الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

نهاية لعبة النظام السوري بالكبتاغون

أحمد عيشة *

يطرح التقرير أدناه الذي نُشر في أواخر أيار 2023 على موقع (معهد نيو لاينز،NEW LINES INSTITUTE) بمنهجية علمية، التناقض الكبير والواضح بين رواية نظام الكبتاغون السوري لمكافحة المخدرات وأفعاله، ويستطرد التقرير محللاً بالأدلة مشاركة النظام في تجارة الكبتاغون ومفنداً روايته بالمقارنة مع ما يجري على المناطق الخاضعة لسلطته، وقد أظهر كاتبيّ التقرير {كرم شعار(**) وكارولين روز(***)،Dr. Karam Shaar Caroline Rose& } ضرورة اعتراف الجهات المتنفذة دولياً بالتناقض، بين رواية نظام الكبتاغون السوري لمكافحة المخدرات وأفعاله.

ملخص تنفيذي:

ما تزال المنشطات الأمفيتامينية، التي تسوّق على أنها “كبتاغون”، تغمر منطقة البحر الأبيض المتوسط والخليج، حيث ضُبِط ما لا يقلّ عن (370) مليون حبة في عام 2022 في عموم المنطقة، وليس هذا سوى جزء من إجمالي السوق، إذ لم يُبلَّغ عن عدد كبير من حبوب الكبتاغون أو لم تكتشفها وكالات إنفاذ القانون. كان الارتفاع في انتشار الكبتاغون ضارًّا بمنطقة متقلبة بالفعل، حيث استُغلّت الثغرات في الحكم والأمن والصحة العامة. وفي حين تترَك البلدان المستهلكة للصراع مع الآثار الصحية والأمنية للكبتاغون، فإن العقار المخدّر يعمل على تمكين نظام بشار الأسد: المورّد والراعي الرئيس لهذه الصناعة.

يسعى العالم جاهدًا للاستجابة لهذه الأزمة، حيث تعمل مراكز الاستهلاك الإقليمية، ومنها المملكة العربية السعودية والأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة، على تعزيز قدرتها على اعتراض الكبتاغون وحظره؛ ويطالب المشرعون في الولايات المتحدة باستراتيجية مشتركة بين الإدارات لمكافحته. وتعلن الدول الغربية فرض عقوبات على المورّدين في سورية، وبدرجة أقلّ، في لبنان.

بينما تتزايد الأدلة على مشاركة نظام الأسد في تجارة الكبتاغون، ظهرت رواية متسقة نسبيًا داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام. يقدم هذا التقرير أول تحليل شامل لتلك الرواية، محليًا ودوليًا، ويقارنها بأعمال النظام على الأرض.

ويحلل هذا التقرير جميع المقالات التي تحمل كلمة “مخدرات narcotics”، في عنوانها في الموقع الرسمي للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) من الأعوام 2015 إلى 2022. وتستكمَل هذه البيانات بالتقارير الرسمية التي قدّمتها سورية إلى مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، وببيانات مسؤولي النظام، وبأحكام الإعدام المتعلقة بالمخدرات والمعلنة في الجريدة الرسمية. لفحص السياسات على أرض الواقع، يحلل المؤلفون نوعيًا الأدبيات الموجودة، ويتتبعون إعلانات المضبوطات المبلَّغ عنها من بلدان أخرى في المنطقة، خلال عامي 2021 و2022، حيث حددت سلطة الاستيلاء رسميًا وصراحة بلد أو منطقة منشأ شحنات الكبتاغون.

على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، كان هناك ارتفاع ملحوظ في شحنات الكبتاغون المرتبطة مباشرة بالمختبرات والموانئ وشبكات التهريب ومواد التعبئة والتغليف الموجودة في المناطق التي يسيطر عليها النظام. وقد ترافق ذلك مع تراكم الأدلة على وجود مسؤولين أمنيين موالين للنظام وأفراد يشرفون على إنتاج الكبتاغون على المستوى الصناعي، في المناطق التي يسيطر عليها النظام. ومع ذلك، يزعم نظام الأسد بثبات بأنه لا يوجد إنتاج للكبتاغون على الإطلاق داخل المناطق التي يسيطر عليها. وأكثر من ذلك، في حين أن الحكومة السورية أبلغت عن عدد كبير من المضبوطات، مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، فإن الكميات المضبوطة أقل بكثير. ولأن الكبتاغون أصبح بندًا رئيسًا على جدول الأعمال خلال مناقشات التطبيع مع النظام، تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى الاعتراف بالتناقض، بين رواية النظام السوري لمكافحة المخدرات وأفعاله.

العِبَر الرئيسة:

كانت رواية النظام السوري المتسقة نسبيًا لمكافحة المخدرات هي إنكار إنتاج الكبتاغون في المناطق التي يسيطر عليها، مع تهريب القليل عبر الحدود، واستكمالها بسلسلة شكلية من المضبوطات صغيرة الحجم.

تتناقض رواية النظام بوضوح مع الأدلة المتراكمة على تركز الإنتاج على نطاق صناعي بشكل جيد داخل مناطقه، وكذلك الأدلة على تورط الأفراد المتحالفين مع النظام وحزب الله بشكل ممنهج في عمليات الإمداد والتهريب.

