الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

لجنة كراين- كنغ في مذكرات يوسف الحكيم حول العهد الفيصلي في سورية (1918- 1920)

معقل زهور عدي

عقد مؤتمر الصلح في باريس في 18 كانون ثاني/ يناير عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى لتقاسم الغنائم بين المنتصرين والتأسيس للنظام العالمي الجديد .

حضر المؤتمر الأمير فيصل بن الحسين ممثلاً عن سورية للمطالبة بتحقيق الوعود البريطانية التي أعطيت لوالده في دعم فكرة تأسيس دولة عربية تضم بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية , لكنه ومن خلال الاستنتاجات التي توصل اليها بصعوبة تحقيق فكرة الدولة العربية الواحدة قصر مطالبته على وحدة واستقلال سورية بحدودها الطبيعية التي تضم كيليكية شمالا وحتى الكرك جنوبا إضافة لفلسطين ولبنان .

تدخلت الولايات المتحدة بالجدل الذي أثارته مطالبة الأمير فيصل وطلبت تشكيل لجنة محايدة لاستفتاء السوريين ومعرفة رغباتهم , كما اقترحت صيغة مخففة للاستعمار هي ” الانتداب ” على أساس أن البلاد الخارجة للتو من الدولة العثمانية لاتملك مقومات الدولة وتحتاج للوصاية فترة من الزمن .

هكذا تشكلت اللجنة التي عرفت بلجنة كراين- كنغ, ووصلت في البداية الى يافا بفلسطين, بينما كان المؤتمر السوري ينعقد في 17 حزيران/ يونيو 1919 ويشرح فيه الأمير فيصل النقاشات التي دارت في مؤتمر باريس ودور لجنة كراين- كنغ, وما ينبغي عمله للتعامل مع تلك اللجنة بمنتهى الجدية باعتبار أن نتائج عملها سترسم مستقبل سورية .

اتفق المؤتمر على الدعاية الواسعة ضمن جميع البلاد لطلب الاستقلال التام والوحدة لسورية الطبيعية, وباعتبار ما لمسه فيصل من ميل قوي لمؤتمر باريس لفرض الانتداب فقد اقترح المؤتمر صيغة تتضمن اختيار الانتداب الأمريكي إذا لم يوافق مؤتمر باريس على الاستقلال التام فإن اعتذرت أمريكا عن ذلك فالانتداب البريطاني ورفض الانتداب الفرنسي .

كيف جاءت نتائج لجنة كراين- كنغ بعد جولاتها الواسعة في فلسطين وسورية ولبنان ومقابلاتها المكثفة مع مختلف فئات الشعب؟

أورد تقرير اللجنة أن أغلبية سكان سورية الداخل ( المدن الرئيسية دمشق- حمص- حماة- حلب ) تريد وحدة سورية وقيام حكومة وطنية دستورية برئاسة الأمير فيصل, وتفضيل أمريكا كدولة منتدبة فإن لم تقبل أمريكا فبريطانيا .

أما المنطقة الغربية من سورية والتي تضم لبنان والساحل السوري حتى إنطاكية فترى اللجنة أن رغبة أكثرية سكانها في الانتداب الفرنسي .

بعد أن أنهت اللجنة أعمالها وعادت إلى باريس, أبحر من جونيه البطريرك الماروني على رأس وفد من مختلف الطوائف اللبنانية إلى باريس مطالباً الحكومة الفرنسية باستقلال لبنان بحدوده الطبيعية وترجيح الانتداب الفرنسي عليه, وتحقق طلبه بإعلان المفوض السامي الفرنسي في لبنان والذي عين في لبنان بعد دخول قوات التحالف مباشرة عام 1918 حدود لبنان الكبير في 1 ايلول/ سبتمبر 1919 .

لكن ما حصل بعد ذلك أن الولايات المتحدة تراجعت عن التدخل في مؤتمر باريس فيما يتعلق بمصير البلاد العربية خاصة سورية والعراق وتركت ذلك لبريطانيا وفرنسا, وأسدل الستار عن لجنة كراين- كنغ وتقريرها المقدم إلى مؤتمر باريس, وبعد أخذ ورد بين فرنسا وبريطانيا تنازلت فرنسا لبريطانيا عن اقليم الموصل الغني بالنفط والذي كان يعتبر من بلاد الشام, بينما تنازلت بريطانيا لفرنسا عن الداخل السوري خلافا لاتفاق سايكس بيكو, كما اعترفت فرنسا بانتداب بريطانيا على فلسطين وشرق الأردن.

يقول الشاعر ” المتنبي “: ومن يجعل الضرغام بازاً لصيدهِ .. تصيده الضرغام فيما تصيدا

فهؤلاء الذين اتخذوا من أعتى الدول الاستعمارية حليفاً لهم للوصول لأحلامهم في الملك وإنشاء الدول, أصبحوا بعد انتهاء الحرب هم والشعوب التي انساقت مع أحلامهم فريسة للوحوش الضارية .

وحين جد الجد لم يترك الجنرال غورو للأمير فيصل والذي صار موضع سخرية لهم في أواخر أيامه بسورية فلم يعودوا يطلقون عليه سوى الأمير الحجازي, لم يتركوا له من الوقت بعد دخول جيوشهم دمشق ما يستطيع فيه لملمة متاعه بل حددوا له السفر بالقطار الذاهب إلى درعا ثم فلسطين أو الحجاز ولحقه الإنذار حين توقف بدرعا ” أن عليك متابعة السفر والخروج خارج سورية فورا ودون تأخير ” .

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.