“عميرة هاس”، تعمل مراسلة في صحيفة “هآرتس” الصهيونية وتنشط في مجال الإضاءة على الجرائم والارتكابات التي يقوم بها جيش الإحتلال في الضفة الغربية المحتلة. في هذا التقرير الذي ترجمته “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” من العبرية إلى العربية، تُسلّط ‘هاس’ الضوء على قيام قوة إسرائيلية برفقة مجندات على إلزام مواطنات فلسطينيات في الخليل على التعري بذريعة البحث عن أسلحة ومتفجرات!
- جنديتان مقنّعتان، مسلحتان ببندقيتين، ويرافقهما كلب هجوم، أرغمتا 5 نساء من عائلة في الخليل على خلع ملابسهن والدوران أمام الجنديتين عاريات – بحسب شهادة النساء. وفي الوقت نفسه، اكتفى الجنود الذكور بتفتيش الرجال تفتيشاً عادياً، ولم يرغموهم على خلع ملابسهم. هذا ما جرى خلال اقتحام منزل أشارت المعلومات الاستخباراتية إلى وجود سلاح فيه.
- تعيش عائلة عجلوني، المكونة من 26 شخصاً، بينهم 15 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 4 أشهر و17 عاماً، في ثلاث شقق، الواحدة ملاصقة للأُخرى، في الحي الجنوبي من الخليل. يوم 10 تموز/ يوليو، في تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، اقتحم نحو 50 جندياً محيط المنزل، بحسب تقديرات العائلة، ومعهم على الأقل كلبا هجوم. نصف الجنود تقريباً اقتحموا المنازل وجالوا فيها، بعد أن أيقظوا السكان بضوء الكشافات الموجودة في أياديهم، وبالطَرق على الأبواب، وبالتهديدات بتفجير الأبواب في حال لم يفتحوها. وبحسب أبناء العائلة، فإن الجنود، في أغلبيتهم، كانوا ملثمين، وعيونهم ظاهرة فقط. أحدهم الذي كان يبدو أنه ضابط مسؤول، كان وجهه مكشوفاً، ويلبس بنطالاً عسكرياً وقميصاً عادياً بأكمام قصيرة.
- خرج الجنود من المنزل حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحاً، وبرفقتهم الابن البكر الذي اعتُقل – حربي. اكتشف أبناء العائلة مباشرةً اختفاء حقيبة تحتوي على قطع من الذهب كان اشتراها أحد الأبناء، تحضيراً لزواجه. قيمة الذهب 40 ألف شيكل تقريباً. بعدها، سارع الرجال إلى محطة شرطة “كريات أربع” لتقديم شكوى. الرد الذي تلقّوه هناك كان “لم يُسرق أي شيء”، لكنهم صمموا على حدوث السرقة. في اليوم التالي، اتصلوا من الشرطة وقالوا لمحمد: تعال وخذ الذهب. وقالوا له إن الجنود اعتقدوا أنها حقيبة ذخيرة. أما زوجة حربي، ديالا، فقالت إن مبلغ 2000 شيكل اختفى من الدرج بعد الاقتحام. هذا المبلغ لم تتم إعادته.
- النساء اللواتي أُرغمن على خلع ملابسهن هن: الجدّة عفاف (53 عاماً)، وحفيدتها زينت (17 عاماً)؛ وزوجات أولادها الثلاث: أمل وديالا وروان (في العقد الثاني). وبحسبهن، تم إدخالهن، الواحدة تلو الأُخرى، إلى غرفة أولادهم أمل وعبد الله. غرفة مدهونة بالألوان الزهرية والليلكية، وعلى الباب يستقبلك دبدوب زهري. الأولى التي تم إدخالها إلى الغرفة كانت أمل، البالغة من العمر 25 عاماً، وتم إرغامها على خلع ملابسها بوجود 3 من بناتها الأربع، اللواتي نهضن من الفراش قبل وقت قصير.
