د. إبراهيم خليل العلاف *
أولاً: التجربة الناصرية
ليس من السهل على الباحث، أن يتعرف على الأبعاد الحقيقة لتجربة جمال عبدالناصر في مصر (1952ـ 1970) ولمشروعه النهضوي القومي، وذلك لأسباب عديدة لعل من أبرزها هذا الكم الهائل من الحقائق والمعلومات المتوفرة عنه وعن عصره من جهة، ولأن عبدالناصر نفسه وحياته السياسية لاتزال عرضة للجدل والحوار. فالمؤرخون والكُتاب الغربيون والمُعادون لمشروعه، وبدوافع مختلفة معظمها ينطلق من العداء والحقد، أسهموا في تشويه صورته ودوره الحضاري وذلك لتعارض، ما كان يدعو إليه من أهداف ومبادئ مع مطامع الغرب الاستعمارية في المنطقة العربية الزاخرة بالثروات والإمكانات الاقتصادية والاستراتيجية.
ولم يكن عبدالناصر ليجهل طبيعة النظرة الغربية المملوءة بالحقد والريبة إيمانا منه بأن تلك النظرة ليست إلا امتداداً لتصورات استعمارية راسخة تطلق على كل من يقف أمام مشاريع الغرب ويعمل من أجل الحيلولة دون نجاحها ليس في مصر وحدها، وإنما في الوطن العربي كله.
لقد عرف تاريخ العرب المعاصر دوراً قيادياً لمصر بدأ منذ منتصف الخمسينات تقريباً، وقد بني هذا الدور على مشروع قومي نهضوي، بدأ بالتحرر من الاستعمار ثم أضيف إليه بعد ذلك هدفا (الوحدة العربية ) و(الاشتراكية العربية) أو العدالة الاجتماعية، وإن كان الهدف الأخير بالذات قد تراوح بين البروز والاختفاء حسب تطور علاقات مصر العربية. ويتفق معظم المؤرخين على أن (القوى المحركة) لذلك المشروع، لم تكن سوى العلاقة الفردية التي نمت بين قيادة جمال عبدالناصر والجماهير العربية.
إن جمال عبدالناصر حسين، وهذا هو اسمه الكامل لم يكن بعيداً عن هموم تلك الجماهير وتطلعاتها، فلقد ولد في 15 كانون الثاني/ يناير 1918، في عائلة عربية قروية تسكن صعيد مصر، وتنتمي إلى عشيرة بني مُر، ولم يكن والده سوى موظفاً حكومياً بسيطاً في البريد. إلا أنه كان معروفاً ومحترماً بين أبناء وسطه الاجتماعي ذي الطبيعة الفلاحية المحافظة المتدينة مع ميلٍ شديد نحو الأفكار الوطنية والرغبة المتنامية في التخلص من حكم الأجنبي ومن هنا فقد استهوت المظاهرات السياسية التي شهدتها مصر في ثورة 1919 جمال عبدالناصر، فاندفع نحوها وتعرض للضرب والاعتقال مع نخبة من زملائه الشباب، يقول في كتابه (فلسفة الثورة): (وأنا أذكر فيما يتعلق بنفسي إن طلائع الوعي بدأت تتسلل إلى تفكيري وأنا طالب في المدرسة الثانوية أخرج مع زملائي.. احتجاجاً على وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود ومنحتهم به وطناً قومياً في فلسطين اغتصبته من أصحابه الشرعيين).. ثم يقول كان يسير مع زملائه في الشوارع ويهتف بحياة الوحدة، وبسقوط فرنسا المستعمرة لسوريا ولبنان.
وحين دخل الكلية العسكرية سنة 1937 وتخرج منها برتبة ملازم ثانٍ في سلاح المشاة، تبلور وعيه السياسي، وبدأ يرسم لنفسه هدفاً يقوم على البحث عن أية وسيلة يستطيع فيها خدمة وطنه. ويبدو أن حادثة 4 شباط/ فبراير 1942، حين أجبر الإنكليز الملك فاروق بالدبابات التي حاصرت قصر عابدين على الإتيان برئيس وزراء يستطيع ضبط الشعور الوطني المتزايد ضد الإنكليز، ويعمل من أجل تعبئة المصريين لخدمة الأهداف البريطانية في تلك المرحلة من الحرب العالمية الثانية، أثرٌ كبير في نفس جمال عبدالناصر، الذي اعتبر تلك الحادثة أكبر إهانة لحقت بكرامة بلاده واستقلالها ومن هنا فقد انعكست على فكره وتوجهاته المعادية للمستعمرين. ثم جاءت هزيمة الجيوش العربية في فلسطين سنة 1948، ومنها الجيش المصري الذي حوصر آنذاك في الفالوجة، وكان عبدالناصر يعمل ضمن تلك القوة المُحاصرة، لتجعله يدرك بأن الإنكليز هم العدو الرئيس للأمة العربية، ولولاهم لما استطاع الصهاينة أن ينجحوا في مخططاتهم، لذلك فقد قرر مع نفسه ومع قلة من زملائه أن طريق الخلاص، لا يبدأ إلا بتحرير مصر أولاً.
كان عبدالناصر معجباً ببعض القادة والمفكرين العرب الذين عاصرهم ومنهم عزيز علي المصري وساطع الحصري، كان عزيز علي المصري أستاذه في الكلية العسكرية وقد ظل على اتصال به بعد تخرجه منها وعندما سأله مراسل جريدة نيويورك تايمز سنة 1961 عن الشخصية المعاصرة التي تأثر بها أجاب: (اعتقد أن أكثرهم تأثيراً عليّ كان الفريق عزيز علي المصري لقد أُعجبتُ به عندما كنت ضابطاً صغيراً. فلقد كافح في سبيل الاستقلال وأصر عليه..). أما فكرياً فقد تأثر عبدالناصر واستفاد كثيراً من قراءته لعدد من المفكرين القوميين العرب، وأبرزهم المفكر القومي والمُربي المعروف ساطع الحصري. ولقد أتاحت له دراسته في الكلية العسكرية ثم في كلية أركان الحرب، الفرصة لدراسة كتابات كبار المفكرين العسكريين وفي مقدمتهم كلاوفتز وليدا هارث ولندسل وفولر كما اطلع على سيّر بعض القادة والزعماء أمثال بسمارك ونابليون وكمال أتاتورك وغيرهم.
نجح عبدالناصر في العمل مع بعض زملائه في تأسيس منظمة الضباط الأحرار ومع أنه اتصل بالعديد من الأحزاب والقوى السياسية التي كانت تعمل على الساحة المصرية في مطلع الخمسينات، للوقوف على أفكارها وآرائها . لكنه لم يحاول التفريط باستقلالية وسرية التنظيم الذي أقامه. وفي صبيحة يوم 23 تموز/ يوليو 1952، استولى عبدالناصر على الحكم في مصر بالثورة. وقد حاول تحقيق أهدافه بالأساليب السلمية والعملية، أو كما قال، عن طريق (التجربة والخطأ).