سيواصل النظام الاستفادة من تجارة الكبتاغون وتحويلها إلى سلاح، باعتبارها “بندًا على جدول الأعمال” في التطبيع الإقليمي، وتأطير مضبوطات الكبتاغون المبلَّغ عنها كبادرة حسن نية، واستخدام إدارته على تجارة المخدرات لانتزاع تنازلات سياسية ومالية من دول أخرى.

من غير المجدي الدخول في شراكة مباشرة مع النظام السوري لمواجهة صناعة الكبتاغون، بالنظر إلى أن البيانات تشير إلى أن خطاب الحكومة المناهض للمخدرات مصمّم لصرف الانتباه عن الإنتاج المتوافق مع النظام، بدلًا من وقف هذه الأسواق بشكل فعال

توصيات السياسة العامة:

يجب على الولايات المتحدة وشركائها ثنيُ دول المنطقة عن ربط التطبيع مع سورية بتخفيض إمدادات المخدرات، حيث لا يزال النظام نفسه المورّدَ الرئيس للكبتاغون، مع حافز ضئيل للحد من الإنتاج والتهريب.

يجب على الولايات المتحدة وشركائها تشجيع الجهات الفاعلة الإقليمية على التنسيق بشأن سياسات مكافحة الكبتاغون. ويمكن القيام بذلك من خلال دعم إنشاء فريق عمل إقليمي يهدف إلى خفض العرض والطلب على المخدرات.

يمكن أن يكون إبقاء قنوات اتصال منخفضة المستوى مع نظام الأسد مفتوحة مفيدًا لفهم كيفية عمله وتفاعله مع القطاع، ولكن لا ينبغي النظر في التعاون رفيع المستوى، لأن النظام السوري لم يُظهر أي تغيير في السلوك، ويحفَز لمواصلة إنتاج الكبتاغون والاتجار بها على المستوى الصناعي.

الخلفية:

توسّعَ استهلاك الكبتاغون في الشرق الأوسط، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن توسعه الصناعي على مدى الأعوام الأربعة الماضية خلق أزمة إقليمية. في عام 2022 وحده، ضبِط أكثر من (370) مليون حبة من المخدرات في المنطقة، (65) في المئة منها في المملكة العربية السعودية والأردن والكويت والعراق. ولا تزال المواد الأخرى، وأبرزها راتنج القنب (الحشيش)، تحظى برواج كبير في المنطقة، لكن لا يوجد عقار يضاهي الأهمية الاقتصادية، ويزيد الوزن الجيوسياسي، والآثار الأمنية، مثل تجارة الكبتاغون.

مع تزايد موجة الكبتاغون، تراكمت أيضًا الأدلة التي تربط التجارة بشبكات متحالفة مع نظام بشار الأسد، محددة عمليات الإمداد والاتجار بالحجم الصناعي في درعا واللاذقية وحمص ودير الزور وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام. دفعت هذه الظاهرة الولايات المتحدة ودولًا غربية أخرى إلى تطبيق عقوبات جديدة واستكشاف استراتيجيات شاملة لوقف العرض والطلب، في حين استكشف الشركاء الإقليميون طرقًا لدمج قضية الكبتاغون بمناقشات التطبيع مع نظام الأسد.

على الرغم من الأدلة المتراكمة على مشاركة الدولة في الصناعة والأهمية التي لعبتها تجارة الكبتاغون أخيرًا في مناقشات التطبيع، لم ينطق الأسد علنًا بكلمة “كبتاغون”. على عكس الجهات الفاعلة الأخرى التي أنكرت المشاركة في تجارة الكبتاغون، مثل حزب الله، حافظ النظام على رواية ضمنية أكثر هدوءًا عن إمكانية الإنكار ظاهريًا، مدعومة بعدد كبير من الاعتقالات والمصادرة، مع تجنب دحض مزاعم مشاركته بشكل مباشر في التجارة. لذلك من الضروري التمييز بين الرواية المعلنة للنظام والسياسات على الأرض.

المنهجية:

حلّل هذا التقرير (612) مادة، من وكالة الأنباء العربية السورية (سانا)، بين عامي 2015 و2022، تحتوي على كلمة “مخدرات” في عناوينها، لتفحّص التغطية العامة للاعتقالات والتهريب والمصادرة، من بين مواضيع أخرى متعلقة بالمخدرات. وجمع التقرير بيانات من التقارير الرسمية التي قدمتها سورية إلى مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة (UNODC)، والبيانات الرسمية، وأحكام الإعدام المعلنة في الجريدة السورية. يحلل هذا التقرير أيضًا المنشورات الموجودة والبيانات من أسواق مستهلكي الكبتاغون، إلى جانب التحليل النوعي للأدبيات الموجودة وإعلانات الضبط الرسمية للكبتاغون، خلال عامي 2021 و2022.

وعلى الرغم من الجمع بين مصادر البيانات هذه، لا تزال هناك قيود كبيرة على إظهار أي صورة شاملة عن المضبوطات في سورية والمنطقة، بالنظر إلى أن هذه التقارير تستند إلى تقارير حكومية إرادية. لذلك لا يسعى هذا التقرير إلى تقديم أي تحليل شامل لجميع المضبوطات التي تمت في سورية، إنما يسعى إلى تقديم الصورة التي رسمها النظام السوري وما نتج عنها من رواية حول تدابير مكافحة المخدرات، وتحديدًا تجاه تجارة الكبتاغون.

