عمر حاج حسين *
تتزاحم القصص المؤلمة والمعاناة الحقيقية للنساء في مخيمات الشمال السوري، إذ تكافح الآلاف منهن في تحسين واقعهن المتردي، لا سيما النازحات اللواتي فقدنَ المعيل، وتُركن بمفردهن يواجهن تحديات الحرب والتهجير، ليعشن في قلق وهموم لا تعرف حدوداً.
وعلى الصعيد العملي، فشلت مساعي آلاف العوائل النازحة في مخيمات إدلب تحديداً، شمال غربي سوريا، في تجاوز أوجاعهن، حتى بات حق الحصول على غسالة كهربائية حلماً لتجاوز مشقة الغسيل، والتي تتفاقم سنوياً مع دخول فصل الشتاء.
ومع ارتفاع معدلات البطالة وحد الفقر في شمالي سوريا، جعلت العوائل النازحة تختبر المأساة، وخصوصاً النساء اللواتي وجدن أنفسهن مسؤولات عن إعالة عوائلهن في ظل ارتفاع الأسعار وضعف الرواتب وغلاء المعيشة، إضافة إلى الضغوط الاجتماعية التي تلاحقهن.
أحلم بامتلاك غسالة وكهرباء:
سميرة العلي (43 عاماً) أرملة رجل توفي إثر قذيفة صاروخية للنظام السوري على بلدة “حيش” في ريف إدلب الجنوبي عام 2017، تجلس على كرسي صغير داخل خيمتها في بلدة باريشا شمالي إدلب، وأمامها وعاء بلاستيكي كبير الحجم مليء بالماء الساخن، وضعت فيه ملابس أطفالها الثلاثة (فتاتين وطفل)، وعلى جانبها أكوام من الملابس.
تقول لتلفزيون سوريا: “على الرغم من أن الغسالة قطعة أساسية في المنزل، ولكن حقيقة هي أكبر الهموم لدي، وخاصة في فصل الشتاء، إذ يبلغ ثمنها اليوم أكثر من 100 دولار أميركي، بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى كهرباء؛ التي نفتقدها منذ أكثر من عشر سنوات”.
ومضت قائلةً: “لا أملك سوى لوح طاقة شمسية واحد وبطارية صغيرة نُضيء بها خيمتنا في المساء، وفعلياً إذا أردت أن أشتري غسالة ومجموعة شمسية فهذا يحتاج إلى مبالغ كبيرة من المستحيل تأمينها”.
تعمل سميرة في الزراعة، وتخرج يومياً مع شروق الشمس في سيارة تجمع عدداً من النساء في المخيم للعمل مياومةً في جني محاصيل، مقابل 70 ليرة تركية (3 دولارات أميركية)، وتعود قبيل فترة الظهيرة بساعتين.
ولا يختلف الأمر عند السيدة “منال الحمادي” (47 عاماً)، التي تعاني من آلام في ظهرها عند الجلوس الطويل أثناء الغسيل، إذ تروي معاناتها لتلفزيون سوريا، أنها تحلم في امتلاك غسالة وكهرباء دائمة، قائلةً: “يمكنني أن أشتري غسالة مستعملة بنصف قيمتها، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في تأمين الكهرباء، التي قد تصل كلفتها إلى أكثر من 300 دولار أميركي، وسط غياب أي وسائل أمان من شأنها حماية ألواح الطاقة من السرقة، وخاصة أننا نعيش في خيمة قماشية”.
وتضيف الحمادي التي تسكن مخيم العجمي بريف مدينة سلقين شمالي إدلب: “يعمل ابني في مغسلة للسيارات، ويتقاضى أسبوعياً 600 ليرة تركية (22 دولاراً أميركياً)، ولا معيل لنا غيره، فالمساعدات التي تصلنا تكون في مجملها “طعاماً أو منظفات”، ولا أحد يهتم في تأمين الكهرباء أو النظر في حال الخدمات الأساسية للعوائل.
ثمن الغسالة والمجموعة الشمسية؟
يتراوح اليوم ثمن الغسالة اليدوية والتي تُعرف محلياً شمال سوريا بـ”الحوضين” ما بين 75 إلى 135 دولاراً أميركياً، في حين يبلغ سعر لوح الطاقة 250 واط 40 دولاراً، ويتراوح سعر بطارية متوسطة الحجم 180 أمبيراً من 120 إلى 170 دولاراً أميركياً، كما يبلغ سعر المولد الكهربائي “أنفرتر” بحجم 3 كيلوواط 200 دولار، وفقاً لـ”رضوان عاصي” والذي يعمل في بيع وتركيب ألواح الطاقة الشمسية في بلدة الجينة غربي حلب.
عجز على القدرة الشرائية:
وبحسب مدير فريق منسقو استجابة سوريا “محمد حلاج” فإن سكان الشمال السوري وخاصّة النازحين في المخيمات باتوا عاجزين تماماً عن القدرة الشرائية، ومسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار التي تجاوزت قدرة تحمل المدنيين في تأمين الاحتياجات اليومية لهم.
وأكّد حلاج خلال حديثه لـ تلفزيون سوريا على أن حد الفقر المعترف به اليوم شمالي سوريا ارتفع إلى قيمة 6.473 ليرة تركية، كما بات حد الفقر المدقع 4.669 ليرة تركية، الأمر الذي رفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 90.93 في المئة، كما رفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 40.67 في المئة.
