سليمان أبو ارشيد *
تحت شعار “75 عاما.. وإنا لعائدون” عقد السبت في مدينة “مالمو” السويدية مؤتمر فلسطينيي أوروبا في دورته العشرين بمشاركة آلاف الفلسطينيين الذين قدموا من كافة أقطار القارة الأوروبية وبحضور ضيوف عرب وفلسطينيين وأجانب.
ويعود المؤتمر للانعقاد بعد 3 سنوات من التوقف عن عقده وجاهيا بسبب جائحة كورونا، في تكريس لحضور فلسطيني فاعل يتحدى محاولات الإلغاء والشطب وتأكيد على حق العودة إلى فلسطين كلّ فلسطين.
وترجع فكرة المؤتمر إلى الإيمان بأهمية الدور الذي يلعبه الشتات الفلسطيني بشكل عام وفي أوروبا بشكل خاص في نسيج اللاجئين الفلسطينيين وبعد بروز فكرة التنازل عن حق العودة في مفاوضات ما يسمى بالحل النهائي، حيث تنادت منظمات العمل الشعبي إلى تأسيس مؤتمر موحد لأبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في أوروبا للتأكيد على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وأراضيهم.
كذلك اعتبار حق العودة حقا مطلقا لا ينبغي بحال اختزاله في إطار جوانبه الإنسانية، وهو يشمل كل اللاجئين بغضِّ النظر عن أوضاعهم القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وينبغي أن يكون محورا أساسيا ومرتكزا للعمل الفلسطيني والعربي من أجل حماية الشعب الفلسطيني وضمان حقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف.
وكان “مركز العودة” قد أطلق المؤتمر في العام 2003 ونظم 19 دورة سابقة، قبل أن يصبح مبادرة مستقلة وقائمة بحد ذاتها، وقد أريد للمؤتمر الذي انطلق قبل 20 سنة من الآن أن يكون مظلة تجمع فلسطينيي أوروبا وأن يكون منصة للإجماع الوطني الذي يقف صفا واحدا في وجه اللوبيات الصهيونية الداعمة للاحتلال في أوروبا وحماية القضية الفلسطينية من الاندثار.
كما دأب المؤتمر على مدى 20 عاما على جمع مئات الساسة والمفكرين وصناع الرأي وآلاف الفلسطينيين من عموم القارة الأوروبية وغيرها من قارات العالم تحت مظلة واحدة إلى جانب نشطاء عرب وأجانب مناصرين للحق الفلسطيني.
وسجل للمؤتمر وفق سجلات القائمين عليه منذ نسخته الأولى في عام 2003 إسهامات بارزة في نشر الرواية الفلسطينية وبيان الحق الفلسطيني في المحافل الأوروبية، وفضح الادعاءات الإسرائيلية القائمة على الزيف والبهتان، وفضح جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، إضافة إلى أنه جاء ليؤكد على التمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها الحق بالحرية والعودة وتقرير المصير.
وأطلق المؤتمر عشرات المبادرات التي خرجت من قاعاته على شكل مشروعات خدمية وخيرية وسياسية وحقوقية إلى مختلف أماكن الوجود الفلسطيني في الداخل والخارج من بينها حملات الدعم الإنساني، وسفن كسر الحصار عن غزة، والوفود البرلمانية الأوروبية التي زارت فلسطين ومخيمات اللاجئين.
وبهذا الصدد، حاور “عرب 48” رئيس المؤتمر، أمين أبو راشد، حول موضوعه ومضامينه وأهدافه قبل انعقاده.
“عرب 48”: ماذا يعني هذا المؤتمر بالعموم بالنسبة لفلسطينيي أوروبا وما الذي يميز دورته الـ20؟
أبو راشد: إن مؤتمر فلسطينيي أوروبا شكل خلال العقدين الماضيين أهم تظاهرة شعبية ووطنية في القارة الأوروبية، وهو ما تطور باتجاه تحول المؤتمر إلى مبادرة شعبية مستقلة ومحايدة جمعت وتجمع الكل الفلسطيني من مختلف التيارات والاتجاهات تحت راية العلم الفلسطيني.
كما تحول المؤتمر على مدار عشرين عامًا إلى منصة جامعة لكل الأطراف الفلسطينية، وحرص القائمين عليه في كل مرة على توجيه أول دعوة للسفير الفلسطيني في البلد المضيف، كما أنه حرص على دعوة شخصيات رسمية ومستقلة وحزبية من مختلف الأطياف للمشاركة في فعالياته.
وما يميز الدورة الحالية هو أن فعاليات المؤتمر بنسخته العشرين التي تعقد في مدينة مالمو بالسويد، وانعقاده في مرحلة حساسة تراجعت فيها القضية الفلسطينية كقضية محورية ومركزية عربيا ودوليا مع بروز صراعات وحروب إقليمية ودولية وأزمات اقتصادية في العديد من دول العالم.
“عرب 48”: المؤتمر ربط اسمه بالعودة باعتبارها حقا مطلقا غير خاضع لمقاييس اقتصادية اجتماعية يتمسك فيه كل اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا؟
أبو راشد: في النهاية اللجوء هو لجوء بما يعنيه من فقدان للبيت والوطن والعودة هي حق غير قابل للتصرف لكل أبناء الشعب الفلسطيني الذين أخرجوا من ديارهم، بغض النظر عن أماكن سكنهم ومستوى حياتهم.