المواد المنشورة في وكالة (سانا) عن المخدرات، حسب الموضوع:

مضبوطات المخدرات في سورية:

المضبوطات المبلَّغ عنها حسب نوع المخدر:

متوسط حجم كلّ عملية ضبط مبلّغ عنها:

التضاربات بين تقارير النظام وتنفيذ السياسات:

على الورق، تمتلك الدولة السورية إطارًا قانونيًا قويًا، يمنع المواطنين من إنتاج المخدرات أو الاتجار بها أو تناولها. ومع ذلك، من الناحية العملية، نادرًا ما أدى هذا إلى تعطيل التجارة مثل الكبتاغون داخل البلاد.

يدعم القانون الرئيس رقم (2) لعام 1993 بخصوص المخدرات معظم جوانب المخدرات في البلاد. يحظر القانون على أي شخص زراعة أو استيراد أو تصدير أو نقل أو حيازة أو شراء أو بيع أو تبادل أو تسليم أو استلام أو التبرع بالمواد المخدرة. ويفرض عقوبات شديدة، تصل إلى حد الإعدام، على أي شخص متورط في الاتجار بالمواد المخدرة المدرجة في القائمة أو تصنيعها أو زراعتها ذات الآثار العقلية. وعقوبة الإعدام هي أيضًا عقوبة للموظفين الحكوميين المكلفين بمكافحة المخدرات أو الذين يتمتعون بأي شكل من أشكال السلطة، بحكم مركزهم أو طبيعة عملهم أو الحصانة الممنوحة لهم وفقًا للقانون، إذا ثبت تورطهم في الاتجار بالمواد المخدرة أو صنعها أو زراعتها.

مضبوطات المخدرات والاعتقالات في مناطق سيطرة النظام:

المخدرات المضبوطة (المبلَغ عنها):

المعتقلون بجرائم مرتبطة بالمخدرات:

كما ينظم القانون إنشاء مراكز إعادة التأهيل أو المصحات التابعة لوزارة الصحة. وتعَّد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مسؤولة بدورها عن رعاية الأفراد المفرَج عنهم من المصحات. ونصَّ القانون على إنشاء اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات برئاسة وزير الداخلية، وهي مسؤولة عن:

  • وضع السياسات العامة المتعلقة باستيراد المواد المخدرة وتصديرها ونقلها وإنتاجها وصنعها وزراعتها وحيازتها واكتسابها والاتجار بها وتسليمها ومكافحة الجرائم ذات الصلة.
  • التنسيق بين الوزارات والإدارات الوطنية، بخصوص المسائل المتصلة بالمخدرات، وكذلك المكتب العربي للمخدرات والجريمة والهيئات الدولية والعربية الأخرى.
  • تحديد الكمية السنوية من المخدرات التي يمكن استيرادها، أو تصديرها أو نقلها أو إنتاجها أو زراعتها أو الاتجار بها.
  • وضع خطط للوقاية والعلاج.

تضم عضوية اللجنة ممثلين عن كثير من الوزارات، من ضمنها وزارات العدل والصحة والتعليم والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية والعمل والأوقاف ووسائل الإعلام.

ومن ناحية أخرى، تقع جوانب إنفاذ القانون على عاتق إدارة مكافحة المخدرات، التي تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية. وتشمل هذه الجوانب مكافحة عمليات الاتجار بالمخدرات وصنعها واستهلاكها، التي تبلّغ مباشرة إلى إدارة مكافحة المخدرات.

الأفراد المحكومون بالإعدام من الحكومة السورية بجرائم تتعلق بالمخدرات:

حبوب الكبتاغون المضبوطة في السعودية وسورية عام 2022:

يُظهر الاختلاف الهائل بين أحجام مضبوطات الكبتاغون في البلدين، على الرغم من الإنتاج على المستوى الصناعي الذي يحدث في سورية، عدم رغبة نظام الأسد في تقييد التجارة.

مداهمات كثيرة، مضبوطات قليلة:

يخلق تقييم سريع للمضبوطات التي أبلغت عنها الوكالة العامة للأنباء السورية (سانا) تصورًا بأن الحكومة السورية ككل، بقيادة وزارة الداخلية، تبذل قصارى جهدها لمعالجة تجارة الكبتاغون بمتوسط (90) ضبطًا، على الأقل، لجميع أنواع المخدرات سنويًا منذ عام 2019. وتشير البيانات التي جمعتها وكالة (سانا SANA) أيضًا إلى ارتفاع حاد في تقارير الدولة عن المضبوطات منذ عام 2018. ويتزامن هذا الارتفاع مع مكاسب إقليمية كبيرة للنظام السوري في الجنوب، الذي تحوّل لاحقًا إلى مركز إنتاج وتهريب للمخدرات ذات الاهتمام المحلي والإقليمي، وكذلك مع انتشار الكبتاغون الإقليمي المتزايد. يصاحب الانخفاض في عدد المضبوطات المبلّغ عنها في عام 2022 انخفاضٌ عام طفيف في تغطية (سانا) للمخدرات، والمحافظة على استقرار حصة المواد التي تغطي المضبوطات نسبيًا مقارنة بعام 2021. ومع ذلك، لم يتضح ما الذي يفسّر الانخفاض في التقارير الإجمالية عن المضبوطات في عام 2022.