كان هدف عبدالناصر الأول، تحقيق استقلال مصر حيث كان يجثم على أرضها قرابة (85) ألف جندي بريطاني، فسعى إلى إجلاء هذه القوات.. وحرصَ على إقامة نظام جمهوري جديد محل النظام الملكي المندثر وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، أخذ يضغط على بريطانيا لإجلاء قواتها عن منطقة قناة السويس ثم إلغاء المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي كانت تكبّل مصر بالقيود منذ زمن وتحدُ من استقلالها. وشعر عبد الناصر أن ذلك لن يتحقق إلا بتعبئة الشعب المصري وراءه فراح يؤكد على مبدأ (العزة) و(الكرامة) الوطنية، ورفع شعار (إرفع رأسك يا أخي، فقد مضى عهد الاستعباد). وكان موفقاً في ذلك أيما توفيق.
أما الهدف الثاني فكان يتعلق بمشروعه العربي النهضوي لذلك اخذ عبدالناصر يضع أسساً لهذا المشروع الذي يرمي إلى تحقيق النهوض والاستقلال الحضاري للأمة العربية.. وكان يدرك أن ذلك يتطلب ثورة شاملة وعميقة تتناول كل جوانب الحياة وتأخذ بنظر الاعتبار العمل على التحرر من السيطرة الأجنبية بكل أشكالها، انطلاقاً من أن المعيار الرئيسي للتقدم والتخلف، هو الاستقلال وعدم التبعية، والأمر في كل ذلك يتطلب تنمية اقتصادية اجتماعية تستهدف تحقيق الرفاه والتقدم لأوسع قطاعات الشعب، وطبيعي أن يأتي هدف التمسك والاعتزاز بالهوية الحضارية العربية الإسلامية في مقدمة الأمور التي ينبغي النضال من أجله، ذلك أن تفوق الغرب علمياً وتكنولوجياً، قد بُني على استعباد الشعوب ونهب ثرواتهم وما زال يستمد تفوقه من تكريس تخلف وفقر هذه الشعوب، ثم يأتي المطلب الاستراتيجي والمهم وهو تحقيق الوحدة القومية للأمة العربية، وهذا شرط جوهري لاستكمال المشروع الحضاري العربي المستقل.
ومجمل القول في هذا المشروع أنه يستند على دعامتين أساسيتين هما:
أولاً: الحفاظ على الجوهر الإيجابي لتراثنا الحضاري المحدِدْ لهويتنا القومية والإنسانية المستقلة امتداداً تاريخياً متجدداً لمعطيات الحضارة العربية الإسلامية التي بناها أبناء هذه الأمة والقائمة على التوازن والتكامل بين الجوانب المادية والروحية.
ثانياً: التنمية المستقلة المركبة، بكل مقوماتها الثقافية والسياسية والاقتصادية المتمركزة حول الذات، المستندة أساساً إلى قدرة التجدد الذاتي لأمتنا العربية الملبية لاحتياجاتها والمجسِدة لاستقلالية إرادتها وقرارها.
عند ذلك شعر الغرب أن عبدالناصر وبحكم موقع مصر الاستراتيجي والتزاماتها نحو العرب، لم يكن يكتفي بتحقيق سيادة مصر الخاصة بعد أن اكتشف مصادر القوة في الأمة العربية وهي: رباط معنوي هو الدين الإسلامي ورباط مادي هو الأرض والقوة الاقتصادية وهي النفط، ولقد كان عبدالناصر يسعى للعمل من أجل المطالبة بتحرير كل العرب من ربقة الاستغلال والتسلط. ولم تقف دعوته عند هذا الحد، بل خلفت تأثيراً فاعلاً في دول العالم الثالث المتطلعة إلى توطيد استقلالها وإعلان رفضها الانحياز لأية قوة عظمى.
بدأ الغرب يضع العراقيل أمام نهوض مصر ويحول دون نجاح مشروعها القومي النهضوي، وقد اتضح ذلك في البدء، بعد حصول عبدالناصر على مصدر جديد للسلاح غير الغرب، ثم خطا عبد الناصر خطوة أخرى، باتجاه تأكيد الاستقلال في القرار السياسي وإزالة التوتر في المنطقة العربية وذلك برفضه أية محاولة لربط العرب بأية مشاريع وأحلاف دفاعية غربية. لكن سعيه هذا أكسبه عداء دول غربية وخاصة بريطانيا وفرنسا، هاتان الدولتان، اللتان خططتا مع إسرائيل للعدوان على مصر سنة 1956 احتجاجاً على تأميمه قناة السويس.
لكن غبار العدوان ورصاصه سرعان ما انجلى عن ازدياد في شعبية عبدالناصر ليس في مصر وحدها وإنما في الوطن العربي كله. فبدأ اسمه يتردد على كل لسان، وانعكس الصدى في أكثر من مدينة وقرية عربية، مثلما تنعكس صور الألعاب النارية في الفضاء الواسع وازداد الحماس الشعبي العربي باتجاه الوحدة، والتي بدأت بوحدة مصر وسوريا في شباط/ فبراير 1958 وقيام الجمهورية العربية المتحدة. لقد كان طموح العرب أن يروا رداً على الغرب من عبدالناصر، وكان قيام الوحدة قمة قراراته الثورية والقومية في آن واحد وكان لحزب البعث دوراً كبيراً في قيام هذه الوحدة. وهكذا استطاع جمال عبدالناصر وبتأييد من أبناء الشعب العربي أن ينقل الفكرة القومية العربية من النظرية إلى التطبيق ومن الكتب إلى الواقع الحي.
ورددت القوى الغربية أن الغوغائية عماد الناصرية، وهذا خطأ فادح.. فعبدالناصر بتنفيذه سلسلة من الإجراءات، استطاع أن يعكس أماني العرب وطموحهم ويدافع عن حقوقهم القومية دفاعاً حقيقياً، لذلك تحوَّل بسرعة كبيرة إلى رمز للحركة القومية والنهوض العربي المعاصر. ومما ساعد على ذلك أن عبدالناصر خصص جزءاً كبيراً من وقته وجهده وأموال بلده في تثقيف الجماهير بالكتب والمجلات الشعبية الرخيصة الثمن والصحف والإذاعة، وبتوسيع المدارس وفتح المصانع وإشراك الناس في مناقشة قضاياهم بكل صراحة ووضوح، وباختصار سعى إلى كل ما يمكن فعله في محاولة تركيز الوعي في النفوس وتعميق وتنظيم الجماهير تنظيماً فكرياً. ولقد لخصت سياسية عبدالناصر العربية ما كان يحلم به كل عربي: “الحيلولة دون التسلط والاحتكار وسيطرة رأس المال، التأميم، حياد في الصراع الدولي، مناصرة المظلومين، تعاون إيجابي مع الآخرين، التزام بالأهداف القومية العربية، مناهضة المستعمرين، كشف العملاء والخونة والجواسيس، تعرية الرجعيين، تبني القضية الفلسطينية، مؤازرة حركة الثورة العربية، تأكيد عروبة مصر”، وكان لكل تلك الإجراءات خصوم فظهرت معارضة قوية لعبدالناصر، وجاءت المعارضة القوية ليست من قبل الحكام الرجعيين والمتخلفين فحسب، بل ومن الغرب الإمبريالي ومن الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت لتُحبط نهوض العرب وتحوُل دون نجاحهم في امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا.
