معقل زهور عدي
تابعتُ باهتمام محاضرة الدكتور “زيدون الزعبي” حول الفدرالية، طرح الدكتور زيدون ضرورة النظر للفدرالية كأداة للحكم وليس كأيديولوجيا يمكن أن تنظر إليها باعتبارها إيديولوجيا شر أو خير، حسناً، هذا لا خلاف فيه.
لكن ما تم إهماله هو ارتباط الفكرة بالسياسة والسياق السياسي الذي تُطرح فيه وذلك موضوع مختلف عن النظر للفدرالية كإيديولوجية، وعلى سبيل المثال فحين يطرح البعض في لبنان اليوم مسألة الفدرالية ( والمسألة مطروحة بالفعل وليس مجرد افتراض ) فهو يعني كيانات مذهبية مستقلة سياسياً وإدارياً إلى أبعد حد ممكن دون الانتهاء من الدولة اللبنانية، فهي كيانات فدرالية للمسيحيين أولاً ثم لمن يرغب من المسلمين السنة أو الشيعة، وعندما طُرحت الفدرالية في العراق عقب الاحتلال الأمريكي فقد طُرح تقسيم البلاد لكيانات شيعية وسنية وكردية، وفي الحالتين لم ينفصل الطرح الفدرالي عن الطرح الطائفي.
ومثل تلك الفدراليات لا تمت بصلة للفدراليات الأوربية أو الأمريكية حيث لم يعد للطائفية جذور اجتماعية وثقافية تقبل تمفصلها مع السياسة والدستور، وليس هناك مبرر للاعتقاد أن الطرح الفدرالي لسورية سيكون بعيداً عن التجربة العراقية، بل من الواضح أنه سيرتدي الثوب الطائفي بمجرد خروجه من رحم الفكرة إلى الواقع، أما الثوب الآخر الذي سيرتديه فلن يكون أفضل حالاً في ظل وجود الاحتلال الأمريكي وحالة إقليم الجزيرة اليوم، فكيف سيخرج المشروع الفدرالي من بين هذا الواقع السياسي بريئاً منه، كمجرد تطبيق لطريقة في الحكم على نمط الولايات المتحدة أو الهند أو الفدرالية الألمانية؟
ألا يبدو واضحاً أننا نسبح في فضاء رومانسي لا صلة له بواقعنا السياسي الحالي، لا أحد ضد الفدرالية كفكرة مجردة، لكن مجرد التفكير في تجربة جيراننا العراقيين، وما يتم الحديث حوله في لبنان من تطبيق الفدرالية كحل بين الطوائف، ووضع سورية اليوم مع الشروخات التي تركتها المرحلة الدموية السابقة والاحتلالات الأجنبية يقول بصريح العبارة لمن يتحدث عن فدراليات سورية: لا شك أنك تقصد ما هو الآن تحت سيطرة قسد بدعم القوات الأمريكية وما تحت سيطرة النظام، وتحت سيطرة المعارضة في الشمال أو فدراليات طائفية وإلا فلا يعود للحديث معنى، القصد، لا أحد ينظر لفدرالية في الكتب باعتبارها شراً.
لكن عندما يجري الحديث عن فدراليات سورية فلا بد أن نشوءها يرتبط ارتباطاً حيوياً بالوضع السياسي والعسكري الحالي والذي ليس سوى حالة احتلال متعدد الأشكال ونظام سياسي لم يعد قادراً على استعادة وحدة سورية.
نقطة البدء هي الانتهاء من الاستبداد نحو نظام ديمقراطي، وفي ظل مثل ذلك النظام وبعد جلاء قوات الاحتلال، سيتحرر الشعب السوري ووقتها يمكن لشعب حر اختيار شكل الدولة، أما الشعب الرازح تحت الاستبداد والاحتلال فلن تكون فدراليته سوى تقنين لقوى الاستبداد والاحتلال والطائفية.
المصدر: كلنا شركاء