الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب «في الفكر السياسي»؛ (الجزء الأول).. الحلقة التاسعة

 (الحرية أولاً) ينشر حصرياً الكتاب المفقود «في الفكر السياسي» بجزئيه، للمفكرين “الأربعة الكبار”، وهذه الحلقة التاسعة من الجزء الأول(2). تعريف ستالين للأمة.. بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

                                                                        – 1 –

                                              (تعريف ستالين للأمة وواقع الشعوب)

 (2). تعريف ستالين للأمة

    في أوائل عام ۱۹۱۳- منذ نصف قرن تقريباً- نشر ستالين، في مجلة حزب العمال الروسي «بروسفیشتسشينية»، مقالاً مُسهباً عن المسألة القومية، سمي فيما بعد «الماركسية والمسألة الوطنية». وجاء هذا المقال رداً على بعض النظريات المثالية التي كانت رائجة في صفوف الحركة الاشتراكية في روسيا (منشفيك القوقاس والبونديين اليهود) وفي النمسا (نظريات كارل رينر و اوتو باور).

  إلا أن ستالين بدأ مقاله هذا بتعريف للأمة أرادهُ جامعاً مانعاً. إليكم هذا التعريف:

  « الأمة جماعة ثابتة من الناس تكونت تاريخاً لها لغة مشتركة وأرض مشتركة وحياة اقتصادية مشتركة وتكوين نفسي مشترك يجد له تعبيراً في الثقافة المشتركة ».

   ويقصد بالجماعة الثابتة جماعة تتصف بالاستقرار والدوام، أي أن الأمة ليست جماعة مؤقتة طارئة سريعة الزوال.

    ويقصد بأنها تكونت تاريخياً، أن الأمة لها بدايتها ونهايتها في التاريخ، وليست اجتماعاً قائماً على رابطة الدم كالعائلة والعرق والجنس، بل هي تقوم على أساس نماذج أجناس وأقوام مختلفة في عهد تاريخي معين..

    وتتميز هذه الجماعة التاريخية الثابتة بأربع علائم: اللغة والأرض والاقتصاد والتكوين النفسي (والثقافة).

     أما رابطة اللغة ورابطة الأرض فتتكوّنان وتتثبتان في عهد قديم نسبياً. وأما الاقتصاد المشترك فلا يتحقق إلا في عهد نشوء الرأسمالية. وانتصارها على التفكك الاقطاعي. يقول ستالين :

    « إن الأمة مقولة تاريخية لعهد الرأسمالية الصاعدة »

    ويسند ستالين تعريفه على بضعة أمثلة : فرنسا ، ايطاليا، انكلترا ، روسيا، جيورجيا، نرویج، دانمارك …

    ثم يؤكد:

   « من الضروري أن نشير إشارة خاصة إلى أن كل علامة من العلائم التي ذكرناها لا تكفي لتعريف الأمة إذا هي اتخذت على حدة. ونذهب إلى ابعد من ذلك فنقول: يكفي أن تنعدم علامة واحدة من هذه العلائم حتى تنقطع الأمة عن كونها أمة ».

   ثم ينتهي إلى القرار:

    « إن اجتماع كل هذه العلائم هو وحده الذي يوجد الأمة ».

   عندما ظهر مقال ستالين عام ۱۹۱۳ اطلع عليه قراء مجلة البولشفيك الروس. نحن نجهل عدد هؤلاء القراء. ولكنهم على كل حال لا يتجاوزون بضعة ألوف. وفي ذلك الوقت، ما من إنسان كان يتوقع لهذا المقال الشهرة التي أصابها بعد ربع قرن.

    ومات لينين في عام 1924.. واستشرت عبادة ستالين والظواهر المرافقة لها: خرق المشروعية الاشتراكية، تعطيل القيادة الجماعية والديمقراطية الداخلية في الحزب والدولة، سيطرة الانحرافات البيروقراطية والشوفينية، تسلط الجمود العقائدي والتحجر الفكري.

    أصبح ستالين « الرجل الذي لا يخطىء »، إمام العلم والمعرفة، والمرجع الأعلى في

العلوم الاجتماعية وغيرها. يحسم القضايا السياسية، ويحسم مشاكل العلم والأدب والفن. أقواله مُنزَلة لا تقبل الجدل أو الشك..

   وانتُشل مقال ستالين عن الأمة من بين المحفوظات القديمة. وطُبع تحت عنوان «الماركسية والمسالة الوطنية»، بملايين النسخ وبمختلف اللغات السوفياتية والأجنبية. وصدرت منه طبعات عديدة باللغة العربية بين عام 1937 وعام 1954.

    وأخذ مفكرو العهد الستاليني يمجدون كتاب ستالين. يُطرون فيه المنطق الصارم الدقيق والتحليل التاريخي الجدلي والحلول العملية السياسية.

    وتبنت الحركة الشيوعية في العالم تعريف ستالين للأمة. ولم يخالفه أحد بشكل صريح. وبدأ القادة الشيوعيون يطبقون هذا التعريف على الشعوب. فإذا كانت الجماعة التي يتحدثون عنها تتوفر فيها العلائم الأربع، اعتبرت هذه الجماعة « أمة ». وإلا فهي ليست أمة، ليست جديرة بهذا اللقب. واعتبر كل شذوذ أو مخالفة لهذا التعريف تمرداً على أسس الاشتراكية العلمية.

    فما هي قيمة هذا التعريف من الناحية العلمية؟ وإلى أي مدى ينطبق على واقع الشعوب والأمم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع.. الحلقة العاشرة بعنوان: (3). واقع الشعوب الأوربية؛ بقلم الأستاذ “الياس مرقص”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.