تمكّن “وسيم نصر“(*)، وهو صحافي في قناة “فرانس 24” من زيارة محافظة إدلب السورية- آخر المعاقل التي مُنع نظام أسد من دخولها ومازالت عصية على جيشه- وذلك في شهر أيار/ مايو 2023. وهذه سابقة لصحافي من قناة تلفزيونية فرنسية، حيث سُمح له بالتجول وملاقاة قيادات جماعة “هيئة تحرير الشام” وزيارة عدد من المدن والقرى، لا سيما المسيحية منها، وهذا أبرز ما تضمنه التقرير الذي أعده “نصر” لموقع “أوريان 21“.
بعد 12 عامًا من انطلاق الثورة، ما زالت إدلب عصيّة على دمشق، إذ تبقى منطقة متمرّدة يسيطر عليها الإسلام السياسي، بعد أن فرضت هيئة تحرير الشام وإدارتها المدنية المتمثلة في حكومة الإنقاذ السورية سيطرتها على الأرض. تمكّن وسيم نصر، وهو صحافي في قناة فرانس 24، من زيارة المنطقة في شهر مايو/أيار 2023. وهذه سابقة لصحافي من قناة تلفزيونية فرنسية، حيث سُنح له التجول وملاقاة قيادات الجماعة وزيارة عدد من المدن والقرى، سيما المسيحية.
قطعتُ آخر نقطة عبور تركية. كان المعبر شبه خالٍ إذ لم تعبُر سوى السيارة التي أقلتني، وبداخلها ثلاثة أشخاص تابعين لجمعية خيرية تركية. بعد بضعة أمتار، بدا الجهد الذي تبذله هيئة تحرير الشام لإظهار إدلب بصورة إيجابية للداخلين إليها جليًّا. فالطريق نحو الداخل السوري واسعة، نظيفة ومُعبّدة، زُرعت على أطرافها الورود ويتوسّطها صفّ من أشجار النخيل المستوردة من تركيا. أولى الإعلانات التي توافي الزائر تعنى بشؤون المعاقين وتدعو لإعادة الاعتبار لهم. وأول راية هي راية الثورة السورية، وبعدها بأمتار راية بيضاء كُتبت عليها الشهادتان باللون الأسود.
ها أنا في إدلب، إحدى آخر المناطق التي لا تزال على مواجهة عسكرية مع النظام السوري، وأكثرها استقلالية مقارنة بالمناطق التي تسيطر عليها فصائل أخرى لا تملك خيارها السياسي، كونه بيد داعميها، كمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يهيمن فيها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، أو مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة في مناطق درع الفرات، أو ما تعتبره تركيا “الحزام الأمني” بعد دخولها للأراضي السورية. علماً أن هيئة تحرير الشام قبلت، ولو على مضض، بدخول الجيش التركي لإدلب رغم كونها على مواجهة وتماس مع الفصائل السالفة الذكر والمنضوية تحت لواء الجيش الوطني السوري.
تجمع هيئة تحرير الشام عدة فصائل إسلامية ومتمرّدة ناشطة في منطقة إدلب. ما هو ثقل هذه المجموعة اليوم وما هي مواطن قوتها وضعفها؟ للإجابة عن تلك الأسئلة، ذهبتُ إلى إدلب بمفردي ودون كاميرات تصوير. كان يمكن لهذه الرحلة أن تتوقّف في أية لحظة، فقد كانت العوائق جمّة وتكاثرت قبل أن تتلاشى خلال التحضير وحتى اللحظات الأخيرة على الحدود التركية السورية.
تحديات الحوكمة:
قليلة هي الحواجز، رغم كوننا في منطقة حرب وتوتر أمني، وتعود إدارتها لجهاز خاص ألا وهو “إدارة الحواجز”. أما القائمون عليها، فزيّهم موحّد، وهو عبارة عن بذلة عسكرية خضراء ولثام من نفس اللون وسلاح فردي من نوع كلاشنيكوف أو “روسية” كما يسمّيه السوريون. لكلّ حاجز سقف يحميه من الشمس والمطر، وكما قال لي مرافقي: “للأمر أهميته لأنه بلا حماية من تقلبات الطقس، يصبح العنصر المداوم عرضة للانزعاج والتوتر، ما يؤدي لمشاكل على الحواجز بسبب نظرة أو نبرة خاطئة”.
