ياسمين عبداللطيف زرد *
كان أهم مخرجات القمة الخامسة عشرة لتكتل “بريكس” هو وقوع الاختيار على ست دول جديدة ذات اقتصادات ناشئة للانضمام إليه مع بداية العام القادم. بهذا القرار، اعتقد الكثير من الناس حول العالم أن بداية نهاية هيمنة الغرب على النظام الاقتصادي الدولي قد حانت. في ضوء ذلك، نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاً للكاتب (“رجا موهان” C. Raja Mohan)(**)، تناول فيه ثلاثة عوامل- ترتبط بالديناميكيات الداخلية للمنظمة- تمنع تحقيق طموح التكتل في إزاحة الغرب من قمة النظام الدولي… نعرض من المقال ما يلي:
في القمة السنوية في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، أعلن منتدى “بريكس” الذي يضم خمسة اقتصادات ناشئة كبرى- البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- عن توسع كبير من خلال دعوة ستة أعضاء جدد، وفي كانون الثاني/ يناير القادم، ستضيف المجموعة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أولئك الذين يعتقدون أن العالم يتحرك نحو نظام عالمي ما بعد الغرب، تأكدوا من اعتقادهم بعد هذه القمة وقراراتها، فإذا كان الوزن الاقتصادي مقياساً للقوة، سيكون هذا تكتلاً ممتازاً، وسوف تحصل دول “بريكس” الإحدى عشرة مجتمعة على حصة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على أساس تكافؤ القوة الشرائية مقارنة بالدول الصناعية في مجموعة السبع.
* * *
في الحقيقة، توسيع مجموعة “بريكس” لن يقلب العالم رأساً على عقب، كما أنه لا يبشر بصعود نظام عالمي ما بعد الغرب. ومن الغريب بنفس القدر الادعاء بأن توسع “بريكس” يمثل انتصاراً كبيراً للصين وروسيا ومحاولاتهما لبناء كتلة مناهضة للغرب بين دول الجنوب العالمي، أو أن “بريكس” هي جوهر حركة عدم الانحياز الجديدة. لماذا؟ الإجابة تتكون من ألف وباء وجيم.
ألف، هذه الآراء لا تهتم إلا قليلاً بالديناميكيات الداخلية لمجموعة “بريكس” الموسعة والآثار المترتبة عليها، كما تكشف التعليقات الغربية عن جهلها الهائل ببلدان الجنوب العالمي ومصالحها المتنوعة وتعاملها مع القوى العظمى. فتوسيع قائمة الأعضاء لا يحوِّل “بريكس” إلى كتلة قوية، بل إن التوسع لن يؤدي إلا إلى تقويض التماسك الذي كانت تتمتع به المجموعة قبل التوسع.
بعبارة أوضح، المواجهة الجيوسياسية المتنامية بين الصين والهند تلقي بظلالها بالفعل على مجموعة “بريكس” وأي محاولة لإنشاء أجندة متماسكة لها، كما أن الأعضاء الجدد بينهم صراعات؛ فمصر وإثيوبيا على خلاف حاد حول مياه النيل، في حين أن إيران والمملكة العربية السعودية عدوان إقليميان على الرغم من محاولتهما- بوساطة بكين- تحسين العلاقات. باختصار، خطوط الصدع هذه وغيرها لا شك ستزيد من صعوبة تحويل الوزن الاقتصادي لدول “بريكس” إلى قوة سياسية مؤثرة في الشؤون العالمية.
* * *
أما باء، أولئك الذين يعتقدون أن مجموعة “بريكس” ستكون بمثابة حركة عدم انحياز جديدة، سيصطدمون بحقيقة أنها ستكون كتلة غير فعالة في تحويل قراراتها إلى نتائج ملموسة وعملية، فبكين أرادت بناء خيمة مناهضة للغرب من خلال توسيع مجموعة “بريكس”، إلا أنها لن تتمكن من القيام بذلك عندما تضم الخيمة العديد من أصدقاء الولايات المتحدة.
