“إسرائيل مُطالبة بتشريع ثلاثة مطالب سعودية ستكون لها أثمان استراتيجية، مقابل التطبيع السعودي ـ الإسرائيلي”، يقول “عاموس يادلين” (رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) بين عامي 2006 و2010)، في مقالة له نشرها موقع قناة التلفزة الإسرائيلية (N12)، وهذا نصها الحرفي كما ترجمته “مؤسسة الدراسات الفلسطينية“.
- التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهو احتمال يتصدر العناوين الأولى بين الحين والآخر، ويجري التعامل معه بشكوك، ينطوي على إمكانات إيجابية كثيرة للأمن القومي الإسرائيلي: تعزيز مكانة إسرائيل السياسية في العالم الإسلامي والعربي بصورة خاصة، والدولية بصورة عامة، وتوسيع التعاون الأمني في مواجهة إيران في المنطقة وتعميقه، بالإضافة إلى ترسيخ الالتزام الأميركي تجاه الحلفاء في الإقليم، وتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل ودول الخليج، كما ورَبْطها بهم جغرافياً عبر سكك قطار وخطوط مواصلات. لذلك، يدور الحديث حول صفقة مغرية جداً من جانب إسرائيل، ومن الواضح لِمَا اعتبرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في بداية ولايته هدفاً استراتيجياً.
- الصفقة في الأساس هي صفقة أميركية – سعودية، وفيها إسرائيل مُطالبة بتشريع ثلاثة مطالب سعودية ستكون لها أثمان استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل. لذلك، من الضروري المحافظة على المصلحة الإسرائيلية في كُل واحد من المكونات بهدف تقليص مخاطر الصفقة، والمحافظة على أمن إسرائيل والحصول على دعم الجمهور لها.
- ضمانات بأن الخطة النووية المدنية السعودية لن تُستعمل لأهداف عسكرية، ولن تُشعل سباقاً على التسلّح النووي لدى دول إضافية في المنطقة:
- أكثر المطالب السعودية المقلقة بالنسبة إلى إسرائيل هو الموافقة على خطة نووية مدنية تتضمن مفاعلاً ودائرة وقود كاملة – قدرة ذاتية على استخراج اليورانيوم وتخصيبه، وهي بنية ضرورية أيضاً من أجل صناعة سلاح نووي. تدّعي السعودية أن مطلبها هو من أجل الطاقة والتطوير، لكن الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015 اعترف عملياً بحقها في التخصيب، وفي نظر الرياض، فإنه لا يوجد أي سبب كي يكون التعامل معها مختلفاً عن إيران.
- في هذا الوقت، فإن الموافقة على المطالب السعودية ستعزّز من الشرعية لإيران بأن تستمر في تطوير قدرات ضرورية للوصول إلى السلاح النووي في إطار الخطة النووية المدنية الخاصة بها. إن مطالب السعودية والتقدّم في الخطة النووية الإيرانية هي أمور تشجع دولاً إضافية في المنطقة منذ الآن، وبينها تركيا ومصر، لزيادة جهودها في تطوير قدرات نووية ذاتية كي تستطيع تطوير سلاح نووي في المستقبل كضمان لأمنها في الشرق الأوسط الذي يتحوّل إلى نووي.
- مؤخراً، أشار مقرّبون من رئيس الحكومة إلى أن القدس ستدعم مطلب الرياض، وذلك لأن المملكة، في حال لم تحصل على ذلك من الولايات المتحدة، فسيمكنها الحصول عليه من الصين أو فرنسا. الحديث يدور حول ادّعاء قديم – على الأقل استناداً إلى الموقف الإسرائيلي التقليدي الذي يُعارض كُل دائرة وقود ذاتية في دول الشرق الأوسط. كان من الجيد أن ديوان رئيس الحكومة قد أصدر توضيحاً بأن سياسة إسرائيل لم تتغير.