لقد أتت تلك المعارضة، بسبب تضارب أفكار عبدالناصر ومفهومه لأمن مصر القومي مع الخطط الدفاعية الغربية، ومن أمن (إسرائيل) ومع الأطماع الأجنبية في نفط العرب، وكان هو الدافع لاتهام الغرب لعبدالناصر بأنه يعمل انطلاقاً من مطامحه الشخصية، وأنه يرمي إلى إقامة إمبراطورية له وأنه دكتاتور وينشر الإرهاب ويحرض الشعوب على حكامها ويسعى للاستحواذ على النفط العربي، وتلك اتهامات تعرض لها ويتعرض لها كل يوم، من يقف أمام أطماع الغرب وحقدهم الدفين على العرب والإسلام.
لقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية، تقود العالم الغربي في احتواء مشروع عبدالناصر ومحاصرته من خلال دعمها للكيان الصهيوني وللرجعية العربية وتتميز السنوات الواقعة بين 1961 و1970 بأهمية خاصة في التاريخ العربي المعاصر. ففي تلك السنوات نجح الغرب في تحقيق الانفصال بين مصر وسوريا وفي استعداء كثير من الحكام العرب على عبد الناصر، وأكثر من ذلك إيقاع هزيمة فادحة من خلال عدوان صهيوني في 5 حزيران/ يونيو 1967 بمصر والعرب، فشمتَ الكثيرون بعبدالناصر، وتشفى الكثيرون وتآمر عليه اقرب الناس إليه، وأعلن واحد منهم أن عبدالناصر، قد انتهى في الهزيمة، وهلل زعيم القوى الإمبريالية الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون وقال: (لقد انتهت القضية.. والرجل)؛ ولكن عبدالناصر سرعان ما قام قومة برومثيوس بعدما اثخنته الجراح وعصفت به الآلام، فاسترد قوته واستجمع طاقته، واستمر بإصراره العنيد ضد أعدائه من الإمبرياليين والرجعيين. ولم يمل النضال يوماً، وما تبدلت سماء الصمود فيه، ولم يسلك يوماً طريق الخداع والتضليل، ظل شجاعاً وصريحاً وصارماً، محباً للعمل الجاد مضحياً بنفسه وبصحته في سبيل مصر وكرامتها وكرامة العرب.
وكان عبدالناصر يدرك أن هدف العدوان الغربي- الإسرائيلي هو فرض الإرادة الاستعمارية على العرب، فبعد هزيمة 1967 قال: (إن الولايات المتحدة تزود إسرائيل بكل الوسائل التكنولوجية والمعلومات الكاملة عن مصر. وهي تعمل كما قال دائماً، على خداعنا، لذلك فإما أن نستسلم لأمريكا ونخضع للاستعمار العالمي أو نقاتل ونناضل). وأضاف (إن سر العدوان على مصر هو سياستها المستقلة والأمريكان يعرفون ذلك جيداً، وكانوا يريدون أن يُخضعوا مصر لإرادتهم، لكن مصر رفضت لأنها تعرف أهدافهم الخبيثة لذلك لا يمكن أن تترك العرب- عدوهم الأساسي- فإما أن يسلم العرب إلى أمريكا ليحصلوا على مساعدات اقتصادية بشرط خضوعهم. أو أن يقاتلوا ويناضلوا) وختم كلامه بالقول: (إن أمام أمريكا إما أن تهاجم مصر مباشرة تحت أي مبرر، أو أن تدعم إسرائيل وتدفعها للقيام بهجوم على مصر).
وبعد 1967 أخذ عبدالناصر يعيد بناء مصر وقوتها المسلحة ويستعد للقتال وطرد إسرائيل من سيناء، وقد شهدت سنة 1969 خطوات جادة على طريق الإعداد للمعركة، لكن قلب عبدالناصر، ما لبث أن توقف عن الخفقان، بعد انتهاء مؤتمر القمة العربي الذي عقد من اجل فلسطين في أيلول/ سبتمبر 1970؛ وإذا كان الجيش المصري قد عبر قناة السويس في تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وحدث ما حدث من وجود ثغرة الدفرسوار، وفك الارتباط وانحياز أنور السادات- رئيس مصر بعد عبدالناصر- إلى الحلول الأمريكية والرضوخ لها وعقد معاهدة كامب ديفيد، فإن صرخة عبدالناصر لازالت في أذان كل مصري وكل عربي وهي تعلن: (بأننا لن نستسلم وليأتِ غيرنا ليحكم ويستسلم.. فأمريكا لن تتركنا إلا مقابل سياسة يمينية كاملة.. والاعتقاد بأن أمريكا تملك الحل، ما هو إلا كلام فارغ.. نعم كلام فارغ). لقد اشرأبت روح عبدالناصر بحب أمته، وكانت عبقريته تكمن في إدراكه لحقيقة مصر العربية.
ولئن كان عبدالناصر قد واجه أعداءً كبار لا قبلَ له بمواجهتهم.. فإنه ظل جبلاً من الإباء والكرامة، فقيادات الشعوب، كما قال مرة، ليست قيادة انتصارات فقط، وإنما قيادة انتصارات وقيادة أزمات ونكسات أيضاً. وهي كما تقبل تصفيق الجماهير أثناء النصر، عليها أن تقبل طعنات الجماهير عند الهزيمة، وهذه هي سنة الحياة. والمهم بعد هذا كله أن عبدالناصر مثل الإرادة العربية الصلبة في تلك المرحلة من مراحل تاريخنا العربي المعاصر.
ثانياً: التجربة الناصرية في العراق
حينما قاد البكباشي أركان حرب (المقدم الركن) جمال عبدالناصر (1918ـ1970)، حركة التغيير العسكري في مصر يوم 23 تموز/ يوليو 1952 والتي نجم عنها فيما بعد إسقاط النظام الملكي وإقامة الجمهورية، وتحوُلْ الحركة إلى ثورة شملت كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر المعاصرة، قابل العراقيون، ما حدث في مصر بكثير من المشاعر الجياشة التي اختلطت فيها حالات التوجس والخوف والقلق من أن ما حدث لا يعدو أن يكون واحداً من الانقلابات العسكرية التي بدأ العالم العربي يشهدها في أعقاب نكبة العرب في فلسطين سنة 1948. وقد أشار الأستاذ الدكتور فاضل حسين- رحمه الله- إلى ذلك في كتابه (الحزب الوطني الديموقراطي 1946ـ 1958) والذي طُبع في مطبعة الشعب ببغداد سنة 1963 عندما قال إنه يوم 23 تموز/ يوليو 1952 حدثت الثورة المصرية فقلبت الأوضاع السياسية في المشرق العربي منذ ذلك التاريخ راساً على عقب. وقد استُقبل قادة الحزب الوطني الديموقراطي تلك الثورة بالتوجس والترقب والمعارضة للحكم العسكري حتى أن زعيم الحزب المرحوم الأستاذ كامل الجادرجي كتب مقالاً بعنوان: (الأزمة الفكرية التي أحدثها الانقلاب المصري في الأوساط العراقية)، وقد خشي الجادرجي من أن تؤدي (الشعوب) العربية ثمناً باهظاً للإصلاحات التي تدعو إليها الدكتاتوريات الجديدة!!.
