عمار ديوب *
اصطفّ الموالون في سورية إلى جانب السلطة في مواجهتها الشعب. ليس من مارس/ آذار 2011، بل بعد عدّة أشهرٍ. حدث الأمر بعد أن وجدت السلطة أنّ لا خيار لإنقاذ نفسها، والثورة تتوسّع، إلا بالتطييف، ولاحقاً بالعسكرة، والأقلمة والتدويل؛ فتحالفت مع إيران ومليشياتها ثم روسيا. دفعت السلطة مليشياتها نحو ممارساتٍ طائفية، فقامت بتسريب فيديوهات للتعذيب أو القتل أو المجازر ذات الصبغة الطائفية، قاصدة القول إن من يقوم بها العلويون ضد السنّة، وعملت على تجييش الأحياء “العلوية” في بعض المدن، كحمص واللاذقية، ضد أحياء يقطُنها “سنّة”، وفي بانياس وفي مناطق أخرى؛ كانت الرسالة، واضحة: إن العلويين يقتلون السنّة.
الموالاة والتطييف:
جَرّت الأحداث السابقة وراءها، وعبر الأشهر اللاحقة، أحداثا طائفية مشابهة. إذاً، انتُهِجت سياسات التطييف ردّاً على الثورة الشعبية، والخشية من أن تحطّم القيد الطائفي؛ كانت تلك الأحداث لاجتثاث الوعي الثوري، وجعله يعود إلى الوعي الطائفي، وهو ما عزّزه النظام، عقودا، قبل اندلاع الثورة، وقد كانت الأخيرة تشبه الثورات العربية، ونظر لها السوريون كذلك ثورةً شعبية. نجح النظام في التطييف، ولم يترك وسيلة لتكريسه، وتشدّد في حصار المعارضين من أصولٍ علويةٍ وهَجّرَهم من أحيائهم، وأطلق سراح المعتقلين السلفيين والجهاديين، والإتيان ببعضهم من العراق، واستجلب المليشيات الطائفية الشيعية، وبدءاً بحزب الله.
ربما يوحي النص أن الموالين علويون فقط، وهذا غير صحيح؛ فهناك فئات مدينية سنية والأغلبية الكبرى من الأقليات الدينية. تفضل هذه الفئات الاستقرار تحت الاستبداد على الثورة والتغيير، قبل 2011 وبعده، ولا تجد مصلحتها في التغيير غير المحدّد ببرنامج وطني شامل، سيما أن الثورة في سورية، ونتيجة القمع المنظم، راحت تتّجه نحو الأرياف، وقد منع النظام الثوار من الاستيلاء على ساحات المدن، ولو أدّى ذلك إلى تدمير المدينة بأكملها على أهلها، وهو ما جرى في حمص ودير الزور وحماة وبلدات كبرى في الأرياف.
انخرط الإخوان المسلمون في صفوف المعارضة، ومجموعات إسلامية أخرى في الصراع من موقفٍ إسلاميٍّ، وبدأوا يعملون على أسلمة الثورة، وشاركوا في تشكيل المجلس الوطني السوري في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 انطلاقاً من هذا الموقف. وبالتالي، تلاقى النظام و”الإخوان” في تطييف الثورة، واستخدم الطرفان السياسة ذاتها. حصيلة الأمر، احتشد أغلبية العلويين خلف النظام، ومعهم كثيرون من أبناء الأقليات، وكتل سنية كبيرة من المدن، وبدأت الثورة تتأسلم، وترافق ذلك مع قمع وقتل وتهجير لأغلبية الثوار المدنيين الأوائل.
تشكّلت كتلة الموالين من الفئات أعلاه، فانقسمت سورية إلى شعبي الثورة والنظام. وتجذّر الأمر، حينما دفعت السلطة الثورة نحو التسليح والتطييف، وهو ما عملت له المجموعات الإسلامية المنخرطة في الثورة. مع زيادة القمع ودخول السلاح الثقيل ضد المدن والبلدات والقرى الثائرة، ودخول السلفيين والجهاديين المعركة ضد الثورة، وارتفاع أعداد القتلى من الجيش وأجهزة الأمن والشبّيحة، أصبحت المعركة أقرب للطائفية. في عام 2013 ولاحقاً، انتهت أصوات الاعتراض من أوساط الموالين، على قلتها، وتعزّز الخطاب الطائفي الثأري على جبهتي الحرب.