- وصفت أمل كيف كان الأطفال يصرخون ويبكون، خوفاً من الكلب والبندقية ورؤية نساء ملثمات بملابس عسكرية، يوجّهن من خلال الإشارة بالأيدي، وبلغة عربية ركيكة، الأوامر إلى والدتهم بخلع ثوب الصلاة. خلعته، وبعدها طالبوها بالاستمرار في خلع ملابسها. احتجت على ذلك، وأشارت إلى الشورت القصير والشيال اللذين لا يمكنهما إخفاء شيء. فتركن الكلب الكبير ليقترب منها حتى لامسها، في الوقت الذي كان الأطفال يصرخون من الخوف. طلبت من الجنديتين إبعاد الكلب، لأن الأولاد خائفون، وخلعت كل ملابسها أمامهن، وكان على أطفالها رؤيتها وهي تستجيب لأوامر الجنديات وتستدير أمامهن عارية، خجولة من الإذلال وعدم القدرة على القيام بأي شيء. تم إخراجهم بعد ذلك من الغرفة، وهم يرتجفون، بعد مرور حوالي 10 دقائق. الثانية في الدور كانت عفاف التي اختصرت الوصف، وشرحت فقط كيف قالت لها الجندية بلغة عربية ساخرة: تعرّي. اخلعي كل شيء. كل شيء، يعني كل شيء. الآن قومي بدورة. البسي، وغادري.
- وبحسب أفراد العائلة، في غضون ذلك، كان الجنود احتجزوا أفراد العائلة في غرفتين إضافيتين داخل المنزل: النساء والأطفال في غرفة؛ والرجال في غرفة. وعلى باب كل غرفة، كان يوجد جنديان أو ثلاثة جنود مسلحين، ومنعوا أبناء العائلة من إصدار أي صوت. وفي الوقت الذي كان أفراد العائلة داخل الغرف، سمعوا من هناك صراخ أمل وأطفالها، وبعد ذلك، سمعوا صراخ بقية النساء. سمعوا أيضاً أصوات التفتيش في البيوت الأُخرى، والطَرق، وفتح الأدراج وتحطيمها، وأيضاً ضحك الجنود.
- الأخبار عن إرغام النساء على خلع ملابسهن خلال الاقتحامات العسكرية لبيوت الفلسطينيين ليست كثيرة. فخلال الـ15 عاماً من عمل مؤسسة “بتسيلم”، وثّقت الباحثة في المؤسسة منال الجعبري نحو 20 حالة كهذه. لكن، وبتقديرها، ازدادت خلال الأشهر الأخيرة الشهادات على إرغام النساء على خلع ملابسهن بالكامل، تحت تهديد السلاح. وبصورة عامة، ترفض النساء إجراء مقابلات والحديث للإعلام عن هذه التجربة الصادمة التي مررن بها. إلا إن نساء عائلة عجلوني وافقن على التحدث بأسمائهن، بشرط عدم تصويرهن.
- الجعبري نفسها روت أن الجيش طلب منها خلع ملابسها بالكامل خلال تفتيش جماعي قام به الجيش في بيوت كثيرة في الخليل، بعد مقتل المستوطنة في “بيت حجاي”، بت شيفع نيغري، يوم 21 آب/أغسطس. وانتبهت إلى أن الكاميرا الموجودة على ملابس الجنديات موجهة إليها، فرفضت الانصياع للأوامر. وقالت “الجندية أزالت الكاميرا، وأنا رفضت. وأعتقد لأنني أعمل في (بتسيلم) تنازلوا عن الموضوع. لكن الجنود قلبوا منزلها وكل ما فيه، وتركوها مع أثاث محطم وفوضى كبيرة، لا تعرف من أين تبدأ بترتيبها. هذا ما قاموا به في بيوت أُخرى، وهذا ما قاموا به في منزل عائلة عجلوني.
- خلال المقابلة مع “هآرتس” يوم الأحد الماضي، استمعت نساء عائلة العجلوني إلى الباحثة في “بتسيلم” وهي تروي قصتها التي جرت للتو. وتذكّرن: لقد رأين أيضاً شيئاً يلمع على رأس الجنديات اللواتي طلبن منهن خلع الملابس بالتهديد بالكلب والبندقية، ولم يعلمن ماهيته. الآن، بات هناك صدمة أُخرى بالإضافة إلى التفتيش، إنها السؤال “هل صورونا عاريات؟”، في البداية، لم تتذكر النساء ما إذا كانت الجنديات ملثمات، وبعد بدء الحديث، قلن “بالتأكيد نعم”. “عندما دخلنا إلى الغرفة، أزاحت الجندية قبعتها قليلاً والقناع عن وجهها، كي نرى شعرها الطويل. إنهن نساء”، هذا ما تذكرته ديالا وكنّتها الشابة زينب.