في حين أن عدد مضبوطات الكبتاغون المبلّغ عنها يمكن مقارنته بالعدد في الأسواق الاستهلاكية الرئيسة، مثل المملكة العربية السعودية (36 مقابل 31 في عام 2022)، فإن طبيعة هذه المضبوطات مختلفة تمامًا من جانبين، يعكس كلاهما عدم رغبة النظام في مكافحة الصناعة بصدق: الأول، في حين أن الكبتاغون الأكثر ضررًا وربحية أكثرُ انتشارًا من راتنج القنب (الحشيش)، فإن المداهمات التي أبلغت عنها وكالة (سانا) تشير إلى عكس ذلك.

والثاني، كانت كميات الأقراص/ الحبوب المضبوطة في كل مداهمة أقل بكثير، مقارنة بما ضبِط في المنطقة، على الرغم من وجود مرافق (ورشات) إنتاج على نطاق صناعي في سورية. للتوضيح، في المملكة العربية السعودية، بلغ متوسط حجم شحنات الكبتاغون المضبوطة (3,45) مليون حبة، أي ما مجموعه (107) ملايين حبة، مع الإبلاغ عن (31) مداهمة على الأقل في عام 2022. أبلغت سورية عن (36) عملية مداهمة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بمتوسط (169,000) حبة لكل عملية ضبط أي (5) في المئة من عدد الحبوب المصادرة في المملكة العربية السعودية. يشير هذا إلى أن المضبوطات في سورية كانت أكثر شكلية بطبيعتها، ولا سيما أن دمشق تشعر بضغط أكبر لمكافحة إمدادات الكبتاغون، كبادرة حسن نية وسط محادثات التطبيع.

والرواية العامة للنظام بخصوص المضبوطات غير متسقة، مما يعكس الافتقار إلى التنسيق المركزي بين مختلف أذرع الحكومة. وهناك ثغرات في البيانات، إلا أن كثيرًا منها يرجع إلى نقص التقارير من نظام يسعى إلى إبعاد المسؤولية والمساءلة المتعلقة بالتجارة عنه. بعد عام 2018، بينما كانت أزمة الكبتاغون آخذة في الظهور، توقفت الحكومة السورية عن إبلاغ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأي بيانات. ففي حين أن البيانات التي أبلغت بها سورية مكتبَ الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في العام الأخير من الإبلاغ، تشير إلى ضبط (12,7) مليون حبة، فإن مجموع المضبوطات حسب مقالات (سانا) عن العام نفسه لم يتجاوز (0,2) مليون حبة. وبالمثل، بينما ذكر بيان رسمي قدّمه ممثل حكومة النظام أمام لجنة الأمم المتحدة للمخدرات مصادرة (50) مليون حبة كبتاغون، بين عامي 2020 و2021، تشير الأرقام الإجمالية من (سانا) إلى مصادرة (11,9) مليون حبة فقط.

إضافة إلى ذلك، تشير بعض المضبوطات إلى احتمال تصنيعها. على سبيل المثال، في 21 تموز/ يوليو 2022، زُعم أن النظام السوري صادر (67,6) كيلوغرامًا من الكبتاغون المخبأة داخل ألواح الصابون في حماة، مع مسحوق المخدر المصبوب بقوالب في كتل كبيرة. وبالمثل، في 6 أيلول/ سبتمبر 2022، ورد أن قوات النظام استولت على (24) كيلوغرامًا من مسحوق الكبتاغون المصبوب على شكل ألواح/ أطباق حُمّص. أفاد النظام أنه لإنشاء شكل الأوعية (الأطباق)، قام المهربون بسحق حبوب الكبتاغون وحولوها إلى مسحوق (بودرة) لتشكيل “أطباق تشبه الفخّار مغطاة بمادة لاصقة بنية”. تم الإبلاغ عن المصادرة على نطاق واسع، ليس فقط من قبل مواقع وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة النظام، ولكن أيضًا من قبل المنافذ الإقليمية، نظرًا للطابع الإبداعي والمتقدم لأساليب تهريب الشحنات. ومع ذلك، قال الخبراء وعلماء السموم لمؤلفي هذا التقرير إنه لا يمكن تشكيل مسحوق الكبتاغون بهذه الطريقة.

انعكس عدم استعداد النظام لمكافحة توريد المخدرات بشكل كبير في التحديد الواضح للمسؤوليات بين مؤسسات الدولة. في حين أن وزارة الداخلية هي من قامت بعمليات الضبط بشكل حصري تقريبًا، فإن الفرقة المدرعة الرابعة وفرع الأمن العسكري هما اللذان يرعيان عمليات الإنتاج والتهريب. ويسمح الاستقلال الذاتي النسبي للفرقة الرابعة ووضعها شبه الحكومي مع المؤسسات المدنية لها، بالعمل والإشراف على إنتاج الكبتاغون والاتجار به من دون التعرّض لخطر الاعتراض والمنع. وقد مكّن تقسيم العمل الواضح هذا النظام من إظهار قدرات الحظر والاستعداد لقمع تجارة الكبتاغون التي تعزز الإنكار المعقول، مع الحفاظ في الوقت نفسه على تدفق الإيرادات البديل للكبتاغون.

