ياسمين عبداللطيف زرد *
كان أهم مخرجات قمة مجموعة العشرين 2023، التي اختتمت أعمالها يوم الأحد الماضي في نيودلهي، هو مبادرة الممر الاقتصادي، الذى سيربط بين الهند وأوروبا ويمر بمنطقة شبه الجزيرة العربية (السعودية والإمارات) وإسرائيل. كانت المبادرة انفجاراً مدوياً للقوى التي تنافس الولايات المتحدة لا سيما الصين، كما يُعد اشتراك الهند في هذا المشروع بمثابة إعلان صريح من جانبها بمعاداتها للصين برعاية أمريكية، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان تجمع “بريكس” توسيع عضويته لمنافسة النظام الاقتصادي الغربي. في ضوء ذلك، تناولت الصحف الأجنبية كيفية استفادة أطراف المبادرة منها.. نعرضها فيما يلى:
وفقاً لمقال الكاتب فاس شينوى بصحيفة “جيروزاليم بوست”، كانت هناك انتقادات للإعلان المشترك لقمة مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي، بما في ذلك من أوكرانيا والمنظمات البيئية غير الحكومية، لكن القمة- التي انعقدت يومي 10ــ11 من الشهر الجاري ـ فاقت العديد من التوقعات وقدمت بعض الأفكار التجارية الرئيسية أهمها، مبادرة الممر الاقتصادي الجديدة بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC). لم يتم الاتفاق على البيان المشترك حتى اللحظة الأخيرة، وكان على رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أن يتدخل شخصياً للحصول على موافقة من روسيا والصين على البيان الختامي.
تم الإعلان عن الممر الاقتصادي على هامش شراكة أكبر للبنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) يشترك في رئاستها الرئيس الأمريكي جو بايدن ومودي. بموجبه، يتم إنشاء ممر للبيانات والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط بدعم من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ووقع زعماء الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وجمهورية موريشيوس والإمارات والسعودية والولايات المتحدة والهند مذكرة تفاهم للإعلان عن المشروع التاريخي.
على أي حال، ووفقاً لمقال فاس شينوي، تُعتبر إسرائيل والهند والولايات المتحدة وإيطاليا هم أكبر الأطراف الفائزة في هذا المشروع، وذلك على النحو التالي.
* * *
لنبدأ بالولايات المتحدة: مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية، يتصدى بايدن بشكل ملموس لهذا المشروع العملاق، ويجمع حلفاء منطقة البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الهندية تحت مظلة واحدة. يضم الممر أقوى حلفاء الولايات المتحدة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا تحت تحالف تجاري واحد بقيادة الولايات المتحدة.
صحيح، وفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، أن البيت الأبيض لم يذكر تفاصيل بشأن كيفية تمويل المشروع، لكنه يعكس رؤية بايدن «لاستثمارات بعيدة المدى» تأتي من «القيادة الأمريكية الفعالة» والاستعداد لاحتضان الدول الأخرى كشركاء. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إن البنية التحتية المحسنة ستعزز النمو الاقتصادي وتساعد على جمع دول الشرق الأوسط معًا وترسيخ تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلاً من أن تكون «مصدرًا للتحدي أو الصراع أو الأزمة» كما كانت في التاريخ الحديث. أفاد سوليفان أن التفكير في المشروع بدأ بعد زيارة بايدن إلى جدة في تموز/ يوليو 2022، حيث أكد على الحاجة إلى مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وفي كانون الثاني/ يناير (2023)، بدأ البيت الأبيض بإجراء محادثات مع الشركاء الإقليميين حول هذا المفهوم. وبحلول الربيع، كان يتم صياغة الخرائط والتقييمات المكتوبة للبنية التحتية الحالية للسكك الحديدية في الشرق الأوسط. وسافر سوليفان، وكبار مساعديه في البيت الأبيض عاموس هوكستين، منسق بايدن للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة، وبريت ماكجورك، منسق شئون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، سافروا جميعهم إلى السعودية في أيار/ مايو الماضي للقاء نظرائهم الهنود والسعوديين والإماراتيين. وعملت جميع الأطراف منذ ذلك الحين على وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق الذي أُعلن عنه يوم السبت الماضي.
من جانبه، وضع هوكستين جدولاً زمنياً تقريبياً للمشروع خلال العام المقبل. وفي الستين يومًا القادمة، ستقوم مجموعات العمل بوضع خطة أكمل وتحديد جداول زمنية، بحيث تتضمن المرحلة الأولى تحديد المجالات التي تحتاج إلى الاستثمار. وقال هوكستين إنه يمكن وضع الخطط موضع التنفيذ خلال العام المقبل حتى يتمكن المشروع من الانتقال إلى الإعداد المالي والبناء.
* * *
ثانياً؛ إسرائيل: على الرغم من أنها لم تكن حاضرة في قمة مجموعة العشرين، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحفياً مفصلاً لشرح ودعم مبادرة الممر الاقتصادي قائلاً: «إسرائيل في محور مشروع دولي غير مسبوق سيربط البنية التحتية من آسيا إلى أوروبا».
ووفقا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، وصف نتنياهو المبادرة بأنها «مشروع تعاون هو الأعظم فى تاريخنا «ومشروع يأخذنا إلى حقبة جديدة من التكامل والتعاون الإقليمي والعالمي، غير مسبوق وفريد من نوعه في نطاقه».
وأضاف نتنياهو في رسالة عبر الفيديو، أن الممر الجديد “سيؤتي ثماره لرؤية طويلة الأمد ستغير وجه الشرق الأوسط وإسرائيل. ستكون إسرائيل تقاطعًا مركزيًا في هذا الممر الاقتصادي، وستفتح سككنا الحديدية وموانئنا بوابة جديدة من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا والعودة”. وشكر بايدن وإدارته «على الجهد الكبير الذي أوصلنا إلى هذا الإعلان التاريخي».
ووعد بأن إسرائيل «ستحشد كل قدراتها، وكل خبراتها، بزخم والتزام كاملين إلى الأمام.. لجعل هذا الحلم حقيقة». وكان نتنياهو قد ناقش في وقت سابق إمكانية إنشاء قطار يربط إسرائيل بالسعودية. ولا توجد علاقات دبلوماسية علنية بين البلدين حتى الآن، على الرغم من أن البيت الأبيض يدفعهما نحو تطبيع العلاقات. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، يوم السبت الماضي إن مشروع النقل لا يُنظر إليه على أنه «مقدمة» لاتفاق تطبيع محتمل لكنه وصف إدراج إسرائيل بأنه «مهم». برغم أن صحيفة “جيروزاليم بوست” رأت أنه بما أن هذا الممر يمر عبر الأردن وإسرائيل (حيفا)، فهو يُعد اعترافاً صامتاً بعلاقات سعودية- إسرائيلية على شفا التطبيع، وهو الهدف الذي كان بايدن يعمل على تحقيقه.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، إن مكتبه «يواصل جهوده لربط دول اتفاقات أبراهام وإسرائيل، الأمر الذي سيختصر بشكل غير مسبوق الوقت الذي يستغرقه نقل البضائع عبر دول الخليج إلى إسرائيل ومن هناك إلى أوروبا، وسوف يقلل بشكل كبير من تكاليف الشحن».
* * *
ثالثاً؛ الهند: ذكر الكاتب الهندي، رجا موهان، في مقال له على صحيفةThe Indian Express أن هناك عدة أسباب تجعل الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا قادراً على رسم مسار جديد جريء في عالم متغير، مؤكداً أن الممر يشكل تحديًا لنفوذ الحزام والطريق الصيني في المنطقة، ويعتمد على التآزر الاستراتيجي والاقتصادي، ويمثل اختراقًا في سعي الهند للتواصل مع العالم في الشمال الغربي.