- خلال مقابلتنا الأسبوع الماضي، تواجدت 4 نساء من أصل 5 تم إرغامهن على التعري، أمل فقط لم تكن في المنزل. لقد ذهبت لشراء حاجيات، تحضيراً للعرس. الحياة تستمر. العام الدراسي بدأ. وبالتدريج، عادت البسمة إلى وجوه النساء، وقبل ذلك، إلى وجوه الأطفال. لقد أخذت جعبري الشهادات منهن بعد يوم من الاقتحام، بتاريخ 11 تموز/يوليو، وفصّلت في التقرير الذي كتبته حالة الصدمة التي شعرن بها جميعاً. لقد استمر الشعور بهذه الصدمة بعد ذلك بعدة أسابيع: كان الأطفال ينهضون خائفين في منتصف الليل، وأصيبوا بالتبول اللاإرادي، والنساء شعرن بأن الجنود لا يزالون في المنزل، وجميعهن كنّ يقفزن مع كل صوت في الخارج.
- ليلة 10 تموز/ يوليو، نهضت ديالا (24 عاماً) من نومها على صوت زوجها حربي، وهو يناقش أحدهم ويطالبه بعدم الدخول إلى غرفة النوم، حيث زوجته هناك. وقالت “مباشرة فهمت أن هؤلاء جنود، فنهضت سريعاً لستر نفسي بلباس سريع – ثوب صلاة.” ووصفت كيف اقتحم الجنود الغرفة في اللحظة نفسها مع كلبين كبيرين، وكانوا ملثمين. البنات الثلاث نهضن من النوم على الأصوات في غرفة الأهل؛ ووجدن أنفسهن مباشرة في مواجهة البنادق والكلاب والعيون الغريبة التي تنظر من خلف القناع. وأضافت “زوجي صرخ على الجنود- بالعربية والعبرية- أن يبتعدوا ويبعدوا الكلاب. البنات كن يصرخن ويبكين ويرتجفن خوفاً، ولجين ابنة الأربعة أعوام تبولت على نفسها. لم يسمح الجنود لزوجي بأن يحدثني، وجّهوا البندقية إلى رأسه وسحبوه إلى المطبخ.” لم ترَه ديالا إلا بعد مرور بضعة أيام في المحكمة العسكرية في “عوفر”، حيث تم تمديد اعتقاله عدة مرات منذ ذلك الحين. التهمة هي حيازة السلاح، كما قالت لنا.
- بقيت ديالا وبناتها في البيت الصغير حوالي 20 دقيقة، وبعدها أمرهن الجنود بالذهاب إلى المكان الذي جمعوا فيه كل أبناء العائلة: منزل شقيق زوجها عبد الله وزوجته أمل. طلبت ديالا أخذ المال الموجود في الدرج، لكن الضابط الذي كان يلبس بلوزة بأكمام قصيرة رفض. الساحة مرصوفة جزئياً فقط، وجزء منها مملوء بالحصى والزجاج والأعمدة. الضابط رفض أن تنتعل البنات أحذيتهن، وطلب منها أن تحملهن. لكنها لم تستطع إلا أن تحمل أيلا ابنة الـ17 شهراً. أما ليدا ابنة الأعوام الخمسة ولجين فسارتا إلى جانبها، وهكذا خرجن من المنزل، بحسب ما روته لنا، وشعرن بالخوف الشديد لدى مرورهن بالقرب من الكلاب، وكانت الفتاتان تبكيان وتمشيان إلى جانبها وهما حافيتان. وكانت تعتقد أنه يوجد المزيد من الكلاب في الباحة.
- في الوقت نفسه، طلب عبدالله الذهاب إلى بيت أخيه محمد- حيث سينتقل بعد أن يتزوج- لأخذ الذهب من هناك. وبحسب رواية العائلة، فإن الجنود لم يسمحوا له بذلك، وبعد أن صمم، قاموا بضربه وتكبيله ووضعه في مطبخ منزل ديالا وحربي، حتى أن ابن عمهم يامن البالغ من العمر 17 عاماً، قيدوه أيضاً ووضعوه في المطبخ ذاته. وجدتهما النساء هناك بعد ذهاب الجنود، وكانا مقيديْن وعيونهما معصوبة، ثم فككن القيود البلاستيكية بالسكين.
