ثمة إشكالية نووية للسعودية وبينها وبين إسرائيل. تريد المملكة من إسرائيل أن تساعدها في امتلاك التقنية النووية، وهذا أمر يتعارض ومفهوم “الأمن القومي الإسرائيلي”. إشكالية يقاربها الكاتب الإسرائيلي “رونين بيرغمان”، الصحافي المتخصص في القضايا الأمنية والاستخباراتية في مقالة له في “يديعوت أحرنوت” (ترجمته للعربية “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”) ويختمها بالسؤال الآتي: كيف يمكن تطبيع العلاقات مع المملكة الغنية من دون أن يكون “اتفاق سلام مع قنبلة موقوتة”؟
- أقدم إليكم لغزاً منطقياً راهناً مع 5 افتراضات تأسيسية؛ الأول: أن إيران تشكل خطراً على الأمن القومي لدولة إسرائيل. الثاني: أحد أسباب أن البرنامج النووي الإيراني يهدّد استقرار المنطقة هو أن مجرّد وجوده سيفتح الباب أمام سباق تسلّح نووي، إذ سترغب في الحصول عليه دول إضافية في المنطقة. الثالث: توقيع اتفاق سلام وتطبيع العلاقات السرّية حتّى الآن مع السعودية سيساعد كثيراً في التعامل مع التحدي الإيراني، والتي يعتبرها بعض الأشخاص الدولة العربية الأهم.
- الافتراض الرابع: لتوقيع اتفاق سلام مع السعودية، يجب على إسرائيل أن توافق على أن تنشئ الرياض منظومة تخصيب يورانيوم ومفاعلات نووية، وهذا هو السبب نفسه لمعارضة إسرائيل الدائمة مجرّد وجود مفاعل تخصيب في إيران. والخامس: جميع المفاعلات النووية في السعودية ستكون لأغراض مدنية وتحت الرقابة، لكن المسافة بينها وبين التخصيب العسكري ليست كبيرة جداً. انظروا إلى ما حدث في إيران.
- هذا بالإضافة إلى أنه حتّى لو افترضنا أن النظام الحالي في المملكة سيحرص على الاستعمال المدنيّ فقط، فمن يضمن لإسرائيل استقرار النظام إلى الأبد، وألاّ تسقط المملكة؟ انظروا إلى ما حدث في إيران. في المحصلة، فإن التوقيع على اتفاق سلام مع السعودية سيساعد الأمن القومي في حربه ضد إيران، لكنه سيضر بالأمن القومي الإسرائيلي، وبالصراع لمنع تحوّل الشرق الأوسط إلى منطقة نووية.
- كيف يمكن حل هذا اللغز المنطقي والنجاح في مساعدة الأمن القومي من دون إلحاق الضرر به في الوقت نفسه؟ هذا السؤال شغل، خلال الأسابيع الماضية، عدّة مسؤولين أميركيين، وسعوديين، وإسرائيليين، إذ يعتقدون أنه في الوقت الحالي، يوجد فرصة استثنائية للتوقيع على اتفاق سلام بين القدس والرياض. وفي المقابل، فَهِمَ مسؤولون كبار إيرانيون وأميركيون، خلال جولة محادثات سرّية في عمان، أن الوقت قد حان لعدة تفاهمات بين الدولتَين الموجودتَين في حالة عداء.
- في الأيام الماضية، نشرت “نيويورك تايمز” خبرَين مفصّلَين بشأن هذين المسارَين، وكلاهما تديرهما الإدارة الأميركية في واشنطن من دون تدخّل إسرائيل، إلّا إن الإدارة قد وعدت بأنها ستُعلم إسرائيل بكُل التفصيلات. وفي التفصيلات التي ذكرتها الصحيفة وصف شامل لما تقوم به الإدارة بالتفصيل، وخصوصاً كُل ما يخص وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي. والسبب هو أن الرئيس بايدن أصدر تعليماته بالعمل من أجل الوصول إلى الاتفاقَين، وطبعاً ليس بأي شرط.
- لقد تابعوا في إسرائيل على مضض ما يحدث، وكانوا على قناعة بأن مجرّد وجود قناة تواصل سرّية، والتوصّل إلى اتفاق، أهدافه مدنية وإنسانية، هو بمثابة تقدّم من أجل الوصول إلى ما كان يعتبر قبل 4 أشهر أمراً مستحيلاً، أي التوصل إلى اتفاق معيّن في المجال النووي بين الطرفَين.
