نشر موقع (Eurasia Review “أوراسيا ريفيو”)(-) مقالاً للكاتب (“روبرت رايتش” Robert Reich)(*)، يرى فيه أن الحروب الأهلية تندلع فى الدول بسبب الصراعات الدينية والأيديولوجية وغيرهما من الأسباب، لكن على أي حال لا بسبب كره أو حب قادة بعينهم، ومن ثم عوامل اندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة غير قائمة، خاصة وأن مؤسساتها الديمقراطية متماسكة، وإيمان الحزب الجمهوري نفسه (حزب ترامب) بأهمية وقدسية الأمن القومي الأمريكي، أما بالنسبة لدونالد ترامب فهو مجرد شخص يصور نفسه على أنه مظلوم ليس إلا، ولاقت مظلوميته أنصاراً. ومع ذلك، يرى كاتب المقال إنه وإن كانت فرص قيام الحرب الأهلية غير واردة في أمريكا، إلا أن العنف المحدود ممكن بسبب تحريضات ترامب.. نعرض من المقال ما يلى:
“الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، والذي يرشح نفسه الآن لإعادة انتخابه رئيساً، هاجم وزارة العدل الأمريكية، ووصف المدعي الخاص جاك سميث الذي يحقق في قضية احتفاظه بوثائق سرية بعد مغادرته منصبه، وصفه ترامب بأنه «مجنون مختل العقل»، كما وصف محاكماته ومحاولاته العودة للبيت الأبيض كجزء من «المعركة النهائية» لأمريكا.
في خطاب ألقاه يوم السبت 10 حزيران/ يونيو الجاري أمام الحزب الجمهوري في جورجيا، وصف ترامب أيضاً نظام العدالة الأمريكي بأكمله بأنه مكرس لمنعه من الفوز في انتخابات عام 2024، قائلاً: «هؤلاء الناس لا يتوقفون، هم سيئون وعلينا التخلص منهم. لا يمكن مكافأة هؤلاء المجرمين. يجب هزيمتهم».
* **
يطالب ترامب مرة أخرى الشعب الأمريكي بالتحيز لأحد الجانبين. لكن في ذهنه المشوش، فإن هذه «المعركة النهائية» ليست فقط ضد خصمه الطبيعي المعروف: الحزب الديموقراطي، والأطراف الشيوعية، والاشتراكية، والماركسية، و«الدولة العميقة»، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وأي شخص سياسي جمهوري يجرؤ على تجاوزه. بل ستكون معركة نهائية بين من يمجدونه ومن يبغضونه. ستكون معركة نهائية هو مركزها.
ترامب قال لأنصاره ليلة الجمعة 9 حزيران/ يونيو الجاري عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»: «أراكم في ميامي يوم الثلاثاء!»، في إشارة إلى اتهامه يوم الثلاثاء 13 يونيو/ حزيران الجاري أمام محكمة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية.
تغريدتهُ هذه كانت بمثابة تذكير مخيف بمثيلتها في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2020: «كن هناك، ستكون جامحاً!»، الأمر الذي ألهم الجماعات المتطرفة لتعطيل التصديق على نتيجة الانتخابات الرئاسية في 6 كانون الثاني/ يناير 2021.
نعود لعنوان المقال، هل ستشهد أمريكا حرباً أهلية بسبب ترامب؟ في الواقع، العنف ممكن، لكن لن تكون هناك حرب أهلية. فالدول لا تدخل في حرب أهلية بسبب ما إذا كانت تحب أو تكره قادة معينين، بل تخوض الحروب الأهلية بسبب اختلاف الأيديولوجيات، والأديان، والعنصرية، والطبقات الاجتماعية، أو السياسات الاقتصادية التي يمثلها هؤلاء القادة.
لكن ترامب لا يمثل شيئاً، هو فقط يرى نفسه مظلوماً لأن الدولة رفضته لولاية رئاسية ثانية، وتشّرع الآن في تحميله مسؤولية انتهاك القانون، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية أن الحواجز التي حمت الديموقراطية الأمريكية بعد انتخابات 2020، سواءٌ كانت المحاكم والأشخاص المسؤولون عن إدارة الانتخابات في كل ولاية والجيش ووزارة العدل، كلها أصبحت أقوى مما كانت عليه قبل اختبار ترامب لهم في المرة الأولى (التشكيك في نتائج الانتخابات في 2020).
بعبارة أوضح، كُثر ممن اقتحموا مبنى الكابيتول حوكموا وأدينوا. كما هُزم المرشحون الذين رفضوا الانتخابات إلى حد كبير في انتخابات 2022 النصفية. كذلك دعمت المحاكم بقوة المدعين الفيدراليين.
النقطة الثالثة، يواجه محامو ترامب صعوبة في الدفاع عن التهم الموجهة إليه؛ (ترامب هدد أمن أمريكا من خلال الاحتفاظ بشكل غير قانوني، وفي بعض الحالات بمشاركة الوثائق المتعلقة بـ«البرامج النووية للولايات المتحدة؛ وبالطبع تعد هذه البرامج نقاط ضعف محتملة لواشنطن وحلفائها أمام أي هجوم عسكري؛ فضلاً عن مشاركة «خطة هجوم» ضد إيران).
وفي الحقيقة، لا شك في أن العديد من أنصار الحزب الجمهوري يعتبرون أن الأمن القومي الأمريكي هو الهدف الأسمى والأكثر قدسية. كما أن عدداً كبيراً منهم خدم في القوات المسلحة.
قال بيل بار، المدعي العام الأمريكي السابق، في برنامج «فوكس نيوز صنداي»: «لقد صُدمت من درجة حساسية هذه الوثائق وعددها، بصراحة.. إذا كان نصفها صحيحاً، فقد قضي عليه (ترامب). أعني، إنها لائحة اتهام مفصلة للغاية، وهي مريعة للغاية. وفكرة تقديم ترامب كضحية هنا، فكرة سخيفة».
***
ما ذُكر أعلاه لا ينفي حقيقة أن ترامب خطير كما كان دائماً. لقد ألهم العنف من قبل، ويمكنه أن يفعل ذلك مرة أخرى. ناهينا عن أن الكثير ممن دعموه في عام 2020 يتابعون جنونه.
إن كان ترامب يريد أن يخوض أنصاره «معركة أخيرة» حول رغباته النرجسية، فمن المرجح أن يحصل على رد فعل أخير مُهين (السجن أو خسارة السباق الرئاسي).
…………….
(-) النص الأصلي بالإنكليزية في “أوراسيا ريفيو”
ـــــــــــــــــــــ
* باحث أكاديمي أمريكي وأستاذ السياسات العامة في جامعة كاليفورنيا في “بيركلي” وزميل أول في “مركز بلوم لتطوير الاقتصادات”
المصدر: “الشروق“