بكلمات أخرى، مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شركاء أمنيون للولايات المتحدة، وحتى لو كانت لديهم خلافاتهم مع واشنطن، فمن غير المرجح أن يتخلوا عن الضمانات الأمنية الأمريكية مقابل وعود صينية لم تُختبر من قبل. بل إن الرئيس الصيني شي جين بينج، في خطابه أمام قمة جوهانسبرج، دعا دول “بريكس” إلى «ممارسة التعددية الحقيقية» وعدم الانخراط في كتل حصرية. ومع ذلك، أصبحت الهند بالفعل جزءًا من اثنتين من «الكتل الحصرية»؛ الأولى هي الحوار الأمني الرباعي، مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة؛ والأخرى هو المنتدى الاقتصادي I2U2 الذى يجمع الهند مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة. كما أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، دعا أيضا في جوهانسبرج إلى إنشاء «سلاسل توريد مرنة وشاملة»، وهو تعبير ملطف للحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين!.
* * *
جيم، إذا كانت الصين تنظر إلى “بريكس” كمنتدى لتوسيع دورها في الجنوب العالمي، فإن الهند والجانبين السعودي والإماراتي لديهم طموحات وآمال في ذات المنطقة. وفي الواقع، التنافس بين دول “بريكس” على النفوذ العالمي أكثر أهمية بالنسبة للمجموعة من مصلحتها المشتركة المفترضة في مواجهة الغرب. إذ بدلاً من تشكيل مسرح جديد للتنافس مع الغرب، فإن منتدى “بريكس” سيكون مسرحاً للتنافس في حد ذاته.
* * *
إذن، وبناءً على ألف وباء وجيم، ينبغي للساسة والخبراء في الغرب أن يقلّلوا من التذمر بشأن صعود مجموعة “بريكس”، وأن يركزوا بدلاً من ذلك على التناقضات العديدة داخل المنتدى التي يمكنهم استغلالها.
طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها روسيا والصين الترويج لتحالف مناهض للغرب، والتاريخ يخبرنا أن موسكو وبكين تبالغان في تقدير احتمالات توحيد المجتمعات غير الغربية ضد الغرب. على سبيل المثال، عندما فشلت الآمال في قيام ثورة شيوعية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، توجه مؤسس الاتحاد السوفييتي فلاديمير لينين إلى آسيا ووعد «بإشعال النار في الشرق» بالثورات ضد الرأسمالية العالمية وأباطرة الاستعمار الغربيين. وفي مؤتمر شعوب الشرق الذي انعقد عام 1920 في باكو بأذربيجان التي كانت تحت الاحتلال السوفييتي، جذبت الشيوعية الدولية مجموعة متنوعة من القوميين والثوريين والزعماء الدينيين، ولم تصل جهود لينين إلى أبعد من ذلك، حيث إن تصاعد النزعة القومية جعل آسيا غير مُرحِبة بالأفكار البلشفية.
وفي ستينيات القرن العشرين، اعتقد الزعيم الصيني ماو تسي تونج أنه قادر على فعل الشيء نفسه في محاولته الترويج للثورات في آسيا؛ وبدلاً من ذلك، مهدت إخفاقاته الطريق أمام الرأسمالية ذات الخصائص الصينية.
* * *
رغم ذلك، إعلان توسع مجموعة “بريكس” له ميزة مفيدة وهي إخبار الغرب بعدم اعتبار الجنوب العالمي أمراً غير مهم، لذلك، يجب على صناع القرار الغربيين أن يعملوا على إيجاد طرق أفضل لإعادة إشراك الدول النامية، وأن يدركوا أن الغرب لا يستطيع أن يحافظ على تفوقه العالمي بإهمال الجنوب، بل يتعين عليه أن ينزل من القمة العالية التي وضع نفسه عليها، وأن يتصارع مع التحدي الصيني والروسي. ونجح الغرب بالفعل من قبل في التغلب على التحديات التي واجهت تفوقه العالمي خلال مرحلة طويلة من المنافسة بين القوى العظمى، وذلك عندما وجد طرقاً أكثر تعاوناً لإشراك الدول غير الغربية. ويمكن أن يفعل الشيء نفسه هذه المرة.
إذن، قد يكون توسع مجموعة “بريكس” فاشلاً، لكنه يظل بمثابة طلقة تحذيرية مفادها أنه يتعين على الغرب إنهاء سُباته الاستراتيجي، وإدراك أن الجنوب العالمي ينتظره.
………………..
ــــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
** كاتب عمود في مجلة “فورين بوليسي”، وزميل أول في معهد سياسات المجتمع الآسيوي، وعضو سابق في المجلس الاستشاري للأمن القومي في الهند
المصدر: الشروق