نزار السهلي *
تقترن في الخاطر العربي، ذكرى الخامس من حزيران/ يونيو 1967، باحتلال إسرائيل ما تبقى من فلسطين بعد نكبة 1948 مع احتلال الجولان وشبه جزيرة سيناء وهزيمة خمسة جيوش عربية، في العالم العربي اللاعب على لغةٍ ملطفةٍ لها، أطلق عليها نكسةً، ثم قام بتجميلها على اعتبار العام 1973 عام حرب تشرين الأول/ أكتوبر هو ” انتصار ” للجيوش العربية المهزومة، رغم خسارة مساحة جغرافية مهمة من الأرض العربية في فلسطين ومصر وسوريا والأردن.
المراجعات النقدية:
بقي الجولان محتلا مع الضفة الغربية والقدس وغزة، حتى سيناء بعد كامب ديفيد منزوعة السيادة، وبعد 56 عاما على الهزيمة العربية، تركزت المراجعات النقدية للأسباب والتداعيات والاستراتيجيات المفترض تغييرها من الأنظمة المهزومة أو المنتكسة، على جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية وبنيوية وفكرية لأنظمة الحكم، وللمجتمعات العربية التي وجدت نفسها أمام هزيمة بعد عقدين على وقوع نكبة الشعب الفلسطيني، ومقابل استبداد استمر بالاستثمار بهما وبالشعارات المرتبطة بقضية فلسطين، ما يقترن في الذاكرة العربية، عن الطرح الفكري لأسباب الهزيمة، وقبلها النكبة من جوانب ما يخص العربي دون الإبحار في خصوصية وأهمية المشروع الصهيوني للأنظمة الغربية والإمبريالية الأمريكية، قدم له مفكرون وفلاسفة ونخب وقادة سابقون ولاحقون، وممن عاصروا وأرخوا لأحداث مفصلية وهامة ، خلاصات لم يؤخذ بها ولم يتم العمل بها رغم أطنان الأبحاث والمراجعات ووضوح الأسباب والغايات.
من يحرس النكبة؟
في كل حزيران/ يونيو نتذكر الهزيمة، كما في كل أيار/ مايو نستحضر النكبة، نطفئ الشموع ونُحصي سنوات المهزومين والمنكوبين، ونسأل أنفسنا هل تم محو آثار النكبة والنكسة كما قيل ذات يوم عربي ؟
ومن يحمي هزيمتنا ونكبتنا؟
والأجوبة التي انتظرها العربي لم تخرج من مراكز بحث علمي ولا من مراكز صنع ” القرار السياسي” ولا من دوائر أجهزة أمنية وعسكرية، بعيداً عن كل ذلك، حمل العربي في وعيه ووجدانه توجيه المسؤولية و إلقاء اللوم على أنظمة عربية وعلى جيوشها وبنيانها الفاسد، بديهيات لا تلعثم فيها عن ضياع كرامته ومستقبله في أرضه ووطنه، وبمعرفةٍ تخلو من عناء ترديد فصاحة الشعارات والخطابات.
بلغَ فيها العربي معرفة حقيقية عن الحارس الأمين للهزيمة العربية، وعن وعي بأثرٍ رجعي وتاريخي بالنكبة صاغ معرفته المتصلة بعقودنا الأخيرة، وتحديدا ما انفجر منها في الثورات العربية وانكشافاتها التي حلت كل ألغاز وأحجيات الربط الرسمي العربي مع قضية فلسطين وشعبها، وربط الأنظمة المهزومة مع من أوقع بهم النكبة ثم هزم جيوشا لم تحارب واحتل أرضا عربية دون مقاومة، سقط التزوير العربي الرسمي بعد الهزيمة في الانتصارات الوهمية على “المؤامرات” وفي صمود قلاع أنظمة الاستبداد والقمع لمجتمعات معنية مصائرها في وعيها الجمعي بقضية التحرر من المحتل وأن فلسطين قضية عادلة في وجدان وضمائر حرة وكريمة بمواطنة وهوية عربية أصيلة.
وقاحة مشتركة:
الخلفية التاريخية للنكبة الفلسطينية، مهدت طريق الهزيمة العربية ولسواها وما انبثق عنها اليوم من وقاحة مشتركة عربية وصهيونية، تحاول فرض الهزيمة على الشعب العربي والفلسطيني الذي أثبت صموده وعناده وقدرته على بذل الغالي والنفيس للدفاع عن أرضه وحقوقه، بأن شروط الهزيمة تنطبق على أنظمة بعينها أعدت جيوشها وبنيتها العسكرية والأمنية لهزيمة نفسها أمام العدو إما بالتحالف والتطبيع معه، أو القبول بمنصب حارس لهزيمة أبدية وفرت له كرسي الحكم من وجهة نظره ووظيفته، وبالإلتزام الكامل بشروط فرض القمع والقهر وكل ما يستتبع أمر التحرر والحرية والمواطنة والكرامة من المنظور الإستبدادي والصهيوني مخاطر يجب محاربتها وتتويج شعارات الانتصار عليها كما نتابع في أيامنا العربية الحافلة بأخبار فرض السيطرة بالقمع على كل ما يؤشر لتغيير الهزيمة وشروطها.
ولأن كل انتصار عربي سُجل في مضمار بقاء حكم الزعيم الأوحد أو وريثه، هو انتصار للهزيمة، وكل انتصار يُسجل على أجساد ضحايا الطغاة والمستبدين في المنطقة العربية يصب في خانة حماية الهزيمة، وكل وحدة وتنسيق عربي معنيان بتشديد قبضة المستبدين والمجرمين بتآزر مفضوح يخدم الهزيمة ويؤبدها كقدرٍ يلاحق العربي، فإن الهزيمة منتصرة على من ألزموا أنفسهم بها أمام المحتل الإسرائيلي ومشروعه الاستعماري.
قضية تحرر:
أما إلزام الشعوب بها كمأمن يعيش ويستظل بها النظام الرسمي العربي، فهو شرط ثبت بطلانه وسقوطه في امتحان الثورات العربية وفي دروس قمعها وقتلها يكمن فهم الهزيمة، وفي امتحان تقليص أو تجاهل القضية الفلسطينية، ولأنها قضية تحرر وطني وقضية عادلة باقية في الوعي والوجدان العربي المنتصر على هزائم وأوهام صهيونية وعربية، فإن الهزيمة هي قدر الطغاة والمحتلين والمستبدين لا قدر الشعوب، وفق منطق التاريخ وتجارب البشرية.
* كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي