الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هل يسقط نظام بوتين؟

ياسمين عبداللطيف زرد *

فى محاولة لتخيل الطريقة التي يمكن أن ينهار بها حكم بوتين السلطوي، نشرت مجلة “The New Yorker” مقالاً للكاتب «كيث جيسين» Keith Gessen)، أورد فيه آراء خبراء في الشأن الروسي حول هذه المسألة. الخبراء- كلهم عملوا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA– أجمعوا أنه لا يمكن تصور روسيا بدون بوتين، إذ لا يوجد بديل يتمتع بشعبية ليحل محله. كما استبعدوا احتمال وقوع انقلاب عسكري، لأن البلاد دخلت مرحلة الاستبداد الراسخ والتي تعني سيطرة الحاكم على السلطة لدرجة عدم مقدرة حلفائه على الإطاحة به. رأى الخبراء أن الأنظمة الاستبدادية الراسخة، مثل نظام بوتين، تنتهي بموت الديكتاتور، وأن وجود أمراء حرب مثل بريجوجين وقديروف، رئيس جمهورية الشيشان، في فترة ما بعد بوتين يمكن أن يدخل روسيا في «سيناريو سوداني».. نعرض من المقال ما يلي:

بداية، ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السلطة لأكثر من عقدين، فكر الكثير في مسألة وفاته بسبب كبر السن، وقام قائد قوات فاجنر، يفجيني بريجوجين، بالتمرد في الأسبوع الماضي وسيطر على أحد المقار العسكرية في البلاد، وسار باتجاه العاصمة موسكو لكن انتهى التمرد وبوتين لا يزال في الحكم.

  • • •

استهل كاتب المقال حديثه بأنه منذ بدء الحرب في أوكرانيا، فكر الخبراء في الطرق التي يمكن أن ينهار بها نظام بوتين. بيتر كليمنت، المدير السابق في تحليل الشؤون الروسية بوكالة المخابرات المركزية سي آي إيه، أشار إلى أن أعضاء مجلس الأمن التابع لبوتين، بعد تمرد يفجيني الأخير، أصبحوا «متواطئين الآن. لقد وقعوا جميعاً». ولهذا السبب، اعتقد كليمنت أنه من المرجح أن يأتي التحرك ضد بوتين من الدائرة الثانية، من شخص ليس ظاهراً في الواجهة، شخص لم نسمع عنه، شخص يجب أن يكون لديه أجهزة كافية على متن طائرة، لأنه سيحتاج إلى اعتقال الرئيس جسدياً، كما يجب عليه أن يكون مستعداً لإدارة البلاد، لأن روسيا دولة كبيرة وفي خضم حرب طويلة. هذا الشخص يجب أن يكون لديه خطة، لكن كليمنت واجه صعوبة في التفكير في الأشخاص الذين قد يكون لديهم هذه الخطة.

أما أندريا كيندال تيلور المحللة السابقة بوكالة المخابرات المركزية لشؤون روسيا وأوراسيا بين عامي 2015 و2018، ذكرت أن أدبيات العلوم السياسية تناولت كيف تسقط الأنظمة الاستبدادية. فمن بين 473 نظاماً استبدادياً سقطوا بين عامي 1950 و2012، سقط 153 منهم عن طريق الانقلاب العسكري. بعد نهاية الحرب الباردة، توقفت الولايات المتحدة عن دعم الكثير من الديكتاتوريات العسكرية، والتي تميل إلى الانقلاب العسكري. وأوضحت أنه من غير المحتمل أن تتحرك الأجهزة الأمنية، أو أي شخص من الدائرة المقربة لبوتين، ضد الرئيس الروسي، لأن النظام دخل المرحلة التي أطلق عليها عالم السياسة- ميلان دبليو سفوليك- «الاستبداد الراسخ». ففي ظل هذا النظام، احتكر الزعيم السلطة إلى درجة أنه لم يعد من الممكن تهديده بما يسميه سفوليك «تمرد الحلفاء». رأت كيندال تيلور أن معظم الديكتاتوريات، مثل نظام بوتين، انتهت بموت الديكتاتور في السلطة، خاصة عندما كان الديكتاتور أكبر من خمسة وستين عاماً (بوتين يبلغ من العمر سبعين عاماً). وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً إلى حد بعيد.

كيندال تيلور قالت إنه في عالم ما بعد بوتين، فإن وجود أمراء حرب مثل بريجوجين ورمزان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان، يمكن أن يؤدي إلى «سيناريو سوداني»، تبدأ فيه هذه القوات حربا أهلية. على كلٍ، بريجوجين لم يكن ليشن تمرداً فعلياً، بدت انتقاداته للجيش ذات أهمية رمزية فقط، وهي علامة على أن النخبة في حالة فوضى.

