كتب الباحث في “معهد القدس” الصهيوني “عومر دوستري” مقالة في صحيفة “ماكور ريشون” العبرية، دعا فيها إسرائيل إلى الاتكال على نفسها وعدم الاعتماد على الأميركيين في حال قررت استهداف المنشآت النووية الإيرانية. ماذا تضمنت المقالة التي ترجمتها “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” من العبرية إلى العربية؟
- مؤخراً، تم نشر عدة تطورات تقرّب إسرائيل من احتمال مهاجمة إيران. أساس هذه التطورات هي قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران، والخطوات التي تتخذها إدارة بايدن، وتقدُّم إيران في مجال برنامجها النووي.
أ). إغلاق ملفات التحقيق الخاصة بإيران:
– في الوكالة الدولية للطاقة الذرية:
- أشارت مصادر إعلامية إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أغلقت تحقيقين مرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني، وتحديداً، المتعلق ببقايا اليورانيوم المخصّب إلى مستوى 83.7%، والتي وُجدت في المفاعل النووي في “فوردو”، وفي مفاعل آخر في بلدة ماريفان. وبحسب ادعاءات إسرائيل، فإن المفاعل في ماريفان كان مرتبطاً ببرنامج السلاح النووي الإيراني. وأشارت صور الأقمار الصناعية إلى أن الإيرانيين هدموا جميع المباني في المكان، بهدف إخفاء الأدلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن مراقبي الأمم المتحدة استطاعوا إيجاد بقايا يورانيوم، ولذلك فُتح التحقيق.
- حاولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التخفيف من وقع الخبر على الأذن الإسرائيلية، وقالت في التقرير ذاته أنها جددت الرقابة على المفاعلين في فوردو ونتانز، بالإضافة إلى أنها ركّبت كاميرات مراقبة جديدة في المبنى الموجود في مدينة أصفهان، حيث توجد أجهزة الطرد المركزي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المهم الإشارة إلى أن طهران استمرت في رفع كمية ومستوى تخصيب اليورانيوم لديها خلال الأعوام الأخيرة، حتى عندما سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية باستعمال كاميرات في مواقعها النووية.
- إغلاق الملفات المركزية يعزز إمكانية تجديد المحادثات النووية علناً، وحتى أنه يعزز احتمال الوصول إلى اتفاق جدّي. وسبب ذلك أن التحقيقات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت في مركز المفاوضات بين إيران والقوى العظمى بشأن تجديد الاتفاق النووي في العام الماضي. وفي أيلول/ سبتمبر، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن كل مسار لتجديد الاتفاق النووي من سنة 2015، عليه أن يضمن إغلاق التحقيقات. وفي المقابل، أكد دبلوماسي غربي أن القضية أُغلقت بطلب من طهران.
– تحريك المفاوضات بشأن اتفاق “القليل مقابل القليل”:
- إغلاق التحقيقات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المكون العسكري في البرنامج النووي الإيراني، يضاف إلى تطورات موازية تجري وراء الكواليس وتقوم بها الإدارة الأميركية. خلال الشهر الأخير، نُشر في وسائل إعلام دولية أن إيران والولايات المتحدة تجريان محادثات دبلوماسية غير مباشرة، ومباشرة بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق وسطي غير رسمي، بعد التوصل إلى فهم مفاده بأن التوصل إلى اتفاق رسمي وكامل هو أمر غير عملي في المناخ الدولي الحالي، وضمنه المساعدة العسكرية الإيرانية لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، واستمرار العدوانية الإيرانية ضد القوات الأميركية، وبصورة خاصة في سورية، وكذلك عدوانية إيران في الخليج الفارسي والسيطرة على ناقلات النفط الأجنبية.
- جوهر الاتفاق المؤقت هو تجميد البرنامج النووي الإيراني في وضعه الحالي، في مقابل وقف جزء من العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران، وبالأساس تحرير أموال إيرانية محجوزة في عدة دول. معنى هذا الاتفاق هو تبييض الخروق الإيرانية دولياً في المجال النووي، ومنح إيران شرعية، والمصادقة على أن يكون لديها برنامج نووي بمستويات تخصيب مرتفعة، وفي الوقت نفسه، أن يكون لديها كميات كبيرة من اليورانيوم المخصّب التي تكفي لتصنيع عدة قنابل نووية. وفي المقابل، فإن الاتفاق يسمح لإيران بالحصول على عشرات مليارات الدولارات، ويمكن أن تُستخدم للاستمرار في مراكمة القوة العسكرية واستثمار هذه الأموال لتعزيز العدوانية الإيرانية في منطقة شرق المتوسط والعالم.
