الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب «في الفكر السياسي»؛ (الجزء الأول).. الحلقة العاشرة

 (الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة العاشرة من الجزء الأول؛ (3). واقع الشعوب الأوربية.. بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

(3). واقع الشعوب الأوربية

    لا شك أن نظرية ستالين تلخص- إلى حد كبير- واقع وتاريخ الأمم الاوربية.

    تلك هي الحال بالنسبة لفرنسا مثلاً. لقد تكونت الأمة الفرنسية مع انقراض الاقطاعية ونمو الرأسمالية، بفضل نشوء السوق القومية ونمو الترابط والتكامل الاقتصاديين، بين القرن الثالث عشر والقرن الثامن عشر، على أساس توفر العلائم الستالينية الأربع: اللغة والأرض والتكوين النفسي والاقتصاد. ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن ألمانيا وإيطاليا وانكلترا وروسيا الخ …(۱)

   ولكن توجد في الغرب جماعات لا تدخل في القالب الستاليني.

   من المعروف مثلاً أن بلجيكا تتألف من شعبان مختلفان من حيث اللغة والأرض والتكوين

النفسي ( والثقافة ): الوالون في الجنوب ويتكلمون اللغة الفرنسية، والفلاماند في الشمال ويتكلمون اللغة الفلاماندية ( وهي في الجوهر اللغة الهولندية ).

    وهنالك فوارق نفسية وذهنية وسياسية بين هذين الشعبين ولا مانع من اعتبارهما أمتين اثنتين في دولة واحدة. ولكن هل يفيد هذا الاعتبار الباحث كثيراً؟ إن بلجيكا جماعة ثابتة ومتماسكة لها كيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري.

    والأمر أكثر وضوحاً بالنسبة لسويسرا حيث يوجد أربع لغات مختلفة: الألمانية (۷۱%)، والفرنسية (۲۱%)، والإيطالية (5%) والرومانشية (3%)، لكل منها منطقتها المحدودة. ومع ذلك فإن سويسرا جماعة مستقرة متحدة لا تقل ثباتاً وتماسكاً عن أية أمة من الأمم الأوروبية: كألمانيا أو فرنسا. أو ايطاليا أو انكلترا. فهل تعتبر سويسرا دولة مؤلفة من أربع أمم؟(2)

    على كل حال، يمكن القول أن بلجيكا تتألف من أمتين، وسويسرا من أربع أمم، دون أن نقع في أي تناقض منطقي من وجهة نظر تعریف ستالين. فكل من هذه «الأمم»، في بلجيكا أو في سويسرا تتوفر فيها العلائم الأربع التي أوردها ستالين في تعريفه.

    ولكن تلك ليست الحال دائماً. ثمة أمثلة اخرى:

    أولاً: من المعروف أن بولونيا في عام ۱۹۱۳ (سنة صدور كتاب ستالين) كانت مجزأة بين ثلاث دول: روسيا والمانيا والنمسا. وهذا يعني أنه لم يكن هناك بالطبع اقتصاد بولوني مشترك. بل إن كل جزء من بولونيا كان يشترك في اقتصاد واحد مع الامبراطورية التي يخضع لها. ومع ذلك فقد كان الماركسيون- وستالين منهم- يعتبرون البولونيين أمة واحدة لا ثلاث أمم. إذ ثمة فرق بين أن تكون الأمة مجزأة، وبين أن لا تكون أمة واحدة بل عدة أمم.

   ثانياً: كانت أوكرينيا، في عام ۱۹۱۳، وخاصة في الفترة الممتدة 1921-1945، مجزأة بين دول عديدة. فإذا كان القسم الأكبر منها داخلاً في الإتحاد السوفياتي، إلا أن هناك أقساماً ذات شأن كانت تخضع لدول أخرى لبولونيا (منطقة لفوف) وتشيكوسلوفاكيا (أوكرينيا الكارباتية أو روثينيا) ورومانيا (بوكوفين الشمالية). ومع ذلك، فقد كان الإتحاد السوفياتي- وستالين- يعتبر أوكرينيا أمة واحدة لا أربع أمم، رغم عدم توفر عنصر الاقتصاد المشترك في هذه الأمة الواحدة. وعلى هذا الأساس، عمل الاتحاد السوفياتي على ضم الأجزاء الأوكرينية الغربية واستعادها فعلاً في عام 1939و1940و1945.

    ثالثاً: ما يصح قوله بالنسبة لبولونيا وأوكرينيا يصح أيضا لبيلوروسیا (روسيا البيضاء) التي كانت بين عامي ۱۹۲۱و۱۹۳۹ مجزأة إلى دولتين- الإتحاد السوفياتي وبولونيا- وبالتالي إلى اقتصادين منفصلين متباينين (أحدهما اشتراكي والآخر رأسمالي) .

    يجب التمييز بين أن تكون جماعة من البشر أمة واحدة مجزأة سياسياً واقتصاديا، بفعل ظروف معينة، وبين أن تكون أمماً عديدة. وإن تعریف ستالين للأمة لم يُقم أي مجال لهذا التمييز.

    أما القول بأن تلك اوضاع غير طبيعية(!) فهو مرفوض أصلاً لأن التاريخ مليء بمثل هذه الأوضاع!!

    تلك هي الاعتراضات التي يمكن أن تقام ضد نظرية ستالين، من وجه نظر تعریف ستالين وعلى أساس طريقة ستالين بالنسبة للأمم الأوروبية.

……………………

(1)- إن أفكار ستالين حول نشوء الأمم البرجوازية والأوربية مأخوذة إلى حدٍ كبير عن لينين.

(2) لقد تحدث لينين عن سويسرا، في كتابه ملاحظات انتقادية عن المسألة الوطنية كما لو كانت أمة واحدة (1913).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع.. الحلقة الحادية عشر بعنوان: (4). واقع شعوب آسيا وأفريقيا؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.