الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“بروجيكت سانديكيت”: روسيا تدفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا

نشر موقع (“بروجيكت سانديكيت” Project Syndicate) مقالاً للكاتب (باري إيشنجرين BARRY EICHENGREEN) أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، مستشار سياسي أول سابق في صندوق النقد الدولي، تحدث فيه عن تصاعد الجدل في الغرب بشأن مصادرة الأصول الروسية المجمدة فيه لصالح إعادة إعمار أوكرانيا. ذكر الكاتب أن الحجج للقيام بذلك قوية وإن كان لذلك بعض العواقب السلبية. الحجج جاءت فى ردع المستبدين عن تكرار ما قام به بوتين (غزو أراضي دولة ذات سيادة)، كما أن حكومات مجموعة السبع مثقلة بالديون وبالكاد توفر موارد لتمويل مشاريعها الخاصة كالدفاع والانتقال الأخضر (هناك عبء في تقديم مساعدات لكييف). أما العواقب، فقد يدفع تجميد الأصول الروسية في الغرب إلى استغلال الكرملين ذلك لتصوير بلده أنها ضحية لا معتدية، مما يزيد من صعوبة التفاوض على هدنة دائمة.. نعرض من المقال ما يلي:

نيودلهي – بلغ الجدل حول استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل عملية إعادة إعمار أوكرانيا ذروته. تُعد الحجج المؤيدة مقنعة إلى حد ما. والاعتراضات واهية. ومع ذلك، قد تكون هناك أيضًا عواقب غير مقصودة.

أقرّت كندا تشريعًا يسمح بإعادة توزيع الأصول الروسية لصالح أوكرانيا. وفي الولايات المتحدة، قدم أربعة أعضاء في الكونجرس تشريعات لإعادة تخصيص الأصول الروسية السيادية لفائدة أوكرانيا. وقد نظر زعماء الاتحاد الأوروبي في القضية في قمتهم الأخيرة، على الرغم من أن المستشار الألماني أولاف شولتس وآخرين أعربوا عن قلقهم إزاء احتمالات انتهاك إجراء مماثل للقانون الدولي.

لقد تم تجميع الحجج المؤيدة لمصادرة الأصول الروسية المجمدة بشكل ملائم في مكان واحد بواسطة لورانس سمرز وفيليب زيليكو وروبرت زوليك. تمتلك روسيا الوسائل اللازمة لتمويل عملية إعادة الإعمار. كما سيكون الاقتصاد النشط والقوي أفضل دفاع لأوكرانيا بعد الحرب. إن الحقيقة والعدالة إلى جانب أوكرانيا. وسوف يتم ردع مُستبدين آخرين حتى لا يميلوا إلى محاكاة إمبريالية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ثم هناك الحالة الواقعية. حكومات مجموعة السبع مثقلة بالديون وتواجه الحاجة إلى تخصيص موارد إضافية للدفاع الوطنى، والانتقال الأخضر، والشيخوخة السكانية. وبالفعل، هناك علامات تدل على الكلل في تقديم المساعدات الأوكرانية، ويتساءل النقاد عن سبب تحمل الدول الغربية لتكاليف حرب لم تبدأها.

يتم الاستماع إلى هذه الشكاوي على الرغم من حقيقة مفادها أن التحويلات المالية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تصل إلى حوالى 3 مليارات دولار شهريًا، تبدو ضئيلة مقارنة بتكاليف إعادة بناء أوكرانيا. وفي شهر مارس الماضي، قدر البنك الدولي هذه التكاليف بمبلغ 411 مليار دولار. وتستمر هذه التكاليف في التصاعد مع كل يوم إضافي من القتال.

لن تقدم حكومات مجموعة السبع تمويلاً بهذا الحجم. ومن المؤكد أن البلدان الأخرى والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف ستساهم في هذه الجهود، وسيتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون كافياً حتى لو تم تزويده بتأمين ضد الحرب. وفي ظل هذه الظروف، فإن 230 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة، بالإضافة إلى الفوائد، من شأنها أن تساعد على سد هذه الفجوة.

