وفاء هاني عامر *
شهدت إسرائيل، السبت الماضي (7 تشرين الأول/ أكتوبر 1973)، يوماً أسود (كما وصفه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو) لن يمحى من تاريخها، إذ استيقظت إسرائيل على هجمات مباغتة من حماس براً وبحراً وجواً على عدد من المستوطنات الإسرائيلية، وأطلقت على هذه العملية اسم «طوفان الأقصى»، أسفرت عن عدد من القتلى والجرحى لا يستهان به إضافة إلى وقوع عدد من الجنود والمواطنين الإسرائيليين أسرى في أيدي عناصر المقاومة الفلسطينية. في ضوء هذا تناول عدد من الصحف والمجلات والمواقع العربية والإسرائيلية والدولية صدى هذا اليوم على المجتمع الإسرائيلي وتباطؤ الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في احتواء الكارثة، لذا أعلنت إسرائيل حالة الحرب الآن. وعليه، ذهب البعض بتشبيه هذا اليوم بذكرى حرب 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 والمقارنة بين جولدا مائير وبنيامين ونتنياهو… نعرض ما ورد فيما يلى:
بداية، يقول الكاتب عاموس هرئيل في مقاله في جريدة هاآرتس، إن الجيش والشرطة يخوضان الآن في هذه الساعات معارك من بيت إلى بيت في البلدات التي لا يزال يتحصن فيها فلسطينيون مسلحون في «غلاف غزة»، والجيش يجند الاحتياط بأحجام تلائم الحرب. في جزء من البلدات والقواعد العسكرية، ارتكبت «مجازر» مذهلة. حتى أن آلاف القذائف والصواريخ أطلقت بهدف التمويه على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، من الجنوب وحتى القدس، وصولاً إلى جوش دان. الجهد العسكري لـ«حماس» تم توجيهه إلى بلدات «الغلاف». وبصورة تراجيدية، حقق نجاحاً كاملاً.
وهذا يقودنا- للأسف- للاعتراف بأن الرؤية الإسرائيلية في غزة انهارت- على الصعيد السياسي، وفي نشر القوات للدفاع، وجهوزيتهم للمفاجأة، ومن المؤكد عدم وجود للردع والإنذار الاستخباراتي. «حماس» جهزت لهذه المعركة على مدى أشهر، وفي هذا الوقت، كان يدور في إسرائيل النقاش، ويترددون بشأن زيادة عدد العمال الغزيين المسموح لهم بالعمل داخل الخط الأخضر.
حتى أن الحاجز الذي بنته إسرائيل من خلال سور دفاعي كبير جداً ضد الأنفاق، لم يساعد. وببساطة، تم الالتفاف عليه. الأصوات التي تصل من البلدات، التي احتلت «حماس» بعضها، تحطم القلب. هذه الدراما تجري في بث مباشر عبر القنوات التلفزيونية التي يشاهدها الشعب برمته. الإسقاطات البعيدة المدى على الاستيطان الإسرائيلي في الغلاف، وعلى العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن الممكن على الوضع الإقليمي برمته- ستكون عظيمة.
هذا السيناريو المرعب الذي تحقق، لن ينتهي بالضرورة في قطاع غزة. يمكن القول إن الأمور ستتدحرج أيضاً إلى جزء من الجبهات الأخرى. وهذا كله يحدث في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل أوقاتاً سيئة داخلياً. يمكن أن يكون الموضوع هو حسابات لـ«حماس»، التي افترضت أنه يمكنها استغلال الضعف الإسرائيلي. وفي أعقاب الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الصعب، لا يمكن إلغاء إمكانية أننا لا نعلم بما يحدث في الساحات الأخرى.
الحرب التي فُتحت من غزة، تعيد طرح كل الأوراق المتعلقة بالتطورات السياسية والدبلوماسية. تقريباً، جنود الاحتياط، جميعهم، أعلنوا وقف الامتثال للخدمة بسبب الانقلاب الدستوري، لكنهم عادوا صباح السبت الماضي إلى مقرات القيادة. يمكن الافتراض أن بعضهم يشارك الآن في عمليات سلاح الجو التي ألقت كمية كبيرة جداً من القنابل على غزة.
