(الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة الثالثة عشر من الجزء الأول– (6). كيف فرض ستالين تعريفه؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”
(6). كيف فرض ستالين تعريفه
عندما صدر مقال ستالين في عام ۱۹۱۳، لم يتوقف عنده أحد من الماركسيين الروس. وصدر المقال مرة ثانية عام ۱۹۳۰، في مجموعة «خطب ومقالات» لستالين، كما كانت تصدر ألوف الدراسات المتنوعة لعشرات الزعماء السوفييت.
وتبدلت الحال بعد وفاة لينين. ونُشر المقال على نطاق واسع. واطلع عليه مئات الألوف من الناس.
ولم يوافقوا كلهم عليه. وبعث بعض الشيوعيين باعتراضهم إلى ستالين نفسه. فمنهم من طالب بإضافة علامة خامسة إلى تعريف الأمة (الاستقلال الوطني ووجود دولة قومية مستقلة) ومنهم من طالب بإسقاط احدى العلائم (الاقتصاد المشترك) الخ..
نحن لا نعلم فحوى الاعتراضات إلا من خلال رد ستالين عليها. ربما كانت هنالك اعتراضات أخرى لم « يفندها » ستالين.
فقد رد ستالين على بعض المعترضين، منتهزاً هذه المناسبة لتعميم تعريفه على الحركة الشيوعية في العالم، وفرضه عليها كجزء لا يتجزأ من النظرية الماركسية.
ونشر مؤلف ستالين الجديد في عام ۱۹۲۹ بعنوان «المسألة الوطنية واللينينة- رد على الرفيقين ميكشوف وکوفالتشوك والآخرين».
ويبدأ ستالين رده على النحو التالي:
« منذ أمد بعيد والماركسيون الروس لهم نظريتهم في الأمة. والأمة وفقاً لهذه النظرية هي جماعة ثابتة من الناس تكونت تاريخيا ونشأت على أساس اشتراك العلائم الأربع الأساسية التالية، على أساس جامعة اللغة وجامعة الأرض وجامعة الحياة الاقتصادية وجامعة التكوين النفسي الذي يتجلى في الخصائص التي تسم الثقافة الوطنية. وكما هو معلوم فإن هذه النظرية قد نالت في حزبنا اعتراض الجميع ».
هذا الكلام واضح بحد ذاته ولا يحتاج إلى شرح: يوجد تعريف ماركسي للأمة هو التعريف الذي وضعه ستالين منذ عام ۱۹۱۳ وقد نال اعتراف الجميع!.. إن ستالين لم يقل ما هو سبب تجاهل لينين وغيره من قادة الماركسيين الروس هذه « النظرية الماركسية الروسية التي نالت اعتراف الجميع ».
ولكنه فضل سلوك طريق آخر، ففند الاعتراض الذي طالب بإضافة علامة خامسة للأمة هي وجود دولة وطنية مستقلة. إليكم ما يقوله بهذا الخصوص:
« إنني أعتقد أن المخطط الذي تقترحانه مع علامته الجديدة الخامسة لمفهوم الأمة خاطئ خطأً فاحشاً، كما لا يمكن تبريره لا نظرياً ولا من الناحية التطبيقية أي السياسية. فحسب مخططكما يتأتى أن نعترف فقط بالأمم التي تملك دولتها المنفصلة عن غيرها، بأنها أمم، أما الأمم المظلومة جميعاً والمحرومة من وجود دولة لها قائمة بذاتها، فيتأتى أن نحذفها من عداد الأمم، وكذلك فإن نضال الأمم المظلومة ضد الظلم الوطني ونضال شعوب المستعمرات ضد الاستعمار ينبغي أن نفصله عن مفهوم « الحركة الوطنية » و« الحركة الوطنية التحريرية ».
وفضلاً عن ذلك فبموجب مخططكما يتأتى أن نقرر:
أ- إن الايرلنديين لم يصبحوا أمة إلا بعد تشكيل «الدولة الإيرلندية الحرة»، أما قبل ذلك فلم يكونوا يؤلفون أمة .
ب- إن النرويجيين لم يكونوا أمة قبل انفصال النرويج عن السويد، ولم يصبحوا أمة إلا بعد هذا الإنفصال.
ج- إن الأوكرانيين لم يكونوا أمة عندما كانت أوكرانيا جزءاً من روسيا القيصرية، وإنهم لم يصبحوا أمة إلا بعد انفصالهم عن روسيا السوفياتية إلا في عهد الرادا المركزي وحكم اسكوروبادسكي، بيد أنهم لم يعودوا أمة من جديد بعد أن وجدوا جمهوريتهم الأوكرينيه السوفياتية مع سائر الجمهوريات السوفياتية في اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية .
وبالإمكان إيراد عدد كبير جداً من هذه الأمثلة.
وبديهي أن مخططاً يسوق إلى مثل هذه النتائج السخيفة، لا يمكن اعتباره مخططاً علمياً.
إن مخططكما من الناحية التطبيقية أي السياسية يؤدي ولا مناص إلى تبرير الظلم الوطني والاستعماري الذي لا يعترف ممارسوه أبداً بالأمم المظلومة والمهضومة بأنها أمم حقاً، مادامت هذه ليست لها دولتها الوطنية المنفصلة، وهم يعتبرون أن هذه الحالة تعطيهم الحق في اضطهاد هذه الأمم.
هذا ولا حاجة لأن أقول إن مخططكما يُسوق إلى تزكية القوميين البورجوازيين في جمهورياتنا السوفياتية، الذين يسعون ليبرهنوا أن الأمم السوفياتية لم تعد أمماً عقب توحيد جمهورياتها السوفياتية الوطنية في اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية .
تلك هي « مسألة تعديل » و « إصلاح » النظرية الماركسية الروسية في الأمة.
ولا يبقى سوى أمر واحد هو الاعتراف بالنظرية الماركسية الروسية في الأمة بأنها النظرية الوحيدة الصحيحة».
الناحية النظرية
هذه المحاكمة الطويلة تتضمن شطرين: شطراً نظرياً وشطراً عملياً سياسياً. لنبحث الآن الشطر الأول.
يرى ستالين أن الاستقلال السياسي ليس شرطاً لوجود الأمة. والموقف المعاكس خاطئ نظرياً، لأنه يؤدي إلى نتائج سخيفة مضحكة لا تمت إلى المنطق بصلة. وهذا ما يتبين من مثال إيرلندة والنرويج وخاصة أوكرينيا.
إن أوكرينيا، حسب الموقف الذي يعلق وجود الأمة على شرط الاستقلال السياسي ووجود دولة قومية مستقلة منفصلة، لم تكن أمة قبل عام ۱۹۱۸. ثم أصبحت أمة عندما انفصلت وكونت دولة متمايزة في ظل البرجوازية الأوكرانية. ثم كفت عن كونها أمه في سنة ۱۹۲۰ عندما اتحدت مع روسيا في دولة اشتراكية واحدة.
هذا الموقف لا يفيد في شيء. « ان مخططاً يسوق إلى مثل هذه النتائج السخيفة لا يمكن اعتباره مخططاً علمياً ».
استدلال عظيم! وهو جدير بالحفظ. سوف نعود إليه بعد قليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع.. الحلقة الرابعة عشر بعنوان: (7). الوحدة الاقتصادية؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”