النظام لا يدّعي إنتاج الكبتاغون في سورية:

الرواية الأكثر اتساقًا بشكل ملحوظ، داخل المؤسسات الحكومية المختلفة، هي الغياب المفترض لتصنيع المخدرات في المناطق التي يسيطر عليها النظام. في الواقع، من بين (612) مقالة على موقع (سانا)، تغطي المخدرات خلال الأعوام 2015 إلى 2022، تشير مقالتان فقط إلى وجود إنتاج مخدرات داخل المناطق الخاضعة للنظام: تم الإبلاغ عن إحداهما في 2018، وعن الأخرى في 2019، وكلاهما يناقش تصنيع راتنج القنب (الحشيش) بدلًا من الكبتاغون. وهذا يعكس رواية رسمية قوية للنظام السوري: لا يوجد تصنيع للكبتاغون في سورية التي يسيطر عليها النظام.

في عام 2019، قال اللواء حسام عازار، مدير مكتب اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات، إن “موقع سورية جعلها ممرًا إلزاميًا بين دول الإنتاج ودول الاستهلاك… والجمهورية العربية السورية بلد عبور حتى الآن، أي عدم تصنيع المخدرات أو زراعتها”.

على الرغم من ادعاء عازار، تم الإبلاغ عن (15) منشأة رئيسة لإنتاج الكبتاغون على الأقل، في المناطق التي يسيطر عليها النظام، من قبل منافذ التحقيق ومراكز الأبحاث وحكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع أدلة كافية على دور مؤسسات الدولة وأقارب الرئيس، مثل ماهر، سامر، ووسيم الأسد الذين يلعبون أدوارًا مركزية في عمليات تصنيع وتهريب الكبتاغون.

وقد تكرر هذا الرأي بأن سورية ليست سوى بلد عبور في الآونة الأخيرة. في أيلول/ سبتمبر 2022، صرّح مدير إدارة مكافحة المخدرات السورية، العميد نضال جريج، بأن حملة مكافحة المخدرات التي شنها النظام أدت إلى اعتقال تجار المخدرات ومصادرة كميات كبيرة، زاعمين أن الجزء الأكبر من هذه الاعتقالات وعمليات المنع كانت في “مناطق حدودية” أو “مخابئ سرية” كانت تمر عبر سورية، ولم تكن خارجة من البلاد. عندما كان الإنتاج على نطاق صناعي أقلّ انتشارًا في سورية، خلال عامي 2010 و2011، صدرت ثلاثة أحكام بالإعدام على جرائم تصنيع المخدرات. لكنّ تحوّل البلاد إلى مورّد للمخدرات يُثير قلقًا عالميًا، خاصة خلال الأعوام الأربعة الماضية، إذ لم تكن هناك أحكام تتعلق بإنتاج الكبتاغون على نطاق واسع أو صغير، باستثناء اعتقالات التجار والمهربين المحليين. وإضافة إلى ذلك، تشير البيانات إلى أن النظام لم يقم بأي عملية مداهمة لمخابر التصنيع، وهو ما يشير إلى أن قوات إنفاذ القانون تبقي على مسافة آمنة من مرافق الإنتاج المعروفة.

من الأمثلة على أحكام الإعدام التي أعلِنت في الجريدة السورية في عام 2010 أن الرجل المدان حكم عليه بالإعدام بتهمة إنتاج المخدرات والاتجار بها:

تهريب قليل:

من عام 2015 إلى عام 2022، ذكر ما لا يقلّ عن 70 مقالًا في موقع (سانا) أن قوات النظام تحبط محاولات التهريب عبر الحدود. كان هناك ارتفاع في عام 2019، عندما كان تهريب الكبتاغون في تصاعد في المنطقة ككل، لا سيما في درعا بعد استعادة مساحات شاسعة من المحافظة الجنوبية عام 2018. ومع ذلك، من عام 2020 إلى عام 2022، انخفض عدد المضبوطات المبلَّغ عنها إلى متوسط تسعة ضبوط في العام. يتعارض الانخفاض في عدد محاولات التهريب المحبطة، مع تصاعد المضبوطات المبلَّغ عنها في بلدان أخرى في المنطقة الناشئة عن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وهو ما يعكس بشكل أكبر عدم استعداد النظام للسيطرة على تهريب المخدرات والصناعة على نطاق أوسع.

وعلى الرغم من وجود أدلّة على كثير من الشحنات الكبيرة التي أبحرت من ميناء اللاذقية، لم يتم الاستيلاء مباشرة إلا على حالات قليلة من التهريب المقصود أو المتعلقة بميناء اللاذقية، بين عامي 2020 و2022. وفي حزيران/ يونيو 2022 -بعد أيام فقط من اليوم الدولي لمكافحة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بها- ضبطت وحدات مكافحة المخدرات السورية (249) كيلوغرامًا من الكبتاغون مخبّأة داخل حاويات لآلات الصلب كان المهربون يستعدون لنقلها إلى ميناء اللاذقية. تم الإبلاغ عن الضبط الآخر في كانون الأول/ ديسمبر 2022، مع “حوالى طن” من حبوب الكبتاغون مخبأة داخل حاويات من أحجار البلاط والصوف في ميناء اللاذقية. وتم الإبلاغ عن معظم عمليات المداهمة للشحنات الخارجية في المناطق المتنازع عليها من الحدود الجنوبية لسورية، لا سيما في محافظة درعا، مع ادعاءات متكررة بتورط عناصر غير منحازة للنظام.