نحن نحشد للمؤتمر من المدن والعواصم الأوروبية تحت مسمى قوافل العودة والناس تأتي بالآلاف على حسابها الخاص من كافة الدول لإيمانها بفكرة المؤتمر وأهدافه وشعاره المركزي المتمثل بحق العودة وهذه السنة توقعنا حضور 20 ألف مشارك، كما عقد بموازاة المؤتمر تسع مؤتمرات فرعية تشمل مواضيع واختصاصات متنوعة.
إلى جانب مشاركة الجالية العربية والإسلامية والمشاركة الأوروبية الشعبية والرسمية وشبه الرسمية من قبل أعضاء برلمان ووزراء ورجال فكر وكتاب وصحفيين، شارك هذه السنة 11 نائبا سويديا من 3 أحزاب هي حزب اليسار والحزب الاشتراكي وحزب البيئة إضافة إلى برلمانيين من إيرلندا ومن إيطاليا ومن إسبانيا وكذلك رئيس لجنة التضامن الفلسطيني الأوروبي وهو عضو برلمان أوروبي.
“عرب 48”: البعض ينتقد غياب عمل شعبي على غرار التظاهرات والمسيرات، مصاحب للمؤتمر وكون نشاطاته تنحصر في القاعات المغلقة؟
أبو راشد: المؤتمر ليس له علاقة بالمظاهرات والمسيرات، هو مؤتمر يحدد تاريخ انعقاده قبل ستة أشهر من موعده، ثم يبدأ العمل والتحضير والإعداد له على مستوى دول القارة الأوروبية، حيث يجري ترتيب اللجان الفرعية وتكليف الفرق الفنية المشاركة ودعوة الضيوف من الادباء والصحافيين والبرلمانيين من الدول الأوروبية، وهو مؤتمر فلسطيني بامتياز.
هذه السنة كما أسلفت ستعقد مؤتمرات فرعية موازية للمعلمين الفلسطينيين والمهندسين الفلسطينيين والمرأة الفلسطينية وهكذا، كما ستكون منصة لشهود النكبة من الذين ولدوا في فلسطين قبل عام 1948 وشهدوا نكبتها، إضافة إلى منصة لمبدعين فلسطينيين حصلوا على جوائز دولية حيث سيتحدثون عن أعمالهم وإنجازاتهم.
“عرب 48”: ما سبب الانتقادات التي وجهت للمؤتمر من قبل شخصيات في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير؟
أبو راشد: الدورة الحالية للمؤتمر هي الدورة العشرين، كما تعرف، والمنظمة والسلطة شريكتان فيه وطالما شارك السفراء الفلسطينيين في الدول التي كان ينعقد فيها المؤتمر في أعماله وألقوا كلمات على منصاته، وأذكر منهم السفير الفلسطيني صلاح عبد الشافي والسفيرة فريال فريز، هذا إلى جانب مشاركة شخصيات فلسطينية مثل مصطفى البرغوثي وحيدر عبد الشافي وبلال الحسن وغيرهم، ولذلك كان الانتقاد مستغربا وأعتقد أنه كان هناك صورة غير واضحة لدى المنتقدين نأمل أنها توضحت وشعروا أنهم أخطأوا والحملة توقفت بعد العدوان على غزة.
“عرب 48”: ماذا كانت مبرراتهم؟
أبو راشد: الاتهامات كانت على غرار شق الصف الفلسطيني وشق منظمة التحرير، لكننا بينا أن المؤتمر ليس بديلا لمنظمة التحرير وأنه مؤتمر أوروبي تديره مؤسسات فلسطينية عاملة في أوروبا وهو يختص بالدفاع عن حق العودة وليس له أي أهداف أخرى كما يدعي البعض.
كما أننا في مؤسسة فلسطينيي أوروبا نعتبر منظمة التحرير الفلسطينية إرثا فلسطينيا بنيناه نحن فلسطينيو الشتات بدمائنا، ونقول إنه إذا كان من إنجاز فلسطيني لهذه المسيرة فهو منظمة التحرير الفلسطينية التي هي ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ولا يوجد لدينا في المؤتمر ولا في أنشطتنا خلال العشرين سنة الماضية أية مطالبة بان نكون بديلا لهذه المنظمة، التي هي كما قلت إرث تاريخي لا يمكن تجاوزه إطلاقا.
لكننا نقول بضرورة أن تأخذ منظمة التحرير دورها وأن يتم إخراجها من حالة التغييب وأن تفتح أبوابها المقفلة أمام الكل الفلسطيني، كما أنه خلال سنوات طويلة لم تجر داخل المنظمة عملية انتخاب لمؤسساتها وقد آن الأوان أن ينتخب الشعب الفلسطيني قيادته.
كذلك نقول إنه إذا كانت السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الضفة الغربية وقطاع غزة، فمن المسؤول عنا نحن فلسطينيو الشتات؟ ونجيب بأن المسؤول عنا ومن يمثلنا هي منظمة التحرير الفلسطينية ولذلك لا بد من تفعيلها لتأخذ دورها الحقيقي كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
* كاتب فلسطيني
المصدر: عرب 48