- المسار الثاني للتطوّرات في المنطقة؛ وجود إمكان للتوقيع على اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية كان مغلقاً بالكامل. لقد دعم محمد بن سلمان سراً انضمام محمد بن زايد والإمارات إلى الاتفاق مع إسرائيل، حتّى إنه كان موجوداً في بعض اللقاءات السرّية مع الممثلين الإسرائيليين. حينها، حاول مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إقناع بن سلمان بالوقوف على المنصة في البيت الأبيض، وعرضوا عليه صفقة من الأحلام؛ سيحصل بن سلمان على استقبال حافل جداً، تعرف الإدارة كيف تمنحه إيّاه، بالإضافة إلى القذائف المدفعية والنوم في “بلير هاوس”، وهو ما كان سيساعده على تحسين صورة الدولة، وصورته الخاصة.
- في نهاية المطاف، رفض بن سلمان، وقال إنه مضطر إلى رفض طلبهم، لأن أباه الملك سلمان لن يعترف بإسرائيل أو يقيم معها علاقات رسمية طالما لم يحدث تقدّم جدّي في التوقيع على اتفاق مع الفلسطينيين. حينها، فَهِمَ الإسرائيليون أنه طالما لا يزال الملك على قيد الحياة، فإنه لا يوجد أي إمكان للتقدّم في هذه الطريق.
- في نظر الولايات المتحدة، فإن الحرب وراء الكواليس بين إسرائيل وإيران تتدهور؛ فالإيرانيون يُخصّبون كمية أكبر بدرجة أعلى تصل إلى العسكرية تقريباً، وإسرائيل تقوم بخطوات أكثر (عدائية) ضد إيران وأذرعها، والوضع يمكن أن يخرج عن السيطرة. لن تطلق الولايات المتحدة وإيران على الاتفاقات تسمية “اتفاق”، إنما “تفاهمات”، وذلك لتفادي المصادقة عليها في الكونغرس، وللسماح لبنيامين نتنياهو بأن يقول إنه لا يوجد اتفاق جديد مع إيران.
- في إسرائيل، لا يزالون يبذلون جهدهم لفهم أسباب تحرّك المسار السعودي إلى الأمام. إسرائيل حصلت على رسالة فحواها أن مستشار الأمن القومي جاك ساليفان في طريقه إلى الرياض، وكان أول المسؤولين الأميركيين الذين ذهبوا إلى هناك، وتوقّفوا في إسرائيل في طريق العودة، أو كما فعل وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال الأسبوع الماضي؛ إذ تحدّث إلى نتنياهو لمدة 40 دقيقة من الطائرة الخاصة به بعد اللقاء مع بن سلمان، وفصّل مطالبه. وَرَدَّ نتنياهو، بحسب “النيويورك تايمز” التي نشرت التفاصيل، بقائمة مطالب خاصة به، وأقام طاقماً مصغراً وسرّياً يعمل على الموضوع، يضم كلاً من: رون درمر، مستشار الأمن القومي المقرّب كثيراً منه، وتساحي هنغبي ونائبه غيل رايخ، الذي كان مسؤولاً كبيراً في منظومة النووي الإسرائيلي.
- لا يوجد في قائمة المطالب الخاصة التي قدمها بن سلمان أي تنازل إسرائيلي جدّي بشأن الفلسطينيين. وإذا حصل على ما يُريد من الولايات المتحدة، فلن تكون لديه أي مشكلة في التخلي عن الفلسطينيين، والطلب الأبرز هو مشروع تخصيب يورانيوم لأهداف مدنية على أرض الرياض.
- حتّى لو قرّر بايدن أن يتحوّل نهائياً إلى صديق مقرّب لولي العهد، فمن الصعب أن يدعمه كل الزملاء الديمقراطيين ويصوّتوا معه. هذا بالإضافة إلى أنه من الصعب افتراض أن الولايات المتحدة ستذهب مع اتفاق يتعارض مع سياساتها القديمة من دون الاتفاق مع إسرائيل. ومن جهة أُخرى، فإن الأمر يتناقض كلياً مع السياسة الإسرائيلية القديمة أيضاً، التي بحسبها يجب معارضة أي عملية تخصيب في أي دولة في الشرق الأوسط.
- كيف يمكن حل هذا اللغز المنطقي ومساعدة الأمن القومي من دون إلحاق الضرر به؟ كيف يمكن تطبيع العلاقات مع المملكة الغنية من دون أن يكون “اتفاق سلام مع قنبلة موقوتة”، بحسب تسمية مسؤول في الاستخبارات الإسرائيلية؟
المصدر: “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”