لم يبق الأمر على هذا المنوال، إذ سرعان ما أعلن قادة الثورة في مصر مبادئهم الستة ومنها القضاء على الإقطاع والوقوف ضد الأحلاف والتكتلات الاستعمارية وإعلان مبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز لأي من الكتلتين الرأسمالية الغربية والاشتراكية الشرقية. وقد رحبت جريدة الأهالي بكل تلك المبادئ وأكدت في مقال نشرته جريدة الأهالي بعددها الصادر في 13 تشرين الأول/ اكتوبر 1952 على أن (قانون تحديد الملكية الزراعية في مصر) ليس إلا (بداية النهاية للإقطاع في مصر والبلاد العربية). لكنها لم تنتظر كثيراً لتُذكر بحقيقة مهمة وهي أن الإقطاع وآثاره لا يمكن أن يقضى عليها إلا من خلال (حكم ديموقراطي شعبي).
يعقب الأستاذ الدكتور فاضل حسين على موقف الحزب الوطني الديموقراطي بقوله وعلى الصفحة 293 من كتابه آنف الذكر أن الثورة المصرية كانت نقطة انطلاق للشعب العراقي ولأحزابه. وقد أراد الجميع تغيير الأوضاع السياسية في العراق تغييراً جذرياً ومحاسبة المسؤولين عن ضياع فلسطين. وأضاف إلى ذلك قوله: بأن الأحزاب العراقية ومنها حزب الاستقلال وحزب الجبهة الشعبية المتحدة وحتى حزب الأمة الاشتراكي، قد تشجعت وتحفزت للمطالبة بالإصلاح الجذري الشامل لنظام الحكم نتيجة ما حدث في مصر. وعلى سبيل المثال قدم الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الجبهة الشعبية المتحدة وحزب الاستقلال قدمت في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1952 مذكرات إلى الوصي على عرش العراق الأمير عبدالإله، شاجبةً الأوضاع القائمة ومطالبة بالتغيير الجوهري، كما قدم حزب الأمة الاشتراكي مذكرة مماثلة إلى رئيس الوزراء العراقي آنذاك. وتُعد مذكرة الحزب الوطني العراقي اشد تلك المذكرات إذ ورد فيها ما يؤكد على وجود غليان شعبي ضد النظام الملكي والنفوذ البريطاني المتنامي منذ فشل ثورة 1941 القومية ومما جاء في المذكرة “أن الشعب العراقي يطالب بتغيير الأوضاع السيئة القائمة التي بلغت حداً لا يُطاق من الفساد.. كما أن تفشي الفقر والبطالة وقلة الأجور وتدهور الحالة الاقتصادية، كل ذلك يتطلب إصلاحاً جذرياً.. ”، ورد الوصي على المذكرات قائلاً: أنه يتفق مع الأحزاب على أن حالة البلاد بحاجة إلى التحسين لكن شيئاً من هذا لم يقم، واستمر التدهور في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي أدى إلى تداعي الضباط الذين سموا أنفسهم بالضباط الأحرار، وهي التسمية ذاتها التي استخدمها زملائهم الضباط في مصر عندما قاموا بالثورة، وقد نجم عن ذلك التداعي، تأسيس تنظيم سري باسم (تنظيم الضباط الأحرار) وعلى الصعيد السياسي المدني، اتفقت بعض الأحزاب السياسية العراقية السرية والعلنية ومنها حزب الاستقلال والحزب الديمقراطي وحزب البعث والحزب الشيوعي على إقامة جبهة سياسية ضد النظام الحاكم سنة 1957 دعيت بـ(جبهة الاتحاد الوطني).. وقد تعاون تنظيم الضباط الأحرار مع قادة جبهة الاتحاد الوطني في إسقاط النظام الملكي صبيحة يوم 14 تموز/ يوليو سنة 1958. ويتفق كثير من المؤرخين العراقيين والعرب والأجانب على أن قادة ثورة 1958 في العراق تأثروا بتوجهات وأساليب قادة ثورة 1952 في مصر.
بعد نجاح الثورة، وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق ظهر صراع سياسي بين الكتل والأحزاب السياسية العراقية وتوزعت خارطة الحياة السياسية في العراق إلى مجموعتين رئيسيتين؛ المجموعة الأولى ويمكن تسميتها بالمجموعة العربية القومية والمجموعة الثانية ويمكن تسميتها بالمجموعة العراقية التقدمية.. وقد التفَتْ المجموعة الأولى التي تمثلت بحزب البعث وحركة القوميين العرب وبعض القيادات الدينية الإسلامية حول العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية.. أما المجموعة الثانية والتي تمثلت بالحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الكردستاني فقد التفت حول الزعيم (العميد) الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع.. وقد تبنت المجموعة الأولى مبدأ (الوحدة العربية) مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا بعد الوحدة في شباط/ فبراير 1958) في حين رفعت المجموعة الثانية شعار (الاتحاد الفدرالي) و(الصداقة) مع الاتحاد السوفييتي.
وقد كان لحركة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر موقع الموصل يوم 8 آذار/ مارس 1959 والتي كانت ضد عبد الكريم قاسم والشيوعيين الذين كانوا يسعوّن للسيطرة على الحكم.. أثر كبير في اتساع حركة الاستقطابات السياسية وبروز خارطة جديدة خاصة بعد أن اتهم الشيوعيون وقاسم عبدالناصر بأنه كان وراء حركة الشواف بعد أن علِموا بأن السلطات المصرية زودت الانقلابيين في الموصل بمحطة إذاعة وبكميات من السلاح فضلاً عن الدعم الإعلامي والسياسي، حرص الزعيم عبدالكريم قاسم على تأييد حركة انفصال سوريا عن مصر وعندما تحقق الانفصال في 28 ايلول/ سبتمبر 1960 التقى عبدالكريم قاسم في الرطبة مع ناظم القدسي رئيس الجمهورية السورية بعد الانفصال واتفقا على تنسيق المواقف، وقد ظل قاسم حتى آخر لحظة من حياته يعتقد أن ما حصل في العراق من اضطرابات في حقل الأمن سببه تشجيع الرئيس جمال عبدالناصر وتدخل الجمهورية العربية المتحدة في شؤون العراق الداخلية.. وهذا يفسر لنا، كما يقول الأستاذ شامل عبد القادر في مقالة له نشرت في جريدة المشرق البغدادية يوم 24 آذار/ مارس 2007، مرور قاسم ولقاءه السريع بالقدسي في الرطبة بعد الاحتلال.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن قاسم أطلق وسائله الإعلامية ضد الرئيس جمال عبدالناصر منذ أن اختلف مع عبدالسلام عارف، وقد تفاقم الأمر عندما جرت محاولة اغتيال قاسم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1959 التي قام بها شبان من حزب البعث العربي الاشتراكي وقد أكد ذلك كله قناعات عبد الكريم قاسم بان (أصابع عبدالناصر) وراء محاولة الاغتيال مع أنه يدرك بأن عبدالناصر وقف مع الثورة وأيدها قبل وقوعها وبعده.