- وعلاوة على ذلك، فإن اتفاق “القليل مقابل القليل” خطِر بحد ذاته، وسيقوّي إيران عسكرياً واقتصادياً وسياسياً؛ وله أهمية كبيرة بعيدة المدى، إذ سيمنح الاتفاق نظام آيات الله شرعية، ويعكس ضعف واشنطن الكبير إزاء ما قامت به إيران في العام الماضي على الأقل.
– تقدُّم إيران في البرنامج النووي:
وفوق هذا كله، يحوم التقدم التقني، التكنولوجي، وربما العسكري الإيراني في البرنامج النووي. أقرّ التقرير الأخير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن إيران استمرت في خرق الاتفاق النووي في الأشهر الأخيرة، وعززت مخزون اليورانيوم المخصّب لديها، جدياً. وبحسب التقديرات المختلفة في إسرائيل وفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران لديها الآن كمية من اليورانيوم على مستوى تخصيب تكفيها لصنع ما بين قنبلتين و5 قنابل نووية. هذا التقدم الزاحف والمستمر من إيران، دفع بها إلى أن تصبح اليوم دولة عتبة نووية، على الأقل إزاء كل ما يخص كمية ومستويات التخصيب.
- وإلى جانب التطورات المقلقة مؤخراً، يجب الإشارة إلى أن تقدُّم إيران في مجال تخصيب اليورانيوم هو مكون واحد من عدة مكونات لتطوير سلاح نووي. وللوصول إلى ذلك، هناك حاجة إلى تصنيع اليورانيوم المعدني (بدأت إيران فعلاً بالتنفيذ)؛ وتطوير سلاح ملائم، وضمنه منظومات التفجير، وتصغير وتركيب رؤوس نووية على الصواريخ؛ وأيضاً بناء منصة إطلاق ملائمة لمنظومة التفجير النووي (طائرة، سفينة، أو صاروخ). المرحلة الأخيرة هي إجراء اختبار بقنبلة نووية.
- وبحسب التقديرات المختلفة في إسرائيل، فإن إيران تحتاج إلى ما بين عام ونصف وعامين في أبعد تقدير، في حال قررت امتلاك السلاح النووي وصناعته. ولكن، في حال نجحت إيران في تطوير منظومات سلاح من دون كشفها، وبسرية، فإن هذا سيقصّر الوقت الذي تحتاج إليه إلى النصف، ويمكن أكثر، وهذا يعتمد على الوقت الذي تنجح فيه إيران في التقدم بسرية مع منظومات السلاح حتى يتم كشفها.
ب). استخلاصات:
- في المدى القصير، على إسرائيل تعزيز نشاطاتها في إطار المعركة بين الحروب ضد أهداف إيرانية مرتبطة بالبرنامج النووي، وضمنها نشاطات سرية لضرب البنى التحتية النووية والعناصر المرتبطة بالمنظومة النووية المدنية والعسكرية الإيرانية.
- في المدى المتوسط، يمكن الافتراض أن إدارة بايدن ستمتنع من القيام بخطوات معينة ضد إيران، وستحاول إحباط كل هجوم إسرائيلي ضد إيران، حتى أنه يمكن الافتراض أن بايدن يريد الوصول إلى فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وهو يملك إنجازاً سياسياً في مجال العلاقات الخارجية، على شكل اتفاق مع إيران.
- في ظل هذا الواقع، على إسرائيل أن تحضر نفسها لإمكانية العمل وحيدة حيال كل ما يخص التعامل مع السلاح النووي الإيراني. وأكثر من ذلك، عليها أن تكون جاهزة في حال رفضت إدارة بايدن منح الشرعية لضربة إسرائيلية، ومنعت أيضاً المساعدة الأميركية في المجال العسكري الاستراتيجي (التزويد بسلاح، ورفض بيع أسلحة مخصصة للهجوم)، وفي المجال العسكري العملياتي (تعاون استخباراتي)، والسياسي (إقناع دول المنطقة بالتعاون مع إسرائيل)، وفي المجال الدبلوماسي (عدم استعمال الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعدم وجود دعم أمام المجتمع الدولي).
المصدر: (مؤسسة الدراسات الفلسطينية)