الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ماذا بعد الهيمنة والتطبيع وازدواجية المعايير؟

كثرت الفعاليات المتصلة بالشأن السوري مؤخراً، كاللقاءات والمؤتمرات لشخصيات وطنية سورية إضافة للإقليمية والدولية، فضلاً عن “قمة” جدة الشعبوية التطبيعية مع العصابة الأسدية المجرمة، كل ذلك زلزال شباط/ فبراير “المدمر” والإعلان الرسمي عن اتفاق السعودية وإيران وصولاً لإعادة العلاقات الدبلوماسية، وهي التي أطنبت بمواجهة التوسع الإيراني والحد من ذيوله وميليشياته المجرمة، لتظهر حقيقة هذه المزاودات والأوهام التي جاءت عبر تدخلهم باليمن للحد من ثورته ومنع حرية شعبه وحرية شعوبنا العربية، وليست وحدها من نفذ المخطط بل أغلب دول مجلسها الخليجي برعاية دولية، ولنا في غزو العراق وتبعاته خيرُ دليل!، ظهر ذلك للعلن بسياقٍ جديد في المنطقة، يؤكّد “ضرورة” التوافق على إدارة المشكلات وتصفيرها! ولا يمكن الوصول إليه قبل المباشرة في حلول سياسية في اليمن ولبنان وليبيا وصولاً لسورية حسب زعمهم! ولن تتراجع “ضرورة” أجواء التقارب في المنطقة بسبب الأزمات المرتبطة بأزمة المجتمع الدولي وصراعاته الحادة على تصدّر وقيادة المشهد بعد تصدعه الراهن، فما كانت لاءاتهم ودعمهم لحرية وتحرير شعبنا حقيقية، فقد توافقت مع سلوك سياسي مرتبط بالإملاءات الأمريكية الصهيونية طيلةَ عقود.

ففضلت القوى العالمية “المتلونة” خيار إبقاء سلطة القاتل على خيار حرية الشعب السوري، وهي لا تعرف كيفية المواءمة بين دعمها للطاغية بدمشق والإدراك الضمني بأنّ أيامه كقاتل معدودة، وتبدو عصا العقوبات اليوم ليست قوية بما يكفي لإجباره على قبول تسوية حقيقيّة، مع عدم وجود جزرات معروضة، فإنّه يختار العقوبات على حلٍ سياسي متزامن مع تطبيع عربي “غير قيمي وغير منطقي”- كونه يتنافى مع الأخلاق السياسية القاضية بعزل نظام مجرم يغرق في أزمته جرّاء سياساته الحمقاء- يؤكّد أن العرب اقتنعوا بأحقّية موقفه المشوّه من ثورة شعبه وروايته عنها!، ولا شك أن ثمّة فرق شاسع بين أن يكون الانفتاح العربي على سورية أو يكون على نظام ميليشيا أسد فقط، فالفارق سيكون على مستوى الأهداف والأدوات، تم ذلك بمباركة “ضمنية” من الغرب كل الغرب، التي تعبّر في جوهرها عن خدمات يقدمها نظام العصابة بصورة زئبقية، حتى بات وحشاً متشبّثاً بالسلطة تجعله مرادفاً لأكثر التنظيمات والميليشيا الإرهابية تطرّفاً وعنفاً.