ومن الطرف الآخر، يقول شامل عبد القادر أن عبدالناصر كان محقاً في مخاوفه آنذاك من استفحال نوافذ الشيوعية المحلية في العراق خاصة وأن عبد الكريم قاسم قد خذل التيار القومي الذي شكل الأغلبية الكبيرة في طاقم قيادة الثورة، ولكن وبسبب تفاقم نفوذ الانتهازيين بعد الثورة أخذ التيار القومي يتعثر بل ويُحاصَر وأن حرباً ضروساً يتهيأ لها التيار الانتهازي لسحق التيار القومي العربي ورموزه في العراق وهكذا أرسل عبدالناصر نجداته إلى الشواف في آذار/ مارس 1959 عندما قام بحركته في الموصل، إلا أنها لم تحقق الغرض.. حيث فشلت الحركة وسيطر الشيوعيون على الأوضاع في الموصل وغيرها وبدأوا بعملية إقصاء العناصر القومية في مؤسسات الدولة والتنظيمات النقابية والشعبية والطلابية وابتدأت اكبر حملة إعلامية عراقية ضد الرئيس جمال عبدالناصر اسهم فيها الحزب الشيوعي العراقي بشكل فاعل، ولم يكتفِ الشيوعيون بذلك بل بدأوا برفع شعار المطالبة بالاشتراك في الحكم، إلا أن قاسم استغل فرصة حدوث مجزرة كركوك بعد أربعة أشهر من حركة الشواف والتي أسهم فيها الشيوعيين، لإقصاء الشيوعيين وإضعافهم واستمر في ذلك حتى سقوطه في حركة 8 شباط/ فبراير 1963 مع العلم أن الشيوعيين ظلوا يؤيدونه ويدعون إلى تقوية حكمه والدفاع عنه.
فالقوى العربية القومية انقسمت على نفسها فظهر هناك (قوميون عرب) و(قوميون ناصريون) و(قوميون اشتراكيون).. وقد توزعت خارطة الأحزاب القومية العربية في العراق على النحو التالي:
أولاً: حركة القوميين العرب؛ وقد نشأت الحركة في لبنان بعد إعلان تقسيم فلسطين سنة 1947 وكان يُطلق على التنظيم اسم (كتائب الفداء العربي) ومن قادة هذه الكتائب جورج حبش ووديع حداد وأحمد الخطيب وهاني الهندي ومعظمهم كانوا من طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت.. وقد انضم عدد من هؤلاء إلى جمعية العروة الوثقى التي أسسها الدكتور قسطنطين زريق وفاضل الجمالي وإسماعيل الأزهري وسيطروا على لجنتها الإدارية، وفي عام 1953 أطلقوا تسمية (القوميين العرب) على تنظيمهم ورفعوا شعار (وحدة، تحرر، ثأر)، وقد ارتبطت هذه الحركة بالزعامة الناصرية واستمر ذلك حتى الخامس من حزيران/ يونيو 1967. وفي حزيران/ يونيو 1968 أجرت الحركة نقداً ذاتياً على فكرها السياسي وتخلت عن معظم منطلقاتها الفكرية والسياسية وتبنت النظرة الماركسية اللينينية. عرف العراق تنظيم حركة القوميين العرب في أواخر الخمسينات وحمل عدد من خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت بعد عودتهم إلى وطنهم فكر هذه الحركة وبرز نشاطهم بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1957 مقروناً بعداء لحزب البعث وكان أبرز خلافهم مع البعث معاداتهم للنهج الاشتراكي ويشير الأستاذ فوزي شهاب أحمد الشريدة في كتابه (تاريخ الأحزاب السياسية في القطر العراقي) المنشور سنة 1975 ببغداد بطبعة محدودة إلى أن جُل مؤسسي الحركة هم من أبناء العائلات الإقطاعية والبرجوازية ذات الاتجاه اليميني.
وبعد حركة 8 شباط/ فبراير 1963 اتخذت حركة القوميين العرب موقفاً سلبياً من التغيير، ثم بعد حركة تشرين الأول/ أكتوبر 1963 قام عبد السلام محمد عارف بتقريب حركة عناصر القوميين القياديين وخاصة العسكريين منهم لدورهم بدعم وإسناد حركته.
و في 14 تموز/ يوليو 1964 انضمت حركة القوميين العرب إلى الاتحاد الاشتراكي في العراق، لكن فشل تجربة الاتحاد أدت إلى خروج الحركة منه وقد التفتْ بعض العناصر التي خرجت من حزب البعث ومجموعة فؤاد الركابي التي يطلق عليها (الوحدويون الاشتراكيون) وانبثقت حركة جديدة أطلق عليها اسم الحركة الاشتراكية العربية وكان ذلك أواخر عام 1965.
ثانياً: الحركة الاشتراكية العربية؛ وتُعد امتداداً لحركة القوميين العرب إذ أنها جماعة القوميين العرب وحركة الوحدويين الاشتراكين وعناصر ناصرية مستقلة وذلك بعد فشل حركة عارف عبدالرزاق ومجموعة الضباط الناصريين الأولى التي وقعت في 15 أيلول/ سبتمبر 1965 للإطاحة بحكم عبدالسلام عارف واتفقت هذه الفئات على تشكيل تنظيم سياسي باسم الحركة الاشتراكية العربية وأصدروا بياناً في أواخر سنة 1965 يتضمن مولد الحركة ورفع شعار لهم هو (حرية، اشتراكية، وحدة).
وسرعان ما بدأت الصراعات والخلافات بين القوى التي شاركت في هذا التنظيم وحصلت انشقاقات داخل الحركة الاشتراكية العربية وخاصة إثر المؤتمر القومي الأول الذي انعقد في تموز/ يوليو 1968. ولعل حزب الوحدة الاشتراكي الذي أسسه عدد من الضباط الناصريين مع مجموعة من المدنيين في حزيران/ يونيو 1967 أبرز تنظيم ينبثق عن الحركة الاشتراكية العربية وقد تزعم حزب الوحدة الاشتراكي العقيد الركن صبحي عبدالحميد ومعه خالد علي الصالح ويدعو هذا الحزب إلى الوحدة الفورية مع مصر تحت قيادة الرئيس جمال عبدالناصر. وكان عارف عبدالرزاق من مؤيدي هذا الحزب ويرتبط مع صبحي عبدالحميد بصلة وثيقة.
أما الحزب الاشتراكي فقد تأسس في 5 حزيران/ يونيو 1968 وتزعمه رشيد محسن وكان يضم في قيادته فاروق صبري معاون مدير الاستخبارات العسكرية الأسبق والعقيد المتقاعد مبدر سلمان الويس وهاشم جعفر الحبوبي وشريف الفضلي ومعاذ عبدالرحيم وناصر الفلاحي وشاكر الطبقجلي. وقد تبنى الحزب آراء واتجاهات جمال عبدالناصر. وبعد حركة 17 تموز/ يوليو 1968، أبدى الحزب معارضته للحركة لذلك اضطر عدد من قادته إلى الإقامة في مصر كلاجئين سياسيين. وقد طرح الحزب في بداية تأسيسه مجموعة من المبادئ أبرزها مكافحة الرجعية والاستعمار والوقوف ضد الأفكار الانفصالية.