- صحيح أن السعودية تستطيع شراء هذه القدرات من الصين، وفرنسا وأيضاً روسيا، لكنها امتنعت من ذلك حتى اليوم لأنه من غير المتوقّع أن يوافقوا. على حد علمي، فإن الصين وفرنسا لا تزوّدان قدرات تخصيب لأي دولة في المنطقة، ومن غير المتوقع أن تقوم فرنسا بذلك من دون تنسيق مع الأميركيين. الإمكان الآخر هو أن تتوجه الرياض إلى موسكو، لكن من غير المتوقّع أن تقوم روسيا كذلك بتلبية المطالب السعودية، فعلى الرغم من أنها ساعدت في بناء مفاعل في إيران وفي مصر، فقد فرضت قيوداً لا تسمح بوجود دائرة وقود ذاتية. يريد السعوديون شرعية من واشنطن وقدرة وصول إلى تكنولوجيا غربية متطورة، والأميركيون حتّى اليوم اشترطوا ذلك بفرض قيود على برنامج نووي. من المهم أن تتمسك إسرائيل بمطالبتها بأن يكون البرنامج النووي المدني السعودي في إطار “المعيار الذهبي”، الذي لا يسمح بتخصيب ذاتي، كالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الإمارات. وفقط إذا لم يكن من الممكن التمسك بهذا الهدف فإنه يجب فحص إذا كان في الإمكان إرغام السعودية على القبول بنظام رقابة وقيود صارمة يضمنان أن الرياض لا تستطيع استغلال البنية المدنية من أجل تطوير برنامج عسكري نووي، وفي حال قرّرت ذلك، يمكن رصد ذلك بسرعة والعمل على وقفها. هذا بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون هناك التزام أميركي مكتوب وعلني بمنع سيناريو سباق تسلح نووي في المنطقة عقب الصفقة مع السعودية، وخطة استراتيجية مشتركة وعملانية لوقف إيران في حال اندفعت نحو القنبلة.
- المحافظة على التفوّق النوعي العسكري لإسرائيل في المنطقة:
- التفوّق النوعي هو أحد أساسات الأمن القومي لإسرائيل، ويسمح لها بالدفاع عن أمنها بثمن دموي صعب، لكنه محتمل – تفوّق إسرائيل بالسلاح النوعي يعوّض ضعفَها في مجال عدد السكان في مقابل جاراتها وأعدائها. هذا التفوّق مضمون في التشريع الأميركي وفي آلية منتظمة إزاء الإدارة الأميركية والكونغرس، وذلك من أجل ضمان المحافظة عليه في ظل صفقات السلاح المتطوّر بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.
- إن إحدى المطالب السعودية في مقابل التطبيع مع القدس هو تحسين مكانتها كشريكة للولايات المتحدة، وتزويدها بصورة دائمة بسلاح أميركي متطور – خطوة من شأنها أن تقلّص كثيراً الفجوة بينها وبين إسرائيل. سابقاً، وافق نتنياهو على بيع غوّاصات متطوّرة ألمانية لمصر، وطائرات (F-35) متطورة للإمارات، من دون إعلام الحكومة والمؤسسة الأمنية، ومن دون حوارات مع المستوى المهني ومن دون تحضير لتداعيات هذه الخطوة قبل المصادقة عليها.
- السعودية هي قوة إقليمية قريبة جداً من إسرائيل، وفيها أيضاً قوات متدينة متطرفة ترى إسرائيل عدواً. الملك سلمان، ومن المؤكد ولي العهد محمد، يتبنّيان موقفاً مختلفاً. لكن في سيناريو ممكن لحدوث انقلاب سياسي في المملكة، فإن السلاح المتطوّر في السعودية يمكن أن يتحوّل إلى تهديد دراماتيكي على أمن إسرائيل القومي. لذلك، يجب على إسرائيل أن تطلب ضمانات أميركية بشأن الترتيبات الأمنية الملائمة – وإلى جانب تحسين مكانة السعودية في الولايات المتحدة، يجب تحسين مكانة إسرائيل أيضاً، وأن تحصل على مكانة موازية للشركاء الأقرب إلى الولايات المتحدة (بريطانيا، كندا، وأستراليا) في كل ما يخص منظومات السلاح والتعاون التكنولوجي في المجالات الريادية والحساسة.