رأى موهان أنه قبل بضع سنوات فقط، كانت الحكمة التقليدية في نيودلهي تقول إن الهند والولايات المتحدة قد تعملان معاً في منطقة المحيط الهادئ الهندية، لكن ليس لديهما الكثير من القواسم المشتركة في الشرق الأوسط. لكن تم كسر هذه الأسطورة عندما تعاونت الهند والولايات المتحدة مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لإنشاء منتدى I2U2 لتطوير عدد قليل من المشاريع الاقتصادية المشتركة. ويتبين الآن أن الممر بين الهند وشبه الجزيرة العربية وأوروبا أكثر أهمية بكثير.
الأمر الثاني والأهم أن الممر يكسر حق الاحتكار الذى تمتلكه باكستان بشأن اتصال الهند البرى بالغرب. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، سعت الهند إلى تنفيذ مشاريع ربط إقليمية مختلفة مع باكستان. لكن إسلام أباد كانت مصرة على رفضها السماح للهند بالوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى.
على حد تعبير المسؤولين الأمريكيين، سيساعد الممر الاقتصادي أيضاً في «خفض» درجة التوتر السياسية في شبه الجزيرة العربية من خلال تعزيز الاتصال بين بلدان المنطقة، إذ كانت «البنية التحتية من أجل السلام» لفترة طويلة هدفاً مغرياً ولكنه بعيد المنال بالنسبة للشرق الأوسط. ويبقى أن نرى ما إذا كان الممر الحالي سيكسر هذا الواقع.
أضاف موهان في مقاله أنه ليس سراً أن الممر الجديد يتم تقديمه كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي احتضنها عدد من البلدان في جنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. لذلك يعتمد الكثير على السرعة التي يتم بها تنفيذ الممر الجديد وقدرته على تجنب المشاكل المالية والبيئية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. واختتم أن الممر يمثل أيضاً تعبئة أوروبا في تطوير البنية التحتية في المنطقة. وكان الاتحاد الأوروبي قد خصص 300 مليون يورو للإنفاق على البنية التحتية في جميع أنحاء العالم خلال الفترة 2021ــ2027. ودعمها للممر الجديد سيجعل الاتحاد الأوروبي صاحب مصلحة رئيسية في دمج الهند مع شبه الجزيرة العربية وأوروبا.
* * *
رابعاً وأخيراً؛ إيطاليا: وفقاً لصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، بالنسبة لـ“جورجيا ميلوني”، كان اللقاء الثنائي مع رئيس الوزراء الصيني “لي تشيانج” مناسبة لإبلاغه بنية إيطاليا الانسحاب من مذكرة التفاهم الخاصة بمبادرة الحزام والطريق. وبالتالي فإن المشاركة الإيطالية في الممر الاقتصادي تعتبر انتصاراً، وستلعب دوراً رئيسياً ليس فقط في تطوير الوقود الحيوي ولكن أيضًا في خطوط أنابيب الهيدروجين وأمن الطاقة ونقل الكربون. وربما في تطوير السكك الحديدية العابرة للقارات.
وبصرف النظر عن الأهمية الاقتصادية لهذه البرامج المختلفة، فإن هذا يوسع خطة ميلوني «ماتي» إلى شواطئ الهند. وتصبح إيطاليا مفترق الطرق الأوروبي مثلما تصبح إسرائيل مفترق طرق الشرق الأوسط للبيانات والطاقة والتجارة من الهند إلى أوروبا.
كما أن إدراج الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين يخلق الفرصة لجدول أعمال ميلوني لمجموعة السبع القادمة في عام 2024. إذ وضعت ميلوني أفريقيا في مركز أجندتها الدولية، وكانت اللغة المتعلقة بالهجرة في إعلان مجموعة العشرين متوافقة مع استنتاجات المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة الذي استضافته ميلوني في تموز/ يوليو 2023.
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: “الشروق”