المعركة وقد تطيّفت:
تستند سيطرة السلفية والجهادية على العمل العسكري وتشكيلها أنظمة استبدادية إلى نصوص “دينية”: “داعش، جبهة النصرة، جيش الإسلام…”، أدّى إلى تلاشي بقايا الثورة المدنية، والتهميش شبه الكامل للفصائل الحرّة، واستلمت إيران ومليشياتها التخطيط والمواجهة وأصبح النظام تابعاً لها، وجعل ذلك المعركة طائفية بامتياز؛ هنا أصبح الموالون في ارتباكٍ شديدٍ؛ فهم مؤيدون للنظام، ولكن إيران أشدّ تطييفاً من الفصائل السلفية، واستمرار المعارك والقتل، دُفِع الموالون إمّا لتأييد إيران، أو الصمت تجاهها، ولكن الرفض كان مطلقاً للفصائل المناهضة للنظام؛ الأمر ذاته على جبهتي الحرب؛ بين شعب الثورة، بدأت تبرز موجة رفضٍ شعبي للجماعات السلفية والجهادية، ولكن الموالين للنظام لم يغيّروا موقفهم، فظلّوا ضد الثورة والمعارضة والفصائل على تعدّد أيديولوجياتها.
استمرّ التجييش الذي افتعله النظام وبعض أطياف المعارضة سنوات، ولكن تغييراً بدأ يظهر مع عودة مناطق خفض التصعيد في 2018 إلى سلطة النظام، وتشكيل ما يشبه الحدود بين مناطق النظام والخارجة عنه، حيث بدأت أوضاع الموالين بالتدهور، وراحت قيمة العملة تتراجع بشكل كبير، وكذلك لم يعد لدى النظام أموال إضافية، وتجمّدت الأجور، وهناك الخسارات الكبيرة في أوساط الجيش وأجهزة الأمن، وفقدت العائلات كثيرين من ذكورها. الأسوأ أن خطاب النظام بدا متجاهلاً دور الموالين في صموده ضد الشعب، والملايين التي صمتت تجاهه، ولم تؤيد الثورة. في أوساط السلطة بدأت عملية تركّز الثروة في أبناء حافظ الأسد، وهُمّشت فصائل الشبّيحة وتمّ حلّ أغلبيتها، وفُرضت الإقامة الجبرية على رامي مخلوف، وجرى تشليحه أغلبية شركاته داخل سورية، وفي مقدمتها سيرياتيل. وقد شكّل عزل مخلوف صدمة كبيرة في أوساط الموالين، وتحديداً بين العلويين، ورافق ذلك صعود دور كبير لزوجة الرئيس، ولأولاده وإمكانية توريث الحكم. وكان هذا سلبياً للغاية، حيث بدا للموالين أن تأييدهم النظام أدى إلى تدهور أوضاعهم، ومقتل كثيرين منهم. وبالتالي، كان بلا فائدة تُذكر، ولم يحصدوا ثماراً لموقفهم ذاك.
مع ترسيم الدول المتدخّلة بالشأن السوري الحدود بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام والفصائل التابعة لتركيا، راحت الحاضنة الموالية تتخلّص بالتدريج من مخاوفها القديمة التي زرعها فيها النظام، وأن السنة قادمون لاجتثاثها. لقد رأوا “السنّة” في مناطقهم، حيث نزح ملايين منهم إلى مدن الساحل “الآمنة”، وكذلك رأوا أن ممارسات المنخرطين بالتشبيح أو بأجهزة الدولة القمعية لا تهتم بأوضاع المفقرين والمهمشين والموالين. خطاب السلطة المتجاهل دورهم، ساهم في بداية اليقظة والوعي النقدي، واشتدّ في 2023، وتوسّع بعد فشل المبادرات العربية والتركية.