يمكن تجاهل بعض الاعتراضات بسهولة. يتمثل أحد المخاوف في أنه إذا تم حجز احتياطيات البنك المركزي من العملات، ستتوقف البنوك المركزية عن الاحتفاظ بالاحتياطيات، وسيصبح النظام النقدي الدولي غير سائل وغير مستقر. لكن البنوك المركزية التي ترتكب حكوماتها أفظع الانتهاكات للمعايير الدولية هي وحدها التي ستخضع لمثل هذه الإجراءات. لن تكون المخاطر عامة.

ويشعر آخرون بالقلق من أن الدور الدولي للدولار سوف يتضاءل إذا قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بحجز الاحتياطيات الروسية. لكن هذه الحجة تتجاهل حقيقة مفادها أنه لا يوجد بديل عملي للدولار. على الرغم من تعظيم الرنمينبي الصيني بشكل متزايد، إلا أنه لا يزال متخلفًا عن الركب كعملة دولية.

هل سيكون هذا الإجراء قانونيًا؟ من الأفضل ترك تفسير القانون الحالي للمحامين. ولكن إذا كانت الأحكام القانونية هي الحاجز، فيجب تغيير القوانين المعنية.

من ناحية أخرى، فإن حيازة الأصول الروسية المجمدة من شأنه أن يمنح الكرملين أداة دعائية قوية يمكن من خلالها تصوير روسيا كضحية بدلاً من كونها مُعتدية. وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة التفاوض على هدنة دائمة، وسيقلل من احتمالات الانتقال إلى حكومة ما بعد بوتين التي تحترم وحدة أراضي أوكرانيا وتُعيد إقامة العلاقات السلمية مع الغرب. إن عرض إعادة الأموال المجمدة إذا التزمت روسيا بتعهداتها بموجب القانون الدولي يمكن أن يكون له أثر عكسي.

هناك تشابه واضح هنا مع التعويضات الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى. كان لبند ذنب الحرب في معاهدة فرساي، الذي ألقى باللوم على ألمانيا، ومشروع قانون التعويضات الضخمة الذي تم إرفاقه لاحقًا، عواقب اقتصادية وسياسية مدمرة على جمهورية فايمار.

كان التضخم المفرط في عام 1923 وانهيار الإنتاج فيما بعد ناتجًا جزئيا عن عبء التعويضات هذا. فقد حدث التضخم المفرط عندما أجبرت الحكومة الألمانية، التي عجزت عن الوفاء بالتزاماتها المحلية أثناء دفع التعويضات، البنك المركزي على توفير التمويل النقدي. وكما أشار روجر مايرسون من جامعة شيكاغو، فإن المستشار هاينريش برونينج، الذى يسعى إلى إثبات الحاجة الملحة لتعليق مدفوعات التعويضات، «دفع الاقتصاد الألماني عمداً إلى أسوأ فترات الكساد» وذلك من خلال العمل على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الركود في الثلاثينيات بشكل كبير.

وقد ساهمت هذه الكوارث الاقتصادية في تقويض ثقة الألمان في قدرة قادتهم المنتخبين على إدارة شؤون البلاد وتعزيز جاذبية الديماغوجيين الذين حملوا الحلفاء مسؤولية مشاكل ألمانيا، مما مهد الطريق أمام تجدد النزعة العسكرية. وفي حين لا يمكن تحميل مسؤولية صعود هتلر الكاملة لأزمة الكساد العظيم (الذي تضمن أكثر من مجرد تعويضات)، فإن الالتزامات التي فرضتها معاهدة فرساي لم تساعد في حل الأمور.

إن الوضع اليوم مختلف. قد يكون فرض ضريبة التعويضات على روسيا مرة واحدة، وليس أزمة مُستمرة. لن يكون لدى القادة الروس نفس الحافز لسوء إدارة اقتصادهم من أجل انتزاع التنازلات من دائنيهم.

في الوقت الحالي، لا توجد ديمقراطية روسية ينبغي الحفاظ عليها. لكن من المهم التفكير في تطوير السياسات الداخلية والخارجية لروسيا بمجرد انتهاء الحرب. في هذه المرحلة، سيُشكل التخفيف من «مخاطر فرساي» مصدر قلق رئيسي للجميع.

…………………..

النص الأصلي: http://bitly.ws/LmKL

 ــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.