تمكّنتُ من زيارة عدة مدن وقرى وإدارات في أرجاء المنطقة. وكما في أي منطقة حرب، تستفيد هنا الأطراف على حساب المركز، أي المدن التي كانت تتركّز فيها جلّ الحركة الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر المتر المربّع من الأرض في مدينة الدانا من دولارين قبل الحرب إلى 200 دولار اليوم. والحديث هنا بالدولار كونه، مع الليرة التركية، العملة المتبادلة والمعتمدة في المنطقة، حيث لا أثر لليرة السورية لا في المتاجر ولا في الأسواق الشعبية. ظننتُ أن ذلك يعود لوجود رسم الرئيسين حافظ وبشار الأسد على الأوراق النقدية، إلا أن التفسير جاء أكثر بساطة وموضوعية، إذ قال لي مرافقي إن “الهدف هو عدم تسهيل حصول النظام، الذي يرزح تحت ثقل العقوبات الأمريكية، على العملة الصعبة من الداخل المُحرّر”.
وزارة التنمية والشؤون الإنسانية هي إحدى الوزارات التي سُنح لي زيارتها، ويستحق الاسم لوحده أن نقف عنده، حيث إنه من المستغرب أن يتم استحداث وزارة للشؤون الإنسانية. تعدّ هيئة تحرير الشام عبر حكومة الإنقاذ عدّة وزارات وإدارات منوطة بإدارة المنطقة، لكن بإمكانيات بسيطة جداً. وتُعتبَر مخيّمات النازحين كأكبر تحدٍّ إنساني وجغرافي وأمني، وأكثره إلحاحًا على السلطة القائمة. من أهم العوائق في هذا الملف تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، بما فيها في تركيا وهي شريان الحياة الوحيد لمنطقة إدلب وسكانها. وقد وصف لي الوزير المدني محمد بشير تفاصيل العوائق والمشاكل التقنية التي تواجه وزارته، قائلاً إن “أهمها مثلاً يكمن في إحصاء عدد النازحين في المخيمات الشرعية وغير الشرعية”، وأضاف:
الناس متخوفون من فكرة إحصائهم، إذ لا يجب أن ننسى أن هؤلاء هم الذين هربوا من المعارك والقصف، أو الذين تم نقلهم قسراً في الباصات من مختلف المناطق التي استعادها النظام. كان علينا إعادة إسكان أهالي المخيمات غير الشرعية في مساكن ملائمة دون البناء في أراضي المشاع أو التي تمت مصادرتها [من قبل هيئة تحرير الشام]، لتناقض ذلك مع قوانين الأمم المتحدة. لجأنا إلى بناء مساكن دون سقوف اسمنتية كي تكون بمواصفات البناء المؤقت، لكن مرقمة وصحية. وبمجرّد أن انتهينا، إذ بالزلزال يضرب المنطقة، ما اضطرنا إلى إيواء المتضررين بدلاً عن اللاجئين.
بصيص أمل للأقليات الدينية:
تسعى هيئة تحرير الشام لكسب أكبر تأييد ممكن من الحاضنة الشعبية، التي أنهكتها تجاوزات الحركات والفصائل المسلّحة، كما في أي حرب يصبغها الطابع الأهلي. فمنعت الهيئة أي مظاهر تسلّح داخل المدن والبلدات، كما سعت للتقرب من الوجهاء والعشائر من أبناء المنطقة ومن ممثلي النازحين إليها، وكذلك من الحركات النقابية أو الأهلية.