الموالاة لروسيا بعد إيران:
لا يفوتنا هنا أن الموالين، وبدءاً من دخول الروس سورية 2015، بدأوا يتنفسون الصعداء، فأصبحوا مؤيدين لروسيا وابتعدوا عن إيران. لم يتشيع العلويون، ربما قلة نادرة. وعكس ذلك، ومع استرجاع النظام مناطق واسعة، تشيّعت بعض المناطق والعائلات، ولا سيما في أرياف دير الزور، والتحقت مجموعاتٌ من الفصائل الثورية المهزومة بإيران. وجد الموالون أن الخريطة تغيّرت، ولم يعد التطييف يجدي أكلاً أو أماناً أو تعليماً لأولادهم، وافتقدوا الحاجات الأساسية.
استمرّ هذا الوضع بعد مرحلة الاستيلاء على مناطق خفض التصعيد باستثناء إدلب. وأوقف هذا المعارك الحقيقية، وكذلك منع دخول الدولار السوق السورية، وبدأت العملة بالانهيار بشكل كبير، وتصاعد الأمر في الأعوام والأشهر الأخيرة، وراحت قيمة الرواتب تنخفض، بينما تزداد الأسعار ارتفاعاً. بدأ الموالون الذين لم يتأثروا قبل 2018 بكارثية الأوضاع لبقية المدن السورية الثائرة يشعرون بالأمر. شكلت الحدود المرسومة بإشراف كل من تركيا وأميركا وروسيا وإيران، سبباً لزوال شعور الموالين بالخطر، وتراجع أثر ضغوط النظام لحثّ الموالاة على التبعية له أو الاستمرار بالصمت، وسقطت تقريباً أيديولوجية النظام في أن السنة قادمون لاجتثاث العلويين والموالين بعامة، أو أن ما جرى مؤامرة دولية وثورة سنيّة لإقامة إمارات إسلامية.
ثراء السلطة:
ثراء السلطة ورجالاتها الكبار، السياسيون والعسكريون والأمنيون والشبّيحة وفروع العائلة المالكة، آل الأسد، كان محط أنظار الموالين، وبدأ السخط والتذمّر يحرّك تفكيرهم، وراحت فئات موالية كثيرة تغادر البلاد. مع تردّي العملة، واستمرار النظام بالقمع ذاته، وفرضه ضرائب ضخمة وتخليه عن دعم بعض المواد، ورفعه أسعار مشتقات النفط؛ كلها عوامل قلّصت التفكير الطائفي، ولنقل لم يعد هو المسيطر، وصار التفكير بإيجاد طرقٍ لتأمين الاحتياجات هو الأصل. وبغياب القدرة على ذلك، بدأت حدّة التذمر بالارتفاع، وإن لم تظهر شخصياتٌ ناشطة للتعبير عنه، ربما باستثناء بعض الأفراد؛ وكان الأبرز بوستات أو فيديوهات رامي مخلوف.
كان ارتفاع أسعار كل المواد، سيما مشتقات النفط، وندرتها واستمرار النهب والفساد وبأشكال أسوأ طوال سنوات الثورة، سبباً مركزياً لتعطّل الزراعة، والصناعة، ولهجرة أعداد هائلة من السوريين إلى الخارج، سيما أصحاب رأس المال والصناعيين، وفي الأعوام الأخيرة، حتى التجار بدأوا بالمغادرة. ظلّت هجرة العلويين، نادرة، ربما لبعض دول الخليج أو لبنان، ولكنهم ظلّوا في الداخل، إضافة إلى مقتل مئات آلاف منهم في الحرب. لم تخرُج المظاهرات في المناطق الموالية رفضاً للأوضاع المتأزّمة، والتمايز الطبقي، ولثراء السلطة الفاحش، فقد ظل وجود أعداد هائلة من العناصر الأمنية أو الجيش يشكل دائماً سبباً للصمت والموالاة. المشكلة أن طول أمد الحرب، وتشديد الحصار على النظام أوروبياً وأميركيا، والعقوبات على إيران وروسيا بعد غزوها أوكرانيا منعت هاتين الدولتين من الاستمرار بدعم النظام، وكذلك لمعرفتهم بالمليارات التي في حوزة العائلة الحاكمة في سورية.
