ياسمين عبداللطيف زرد *
بينما يتوافد زعماء العالم إلى مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك لحضور النسخة الـ78 للجمعية العامة، التي تبدأ الثلاثاء المقبل، تكافح المنظمة الدولية للحفاظ على الهدف من إنشائها في ظل عالم لم تُبنَ من أجله، عندما تأسست قبل ما يقرب من 80 عاماً. فى ضوء ذلك، نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاً حول ما يمكن أن تتطرق إليه اجتماعات الأمم المتحدة هذا الأسبوع، فى ظل التغيرات الدولية المتسارعة بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ، وانتهاء بفشل مجلس الأمن الدولي في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.. نعرض من المقال ما يلي:
بدايةً، تنادي القوى العالمية بتغيير نظام الأمم المتحدة- غير العملي- لممارسة دبلوماسية متعددة الأطراف. وقبل ثماني سنوات، حددت الأمم المتحدة مجموعة طموحة من الأهداف لمعالجة الفقر العالمي، والمساواة بين الجنسين، وتغير المناخ، وغيرها من القضايا العالمية المُلحة بحلول عام 2030، ولكن حتى الآن، لا يزال العالم بعيداً عن تحقيق هذه الأهداف. إذ شكلت الحرب في أوكرانيا تحدياً مباشراً لأحد الأهداف الأساسية للأمم المتحدة، المنصوص عليها في ميثاقها التأسيسي، والمتمثل في تجنب الحروب الكبرى، وأدت عرقلة موسكو التحركات لإدانة الحرب في مجلس الأمن إلى إحياء الدعوات لإصلاح وتحديث المجلس من خلال إضافة أعضاء دائمين جدد أو إصلاح استخدام حق النقض.
قال رين تامسار، سفير إستونيا لدى الأمم المتحدة والتي تُعد من أقوى الدول المؤيدة لأوكرانيا داخل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي: «إن الأمم المتحدة لا تزال في قلب التعددية والنظام القائم على القواعد، ومع ذلك فإن الانطباع الذي يحصل عليه المرء من مجلس الأمن على وجه الخصوص هو أنه لم يعد مناسبًا تمامًا للغرض المقصود من المنظمة». وأضاف: «إن هذا الواقع الصارخ يقوِّض بشكل مباشر مصداقية المجلس، وكذلك الأمم المتحدة وسلطتها».
كما أدى تركيز العالم الغربي الشديد على الصراع في أوكرانيا إلى إحباط بلدان أخرى في الجنوب العالمي، بسبب قلة الاهتمام الدولي بكوارث إنسانية وخيمة أخرى كالصراع في السودان، والانقلابات في جميع أنحاء أفريقيا، وأزمة الهجرة في أمريكا الوسطى، والكثير من الكوارث المرتبطة بالمناخ، وكلها أزمات وصراعات تناضل أطرافها من أجل الحصول على الموارد والاهتمام رفيع المستوى.
الحدث الأبرز هو تغيُب بعض القادة الأكثر نفوذاً في العالم عن اجتماع هذا الأسبوع، فزعماء الصين وروسيا والهند وفرنسا والمملكة المتحدة لن يحضروا، وسيكون الرئيس الأمريكي جو بايدن الزعيم الوحيد للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الذي سيحضر.
إذن، العديد من الخبراء الدوليين يُشككون في قدرة الأمم المتحدة على التكيف مع الأوقات المتغيرة، لكن وكما قال الأمين العام الثاني للأمم المتحدة، داج همرشولد: «لم يتم إنشاء الأمم المتحدة من أجل إحضارنا إلى الجنة، بل من أجل إنقاذنا من الجحيم». فعلى الأقل لا تزال الأمم المتحدة بمثابة مكان قوي للدول الصغيرة لإيصال أصواتها، وتُعد قمتها السنوية مقياساً مهماً لما يهدف زعماء العالم إلى معالجته في السنوات المقبلة، واختباراً حاسماً لما إذا كانت الأمم المتحدة قادرة على إحياء الزخم في أهدافها الطموحة للتنمية المستدامة وجهودها لمعالجة تغير المناخ.
- • •
بشأن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع يمكن أن نتوقع هيمنة القضايا الآتية:
- تأتي على رأس أجندة الجمعية العامة هذا الأسبوع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة والحرب في أوكرانيا، إلا أن حضور الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، سيثير بعض التوتر. ففي الأيام الأولى للحرب، أثار القادة الغربيون غضب نظرائهم في العالم النامي بسبب فشلهم في موازنة صدمة الغزو الروسي مع القضايا العالمية الملحة الأخرى. إذ كان الدبلوماسيون الغربيون يذهبون إلى اجتماعات حول المجاعة في القرن الأفريقي مثلا أو ارتفاع مستوى سطح البحر ويتحدثون عن روسيا وأوكرانيا!
من المؤكد أن الظهور الشخصي للرئيس زيلينسكي سيكون النقطة المحورية وسيسرق الأضواء بكل تأكيد في التغطية الإعلامية على الأقل، بعد أن أتقن الممثل الكوميدي زيلينسكي فن إلقاء الخطب الصاخبة أمام زعماء العالم. باختصار، إذا كانت هناك أي قضية في الأمم المتحدة تحظى باهتمام كبير حاليا فهي مأساة أوكرانيا، وعلى الرغم من أنه أمرٌ جيد لكنه يزاحم مساحة الاهتمام بالكثير من الأزمات الأخرى كسوريا وميانمار والسودان.
