الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“العلاقات التركية الإسرائيلية”.. بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية ثالثة

ياسمين عبداللطيف زرد *                        

سألت صحيفة «منبر القدس الإستراتيجي» الإسرائيلية ثلاثة معلقين إسرائيليين، حول مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية في ضوء فوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات التركية الأخيرة. ويمكن القول إن الخبراء الثلاثة اتفقوا على عمق العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين أنقرة وتل أبيب، واستمرار عملية التطبيع بين النظامين. ومع ذلك أعربوا عن ضرورة توخى تل أبيب الحذر من أردوغان، إذ قد يغير الأخير سياساته تجاه إسرائيل بشكل مفاجئ… نعرض من المقال ما يلي:

يرى عاموس يادلين، معلق في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي، وشغل منصب رئيس المخابرات العسكرية (أمان) من 2006ــ2010، أن على إسرائيل التصرف بحذر استراتيجي في التعامل مع رجب طيب أردوغان، أخذاً في الاعتبار أنه يمكن أن يغير المسار بين عشية وضحاها مرة أخرى. ومن الضروري ألا يأتي تحسين العلاقات مع تركيا على حساب شراكات إسرائيل في شرق البحر المتوسط مع اليونان وقبرص.

يجادل يادلين أن أردوغان انتهج سياسة الانفراج مع دول المنطقة، تمثلت دلالاتها في إحياء العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل، كما ساعد اعتماد الاقتصاد التركي على السعودية والإمارات، مع إعادة فتح القنوات الآن بين تل أبيب وأنقرة، على توفير فرصة لتوسيع التعاون مع أردوغان لكبح طموحات إيران وتقييد أنشطة حماس على الأراضي التركية.

وبالنسبة للانتخابات التي وصل من خلالها أردوغان إلى السلطة مرة أخرى، يؤمن يادلين أنها ليست سوى جانب واحد من جوانب الديموقراطية. إذ ساهم أردوغان في تآكل جميع الجوانب الأخرى مثل الضوابط والتوازنات بين فروع الحكومة، الأكاديمية والحريات الصحفية، وحقوق الإنسان.

واستكمل “لم تكن إسرائيل، بصراحة، قلقة بشكل مفرط من حقيقة أن الدول العربية التي سعت معها لتطبيع العلاقات لم تكن ديموقراطية. على العكس من ذلك، كانت تل أبيب تخشى أحيانًا أن تجلب الديموقراطية المتسارعة إلى السلطة حركات إسلامية راديكالية، كما حدث في مصر في عام 2012. وبالنظر إلى هذه الخلفية، لا ينبغي أن تكون خطوات أردوغان المناهضة للديمقراطية بحد ذاتها عائقًا أمام التعاون الاستراتيجي القائم على المصالح المشتركة”.

اختتم يادلين تعليقه بالقول “لكن الحكومة الإسرائيلية تحتاج إلى توخي الحذر من تبني سياسات يقوم أردوغان الآن بتنفيذها؛ كتغيير قواعد اختيار القضاة، وتكميم أفواه وسائل الإعلام وجعل الأخبار المزيفة والادعاءات الكاذبة أداةً للبقاء السياسي”.

***

من جانبها، تؤكد الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشؤون الخارجية، بازيت رافينا، في صحيفة “ميكور ريشون” الإسرائيلية، أن كل المؤشرات تدلل على استمرار تركيا وإسرائيل في التطبيع، إذ امتنع أردوغان عن تأجيج أنصاره خلال أعمال الشغب والاعتداءات في نيسان/ إبريل الماضي على الحرم القدسي الشريف وقصف غزة. وبرغم إعلان المخابرات التركية، قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أنها ضبطت عصابة من عملاء الموساد تعمل ضد إيران على الأراضي التركية، امتنعت إسرائيل عن أي تصريحات رسمية. كما كان الرئيس الإسرائيلي هرتسوج ورئيس الوزراء نتنياهو من أوائل القادة الأجانب الذين هنأوا أردوغان على فوزه بعد ظهور نتيجة الانتخابات.

أحد الجوانب الإيجابية الأخرى للعلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل ينبع- بحسب رافينا- من ازدهار العلاقات الاقتصادية والأمنية بين إسرائيل وأذربيجان (دولة شقيقة لتركيا). كما أن هذه الروابط الثلاثية تعزز مكانة تركيا الإقليمية في مواجهة إيران في كل من الشرق الأوسط والقوقاز.

أنهت رافينا تعليقها بالحديث عن «أين تقف تركيا» بشكل عام، ذكرت رافينا أن هناك حدثين قادمين سيوضحان هذا الأمر وهما؛ قرار تركيا بشأن عضوية السويد في حلف الناتو المقرر عقدها بمدينة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، يومي 11ــ12 تموز/ يوليو القادم. الحدث الثانى في 29 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، إذ تحتفل تركيا بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية. في الحقيقة، ظل أردوغان يخطط لهذه الذكرى منذ سنوات، وستكون الاحتفالات العلمانية المؤسسة لتركيا مثيرة للاهتمام وترسخ إرث أردوغان، كما أنها قد توفر فرصة لتعزيز الانفراج في المنطقة.

***

أما نمرود جورين، رئيس معهد “متفيم” الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، فيقول إن العلاقات التركية الإسرائيلية شهدت العديد من التقلبات خلال السنوات الـ21 الماضية من حكم أردوغان، لكن الثابت الوحيد هو النمو المطرد في التجارة الثنائية بين البلدين.

وأضاف: “مع دخول أردوغان فترة ولايته الجديدة، تسير العلاقات السياسية في اتجاه تصاعدي. ففي فترة حكومة بينيت- لابيد السابقة، تمت استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين أنقرة وتل أبيب، كما ظلت عملية التطبيع مستدامة في ظل حكومة نتنياهو الحالية، حتى بعد التوترات حول الأماكن المقدسة في القدس خلال شهر رمضان الماضي، وجولة من الحرب في غزة، وسباق انتخابي محكم في تركيا. بينما في المرات السابقة، أدت هذه التطورات إلى تدهور في العلاقات”.

كما هو الحال مع العلاقات الإقليمية الإسرائيلية الأخرى، يرى جورين أن التطورات على الجبهة الفلسطينية “ستؤثر على مستقبل علاقاتها مع تركيا. وسيؤدي التقارب بين تركيا ومصر إلى التعاون الثلاثي بين أنقرة وتل أبيب والقاهرة، والذي لم يكن ممكنًا منذ سنوات، مما يساهم في عقد مبادرات في شرق البحر الأبيض المتوسط”.

أخيراً، يركز جورين على تعزيز تعاون المجتمع المدني بين تركيا وإسرائيل، والذي يعد في مرتبة متأخرة مقارنة بالمشاركة الحكومية والتجارية، إذ هناك جهود مجتمعية في البلدين لحماية الديموقراطية وسيكون هناك فوائد محتملة من مشاركة أفضل الممارسات ووسائل احترام الحقوق والحريات.

……………………….

 () النص الأصلي في “منبر القدس الإستراتيجي  http://bitly.ws/Iy9T

ــــــــــــــــــــــــــــــ

*  كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.