وبعد فصل إياد سعيد ثابت ونظمي شاكر أوجي ودريد سعيد ثابت من حزب البعث دعوا كافة الفئات والأحزاب الناصرية في العراق لعقد مؤتمر سياسي يجمع هذه الفئات بهدف التوصل إلى اتفاق تعمل الأحزاب ضمن إطاره وقد تشكل على أثر ذلك المؤتمر تنظيم جديد أطلق عليه اسم: (مؤتمر القوميين الاشتراكيين) ودعا هذا التنظيم إلى تبني الأفكار الناصرية الوحدوية ومقاومة اتجاهات حزب البعث وخاصة بعد وصوله إلى السلطة في 17 تموز/ يوليو 1968.
وكان هناك، ضمن التنظيمات الناصرية (الحزب العربي الاشتراكي)، وقد تشكل من الأعضاء السابقين في حزب الاستقلال أمثال عبدالرزاق شبيب نقيب المحامين الأسبق وأحمد هادي الحبوبي والدكتور مالك دوهان الحسن وعربي الحاج أحمد المحامي والدكتور عبدالعال الصكبان وتوفيق المؤمن وقد بدأوا عملهم الحزبي، كما يقول شريدة، برفع شعار (وحدة ـ كفاح ـ اشتراكية) لكنهم استبدلوه بشعار آخر هو (حرية ـ اشتراكية ـ وحدة).
وقد اشترك هذا الحزب في (الجبهة القومية) التي تشكلت لمقاومة حكم عبدالكريم قاسم وبعد حركة تشرين الأول/ أكتوبر 1963 اندمج هذه الحزب بالاتحاد الاشتراكي، لكنه خرج منه أواخر 1966 وحصل انشقاق قاده الدكتور مالك دوهان الحسن الذي أطلق على تنظيمه اسم (اللجنة المركزية للحزب العربي الاشتراكي).. وحمل التنظيم الثاني اسم (المكتب السياسي للحزب العربي الاشتراكي) وتزعمه عبد الرزاق شبيب وقد توارى هذا الحزب عن الأنظار بعد حركة 17 تموز/ يوليو 1968.. أما (الرابطة القومية) فقد نشأت لتضم مجموعة من العناصر الناصرية وذلك بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 19548 وكان من مؤسسيها الدكتور هشام ابراهيم الشاوي وعدنان الراوي الشاعر المعروف وفوزي عبد الواحد وفارس ناصر الحسن وعاد تكليف آل فرعون. وبعد حركة تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1963 اندمجت الرابطة بالاتحاد الاشتراكي ولما وقف عمل الاتحاد انشطرت الرابطة إلى شطرين أطلق على الشطر الأول اسم (المؤتمر القومي) وقاده كل من عدنان الراوي ورمزي العمري. أما الشطر الآخر فقد ظل يُعرف باسم (الرابطة القومية) وكان شعار الرابطة (شعب عربي واحدـ دولة عربية واحدة).
وبعد حركة تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1963ظهرت حركة سياسية ناصرية ضمت عناصر قد فُصلت من حزب البعث، أبرزهم عبدالإله البياتي وقيس كامل عبدالكريم الذي انضم فيما بعد إلى الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين مع زوجته هناء محمد علي الشيباني التي استشهدت في إحدى العمليات الفدائية سنة 1970 ولايزال قيس كامل عبدالكريم يعيش في غزة حتى كتابة هذه السطور وكان من عناصر الحركة كذلك طارق صاحب الدليمي العضو السابق في القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
وقد ظهر حزب قومي باسم (حزب العمال العربي الاشتراكي)، لكنه تبنى الماركسية بعد انعقاد مؤتمره الأول نهاية سنة 1969 وكان معظم مؤسسيه أعضاء مفصولين من حزب البعث منهم علي صالح السعدي ومحسن الشيخ راضي وهاني الفكيكي وحميد خلخال وأبو طالب عبد المطلب الهاشمي وحميد عبد المجيد. وقد انشق التنظيم بعد المؤتمر الأول إلى جماعتين، تزعم الأولى مهدي صالح عبدالمجيد في حين تزعم المجموعة الثانية علي صالح السعدي والدكتور سعدي محمد صالح السعدي وقد تبنت هذه المجموعة الفكر الماركسي بينما بقيت المجموعة الأولى تؤيد التعاون مع البرجوازية العربية وأحزابها من أجل تحقيق المهام العربية القومية.
لقد خاض القوميون الناصريون، ومنهم ضباط ناصريون تأثروا بأفكار الرئيس جمال عبدالناصر، صراعاً مع البعثيين ومع عبدالسلام محمد عارف الذي أصبح رئيسا للجمهورية بعد حركة قادها ضباط بعثيون وقوميون ضد نظام حكم عبدالكريم قاسم يوم 8 شباط/ فبراير 1963.. وبعد أقل من سبعة أشهر استطاع المشير الركن عبدالسلام عارف من طرد البعثيين في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1963 والسيطرة على السلطة بمساعدة عدد من الضباط الناصريين أمثال صبحي عبدالحميد وناجي طالب وعبدالكريم فرحان وعرفان عبدالقادر وجدي وسعيد صليبي وعارف عبدالرزاق وطاهر يحيى..
في 20 تشرين الثاني/ فبراير 1963 كلف عبدالسلام عارف الفريق طاهر يحيى بتشكيل وزارة جديدة ضمت عدداً كبيراً من الضباط الناصريين أمثال صبحي عبدالحميد وزير الخارجية، وعبدالستار عبداللطيف وزير الموصلات وعارف عبدالرزاق وزير الزراعة وعبدالكريم فرحان وزير الإرشاد وبدا الأمر وكأن الناصريين هم الذين سيطروا على السلطة وانتظر الجميع مزيداً من التنسيق مع الجمهورية العربية المتحدة ومع الرئيس جمال عبدالناصر.. وقد أعلن طاهر يحيى رئيس الوزراء الجديد عن تعهد حكومته بتنفيذ ميثاق 17 نيسان/ أبريل 1963 وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر 1963 أعلن منهاج وزارته وتضمن تفصيلات كثيرة تتعلق بتبني أساسيات التجربة الناصرية في مجال تطبيق الاشتراكية العربية وإصدار قرارات التأميم (وتأكيد النظام على قضية الوحدة مع مصر). وخصص المنهاج باباً خاصاً عنوانه : (السياسة العربية) تم التشديد فيه بصورة خاصة على علاقات التعاون بين العراق والدول العربية الأخرى.. وأشار إلى أن ميثاق 17 نيسان/ ابريل 1963 الذي وقعه العراق مع مصر وسوريا هو نقطة الإنطلاق إلى الوحدة. وفي 3 أيار/ مايو 1964 أعلن دستور مؤقت جديد.. وقام عبدالسلام عارف بالتوقيع على اتفاق تمهيدي مع الرئيس جمال عبدالناصر في يوم 28 أيار/ مايو 1964. وقد تضمن نص الاتفاق على تأليف (مجلس رئاسة مشترك) تكون مهمته دراسة وتنفيذ الخطوات الضرورية لإقامة الوحدة بين مصر والعراق.