في الذكرى الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، دعت كيندال تيلور مجموعة من الخبراء لتعقب مدى استقرار نظام بوتين. واعتباراً من ربيع هذا العام، كانت عدة عوامل تسير في غير صالح بوتين: فالنخبة الخاصة به أصبحت مجزأة؛ واقتصاده يعاني من آثار الحرب والعقوبات. أما جيشه، غير السياسي تاريخياً، تم جره إلى الساحة السياسية بسبب المخاوف من نفوذ بريجوجين المتزايد ووصوله إلى الموارد العسكرية. لكن العوامل التي تسير في الاتجاه الآخر كانت أكثر عدداً: عزز بوتين سيطرته على بيئة المعلومات؛ والأشخاص الأكثر استياءً من حكمه يغادرون البلاد. والأهم من ذلك، ليس هناك بديل لبوتين: إذ إن أمراء الحرب لا يتمتعون بشعبية سياسية، كما أن خصمه، أليكسي نافالني، حرم من الطعام والنوم والرعاية الطبية في سجن روسي. إذن، في غياب بديل، سيستمر الوضع الراهن.

  • • •

يقول كاتب المقال إنه في الأنظمة الديكتاتورية، تشكل الحرب عامل ضغط. إذ تفرض أعباء على الاقتصاد وعلى الأجهزة الأمنية، كما أن لها طريقة لا يمكن التنبؤ بها. بين عامي 1919 و2003، وفقا لعلماء السياسة، فقد ما يقرب من نصف جميع الحكام الذين خسروا الحروب السلطة في غضون عام (تم إرسال نصف هؤلاء إلى المنفى وسجن ما يقرب من ثلثهم). وينطبق هذا أيضاً على التاريخ الروسي. أدت خسائر الحرب، مثل هزيمة روسيا عام 1905 أمام اليابان، في بعض الأحيان إلى تحولات جذرية في الحياة السياسية للبلاد. في عام 1905، أدى ذلك إلى انتفاضة أجبرت القيصر على منح شعبه دستوراً. في عام 1917، كانت صراعات الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى عاملاً رئيسياً في إخراج القيصر من السلطة.

ومع ذلك، الحروب لها جانب إيجابي لدى المستبدين. بمعنى أنهم يقدمون ذريعة لزيادة القمع والاستيلاء على مساحة المعلومات. والقمع يجعل الناس أكثر خوفاً من التعبير عن معارضتهم والخروج إلى الشارع. في الحرب الأوكرانية استطاعت أجهزة الأمن الروسية الرد على الاحتجاج ببعض ضبط النفس. إذ إنهم لا يبالغون فى رد فعلهم بطرق يمكن أن تتصاعد وتؤدي إلى رد فعل شعبي. هم يستخدمون تقنيات التعرف على الوجه وأشياء أخرى بدلاً من ضرب الناس في الميادين، وهذا يميل إلى التخفيف من بعض مخاطر الرفض العلني الكامنة في النظم القمعية.

من ناحية أخرى، قد تكون قدرة القمع على تقليل تدفق المعلومات خطرة على النظام. إذ لا يعرف الناس مدى استياء الآخرين، وكذلك الحكومة لا تعرف ذلك. على سبيل المثال، محمد البوعزيزي، بائع الفاكهة التونسي الذي أضرم النار في نفسه في كانون الأول/ ديسمبر 2010 وبدأ بسببه الربيع العربي، كان مثالاً على الجانب السلبى للقمع. في تونس، أدى عمل مثل هذا إلى انتفاضة شعبية وسقوط نظام كان في السلطة منذ عقود.

  • • •

اختتم كاتب المقال حديثه قائلاً: لا يستطع أحد أن يتخيل روسيا بدون بوتين. وحتى لو كان هناك حديث في الدائرة المقربة للرئيس الروسي بمطالبته بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2024، المشكلة في ذلك هي، من هو الشخص الذي سيذهب إلى هناك ويقول له ذلك؟ من سيقول، «فلاديمير، انظر: أنت رجل ثري جداً، يمكنك الذهاب والتقاعد والعيش في سعادة دائمة». أشار كليمنت، المدير السابق في تحليل الشؤون الروسية بوكالة المخابرات المركزية سي آي إيه، إلى حادثة وقعت خلال الحرب العراقية الإيرانية، اقترح فيها أحد مستشاري صدام حسين أن هناك طريقة لإحلال السلام تتمثل في أن يتنحى صدام مؤقتاً عن منصب رئيس الوزراء. تم إعدام الرجل وتسليم أشلاء جثته إلى أسرته في اليوم التالي. قال كليمنت: «الدكتاتوريون لا يحبون أن يقال لهم إن عليهم التقاعد». فهل يمكن لبوتين أن يتقاعد بالفعل؟ من يستطيع أن يضمن سلامته؟ إنه ليس مثل خروتشوف، الذي حكم الاتحاد السوفييتى من 1953 إلى 1964 وتمت الإطاحة به في النهاية، إنه شخص له الكثير من الأعداء.

كما قالت كيندال تيلور: «معظم ما يميز هذه الأنظمة هو أن لا أحد يعرف مدى انتشار السخط، والشخص الذي سار مع جيش صغير على بعد مئات الأميال عبر روسيا، دون مواجهة أي مقاومة حقيقية، لا يعني أن النظام في خطر الانهيار الوشيك، لكنه يشير إلى أن الفرص قد زادت قليلاً. هذه هي الطريقة التي تتفكك بها هذه الأنظمة».

…………………..

النص الأصلي: “The New Yorker

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.