لم يكن هناك معلومات استخباراتية، لكن كان هناك إشارات مسبقة وكثيرة، من غزة، وصولاً إلى الضفة الغربية. وتجاهلتها القيادة كلها. ويمكن أن نتوقع أن يكون لهذا صدى سياسي كبير، وفي هذه الحالة، سيحدث أيضاً ما حدث في سنة 1973.
رداً على ما سبق، نشرت مجلة «فورين أفيرز» مقالاً للكاتبين ألكسندر بالمر ودانيال بايمان، أوردا فيه أن أحد أكبر التحديات التي ستواجه إسرائيل الآن هي كيفية ردع وإقناع حماس والأعداء الآخرين بالتفكير ألف مرة قبل مهاجمة إسرائيل لأن الثمن الذي سيدفعونه سيكون باهظاً للغاية، وهنا يتبقى التفكير في كيفية القيام بذلك بطريقة مقبولة أخلاقياً مع ضمان الدعم الدولي، خاصة الولايات المتحدة. لكن الرد الناعم على أعمال العنف الحالية يشعر المسؤولين الإسرائيليين بالقلق من تشجيع حماس أكثر على توجيه ضربة أخرى. وكذلك حزب الله، وإيران، وغيرهم من الأعداء سوف ينظرون إلى إسرائيل على أنها ضعيفة.
كما أوضح الكاتبان أن ما تشهده غزة الآن من عمليات عنف ناتج عن توسع المستوطنات الإسرائيلية والمذابح المتكررة التي ينفذها سكانها ضد الفلسطينيين المدنيين التي أدت بدورها إلى زيادة التوتر بشكل كبير.
إن نجاح حماس يشكل مصدر إلهام للفلسطينيين الغاضبين بالفعل، حيث يظهر أنهم قادرون على جعل إسرائيل تدفع الثمن. والأهم من ذلك هو أن الرد الإسرائيلي سوف يشمل أعداداً كبيرة من القتلى الفلسطينيين. إن هذه الجولة الجديدة من العنف من شأنها أن تُلهب المشاعر الفلسطينية، حتى ولو كان الإسرائيليون وقسم كبير من المجتمع الدولي يعتقدون أن حماس هي التي بدأت الصراع.
وما يزيد من إحباط رد فعل إسرائيل هو مشكلة الرهائن. لا أحد يعرف عدد الرهائن الفعلي الذين احتجزتهم حماس حتى الآن. وقد يتم تهريب بعضهم إلى إسرائيل، في حين قد يتم احتجاز آخرين من قبل مسلحين فلسطينيين في إسرائيل نفسها. ويمنح الرهائن «حماس» نفوذاً هائلاً بينما يمثلون كابوساً للقادة الإسرائيليين. على الرغم من أن قوات العمليات الخاصة الإسرائيلية تتمتع بمهارات عالية، إلا أن الأخطاء الصغيرة يمكن أن تؤدى إلى مقتل العديد من الأبرياء في غارة فاشلة.
ولأن الرهائن تُعقد من نجاح العمليات العسكرية. فعلى المستوى الاستراتيجي، تستطيع حماس أن تهدد حياة الرهائن إذا توغلت إسرائيل في قطاع غزة أو هددت قبضة حماس على السلطة بأي شكل آخر. وعلى المستوى التكتيكي، فإن الوجود المحتمل للرهائن الإسرائيليين في المباني الموجودة في المنطقة أو في أيدى المقاتلين يجعل العمليات أكثر صعوبة بكثير، حيث إن خطر قتل مدنيين أو عسكريين إسرائيليين سيكون حاضراً في كل عملية عسكرية إسرائيلية.
على صعيد آخر، جاء وقت عملية «طوفان الأقصى» في اليوم التالي لذكرى حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، التي مازالت إسرائيل تستخلص منها الدروس لتفادي تجرع كأس الهزيمة مرة أخرى، لكنها تستيقظ في اليوم التالي على دوي انفجارات صاروخية وهجمات مسلحة لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس» مباغتة.