- وبعد عفاف، جاء دور ديالا لتخلع ملابسها: جاء الجندي إلى الصالون وطلب منها الذهاب خلفه. وتصف قائلة “دخلت إلى الغرفة، ومن شدة الخوف من الكلب، تمسكت بالباب وحاولت الخروج؛ صرخت عليّ الجندية وطالبتني بالبقاء داخل الغرفة. وعندما رفضت خلع ملابسي الموجودة تحت عباءة الصلاة، هددتني الجندية التي تمسك الكلب بأنها ستحرره.” أمروا ديالا أيضاً بالدوران وهي عارية. وبكت أيضاً.
- زينب ابنة الـ17 عاماً تمردت. فعندما طلب الجنود منهن جميعاً تسليمهم الهواتف، نجحت في إخفاء هاتفها تحت الوسادة. وفي الوقت الذي كانوا يجلسون في الصالة مع الأطفال، قالت إن “الجندي أشار إليّ، وقال ’انت تعالي’، وقادني إلى غرفة الأطفال. الجنديات أظهرن شعرهن لكي أعلم بأنهن نساء، وطلبن مني الابتعاد إلى زاوية الغرفة. بعدها دفع الجندي الباب ونظر إلى الداخل، ولوّح لي بهاتفي، ورفع البندقية ووجّهها نحوي. صرخت. من الجيد أنني لم أخلع الحجاب بعد (وهنا تدخلت ديالا في المحادثة، وقالت إنهن سمعنها وهي تصرخ، ولم يعرفن ماذا يجري وخِفن). لقد اعتقدت أنهم سيفتشوننا بأجهزة إلكترونية. لقد فوجئت عندما طلبت مني الجندية خلع ملابسي بلغة عربية ركيكة. قلت لها ماذا؟ فقالت الملابس. قلت لها إنني لا أريد. فعادت وقالت اخلعي كل شيء. بدأت بالصراخ والإشارة إلى أنني لا أملك أي شيء، وصممت على أن أخلع كل ملابسي. وعندما عارضت، اقتربت مني مع الكلب بحركة تهديد. سمعت ديالا تقول من الخارج إنه عليّ القيام بما تريده الجندية، فخلعت ملابسي، وطلبت مني الدوران، ثم استدرت نصف دورة، قرّبت الكلب مني. فارتجفت وبكيت.”
- في مرحلة معينة، لم يتبقّ إلا الأطفال في الصالة مع الجنود المسلحين، ومن دون الأمهات، والذين تم إرسالهن إلى الممر بعد التفتيش. لقد بكوا كثيراً من الخوف. واستجاب الجنود جزئياً لطلبات الأمهات، وسمحوا لهن بأخذ الأطفال. وبحسب شهادة الجدة عفاف وأحد أحفادها لـ”هآرتس”، حاول الجنود تهدئة الأطفال الذين بقوا في الصالة، قبضوا أيديهم كحركة “سلام” وقربوها من أيادي الأطفال.
- وبحسب المتحدث الرسمي باسم الجيش، “بسبب معلومات استخباراتية، تم العثور على بندقية من نوعM16 ، ومخزن وسلاح. وبعد العثور على السلاح، تطلب ذلك القيام بتفتيش سائر أفراد المنزل، لاستبعاد وجود سلاح إضافي. وبحسب التوجيهات، فإن أفراد شرطة الخليل والمقاتلات من وحدة “عوكتس” قمن بتفتيش النساء في الغرفة المغلقة، بشكل منفرد. لم يكن هناك أي كاميرات مع الجنديات. وتم تركيب كاميرا على ظهر الكلب الذي لم يكن متواجداً في الغرفة، لأهداف عملياتية، ولم تكن تعمل في ذلك الوقت.” مضيفاً “في إطار التفتيشات، تم إيجاد حقيبة سوداء مخبأة ومغطاة، صودرت مع السلاح الذي ضُبط. الحقيبة فُتحت في غرفة التحقيقات، وتبين أنها تحتوي على ذهب. بعد يوم من التفتيش، جاء شقيق المعتقل ووقّع على استلام ذهب العائلة وأخذه. الادّعاء بشأن سرقة 2000 شيكل، لا علم لنا بذلك. لم يتم تقديم شكوى تتعلق بها، وحين يتم تقديم شكاوى، سنبحث في الموضوع.”
المصدر: “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”