تعرضت سياسة عبد السلام عارف إلى انتقاد من القوى السياسية العراقية، فعلى سبيل المثال رفع كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي مذكرة إلى رئيس الجمهورية أول حزيران/ يونيو 1964 انتقد فيها النظام وتعرض إلى الدستور وقال إنه قد أعلن دون الرجوع إلى الحزب وعرج على اتفاق الرئيس عبدالسلام عارف مع الرئيس جمال عبدالناصر في 28 أيار/ مايو 1964 وقال إن هذا الاتفاق أعد وأبرم، شأنه في ذلك شأن الدستور المؤقت دون الرجوع إلى الشعب، ودعا الجادرجي إلى اعتماد مبادئ الديمقراطية وأصر على منح الأحزاب السياسية الحرية التامة وعلى إجراء انتخابات عامة في أقرب وقت ممكن وقال أيضاً أنه يجب أن تقوم الوحدة على أساس (اتحادي) وأعرب عن أسفه لعدم استشاره زعماء الأحزاب السياسية في العراق بمثل هذه الإجراءات المهمة التي اتخذت بالنيابة عن البلاد.
أعلن عبدالسلام عارف في 14 تموز/ يوليو 1964 عن قيام (الاتحاد العربي الاشتراكي) على غرار الاتحاد الاشتراكي الذي أقامه الرئيس جمال عبدالناصر في مصر.. وقد اصدر الاتحاد ميثاقاً وطنياً، كان إلى حدٍ كبير نسخة مشابهة للميثاق الوطني (المصري).
تلقى الكثير من زعماء الأحزاب والتنظيمات السياسية في العراق الاتحاد الاشتراكي العربي ببرود واضح واعتبروه بداية لتدمير الحياة الحزبية والشروع بإقامة الحزب الواحد، بيد أن (الشبان الذين عرفوا بتأييدهم لنموذج الاشتراكية التي كانت تطبق في مصر) هم وحدهم الذين أيدوا الاتحاد الاشتراكي، وأقدموا على حل تنظيماتهم السياسية ودخولهم إلى الاتحاد، وهذه التنظيمات هي:
- حركة القوميين العرب
- الحزب العربي الاشتراكي
- حركة الوحدويين الاشتراكيين
- الوحدويون الاشتراكيون الديموقراطيون
والغريب أن الحزب الشيوعي العراقي رحبَ بالاتحاد الاشتراكي في 14 آب/ أغسطس 1964 وقال في بيان أصدره بان الاتحاد الاشتراكي (خطوة استهدفت توحيد جانب هام من القوى الوطنية).. وأضاف أن الحزب (يرسم التدابير الضرورية للتعاون معه بهدف السعي لتعزيز الجانب التقدمي في سياسته وتطوير أيدولوجيته).. ولا يمكن تفسير هذا الموقف إلا في ضوء العلاقات الجيدة التي ربطت الرئيس جمال عبدالناصر بالقيادة السوفيتية آنذاك، إلى درجة أن الكومنترن وهو “التنظيم العالمي للأحزاب الشيوعية”، طلب من الأحزاب الشيوعية العربية ومنها الحزب الشيوعي العراقي تأييد إجراءات عبدالناصر على صعيد إقامة ما كان يسمى: (المجتمع الاشتراكي الديمقراطي الموحد). وفي الوقت نفسه، اصدرت الحكومة العراقية خمسة قرارات تقضي بتأميم المصارف والشركات وتنظيم مجالس الصناعات وإنشاء مؤسسة اقتصادية. وقد وُضع على راس هذه المؤسسة أحد المثقفين الأكاديميين الناصريين من الذين عملوا مع الحركة الاشتراكية العربية وهو الدكتور خير الدين حسيب.. كما وَضع على رأس الاتحاد الاشتراكي ضباط ناصريون منهم صبحي عبدالحميد .
استقال طاهر يحيى في تشرين الثاني/ نوفمبر 1964 بعد أن واجه انتقادات شديدة لفشله في معالجة الأوضاع الاقتصادية التي تدهورت بعد التأميم فضلاً عن الإجراءات القاسية التي واجه بها القوى السياسية المعارضة لكن عارف كلف ثانية في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1964 بتشكيل وزارة جديدة وضعت في 18 كانون الثاني/ يناير 1965 خطة تنمية شاملة للمدة 1965ـ 1969 تهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة فضلاً عن إيجاد حل للمشكلة الكردية. وقد بدأت بعض الإجراءات كمحاولة لكسب الرأي العام ومن ذلك الإعلان في نهاية كانون الثاني/ يناير 1965 عن إلغاء الأحكام العرفية، لكن الإجراءات لم تساعد في تهدئة الأوضاع، واستمرت الحركة العسكرية المسلحة في الشمال الأمر الذي ضاعف من القلق على مستقبل البلد. مما ساعد على ذلك، أن ( الضباط الناصريين) ومنهم صبحي عبدالحميد وعبدالكريم فرحان، بدأوا في مقاومة توجه عبدالسلام عارف في السيطرة على الجيش وأخذوا يقولون بأنه (يُكثر الحديث عن الوحدة العربية دون أن يعمل لها بإيمان الواثق بها)، وسرعان ما تغيرت نظرتهم إلى عبدالسلام عارف فأصبح في نظرهم (ضابطا مغامراً يسعى إلى تثبيت حكمه الشخصي). وقد اتضح ذلك حينما أخذ يتدخل في شؤون الوزراء ويعمل على تعيين الموالين له من الضباط في مناصب رئيسية وينقل الضباط الناصريين إلى مناصب ثانوية، وهو في ذلك كان يحاكي اللواء الركن عبدالكريم قاسم (1958-1963) في توجهاته المناوئة للرئيس عبدالناصر وسياسته.
وفوق هذا وذاك، اعترض أولئك الضباط على مفاوضات النفط ووجدوا أنها لم تكن لصالح البلاد، فازدادت الخلافات بينهم وبين عارف حتى بلغت ذروتها في 10 تموز/ يوليو 1965 حين أقدموا على الاستقالة من الوزارة.. وقد حل محلهم ستة وزراء ممن عُرفوا بتأييدهم لعارف. وقد شعر عارف بعد هذه الاستقالة، بضرورة التخلص من طاهر يحيى نفسه، فقدم هذا استقالته في 3 أيلول/ سبتمبر 1965 وشكل عارف عبدالرزاق- وكان يعمل قائداً للقوة الجوية- وزارة جديدة في 6 أيلول/ سبتمبر 1965. وفي 12 أيلول/ سبتمبر 1965 غادر عبدالسلام عارف بغداد إلى الدار البيضاء لحضور مؤتمر القمة، وفي أثناء وجوده هناك قام رئيس الوزراء الجديد، وهو معروف بكونه ناصري، بمحاولة للانقلاب، إلا أن أنصار عبدالسلام عارف أحبطوه وقد اتهم عبدالسلام عارف (مصر) بأنها كانت وراء الانقلاب فتوترت العلاقات معها آنذاك، وأصبح عبدالسلام عارف يُكثر من انتقاد عبدالناصر وأنصاره في العراق.