وأوضح أن معدلات البطالة بين المدنيين في شمالي سوريا ازدادت بنسب مرتفعة جداً، إذ وصلت نسبة البطالة العامة إلى 88.65 في المئة بشكل وسطي، مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة، لافتاً أن الحدود الدنيا للأجور ما زالت في موقعها الحالي، مع الأخذ بعين الاعتبار أسعار الصرف الحالية.
70 في المئة يعانون من الغسيل.. حلول مقترحة:
وقال جمال عبد المجيد وهو مدير مخيم “تلمنس تويني” الكائن في محيط بلدة باريشا بريف إدلب لموقع تلفزيون سوريا إن 70 في المئة من سكان المخيم المهجرين في معظمهم من بلدتي تلمنس والشيخ إدريس جنوبي إدلب، يعانون من مشكلة الغسيل وخاصة في فصل الشتاء.
واعتبر عبد المجيد أن قضية تأمين الكهرباء للمخيم هو أمر مكلف جداً، ابتداء من تأمين الغسالة وانتهاءً في تأمين الكهرباء، وخاصّة أن سكان المخيم لا يملكون أياً منهما، وعاجزون تماماً على تأمين ألواح طاقة كبيرة وبطاريات من شأنها تشغيل القطع الكهربائية وتغذية خيمتهم على مدار الـ24 ساعة.
واقترح “عبد المجيد” حلّين لتلافي هذه الظاهرة، أوله إنشاء غرفة غسيل في مخيمات النازحين شمالي سوريا من قبل المنظمات، تحوي غسالات بحجم كبير ويتم بعدها تقسيم الأدوار على النازحين، والحل الثاني هو تزويد النازحين في المخيمات بمجموعة شمسية متكاملة، وغسالة كهربائية لكل عائلة.
وأمّا “أحمد محمد طوبان” مدير مخيم العجمي بريف سلقين بريف إدلب والذي يقطنه 400 عائلة نازحة من منطقة جبل الزاوية ودمشق وحمص، يؤكد أن 90 في المئة من سكان المخيم يعيشون تحت خط الفقر، وأن إجمالي العائلات التي تحوي على غسالات كهربائية تُقدر بـ10 إلى 15 عائلة فقط، وأن ما تبقى يقومون بالغسيل على أيديهم، لافتاً أن موضوع الغسيل يُشكل عبئاً كبيراً على العوائل منذ سنوات وخاصة في فصل الشتاء.
وقال لموقع تلفزيون سوريا: جميع المنظمات التي تساعد النازحين أو تقدم خدماتها، لا تُلقي باهتمامها على هذه القضية بالمطلق، على الرغم من أنها أكثر الأشياء أهميةً.
غياب الدعم الحكومي:
يرى الباحث الاقتصادي “عمر حبال” أن العاتق الأول والمُسبب لهذه القضية تحديداً تعود بالدرجة الأولى إلى تقصير سلطات الأمر الواقع في شمال غربي سوريا في تلبية هذه الحاجات الأساسية، مضيفاً: “فلو نظرنا من الناحية الافتراضية، فإن المشاريع الخدمية للبنية التحتية لأي مخيم، لابد أن تشمل المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم، وهذا الأمر غائب عنهم تماما”.
واعتبر أن هنالك عائقاً مهماً جداً وهو عدم وجود سلطة شعبية “برلمانية ثورية” لتراقب وتفتش على المشاريع، وتدقق الحسابات وتستجوب المسؤولين من أكبرهم إلى أصغرهم، وتكون من صلاحياتها إحالة المقصرين والمشبوهين إلى المحاكم المختصّة.
وشدّد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا على ضرورة وجود مرجعية منتخبة تطالب بإجراء انتخابات تشريعية محلية في المناطق المحررة، من شأنها انتخاب برلمان محلي ذي مرجعية دستورية مؤقتة، تكون صلاحيته فوق كل سلطات الأمر الواقع، بمن فيها الائتلاف الوطني.
من جهته، اعتبر الباحث السوري “أحمد مظهر سعدو” أن المسبب الأساسي وراء هذه الحالة التي وصل إليها النازحون شمال غربي سوريا، هو نظام الأسد ومن يدعمه من روسيا وإيران أولاً بسبب ضلوعهم في تهجيرهم من منازلهم، وفي المرتبة الثانية تأتي إدارة مناطق سيطرة المعارضة.
وألقى سعدو في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، اللوم على حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، مؤكداً غياب المهنية والجدية في إدارة العمل الإنساني في المنطقة، مشيراً أن هناك مصالح بائسة هي الأهم بالنسبة لهم وليس المهم كما يفترض حياة الناس القاطنين في المخيمات.
وأمّا الحلول وفقا لـ”سعدو” فهي ببساطة تتمحور حول وجود اهتمام أكثر وإعطاء الأولوية في إنتاج العمل الإنساني للأكثر تضرراً والأكثر معاناةً، مستطرداً بقوله: إذا كانت حكومتا الإنقاذ والمؤقتة غير قادرتين على القيام بمسؤولياتهما، والعمل على حماية الناس من الموت جوعاً أو برداً وعدم تأمين خدماتهم الأساسية، فلتعلن تلك الحكومات فشلها والانسحاب وأن تفسح المجال لمن هم أولى منها وأقدر على خدمة الناس.
* صحفي سوري مقيم في إدلب
المصدر: موقع تلفزيون سوريا