أدّى توقيع النظام اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع إيران وروسيا، وتوقف الأخيرتين عن دعم النظام، بشعور الشعب بالغبن الشديد، فكما أن إيران لم تكن حلاً، كذلك روسيا، وقد أعلن إعلاميون سوريون كثيرون موالون عن تأففهم من إيران وروسيا، وتحديداً من الأخيرة، لعدم دعمها النظام بمليارات الدولارات، وهم الحلفاء، رغم معرفتهم العميقة بأحوال سورية المتأزمة. راحت روسيا المتورّطة في أوكرانيا تحثّ النظام على الاستجابة للمبادرات العربية أو التركية، من أجل إيجاد حلٍ ما للوضع في سورية. لم يستجب النظام، وانتهت فترة ما بعد الزلزال، حيث جرى نهب أغلبية أموال المساعدات، ولم ينل الموالون شيئاً منها، رغم معرفتهم بالكتلة الكبيرة للأموال المقدّمة، عالمياً، من أجل دعمهم. وقد رفعت سرقة أموال المساعدات ومواد الإغاثة “للموالين” من درجة الاستياء، وكذلك تقديم السلطة قروضاً للبيوت المهدّمة في جبلة واللاذقية وطرطوس، بينما هي أموال خارجية للدعم المباشر، وهذا رفع من انتقادات الموالين.
فشل المبادرات العربية والتركية:
انتهت فورة أموال الزلزال، وفشلت المبادرة العربية التي تَوهم النظام وأوهم معه الموالين أن الأموال قادمة، وسينتشلهم الانفتاح العربي من أوضاعهم الكارثية. رأى الموالون أن فشل المبادرة والانفتاح تمّا بسبب موقف النظام وليس بسبب المبادرة العربية، ووقعت سورية تحت عقوباتٍ كثيرة. توصل الموالون إلى أن المشكلة في سورية ليست في الاحتلالات ولا في إسرائيل ولا المؤامرات الخارجية، بل في سياسات النظام الفاشلة وأدواته المستخدمة في النهب وفرض الإتاوات. وبالتالي، أخطأ النظام في إدارة البلاد بشكل كامل، ولهذا هم في أسوأ الأحوال، وتزداد الأوضاع تفاقماً.
انهارت العملة بشكل متسارع في الأشهر الأخيرة، ولم تعد الأجور تكفي عدّة أيامٍ. وبغياب كتلة كبيرة من المهاجرين من الموالين خارج البلاد، راح الجوع والألم يفتكان بالأغلبية منهم. بدأت تتساوى الحياة مع الموت، وارتفعت الأصوات بالنقد، ولكن هل يمكن لها أن تتجاوز فكرة إصلاح النظام إلى إسقاطه، وهل الفكرة الأولى سيتم النضال من أجلها بالفعل، وتتعيّن على شكل احتجاجات شعبية، وبمطالب اقتصادية مثلاً، كالمطالبة بالكهرباء أو رفع الأجور أو تأمين الماء وسواه كثير.
انتهاء أيديولوجية السلطة ومستقبل تذمّر الموالين:
أهال تطور الأحداث في سورية التراب على إشاعة النظام أنّ السنة سيبيدون العلويين، فأغلبية السنة جرى تهجيرهم أو أصبحوا نازحين، وخمدت ثورتهم بشكل كبير، وأصبحت أغلبية منهم رافضة الأسلمة وللسلفية. إذاً، أصبح للموالين قضاياهم الذاتية، كالمطالب الاقتصادية أو الاجتماعية، ويرون أن غياب نقص الاحتياجات متعلقٌ برفض السلطة التغيير، وإعطاء الشعب حقوقه. وجود أغلبية الموالين في الداخل، واستمرار النظام فرض سيطرته بشكل أمنيٍّ وعسكريٍّ، يضعان حدوداً لتلك المطالب، فلا تتضمّن اعتراضاً حادّاً على ممارسات الأجهزة الأمنية أو الجيش أو موقع الرئاسة والعائلة الحاكمة وفروعها. ولهذا، ورغم التذمر في الأشهر الأخيرة، تحدّدت المطالب بانتقاد الوزارة أو مجلس الشعب أو حواجز الفرقة الرابعة. وهنا يمكننا القول إن السمة العامة لخطاب التذمر إصلاحية، ولا تتعدّاه إلى التغيير السياسي.