استحداث شبكات للخدمات الأساسية، كتزفيت الطرقات، وجمع القمامة، أو وضع جداول مناوبات ليلية للصيدليات، وتنظيم الأسواق الشعبية في إدلب على سبيل الذكر لا الحصر، كلّها أمور حياتية ساهمت في تطبيع وجود الهيئة وحكومة الإنقاذ في نظر الأهالي. كما أن كسب الحاضنة يمرّ أيضاً عبر القضاء، والمحاكم، وجهاز الأمن الداخلي، وكذلك عبر تدريب مقاتلي الهيئة لتجعل منهم قوة ناظمة محترفة، لا تتصرّف مع السكان المحليّين تصرّف الميليشيات. وقد قضت إحدى قرارات أبو محمد الجولاني مثلاً بإلغاء ما يُعرف بـ“الحسبة” وإدماجها إلى وزارة الداخلية، إذ يرى أنه “على كل وزارة وإدارة أن تعمل بما يتوافق مع الشريعة، بما تُحرّم وتُحلّ. وتطبيق الشريعة لا يقتصر على الرّكض وراء الناس بالعصا”.
من معضلات إدلب الشائكة قضية الأراضي والممتلكات التي تعود ملكيتها للأقليات الدرزية والمسيحية، والتي تمت مصادرتها من قبل فصائل وجهات مختلفة على مرّ السنين، ومنها هيئة تحرير الشام. إذ تعرضت تلك الأقليات لكل أشكال التنكيل، والخطف، والاغتصاب، والقتل.
سُمح لي أن أكون شاهداً على اجتماع بين ممثلي ثلاث قرى – القنية، اليعقوبية، والجديدة – من منطقة جسر الشغور، وبين المسؤول على ملف الأقليات لدى هيئة تحرير الشام، وذلك في صالون كنيسة اليعقوبية. كان الهدف من هذا الاجتماع تناقش موضوع استعادة المنازل والأراضي الزراعية من قبل مسيحيي تلك القرى الذين يرون أن “الأوضاع ما زالت دقيقة، لكنها في تحسّن منذ حوالي سنتين. نحن نسعى اليوم لاسترداد المنازل والأراضي الزراعية وهي مصدر رزقنا الأساسي”. وقد استعاد المسيحيون حق إقامة الصلاة في كنائسهم وترميم عدد منها، لكن منها التي لن تُستعاد بعد أن تم تحويلها إلى مساجد، ومنها الموجود في مناطق عسكرية، علماً أنه بأية حال، لن يتمكن المسيحيون من إعادة وضع الصلبان على المباني، والرموز الدينية الظاهرة، أو قرع الأجراس.
نبذة عن هيئة تحرير الشام وقائدها أبو محمد الجولاني:
ينحدر أبو محمد الجولاني – واسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع – من عائلة من الطبقة الوسطى المتعلّمة وأصلها من الجولان، أما مسكنها فكان في العاصمة السورية دمشق. توجّه الجولاني إلى العراق في مطلع شبابه لينضم إلى تنظيم القاعدة (2003-2004) في بلاد الرافدين. وخلال فترة سجنه في معتقل بوكا تحت هويّة مزوّرة – الذي كان تحت إدارة القوات الأمريكية -، انضمّ في 2006 إلى “الدولة الإسلامية في العراق”.
بعد خروجه من السجن بفترة وجيزة، أرسله أبو بكر البغدادي “مع نصف الخزينة وعدد قليل من الرجال” إلى سوريا في مطلع الثورة، لينخرط في المعارك ضد النظام تحت راية “جبهة النصرة”، علماً أن الجماعة الأم كانت ضعيفة في العراق في تلك الفترة، ولكنها كانت تمتلك شبكة لوجستية مهمة في سوريا، يعود إنشاؤها لبدايات الغزو الأمريكي للعراق.
