الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الهند وقمة العشرين.. هل حققت نيودلهي الريادة العالمية؟

ياسمين عبداللطيف زرد *

نشرت صحيفة (“وول ستريت جورنال” WSJ) مقالا للكاتب “Sadanand Dhume”، يقول فيه إن الهند باستضافتها قمة العشرين، الأسبوع الماضي، ظهرت وكأنها قوة عظمى، قادرة على إيصال صوت دول الجنوب العالمي والمساعدة في حل التحديات الدولية. ولكن يؤمن الكاتب أن قمة العشرين إن أكدت شيئاً فهي لم تؤكد إلا أن الهند لا تستطيع أن تحقق أياً من طموحاتها الجيوسياسية بدون مساعدة الولايات المتحدة وحلفائها، وأن الهند ستسحقها الصين وروسيا إن وُجدت في عالم لا يهيمن عليه الغرب.. نعرض من المقال ما يلي:

يرى العديد من الخبراء أن قمة مجموعة العشرين التي انعقدت الأسبوع الماضي في نيودلهي جعلت الهند تظهر باعتبارها لاعباً رائداً في الشؤون العالمية. ومن المرجح أن يكون هذا الأمر محورياً في حملة إعادة انتخاب رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” العام المقبل، حيث يحاول أن يصبح أول زعيم هندي منذ أكثر من 60 عاماً يفوز بثلاثة انتخابات وطنية متتالية.

ومع ذلك، لا ينبغي للهنود أن يؤمنوا ويُصدقوا هذه الضجة. فعلى الرغم من أن الهند أصبحت اليوم أكثر قوةً ونفوذاً مما كانت عليه قبل عشر سنوات، إلا أنها بعيدة كل البعد عن تحقيق هدف ‘مودي’ المُعلن المتمثل في أن تصبح «معلم فيشوا» أو قائداً عالمياً. مجمل القول، إن قمة مجموعة العشرين تؤكد أن الهند تحتاج إلى الولايات المتحدة وحلفائها أكثر من أي وقت مضى لتحقيق طموحاتها المحلية والجيوسياسية.

في الحقيقة، ما كانت قمة نيودلهي لتُحدث تلك الضجة الدولية لو لم تتزامن مع ارتفاع حقيقي في مكانة الهند. قبل عشر سنوات، كان اقتصاد الهند الذي يبلغ حجمه 1.86 تريليون دولار، يحتل المرتبة العاشرة في العالم من حيث أسعار الصرف في السوق، وفقاً لأرقام البنك الدولي. وبحلول العام الماضي، تضاعف الناتج المحلى الإجمالي للهند تقريبًا ليصل إلى 3.39 تريليون دولار، مما يجعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم، متقدمة على المملكة المتحدة. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الهند ستصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم في وقت مبكر من عام 2027.

في وقت سابق من هذا العام، تفوقت الهند على الصين لتصبح الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم لأول مرة منذ خمسينيات القرن الثامن عشر. وبينما بدأ عدد سكان الصين في الانخفاض بالفعل، تتوقع الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان الهند إلى ذروته عند 1.7 مليار نسمة في عام 2064. كذلك، قبل أسابيع من قمة مجموعة العشرين، أصبحت الهند الدولة الرابعة التي ترسل مركبة فضائية على سطح القمر، وأول من يهبط على قطبه الجنوبي الذي يصعب الوصول إليه، وأدى سقوط مركبة فضائية روسية قبل بضعة أيام إلى توجيه الأنظار للإنجاز الذي حققته الهند.

تزامناً مع صعودها، أصبحت الهند أكثر نشاطاً في تشكيل الأحداث العالمية. يقول “كونستانتينو كزافييه”، زميل بمركز التقدم الاجتماعي والاقتصادي في نيودلهي: «قبل عشر سنوات، لم يكن أحد في الهند يهتم بالسياسة الخارجية. الآن أصبحت تطلعات الهند الدولية جزءًا من طموحات ‘مودي’ السياسية في جميع أنحاء البلاد».

تعاملت الهند مع فترة عملها التي دامت عاماً كاملاً- كرئيسة لمجموعة العشرين- باعتبارها حزبًا مبتدئًا لنفسها وحدثًا موسعًا لحملة ‘مودي’. وعلى مدى العام، استضافت الهند 100 ألف مندوب من 125 دولة، سافر الدبلوماسيون الأجانب إلى 60 مدينة هندية، كما شارك ما يقدر بنحو 15 مليون هندي في فعالية متعلقة بمجموعة العشرين.

كانت الملصقات واللوحات الإعلانية العملاقة في جميع أنحاء البلاد تُذَكِّر الشعب الهندي بأن ‘مودي’ يعمل على «حل أعظم التحديات التي يواجهها العالم» و«إعطاء صوت للجنوب العالمي». وفي مقابلة قبل القمة، قال ‘مودي’ لوكالة أنباء “برس ترست” الهندية إن نموذجه التنموي أظهر كيف «يمكن للهند أيضًا أن تكون مثالاً توجيهياً لرفاهية العالم».

لكن رغم كل هذا الحشد، لم يكن من الواضح أن الهند قادرة على عقد قمة ناجحة، إذ فشل اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في آذار/ مارس الماضي في التوصل إلى بيان مشترك بسبب الانقسامات العميقة بين الدول الغربية وروسيا والصين بشأن أوكرانيا، كما تغيّبَ كل من فلاديمير بوتين وشى جين بينج عن قمة نيودلهي، وهي المرة الأولى التي يغيب فيها الرئيس شي عن اجتماع مجموعة العشرين منذ أن أصبح رئيساً في عام 2013.

في النهاية، نجا ‘مودي’ من إحراج القمة من دون بيان مشترك عندما اتفق المشاركون على لغة مخففة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا للتغلب على تعنت الدبلوماسيين الروس والصينيين، كما وافقوا على اقتراح ‘مودي’ بضم الاتحاد الأفريقي إلى عضوية مجموعة العشرين. وعلى هامش القمة، أعلنت الولايات المتحدة والسعودية والهند، من بين دول أخرى، عن مشروع للبنية التحتية يهدف إلى تحدي مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال ربط الهند عن طريق السفن والسكك الحديدية بأوروبا عبر دول الإمارات والسعودية وإسرائيل.

بالنسبة للهند و’مودي’، فإن كل هذا يُعَد بلا شك انتصارا للسياسة الخارجية الهندية. لكنها لا تغير الحقائق الصعبة، فاقتصاد الصين أكبر بخمس مرات من اقتصاد الهند، ولا تزال بكين معادية لتطلعاتها، لكن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يرحب بصعود الهند، في حين من شأن النظام الذي تقوده الصين وروسيا أن يسعى إلى سحق طموحات نيودلهي بدلاً من تعزيزها.

…………………

النص الأصلي

ــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.