اتهام الجهات الفاعلة غير الحكومية:

قبل ظهور أدلّة على مشاركة متوافقة مع النظام في إنتاج الكبتاغون وتهريبه، كانت التجارة غير المشروعة مثل الكبتاغون مرتبطة بجهات فاعلة غير حكومية متورطة في الحرب الأهلية السورية. في ذروة الحرب، ارتبطت كثير من المنافذ الإخبارية بقوة بتجارة المخدرات مثل الكبتاغون، مع المنظمات الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الرغم من الأدلّة المحدودة على الإنتاج على نطاق واسع بين شبكات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

استمر النظام السوري وشركاؤه في نشر هذه الرواية، منذ اندلاع الصراع، مطلقين الاتهامات بتهريب المخدرات واستهلاكها ضد أعضاء المعارضة السورية والمنظمات الإرهابية النشطة في البلاد. بنى النظام رواية مفادها أن الاتجار بالمخدرات مستمرّ بشكل أساسي في مناطق خارج سيطرته المباشرة، يغذيها عدم الاستقرار المحلي والحاجة إلى إيرادات بديلة. على سبيل المثال، قال مندوب سورية الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في فيينا، السفير حسن خضور، في كانون الأول/ ديسمبر 2022 في الدورة الحادية والثلاثين للجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية، إن الشبكات الإرهابية والإجرامية هي العوامل الرئيسة وراء تصاعد تهريب المخدرات، متهمًا “الدول المتورطة في جلب الإرهاب إلى سورية”، باستخدام تجارة المخدرات غير المشروعة كأداة لتمويل أنشطتها.

وقد ردد مسؤولون سوريون آخرون هذا الرأي، مثل السفير السوري لدى روسيا، رياض حداد. ففي خطاب ألقاه في حزيران/ يونيو 2021، ادعى حداد أن هناك زيادة طفيفة في وجود المخدرات في الأراضي “التي يسيطر عليها الإرهابيون” في سورية، وذكر أن الجيش العربي السوري قام بعدد من عمليات تطهير المخدرات في مناطق خارج سيطرة النظام. وقال إن انتشار الاتجار بالمخدرات تزامن مع تصاعد الحوادث المتعلقة بالإرهاب، حيث قامت المنظمات الإرهابية بترويج وتهريب المواد المخدرة إلى مناطق أخرى، للحصول على أموال لتمويل أنشطتها. وفي تموز/ يوليو 2019، أكد الرائد حسام عازار، مدير مكتب اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات، أن سورية بلد عبور، وقال إن الإرهابيين استخدموا تجارة المخدرات كسلاح، وأنهم مسؤولون عن تصاعد عمليات التهريب خلال الصراع.

الاعتقالات وأحكام الإعدام:

مع زيادة الحكومة السورية في الإبلاغ عن المضبوطات المتعلقة بالمخدرات، زادت أيضًا تقاريرها عن الأفراد المعتقلين ذوي الصلة بجرائم تتعلق بالمخدرات. تشير البيانات التي جُمعت من موقع وكالة (سانا) إلى زيادة قدرها (18) ضعفًا في الاعتقالات المتعلقة بالمخدرات، منذ عام 2019. ومع ذلك، تتطلب هذه التقارير مزيدًا من التدقيق، بسبب الحجم الهائل للاعتقالات والاتجار، على الرغم من رفض الدولة المستمر لأي إنتاج محلي. تشير البيانات في هذا التقرير إلى أن سلطات إنفاذ القانون السورية تقوم علنًا بقمع التجار والمهربين الذين يقومون بتهريب كميات صغيرة من المخدرات، من دون وجود صلات قوية لهم بجهاز الأمن الأساسي للنظام كوسيلة لتوطيد التجارة في أيدي النظام.

ادعى جريج أنه خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، كانت هناك (6,625) حالة من الجرائم المتعلقة بالمخدرات، مع اعتقال (851,621) فردًا -وهو عدد يصل إلى ما يقرب من (15) في المئة من السكان البالغين في سورية. خلال تلك الفترة، تشير مقالات (سانا) المجمعة إلى أنه تم القبض على (343) شخصًا فقط.

الأهم من ذلك أن الاعتقالات الجماعية المزعومة لم تستهدف أيًّا من زعماء المخدرات المعروفين، مثل سامر كمال الأسد أو وسيم الأسد أو نوح زعيتر، الذين يواصلون التجول في سورية التي يسيطر عليها النظام. وهذا يؤكد مرة أخرى عدم استعداد النظام لكبح إمدادات المخدرات إلى بقية المنطقة.

توصيات السياسة العامة:

منعت عزلة سورية النسبية طوال الصراع، والمشاركة النشطة في تجارة الكبتاغون، دمشقَ من مبادرات إنفاذ القانون الإقليمية الرسمية لمكافحة المخدرات، حتى وقت قريب. في أيلول/ سبتمبر 2021، أعاد الإنتربول دمج الدولة السورية في نظام تبادل المعلومات الجنائية الدولي. وجاءت هذه الخطوة بعد تسعة أعوام من انقطاع التنسيق الدولي مع دمشق، منذ عام 2012 في سياق العقوبات والمقاطعة الدولية للنظام السوري.