- المحافظة على المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية:
- على عكس التصريحات الرسمية الإسرائيلية، فإن البُعد الفلسطيني في إطار اتفاق التطبيع الإسرائيلي- السعودي يمكن أن يكون جدياً، ويتضمن خطوات من الصعب أن تهضمها حكومة إسرائيل – وخصوصاً في تركيبتها الحالية. من المهم أن تتجهّز إسرائيل، لأن الفلسطينيين لن يعارضوا هذه المرة كما حدث في “اتفاقات أبراهام”، وتعلموا من التجربة، وهذه المرة سيحاولون تنظيم إنجازهم في هذا الإطار. في حال كهذه، سيتوجب على إسرائيل أن تضمن أن الصفقة ستعزّز استقرارها الأمني وقدراتها على الدفاع عن ذاتها.
- وفي المقابل، إذا أرغمت الصفقة إسرائيل على وقف الانجرار إلى واقع “الدولة الواحدة”، وهو المسار الآخذ في التسارع في الأعوام الأخيرة، فإن ذلك سيكون في مصلحة إسرائيل، وخصوصاً في ظل الحكومة الحالية. في الصفقة الإسرائيلية – السعودية، هناك إمكانات للدفع بأوضاع الانفصال عن الفلسطينيين مستقبلاً، وفي الوقت نفسه المحافظة على موقف لا يتهاون مع قدرة إسرائيل على الدفاع عن أمنها وسكّانها. وفي هذا الإطار، علينا أن نتأكد من ألاّ يكون للفلسطينيين حق “فيتو” على التطبيع بيننا وبين السعودية، وأن يكونوا مطالبين بإجراء إصلاحات في أجهزة الأمن والسلطة الفلسطينية إلى جانب وقف دفع الرواتب لـ”الإرهابيين”، ووقف المعركة الدبلوماسية – القضائية ضد إسرائيل وجنودها في الساحة الدولية وفي لاهاي.
- “الثمن الإسرائيلي” سيكون في الأساس العودة عن القرارات الحكومية الأخيرة في الساحة الفلسطينية (إعادة تشريع قانون فك الارتباط عن شمال الضفة وإعادة صلاحيات الإدارة المدنية إلى وزير الدفاع في إطار القانون العسكري)، بالإضافة إلى تحسين نمط الحياة الفلسطيني بخطوات اقتصادية وتحسين جدّي في مجال رفاه الجمهور الفلسطيني، إلى جانب مشاركة فلسطينية في مشاريع التنمية الإقليمية، والدفع بقضية تطوير البنى التحتية تحت حكم السلطة الفلسطينية في الضفة وفي غزة. يمكن للدفع بهذه القضية أن يفتح الباب أمام إسرائيل للتطبيع مع دول أُخرى إسلامية وعربية، وضِمْنها لقاءات مع القيادات في أطر إقليمية، وفي المستقبل غير البعيد، يمكن أن نحصل على دعوة للمشاركة في جامعة الدول العربية.
- إن تحقيق هذه الشروط الثلاثة يمكن أن يبرّر الدعم الإسرائيلي للصفقة السعودية – الأميركية التي تتضمن التطبيع بين القدس والرياض. والتزام هذه الشروط سيسمح لإسرائيل باستنفاد الفرصة في الصفقة، وأن تقلّص بصورة ملحوظة المخاطر الكامنة فيها.
- لذلك، سيكون ضرورياً أن تصغي حكومة إسرائيل برمّتها، وليس فقط رئيس الحكومة، إلى المؤسسة الأمنية وأن تحصل منها على الصورة الكاملة لإسقاطات الصفقة استراتيجياً على الأمن القومي الإسرائيلي، وأن تصمم على ضمان المصلحة الإسرائيلية في الصفقة، وأن تتجهّز لتحديات ما بعد إتمامها – وكل هذا لا يحدث في التعامل مع التداعيات الهدّامة للانقلاب القضائي على الجيش وعلى أجهزة الأمن وإسقاطاته على أمن إسرائيل القومي.
- في وضع الحوكمة غير المسبوق الموجود اليوم في إسرائيل، يجب ضمان أن اعتبارات الفائدة السياسية لن تكون على حساب اعتبارات الأمن القومي لإسرائيل ومصالحها القومية لعشرات السنوات مستقبلاً.
المصدر: “مؤسسة الدراسات الفلسطينية“