يشير الكاتب سميح صعب فى مقاله على موقع 180 بوست، إلى أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» تخطت الخطوط الحمر وغيرت قواعد اللعبة باقتحامها مستوطنات «غلاف غزة»، لتضع إسرائيل في حالة إرباك لم تشهدها منذ 50 عاماً بالضبط، عندما فاجأ الجيشان المصري والسوري الدولة العبرية باقتحامهما خطوط الجبهة في سيناء ومرتفعات الجولان في وقت متزامن مستعيدين زمام المبادرة العسكرية بعد ظهر يوم سبت من 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973.
شارك الكاتب سميح صعب الرأي مع عاموس هرئيل بأن تكرار عنصر المفاجأة بعد مرور 50 عاماً يشكل فشلاً عسكرياً واستخباراتياً للجيش الإسرائيلي، الذي نام على أوهام القوة التي لا تقهر بعد حرب 1967، بينما ميزان القوى في المنطقة حالياً مختل لمصلحته إلى حد كبير بعد تدمير سوريا والعراق.
في لحظة يعد فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو نفسه لقطف ثمار هذا التفوق العسكري، بضم السعودية إلى «اتفاقات أبراهام»، بقوة دفع أمريكية، إذا به يجد نفسه في موقع جولدا مائير قبل 50 عاماً، فتباغته «حماس» بفتح حرب غير متوقعة لتعيد المشهد الفلسطيني إلى واجهة الأحداث الإقليمية والدولية.
ويوضح الكاتب أن الأحداث الجارية في «غلاف غزة»، هي بداية فصل جديد في المنطقة وعلى تطوراته ستبنى الكثير من المعادلات، وتغير من السياسات التي كانت تستند إلى القواعد التي أرساها التفوق العسكري الإسرائيلي واللجوء دوماً إلى التبجح بأن سلام القوة هو السلام الذي يمكن أن يدوم وفق ما يكرر نتنياهو في أكثر من مناسبة.
اتفقت الكاتبة إيريس ليل في مقالها في جريدة هاآرتس مع الكتاب السابقين في أن ما تشهده إسرائيل الآن هو دليل على الفشل الاستخباراتي، كذلك تُحمل حكومة بنيامين نتنياهو الكارثة التي تشهدها إسرائيل الآن.
توضح الكاتبة أن سياسات اليمين، خاصة في الحكومة الحالية، تتحمل مسؤولية هذا الفشل ونتائجه الكارثية. لقد تم هجر البلدات الحدودية لغزة بالكامل خلال عطلة عيد العرش. إذ كانت أغلبية فرق غزة التابعة للجيش الإسرائيلي موجودة في يهودا والسامرة.
بينما وجود الجيش النظامي في الضفة الغربية، في البؤر الاستيطانية، لحماية اليهود المسيانيين الذين دخلوا ‘حُوارة’، وعلى رأسهم النائب عن الصهيونية الدينية تسفي سوكوت.
تابعت الكاتبة القول بأن هذه الحكومة غير مؤهلة للتعامل مع كارثة أمنية بهذا الحجم. ولا يوجد لها أي دعم أو شرعية. لقد ارتدى المتظاهرون ضد الانقلاب القضائي، الذين وصفوهم بالخونة والطابور الخامس الزي الرسمي وتوجهوا إلى الجبهة، لكنهم لا يثقون في أصحاب القرار. وكتب أحدهم: «لقد تم استدعائي للخدمة الاحتياطية، وسأحمي بلدي وأنا أعلم أنه لا يوجد أحد في القيادة يمكن الوثوق به».
خلاصة القول، أثبتت عملية «طوفان الأقصى» الفشل الاستخباراتي لحكومة بنيامين نتنياهو وسياساتها المتطرفة ضد الفلسطينيين. إذن ما تشهده غزة الآن هو نتاج عمليات عنف وقتل مارسه المستوطنون- بدعم من الحكومة الإسرائيلية- ضد المواطنين والمواطنات الفلسطينيين.
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق