس، ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق جادي ايزنكوت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. وكان رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، الذي يقود أكبر حزب معارض، استبعد المشاركة في حكومة إذا بقي سموتريش وبن غفير فيها. ووفقاً للكاتب، حتى تكون هناك حكومة وحدة حقيقية، لا بد من إجراء تغييرات أخرى. أولها أن يتخلى نتنياهو عن منصبه. وأن يرحل وزير العدل، يائير ليفين- الشخصية الرئيسية في الإصلاح القضائي، كما يجب استبدال رئيس اللجنة الدستورية والقانونية والقضائية في الكنيست، نظراً لدوره المحوري كمعارض لأي تسوية قضائية يحاول الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج طرحها.
ختاماً، ترى وجهة النظر الإسرائيلية أن كتائب القسام حققت نجاحًا تكتيكيًا على المدى القصير، إلا أنهم أيقظوا أعمق مخاوف ومشاعر الشعب اليهودي. فالمذابح الجماعية للعُزل، وإساءة معاملة الأطفال الأسرى تثير ردود أفعال قوية لن يتم قمعها حتى يعاقب الجناة في غزة وأماكن أخرى على هذه الأفعال.

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.