كما دعمت جهود التطبيع المبكر، مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة، زيادة وكالة النظام السوري والتمثيل في مسائل مكافحة المخدرات الإقليمية. وأدى تأثير الإمارات العربية المتحدة المرتفع في الإنتربول إلى تفاعل سورية مع المنظمة، حيث شارك مسؤولان من وزارة الداخلية السورية في أحدث مؤتمر للمنظمة، حول استراتيجيات مكافحة المخدرات، في إطار عملية أسماك الأسد (Lionfish)، في حزيران/ يونيو 2022، وتحديدًا بعد دعوة من الأمانة العامة للإنتربول، بالتنسيق مع مكتب الإنتربول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع رئاسة أحمد ناصر الرئيسي الإماراتي للإنتربول، حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، من المحتمل أن تستمر المنظمة في دمج سورية في حوارات واستراتيجيات مكافحة المخدرات، مع تعميق أبو ظبي للتقارب مع دمشق.

مع أن الاشتباكات العنيفة المتعلقة بتهريب الكبتاغون على طول حدود عمّان مع سورية تسببت في إبطاء الأردن لجهود التطبيع مع النظام السوري، فقد أعادت عمّان التواصل مع دمشق وداعمها الأساسي، روسيا، بسبب مخاوف تتعلق بتجارة الكبتاغون وقضايا أخرى.

على الرغم من هذا التعاون، لا تزال هناك روابط لا حصر لها بين النظام السوري وتجارة الكبتاغون، مع تورط كثير من مرؤوسي الأسد المباشرين وأقاربه وأعضاء شبكات رعاية patronage النظام، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إنتاج المخدرات وتهريبها. ومع ذلك، فإن عناصر مختلفة من الجهاز الأمني للنظام السوري تخدم أهدافًا مختلفة. بينما يعمل المنتجون والمهربون السريون تحت حماية الفرقة المسلحة الرابعة، بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، وفرع الأمن العسكري، فإن معظم المضبوطات تقوم بها وزارة الداخلية. وقد ساعد هذا النوع من تقسيم العمل النظامَ السوري في التمسّك برواية متسقة للإنكار المعقول، وفي دعم موجة من عمليات الحظر التي يمكن أن تكون بمنزلة تدابير لبناء الثقة لاتفاقات التطبيع مع المنطقة.

حوّل بشار الأسد إمدادات المخدرات إلى دول أخرى، إلى سلاح لتحقيق مكاسب سياسية. وأصبحت استراتيجيات مكافحة المخدرات مع سورية بندًا على رأس جدول أعمال مناقشات القمة العربية، حيث تستكشف الدول طرقًا ممكنة لبناء النيّات الحسنة والتقدّم مع دمشق. والجدير بالذكر أن اجتماع 2 أيار/ مايو، لوزراء الخارجية السوريين والسعوديين والأردنيين والمصريين والعراقيين في عمان، تضمّن اتفاقًا سوريًّا أردنيًّا عراقيًّا لإنشاء فرق عمل، بغية تحديد مصادر إنتاج المخدرات وتهريبها في سورية، إضافة إلى تحديد آليات التنسيق لمراقبة أمن الحدود. مع استمرار جهود التطبيع، يحصل النظام السوري على مقعد على الطاولة ووكالة مهمّة في جهود التعاون لمكافحة الكبتاغون، وتحويل الموجة بعيدًا عن المساءلة، وكل ذلك وهو يعمل كمركز رئيس للإنتاج والاتجار.

وسط جهود التطبيع، يجب على الولايات المتحدة ونظرائها الإقليميين الاعتراف بأن نظام الأسد ليس لديه حافز يُذكَر لتقليل عمليات الإنتاج والتهريب. في حين أن التطبيع سيدخل تدريجيًا تدفقات مشروعة من الإيرادات إلى سورية، سيكون من الصعب التعويض الفوري عن التدفقات غير المشروعة للإيرادات – الدعم العام لسبل العيش لكثير من السوريين في المناطق التي يسيطر عليها النظام- التي توفرها تجارة الكبتاغون. الكبتاغون رخيص وسهل الإنتاج، ولا يزال الطلب عليه مرتفعًا في دول الخليج، مع إمكانية إنشاء أسواق استهلاك جديدة في أفريقيا وأوروبا وآسيا. ومع إنشاء مواقع التصنيع المتطورة وسلاسل التوريد وشبكات الرعاية القائمة في سورية بالفعل، سيكون من الصعب على الجهات الفاعلة المتحالفة مع النظام التنازلُ عن دورها في الكبتاغون، وهو ما يجعل المبادرات للشراكة المباشرة مع النظام لوقف تدفق المخدرات غيرَ مجدية.

يجب على الولايات المتحدة وشركائها ثنيُ دول المنطقة عن ربط التطبيع بخفض إمدادات المخدرات من سورية التي يسيطر عليها النظام. ويجب على واشنطن أيضًا أن تثني الدول التي تسعى إلى التطبيع عن تقديم حزم مُربحة -سواء في شكل تعويض مالي أو استثمار في البنية التحتية أو وسائل أخرى- يمكن أن تعوّض عن عائدات الكبتاغون، لتحفيز النظام إما على التخلّي عن إنتاج الكبتاغون تمامًا، أو إعادة توجيه تدفقات الاتجار بعيدًا عن الحكومات التي تسعى بنشاط إلى التقارب مع سورية. وهذا سيُقلل بشكل فعال من نفوذ دول المنطقة في العملية السياسية في سورية، ويمكّن النظام، ويقوّض بشدّة تدابير مكافحة المخدرات الحقيقية التي تسعى إلى الحد بشكل فعال من التأثير الخبيث لتجارة المخدرات غير المشروعة في المنطقة.