عند النشأة (2011 – 2012)، كان أغلب مقاتلي “جبهة النصرة” من السوريين والعراقيين الذين كان لهم وقع عسكري كبير على الأرض، نسبة لخبراتهم المتراكمة في العراق، لكنهم كتموا انتمائهم للدولة الإسلامية في العراق لعدم تنفير العامة والفصائل. لكن الأمور وصلت لحدها بعد صعود التوتر بين البغدادي ومبعوثه الجولاني، حيث رفض الأخير عدة توجيهات لم تكن برأيه “تلائم الوضع السوري وكانت بمثابة تكرار للأخطاء التي اقترفتها الجماعة في العراق”. فما كان من البغدادي، في أبريل/نيسان 2013، إلا أن أعلن عن حلّ “جبهة النصرة” وإنشاء جماعة واحدة تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ما رفضه الجولاني الذي بايع القاعدة وأميرها الظواهري في ذلك الحين. هنا بدأت الحرب بين الجماعتين التي ما زالت تعصف في شتى أنحاء العالم.
في عام 2016، أعلنت “جبهة النصرة” في بيان مصور بحضور أبو الخير المصري ممثلاً عن القاعدة، فك ارتباطها بهذا التنظيم. لكن فك الارتباط السلمي لم يدم طويلاً، وحصل أخذ وردّ طويل حول الاتفاق الذي نجم عنه والذي كان يسمح لتنظيم القاعدة بالتواجد في سوريا، وحول طريقة تفسيره وتنفيذه على أرض الواقع، حتى تم نقضه من طرف أبو محمد الجولاني. وتقوم هيئة تحرير الشام اليوم بملاحقة واعتقال عناصر القاعدة في إدلب.
بالرغم من هذا التطور مكث عدد من القيادات إلى جانب الجولاني، ناقضين وناكرين بذلك بيعتهم للقاعدة. أبرزهم عبد الرحيم عطون، وأبو أحمد زكور، وأبو مارية القحطاني، العراقي الجنسية. وينتمي القحطاني لعشيرة الجبور الكبيرة والتي لها أفرع في كل من سوريا والعراق، ويُعتبر بمثابة الرجل الأول أمنيًا حيث كلّفه الجولاني بمواجهة خلايا جماعة “الدولة الإسلامية” والقاعدة في إدلب، بالرغم من عدم وجود مركز رسمي له في هرمية هيئة تحرير الشام.
الطريق الثالث:
للمفارقة، تعود جذور هذه التغيرات العميقة في سلوكية هيئة تحرير الشام إلى خطوات جبهة النصرة الأولى في سوريا، من خلال رفض الجولاني الامتثال لتعليمات البغدادي، أو من خلال إقناع الظواهري بعدم استعمال الأراضي السورية كمنطلق لعمليات إرهابية تستهدف الغرب، علماً وأن جبهة النصرة كانت في ذلك الوقت أقوى فروع القاعدة في العالم عدداً وعدة وسيطرة على الأرض. بالرغم من ذلك، أدار الجولاني ظهره للقاعدة وللجهاد العالمي على نمطها ونمط الدولة الاسلامية بعدها، للتركيز على القتال في سوريا ضد النظام، وضد إيران وروسيا المتواجدين عسكريًّا على الأراضي السورية. ودون الخوض في تفاصيل لقائنا به، يعتبر الجولاني أنه لم يحد عن خطّه منذ دخوله لسوريا، وأنه استطاع فرضه تدريجيًّا، إلى أن فرضه تماماً في صيغته الحالية.
هذا الخط، أو هذا الطريق الثالث، تم تفنيده وتفسيره لي من قبل أبو مارية القحطاني، الذي يعتبره بعض المراقبون الرجل الثاني للجماعة. ليس لهذا العراقي، الذي كان من أعمدة جبهة النصرة عند نشأتها، أدنى شك حول صواب هذه الخيارات الجذرية “لا بل واليوم أكثر من السنوات التي خلت”. علماً أنه وبعد لقائي به، جدّد الأخير دعوته إلى حلّ تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري. القحطاني الذي لا يظهر إلا ملثماً زاد كثيراً من تحركاته ومشاركاته العلانية مؤخراً. إلا أنه وفي آخر يوم لي في إدلب أعلنت الخزانة الأمريكية وبقرار مشترك مع تركيا عن وضع ابو احمد زكور، وهو من أهم مساعدي القحطاني في الصراع مع خلايا الدولة الإسلامية في الشمال السوري، على لائحة تمويل الإرهاب.