وفي 21 أيلول/ سبتمبر 1965 كلف عبدالسلام عارف، عبد الرحمن البزاز، وهو أستاذ جامعي متخصص في القانون بتشكيل وزارة جديدة استمرت في الحكم حتى 18 نيسان/ إبريل 1966 وقد تعهد البزاز بإقامة نظام حكم دستوري وتحقيق الازدهار للشعب في ظل ما أطلق عليه (اشتراكية عربية رشيدة) تزيد الإنتاج وتحقق عدالة التوزيع عن طريق بذل العناية بالقطاعين العام والخاص.. وهاجم البزاز ظاهرة (الانقلابات العسكرية) ووعد بإنشاء (جهاز حكومي منتظم) وأيد استمرار (الاتحاد الاشتراكي العربي) على أن يُعاد النظر في تركيبته.
في 13 نيسان/ إبريل قُتل عبدالسلام عارف في حادث تحطم طائرته في البصرة، حيث كان يقوم بجولة في المحافظات الجنوبية.. وفي مساء 16 نيسان/ إبريل 1966 عقد اجتماع مشترك بين مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني الذي كان يتألف من (20) عضواً هم اثنا عشر ضابطاً وثمانية وزراء جلسا لانتخاب رئيس الجمهورية وقد أيد الضباط ترشيح عبدالرحمن عارف شقيق عبدالسلام عارف وكان يشغل منصب رئيس أركان الجيش آنذاك فحصل على الأكثرية وقد قدم البزاز استقالته ليُكلف من جديد في 18 نيسان/ إبريل 1977 بتشكيل وزارة جديدة كان من أبرز إنجازاتها إصدار بيان 29 حزيران/ يونيو 1966 لتسوية المسألة الكردية، من خلال الاعتراف بالقومية الكردية بشكلٍ قاطع في الدستور واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي تسكنها غالبية كردية..
واجه الحكم الجديد محاولة انقلابية قام بها عارف عبدالرزاق في 30 حزيران/ يونيو بالتعاون مع عدد من الضباط المعروفين باتجاهاتهم الناصرية، لكن عبدالرحمن عارف استطاع قمع الحركة والاستفادة من ذلك في تثبيت مركزه..
وقد اضطر البزاز لإعلان استقالته من رئاسة الوزراء في 6 آب/ أغسطس 1966 عندما شعر بانعدام التعاون بينه وبين عبدالرحمن عارف وقد كلف عارف ناجي طالب وهو من قادة ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 بتأليف الوزارة في اليوم ذاته (6 آب/ أغسطس 1966) واستمر ناجي طالب في الحكم حتى 10 أيار/ مايو 1967 وقد تعرض ناجي طالب لكثير من الضغوط من بعض الضباط المنافسين، فاستقال وقد ألف عبدالرحمن عارف نفسه الوزارة في 10 أيار/ مايو 1967 وعين له أربعة نواب منهم طاهر يحيى، وقد واجهت هذه الوزارة ظروف مشاركة العراق في حرب 1967 ثم تداعيات الهزيمة، وبعد الحرب أدرك عارف صعوبة الجمع بين منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فتخلى في 19 تموز/ يوليو 1967 عن سلطاته كرئيس للوزراء إلى طاهر يحيى ولم يستطع طاهر يحيى معالجة مشكلات العراق الداخلية المتفاقمة وازدياد المعارضة لحكم عبدالرحمن عارف، وقاد الشيوعيون حركة للكفاح المسلح في جنوب العراق وازدادت نقمة المواطنين بعد قرار الحكومة زيادة الضرائب لمواجهة النفقات المتزايدة واستمرت الخلافات بين أعضاء وزارة طاهر يحيى واستقالة ثلاثة منهم، الأمر الذي أضعف الوزارة وقلل من هيبتها وبدأت أوضاع البلاد تنحدر وعم الفساد والفوضى الاقتصاد والإدارة ووصلت البلاد إلى حالة شبيهة بما كان عليه العراق قبل ثورة 1958 وقد استطاع حزب البعث القيام بحركة انقلابية يوم 17 تموز/ يوليو 1968، كان من نتائجها إعفاء عبدالرحمن عارف من مناصبه وإحالته على التقاعد، وإعفاء حكومة طاهر يحيى وتشكيل (مجلس قيادة ثورة) يتولى إدارة شؤون الجمهورية.. وفي بيان الحركة الأول اتضح بأن السياسيين الجدد غير ميالين إلى التعاون مع عبد الناصر حتى أنهم أعلنوا التزامهم بميثاق جامعة الدول العربية وإقامة علاقات وثيقة مع الدول العربية والإسلامية.. وقد ظهرت بعض المشاكل بين العراق ومصر خلال المدة من 1968 وحتى وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، ومنها أن السلطة الجديدة اعتقلت عدداً كبيراً من الناصريين، مدنيين وعسكريين وحرّمت العمل السياسي الناصري وبدأت وسائل الإعلام تنتقد سياسة عبدالناصر الخارجية وخاصة بعد قبوله بمبدأ روجرز لحل القضية الفلسطينية وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. واضطرت الأحزاب والقوى الناصرية إلى التوجه نحو السرية في نشاطاتها وعندما توفي عبدالناصر منعت السلطة قيام تظاهرات حزن في بغداد والمدن العراقية الأخرى، حتى أنها تصدت لبعضها ومنعت استمرارها بقوة السلاح.. وبدأت حركة لتثقيف الناس في مصر بعيداً عن المبادئ والأفكار الناصرية .
خـــــلاصة:
كان للتجربة الناصرية تأثيراً كبيراً في حياة العراق السياسية، سواء على صعيد الأحزاب والقوى السياسية أو على صعيد الإجراءات السياسية والاقتصادية والثقافية التي شهدها العراق طيلة السنوات الواقعة بين 1952 و1970. واتضح هذا من خلال تنامي نشاط التنظيمات الحزبية التي اتخذت من الناصرية إيديولوجية لها.. وخاصة من حيث تركيزها على مبادئ التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري ومحاربة الاستعمار والإقطاع والرجعية والتمسك بسياسية الحياد الايجابي وبأن على الإنسان العربي أن يفخر بكونه عربي ويرتبط بأقرانه الذي يعيشون على الأرض الواقعة بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي بروابط اللغة والدين والتاريخ المشترك والآمال والآلام الواحدة.. ومن أن مبادئ الثورة العربية واحدة في كل الأرض العربية ولا بد من تلاحم الكفاح بين المناضلين وخاصة من خلال إقامة ما أطلق عليه في حينه (الحركة العربية الواحدة) ولا تزال آثار هذه التجربة في العراق ماثلة للعيان.
* أستاذ التاريخ العربي الحديث ومدير مركز الدراسات الإقليمية- جامعة الموصل- العراق
المصدر: مدونة الكاتب على وسائل التواصل