الزعيم الآخر الذي من المرجح أن يجذب قدراً كبيراً من الاهتمام هو الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ومع توقع غياب زعماء روسيا والصين والهند عن القمة، فإن ‘لولا’ يشكل الناطق الرسمي باسم القوى الكبرى غير الغربية في العالم، ومع ذلك هو شخص تستطيع واشنطن أن تعمل معه، ومن المقرر أن يشارك الرئيس البرازيلي في استضافة حدث حول حماية العمال مع بايدن.
- القضية الثانية هي مراجعة نصف سنوية لكيفية تقدم العالم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة في عام 2015، بغرض معالجة بعض التحديات العالمية الأكثر إلحاحاً مثل: الفقر، والحصول على المياه النظيفة، وحماية البيئة، وعدم المساواة بين الجنسين، والتعليم الجيد، مع تحديد أهداف بعينها يجب تحقيقها بحلول عام 2030. في الواقع، النتائج ليست مبشرة، لنأخذ المساواة بين الجنسين على سبيل المثال، فوفقاً للمعدل العالمي الحالي لتفكيك الحواجز التي تعوق حقوق المرأة وعدم المساواة بين الجنسين، فسوف يستغرق الأمر 300 عام لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة نفسها.
ويقول العديد من الخبراء إن التقدم قد توقف، وفي بعض الحالات انعكس، وذلك بسبب جائحة كورونا، فضلاً عن الآثار العالمية للغزو الروسي لأوكرانيا وغيرها من الكوارث الإنسانية والبيئية الكبرى، ولكن تقاعس الدول الأعضاء وافتقارها إلى الطموح كان لهما الدور الكبير في ذلك.
كتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في تقرير منتصف المدة حول أهداف التنمية المستدامة والذي صدر قبل انطلاق أعمال الجمعية العامة القادمة: «ما لم نتحرك الآن، فإن خطة عام 2030 ستصبح بمثابة شاهد على ضريح عالم». ويأمل جوتيريش في أن تؤدي قمة أهداف التنمية المستدامة إلى إعادة شحن الزخم لجدول أعمال 2030.
- القضية الثالثة تتعلق بالتغير المناخي، إذ أدى ارتفاع الحرارة والكوارث البيئية القاتلة إلى زيادة الضغط على زعماء العالم لمعالجة ما وصفه بايدن بـ«التهديد الوجودي الوحيد الذي تواجهه البشرية». كما حذرت لجنة تابعة للأمم المتحدة ومعنية بتغير المناخ من أن العالم يمكن أن يمر، في غضون عقد من الزمان أو نحو ذلك، بـ«نقطة تحول» حاسمة، نقطة ترتفع عندها حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، مما يؤدي إلى تأثيرات متتالية وأكثر كارثية لتغير المناخ، إلا أن جوتيريش سيحاول جعل مواجهة تغير المناخ محور اهتمامه في اجتماعات هذا الأسبوع، ومع ذلك سيجد أن أعضاء المنظمة مشتتون ومخيبون للآمال!
- القضية الرابعة تخص إصلاح الشلل في هيكل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فلقد كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن عجز المجلس عن تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في الحفاظ على السلام الدولي، وأعاد تنشيط الدعوات الطويلة الأمد للإصلاح. لكن المشكلة هي أن العلل التي يعاني منها مجلس الأمن هي سمة وليست علة.
قال السفير الإستوني لدي الأمم المتحدة: «من أجل التأكد من أن مجلس الأمن قادر على إنجاز المهام التي حددها ميثاق الأمم المتحدة، لا يوجد بديل عن تعديل هيكل مجلس الأمن وأساليب عمله مع مواصلة تعزيز سلطة الجمعية العامة للأمم المتحدة».
حدث تقدم في هذا الملف عندما أيد بايدن توسيع مجلس الأمن ليشمل أعضاء دائمين جدد من أفريقيا وكذلك أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وقالت مبعوثته لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، خلال خطاب ألقته في نيسان/ أبريل الماضي: «يجب أن يعكس مجلس الأمن الحقائق العالمية اليوم، وليس الحقائق العالمية منذ ما يقرب من ثمانية عقود مضت».
تقدمت دولة ليختنشتاين أيضاً بمقترح وتم تبنيه العام الماضي، ينطوي على حضور أعضاء الدول الخمس الدائمة أمام الجمعية العامة في كل مرة يمارسون فيها حق النقض لشرح قرارهم. هناك إجراء آخر اتخذته فرنسا والمكسيك في عام 2015، وبدعم من أغلبية الدول الأعضاء، يدعو الدول الخمس إلى تعليق استخدام حق النقض طوعًا في حالات الفظائع الجماعية. وقال السفير الإستوني لدى الأمم المتحدة: «لا ينبغي أن يكون هناك حق النقض إذا كان هناك شك في أن العضو الذي يستخدمه ربما تصرَفَ بشكل مخالف للقانون الدولي».
…………….
ــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق