الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“غسيل الأدمغة، التفقير، التجهيل، التضليل” أدواتُ إحباطِ الأمم

مرهف الزعبي *

     في الألفية الثالثة، ألفية فشو القلم وانتشار العلم، لم يعد يخفى على أحد من الشعب العربي خِداع الدول الأجنبية له عبر وعودٍ، واتفاقيات وَقعَتْ عليها الأخيرة مع عملائها، فأخلَّت بها، ونفَّذت نقيضها. فسقطت جميعها من خلال غزو تلك الدول للبلاد العربية وفقاً للتفاهمات التي كانت تُعقد بين المستعمرين، وجواسيسهم الذين قاموا بزرعهم في بلادنا.

      فكانت أهم وسائل نجاحهم في بسط سيطرتهم، وهيمنتهم على المنطقة اتباع عدة وسائل عبر أدواتهم الوظيفية لتسويق ما يهدفون إليه أبرزها القدرة على التأثير عبر غسل الأدمغة، وتبني تحقيق تطلعات الشعب العربي بعد نشرها عن طريق من تمَّ تجنيدهم لتسهيل القيام بهذه المهام، يتبعه الانتقال لتضليل الشعب المغرر به لإجباره على الوقوف بجانب الأجنبي الذي تعهد مناصرته، وأيَّدَ أفكاره، لتدخل كالإيمان في قلبه، وصولاً للاستبسال في الدفاع عنها. وتنتهي هذه الوعود بوصول أذناب المستعمرين إلى السلطة، والتحكم بقيادة الدولة مؤسسات وشعب، والسيطرة على مقدراتهما، ومحاربة كل شعلة فكر نير.   “حنة آرنت”

        وبالانعطاف على عجالة لعرض بعض اتفاقيات الخيانة، والمذلة التي نعيش نكباتها، وكوارثها، ومآسيها منذ بداية القرن العشرين وحتى حينه بين المتآمرين، وأدواتهم التآمرية نرى كم كلفنا التواصل مع الأجنبي من أرواح ودماء. فتذهب الآمال، والأهداف، والتطلعات أدراج الرياح. وتبقى آثارها السلبية يتجرعها الشعب العربي قهراً، وفقراً، وتضييقاً، وإذلالاً، وتجهيلاً لعقودٍ، وعقود، وستستمر ما لم ينتفض الشعب العربي، ويغير الواقع السوداوي الذي يعيشه مُكرهاً جراء فرض إرادة الأجنبي لممثليه كحكام على الدول العربية.

      فالحسين بن علي شريف مكة وقَّع عدة رسائل مع هنري مكماهون تنصُّ بعض بنودها على طرد العثمانيين من بلاد الشام والرافدين، وإنشاء دولة عربية يكون فيها الحسين ملكاً على العرب بعد مشاركته مع أصدقائه الفرنسيين، والبريطانيين بإخراج العثمانيين من البلاد العربية. فأغروه بالمال وبعض قطع السلاح لتنفيذ ما تمَّ التوافق عليه. وقدَّم الحسين الشباب العربي قرابين للمستعمرين مقابل التخلص من العثمانيين. فكسبَ الفرنسيين والإنكليز المعركة، واحتلوا بلاد الشام، والرافدين. وخسر العرب كل أرضهم، وخيرة شبابهم. فلم يُنصَّب حسين ملكاً على العرب، بل جعلوه أميراً على منطقة الحجاز فقط، ثم طرده من جزيرة العرب، فلا الشعب العربي تحرر من وصاية الأجانب، ولا حقق بعض أهدافه. بل عاش الفقر، والقهر، وبقي يتطلع إلى وحدة سياسية، وتكامل اقتصادي، وتوحد عسكري فلم يستطع بسبب تنصيب رؤساء، وملوك، وأمراء يتبعون بشكل مباشر لهذه الدول ولا زالوا.

      وعد بلفور المشؤوم الذي خدع العرب وبيَّن أنَّ الأصدقاء البريطانيين يقفون إلى جانبهم، ويحترمون مقدساتهم، ويحافظون على مشاعر المسلمين، وحرياتهم، وتعهدوا بأن يكون لغير اليهود التمتع بالحقوق المدنية، والسياسية في فلسطين، إلا أنَّ هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح. عندما قامت بريطانيا بفرض حكومة عسكرية في فلسطين، وسلَّحت اليهود لقتل سكانها الأصليين، فدمَّروا مدنهم وقراهم، وعبرنوا كل ما يقومون باحتلاله، وهجَّروا الفلسطينيين ليوطِّنوهم في الدول العربية، وأوروبا من أجل استقرارهم، وعدم المطالبة بحق العودة. وتُنّسيهم لموطنهم الأصلي فلسطين.

      بالرجوع لاتفاقيات سوتشي واستانا؛ لم يكونا أوفر حظاً للسوريين ولمن جاورهم من العرب مما سبقها من خيانات أجنبية. فكان مضمونها عبر المؤتمرات الصحفية بوقف إطلاق النار من الطرفين المتصارعين، السماح للجرحى والمرضى بالتداوي في المشافي الحكومية، أو المشافي التركية، فك الحصار عن المناطق المحاصرة، التسوية لمن يرغب مع حكم وأفرع أمن بشار. في حين كان التطبيق بنقيض ما أعلنوه.

      فمورس القصف على المناطق المُحاصرة، وأُعدِم بعض الذين خرجوا للتطبب في مناطق سيطرة أسد، واُعتقل، وقُتل من قام بتسوية وضعه الأمني. وقام الثالوث السوتشي والأستاني بفرض تسليم سلاح الثوار لأجهزة مخابرات أسد، وهُجِّر السوريون من مدنهم وقراهم، وبذلك أحدثوا التغيير الديمغرافي الذي أفرغ وسط وجنوب سورية من سكانها الأصليين، وزرعوا مكانهم المرتزقة الشيعة الذين أصبح لهم موطئ قدم في المنطقة والذي سيتنامى ويهدد الشعب العربي في دول الجوار بعد أن يشتد عوده كما حصل في عدة دول عربية احتلتها الشيعية الإيرانية.

        رسالتي إلى أخوتي الثوار. حذاري أن تعاودوا الوثوق بأي أجنبي، ولا بتبنيه لأهداف ثورتنا، فالكثير ممن يُحسبون على الثورة يروجون للمخابرات الأجنبية وقوفهم إلى جانب مشاريع هم يقومون بإنشائها، وهيكلتها. ولا تنتظروا ممن لا تتقاطع مصالحه مع مصالح الثورة أي بوادر لدعم ثورة الشام، وإسقاط حكم أسد. فلا الائتلاف ولا هياكله الهشة، ولا المجلس العسكري الذي يحظى بدعم غربي، وعربي يريدون للثورة أن تنتصر، وللشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه من دون تدخل أجنبي في شؤونه الداخلية.

      فوصول الثوار إلى السلطة يعني كسر أولُ حلقةِ هيمنةٍ، ووصاية في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما يضرُّ بالمصالح الاستعمارية الأجنبية التي تفرض هيمنتها، ووصايتها على المنطقة.

       خلاصة القول؛ أنَّ من يُسموّن أنفسهم حلفاء، وأصدقاء الشعب السوري، ما هم إلا حِراب لطعن خاصرة الثورة بعد دسِّ سُمهمِ في الدسم.

* ناشط وكاتب صحفي سوري

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.