ما زالت مفردات خطاب الموالين محدودة ببعض المطالب الاقتصادية والاجتماعية وبعض الخدمات العامة. وبالتالي، ليس من ضمنها مفهوم التغيير السياسي أو إسقاط السلطة. صحيحٌ أن ذلك الخطاب يحدّد المشكلة بالسلطة أو بالنظام بشكل أدقّ، ولكنه لا يتخذ موقفاً سياسياً دقيقاً منهما. يضغط حجم الأزمات لاعتماد مقاربة تنطلق من إسقاط النظام، ولكن هول القمع والقتل وسيطرة الخوف، وما تمَّ في سورية منذ 2011، وعدم زوال أيديولوجية السلطة بشكلٍ كاملٍ، وأن السنة قادمون لاجتثاثكم، من الأنفس، ورداءة النماذج السلطوية لدى هيئة تحرير الشام أو الفصائل التابعة لتركيا يقف حائلاً دون تطوير ذلك الخطاب، سواء نحو الإصلاح الشامل أو تبنّي الإسقاط.
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتفاقمها المستمر وفجور السلطة وتجاهلها حقوق الموالين قابلة للتطوّر والانفجار، وكذلك هي أحوال السوريين في بقية السوريات “هيئة تحرير الشام وقسد والفصائل”. وبالتالي، لا يمكن لخطاب الموالين أن يتطوّر بصورة جادة من دون ظهور معارضة لتلك السلطات “السوريات”، تناهض سلطاتها الفاسدة والتابعة لهذه الدولة أو تلك. مع ذلك، وباعتبار الحدود مرسومةً وليس من خطرٍ من هيئة تحرير الشام أو “قسد” أو الفصائل، فإن أشكال التذمّر ستتصاعد بالتدريج، وإذا هي الآن تقتصر على بعض الأفراد، وبعض الحوادث الاجتماعية في هذه المدينة أو تلك، فإنها قابلة للانفجار الواسع.
لم يعد هناك موالون للسلطة بالمعنى الدقيق للكلمة، فالأزمة وأسباب عديدة قضت على مبرّرات وجودها، ولدى الشعب من أشكال المعاناة الكثير. أصبحت أشكال التذمر الموضوعية هنا وهناك قابلة للتطور، فالأزمة عنيفة للغاية، وليس من مخارج عبر إيران أو روسيا، وحتى تركيا لن تتراجع عن سياسة إعادة اللاجئين ودعم الفصائل الفاشلة، والسوريون أيضاً تحت سلطة هيئة تحرير الشام يعانون الأمرّين. وتتحكّم قيادات الهيئة بكل شيء، مباشرة أو عبر حكومة الإنقاذ. وليست “قسد” متفقة مع أحزاب كردية كثيرة أو مع بعض الفصائل العربية وأقسام من العشائر، وبالتالي، هنا أسباب عديدة للتقارب من “الشعوب” السورية من جديد.
المشكلة الآن، ورغم الملاحظات أعلاه، أن الوعي لم يتجاوز الانقسامات بين موالين وثوّار، وهو ما جرى رصده إزاء خطاب التذمّر الذي تصاعد، أخيرا، لدى بعض نشطاء من الموالين، وهذا سيعيق بصورة كافية تجسير تلك الانقسامات، وربما يُبطئ تطوّر انفكاك الموالاة عن السلطة.
في كل الأحوال، ستراكم حدّة الأزمة التذمر، وتُنذر بالاحتجاج المجتمعي. وسيكون هذا أساساً جديداً لمشاريع سياسية كثيرة، سواء ضمن مشاريع الإصلاح أو إسقاط النظام. ما لا يمكن التراجع عنه أن التذمر سيستمر، وقد ينتقل من الفردي والهامشي إلى الانفجارات الواسعة، وهذا لا يزال في طور التراكم، فهل سيحدُث قريباً؟ ربما، التأزم العميق للواقع وأزمة السلطة يقولان بذلك.
* كاتب سوري
المصدر: العربي الجديد