تطور هيئة تحرير الشام بإمرة نفس القيادة التي مرّت بنواة الحركات الجهادية في العراق وسوريا وبصفوف القاعدة والدولة الإسلامية، يُشكّل نهجاً جديداً وطريقاً ثالثاً، يناقض ويبتعد عن تلك الجماعتين اللتين تمثلان الجهاد العالمي اليوم، وإن كان اختلافهما عقائديّا ولا رجعة عنه. فالأمر لا يقتصر على قيادات خرجت من الساحة توبةً أو مللاً أو قسراً، وإنما هي قيادات حملت هذا الفكر وتخلّت عنه وهي ما زالت وازنة على ساحة جغرافية، وفي موقع ومنعطف استراتيجي. يقول القحطاني: “الجهاد العالمي [أي على طريقة القاعدة أو الدولة الإسلامية] لم يجلب علينا إلا الويلات والدمار والتشرد للشعوب التي كنا نريد حمايتها […] يجب التركيز على جهاد النظام وإيران وروسيا. وفي نفس الوقت، الساعة ساعة بناء وتمكين لمكتسبات الثورة [في سوريا]”.
لكن إدلب – التي ما زالت مستعصية على النظام – قد تستعصي أيضاً على هيئة تحرير الشام. فالسوريون الذين لجأوا طوعاً أو قسراً إليها على مرّ أكثر من عقد من الزمن ليسوا جميعهم من مؤيدي أو أتباع الهيئة وحكومة الإنقاذ. والأسباب تتعدد وتختلف على تعدد واختلاف مشاربهم، فمنهم من يستنكر تكميم حرية التعبير، أو الاعتقالات الجائرة، أو غياب الديمقراطية لبعض النشطاء، أو شبه توقف المعارك بالنسبة إلى من يصبون إلى العودة إلى قراهم ومدنهم بالقوة، وصولاً إلى من لا يوافقون قبول الهيئة للتواجد العسكري التركي، أو نكرانها للقاعدة والجهاد العالمي وقمعها لأتباعه. وتشهد المخيمات وبعض القرى مظاهرات ليلية تندّد بممارسات جهاز أمن الهيئة. من الواضح أن هيئة تحرير الشام، وحكومة الإنقاذ معها، تكتسب شعبية يوماً بعد يوماً، ولكنها تستعمل أيضاً القوة ضد خصومها أو من يخرجون عن بيت الطاعة من داخل صفوفها.
تسعى هيئة تحرير الشام لفرض نفسها كرقم صعب في المعادلة الحالية وأية معادلة قادمة، وذلك عبر الملفات الشائكة والحساسة التي باتت بعهدتها بحكم الأمر الواقع، ولأن إدارة تلك الملفات ضرورة قصوى ووازنة لاستمرارية السيطرة والحكم، أهمها ملف النازحين والمقاتلين الأجانب وعوائلهم. فأي تطور في المعارك يتجاوز القصف المتبادل والعمليات المحدودة على خطوط التماس سيؤدي لحركة نزوح نحو تركيا ومنها لأوروبا. كما أن أي تقارب بين دمشق وأنقرة، وإن لم يُترجم عسكرياً، من الأرجح أن يكون له نفس التبعات. أما بالنسبة للمقاتلين الأجانب وعائلاتهم، فمن انضوى تحت لواء الهيئة من المرجح ألا يتم التعرض له، أما المناوئون والمستقلين فمن المُرجح أن تختلف المعاملات والتبعات بحسب الجنسيات. وهذان الملفان هما بمقام ورقة ضغط سياسي قد توازي القوة العسكرية التي تمتلكها الهيئة وتضاعفها في سعيها للاعتراف والتطبيع الدولي، بعد خروجها تعليلاً وجهاراً من الحراك الجهادي العالمي.
* صحفي في قناة “فرانس 24” مُختص في الحركات الجهادية
المصدر: “أوريان 21“