بدلًا من ذلك، على الولايات المتحدة وشركائها تشجيع الجهات الفاعلة الإقليمية على التنسيق، بخصوص سياسات مكافحة الكبتاغون. ويمكن القيام بذلك عن طريق دعم إنشاء آلية و/أو فرق عمل إقليمية، تهدف إلى خفض عرض المخدرات والطلب عليها. وينبغي لهذه الآلية تعميم أفضل الممارسات وتجميع الموارد الجماعية لمعالجة استراتيجيات خفض الطلب، وبناء القدرة على المنع، وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية وإبلاغها، ورصد المضبوطات، وإنفاذ ممارسات مكافحة الفساد، وإتاحة إمكانية الوصول إلى المختبرات لتحديد سمات المواد الكيمياوية، وتعزيز التنسيق الإقليمي بخصوص الاتجار غير المشروع مثل الكبتاغون. يمكن للولايات المتحدة وشركائها متابعة وقيادة الجهود التعاونية الإقليمية لخفض الطلب والعرض، لكن يجب عليهم تثبيط وضع مبادرات مكافحة الكبتاغون على رأس جداول أعمال التطبيع مع النظام السوري.

ومع ذلك، فإن إبقاءَ قنوات الاتصال العملياتية المنخفضة المستوى مع نظام الأسد مفتوحةً يمكن أن يكون مفيدًا لفهم كيفية عمله وتفاعله مع القطاع، ولكن لا ينبغي التفكير في التعاون رفيع المستوى. ومع استمرار توسع تجارة الكبتاغون، من حيث الحجم والنطاق، وبقاء أسواق الطلب، لم تُبدِ الجهات الفاعلة المتماشية مع النظام أي حافز للحد من المشاركة في الإنتاج والاتجار. وفي حين أنه من المهم أن تقيس الجهات الفاعلة موقف النظام من جهود مكافحة الكبتاغون والحصول على معلومات عن الشبكات حيثما أمكنها ذلك، فإن المشاركة المباشرة مع النظام السوري بخصوص مكافحة المخدرات توفر لدمشق نفوذًا هائلًا، وتسمح للنظام بالحصول على معلومات استخبارية عن التدابير والتنازلات الإقليمية لمكافحة المخدرات التي تدعم الجهات الفاعلة وراء التجارة، بدلًا من تقييدها.

ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجّع بشدة شركاءها في المنطقة على إعادة النظر في التعاون الفوري لمكافحة المخدرات مع النظام السوري، من خلال فرق عاملة ثنائية ومتعددة الأطراف، وجهود جمع المعلومات الاستخبارية، ومبادرات أمن الحدود، وأن تتشاور مع الشركاء في المنطقة والغرب، حول آليات إنفاذ واضحة وقياس الفعالية التي يمكن أن تقيد التجارة بنجاح أكبر من دون تقديم امتيازات لدمشق.

…………………….

 رابط الأصل:

https://newlinesinstitute.org/syria/the-syrian-regimes-captagon-endgame/

(**) د. كرم شعار: زميل أقدم غير مقيم في معهد نيو لاينز، حيث يركز في دراساته على تدفقات المخدرات غير المشروعة وعلاقتها بالأنظمة الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط، وخاصة في لبنان وسورية. وإضافة إلى عمله في معهد الشرق الأوسط (MEI)، يعمل الدكتور شعار أيضًا مستشارًا للاقتصاد السياسي السوري، وشريكًا مؤسسًا في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية. أصله من حلب، سورية، ويقيم حاليًا في نيوزيلندا. قبل انضمامه إلى معهد نيو لاينز في آذار/ مارس 2023، كان كرم يعمل في معهد الشرق الأوسط. وشغل سابقًا منصب مدير الأبحاث في مركز العمليات والسياسات. نُشر عمل كرم عن سورية في معهد الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية، ومؤسسة كارنيجي، والغارديان، ومعهد بروكينغز، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

(***) كارولين روز: مديرة ملف النقاط الاستراتيجية العمياء في معهد نيو لاينز، حيث تقود مشروعين خاصين: مشروع تجارة الكبتاغون ومشروع المشهد الأمني لما بعد الانسحاب. قبل انضمامها إلى معهد نيو لاينز، عملت كارولين محللة في شركة التنبؤ والنشر Geopolitical Futures، حيث عملت على التطورات السياسية والاقتصادية والدفاعية في الشرق الأوسط وأوروبا مع التركيز على البحر الأبيض المتوسط والشام. وهي مؤلفة تقرير خاص عن السياسة العامة بخصوص الاتجار غير المشروع بالمخدرات، الكبتاغون، في البحر الأبيض المتوسط والخليج وتأثيره على التحديات الأمنية. تم عرض تعليقاتها وعملها على قضايا الدفاع والتحديات الأمنية والتطورات الجيوسياسية في واشنطن بوست، سي إن إن، بي بي سي نيوز، فورين بوليسي، بوليتيكو، الجزيرة، صوت أميركا، فاينانشيال تايمز، الإندبندنت، ومنافذ أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* مهندس وكاتب ناشط ومترجم سوري

المصدر: حرمون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.