فنظام العصابة لا يهتم بمعاناة السوريين بالداخل والخارج المنسجم مع عقليته الانتقامية، التي تُعدّ استمراراً لنهج الاستعلاء على السوريين كركيزة من ركائز سياسته الداخلية منذ ما قبل 1970؛ فواجب الشعب بمنظور آل أسد التسبيح والتمجيد والانقياد، وأن السوريون هم موضوع اتهام دائم من السلطة الأسدية التي أدركت منذ اليوم الأول لتسلمها مقاليد الحكم في سورية، أنها سلطةٌ غير مُرحب بها وجاءت عبر صفقات مع القوى الدولية التي كلفتها بإدارة سورية من دون مساءلة أو محاسبة، مقابل أن تنفّذ المهام المطلوبة منها على مستوى الإقليم، والنظم العربية تدرك ذلك!، فهل سيؤدّي الاتفاق السعودي- الإيراني لتجاوز نتائج الدور الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في الإقليم، أم سيكون بمثابة توافقات مرحلية تلبّي لكل طرف ما يحتاجه حالياً، من دون أن يكون الاتفاق خطوةً في إطار تصوّر شامل، أو استراتيجية عامة لمقاربة جملة قضايا المنطقة المتداخلة فيما بينها، يمكن استخدام أي واحدة منها لتفجير التوافقات متى شاءت من القوى الإقليمية أو الدولية المؤثرة؟.

فقد ماتت “أستانة” ومسارها وسوتشياتها الخيانية؛ لتُترك جميع اللقاءات السورية- السورية دون اهتمام حقيقي بها من ممثل الأمم المتحدة لسورية والذي يلوك الكلام “بشقشقات لفظية” فقط مثل أعضاء مجلس الأمن، فلماذا إهمالها؟ ولماذا مُنع على السوريون وحدة الكلمة والتمثيل الحقيقي؟ وهل كانت دول “الإقليم المتهافتة” على التطبيع مع العصابة بعيدة عن هذا المنع؟ أم كانوا جميعاً ينفذون نفس الأجندة القديمة الجديدة لوقف تحقيق شعوبنا ذواتها لصالح العصابة الصهيونية سيدة عصابة آل أسد؟ وهذه تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا أدت لهلهلة سلطة بوتين المحاصرة على طريق حصار وهلهلة سلطة شي جين بينغ لمواجهة مع دولة ناشئة بجوارها وهي الهند التي تحتاج لزمن طويل كي تنافس الصين اقتصادياً، أم أن “اليانكي” يرى في زيادة بضع مواليد هندية على عدد سكان الصين كافياً لاعتبار الهند أكبر دون سند اقتصادي وسياسي جاد؟!

وها هي العنصرية المفرطة تلاحق اللاجئين، السوريين خاصةً، من مكان لآخر، ليأتي حرق المصحف، ومقتل شاب بفرنسا من أصول غير فرنسية، متوافقاً مع عيد الأضحى- بعد عديد الممارسات المشابهة في غير مكان كما في سورية على أيدي نظام القتل والحرق الأسدي وميليشياته الطائفية المجرمة، الذين أحرقوا مجمل أماكن العبادة في سورية “إسلامية ومسيحية” وكُتبها المقدسة، ليأتي نظام العصابة، الكاذب، القاتل، ليندد بحرق المصحف في السويد مثل شريكه بالقتل والحرق “بوتين”- لتؤكد أن “الشعبوية” لازالت تتقدم على طريق قهر الشعوب واغتصاب الحقوق بالكذب وبيع الوهم النيوليبرالي، على الطريق الطويل لانتفاضاتٍ قادمة، في دول الربيع العربي وفي فلسطين لنجد المايسترو الأمريكي أقوى من أن يتخلى عن قيادة نظام دولي يتفتت وآتٍ يتعثر، فالتقارب الخليجي المُعلن مع أمريكا وعودتها للمنطقة متنبهة إلى أن مواجهة الصين لا تتم في المحيطين الهندي والهادئ فقط، بل في منطقتنا أيضاً وفي سورية بالتحديد؛ فهل سيتمكّن الشعب السوري “جماع الشعب السوري” من تبنّي مشروعٍ جديدٍ للتغيير ينال شرعية ومشروعية شعبية؟؛ لا يبدو أنّه قادر على ذلك في المدى المنظور، ولكنّه قد يتحرّك ضمن الرؤيتين الأميركية والأوروبية، وهذا هام لتوظيف ذلك للصالح الوطني في وقتٍ تخلت النظم العربية عن السوريين وعن مستقبل شعوبهم أيضاً!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.