نبيل الخوري *
بعد 15 عاماً على إعلان استقلال كوسوفو، في 17 فبراير/ شباط 2008، لا يزال الخلاف مع صربيا يمثل عقبة أمام تطبيع علاقاتهما، ويَحُول دون اعتراف الحكومة الصربية بدولة كوسوفو، وإفساح المجال لانضمامها إلى المنظمات الدولية. ويولّد هذا الخلاف، أحياناً، توترات أمنية، كما حصل أواخر 2022. قد يكون من المبكّر توصيف الوضع باعتباره “قنبلة موقوتة”، لكن تعثّر عملية التطبيع بين صربيا وكوسوفو يشكل وسيشكّل تحدّياً مثلث الأبعاد: للاتحاد الأوروبي ودوره في ضمان الاستقرار في البلقان؛ لفكرة التعايش السياسي السلمي في مجتمعٍ متعدّد الإثنيات والأديان وفكرة المصالحة بعد حربٍ تخللتها عمليات تطهير عرقي؛ للمجتمع الدولي وقدرته على إبقاء هذه المنطقة بمنأى عن الصراع الروسي-الأوكراني والروسي- الغربي عموماً. ولهذا التعثّر عوامل تاريخية وسياسية وجيوسياسية. قد يؤدّي عدم معالجتها وتجاوزها، في الحد الأدنى، إلى استحالة التطبيع واستمرار التوترات، وفي الحدّ الأقصى إلى تجدّد الحرب، التي قد تضع كوسوفو أمام مصير مجهول.
إرث التاريخ الثقيل:
لتاريخ الصراعات في البلقان تأثيرٌ لا يستهان به على تمثلات (Representations) جماعاته البشرية عن أقاليمه وحدودها. في “الجيوبوليتيك”، لا تتصارع الدول فقط على أقاليم معيّنة ذات موقع استراتيجي أو غنية بالموارد. بل يمكن لرمزية المكان والأرض في وجدان جماعات وجماهير أن تكون سبباً للصراع أيضاً. هذا هو حال كوسوفو التي تُعتبر في نظر الصرب أرضاَ صربية وأرثوذكسية، بينما يعتبرها الألبان، الذين تأسلموا إبّان الحكم العثماني، موطنهم. قد لا تكون استحالة التعايش بينهم حتمية، لكن اختلاف التمثلات يساهم في إبقاء المشكلة مفتوحة. هذا ما يؤكّده كلامٌ أدلى به ناشط قومي ويميني متطرّف صربي، في حديث لبرنامج “تحقيق حصري” على قناة M6 الفرنسية، في 12 مارس/ آذار 2023، بعنوان: “Les Loups de Poutine à l’assaut des Balkans”. يحلم الناشط بإعادة بسط سيادة صربيا على كوسوفو التي يعدّها “الأرض الموعودة” بالنسبة للصرب بل “قُدْسهم”، في استعارة للأسطورة التي تروّجها الصهيونية الدينية عن “أرض إسرائيل” والقدس لتبرير احتلال فلسطين.
هزيمة 1389:
ثمّة إذاً سردية صربية تتعامل مع واقع اليوم انطلاقاً من معطيات الماضي البعيد، حين كانت كوسوفو جزءاً من مملكة صربيا قبل أن يتمدّد نفوذ العثمانيين في البلقان وصولاً إلى انتصارهم على الصرب في سهل كوسوفو 15 يونيو/ حزيران 1389، وهيمنتهم على البلقان لاحقاً (…). على مدى قرون، يسجل التاريخ سلسلة هجرات للصرب هرباً من العثمانيين ولجوئهم إلى أراضي الإمبراطورية النمساوية. من “الهجرة الكبرى” سنة 1690، في أعقاب حربٍ نمساويةٍ- عثمانية، إلى موجتيْ هجرة كبيرتين في القرن الثامن عشر، تقلّص الوجود الصربي في كوسوفو. أصبح الألبان يشكلون نصف سكان الإقليم في مرحلة أولى من القرن العشرين ثم أكثر من الثلثين بعد 1945.
“تحرير” كوسوفو أم “غزوها”؟
لم يستعِد الصرب سيطرتهم على كوسوفو إلا بعد الحروب البلقانية اعتباراً من سنة 1912. لكن مشروع بناء “الدولة الأمّة” الصربية لم يمكن ممكناً من دون التسبب بمشكلة لألبان كوسوفو الذين حُرِموا من الانتماء لـ”دولتهم الأمة”، ألبانيا المستقلة آنذاك. هكذا، خضع حوالي 400 ألف ألباني لحكم صربيا في كوسوفو، بعدما تم ترسيم حدود ألبانيا بقرار دولي سنة 1913، كما ورد في كتاب المؤرّخ هنري بوغدان، بعنوان “تاريخ بلدان شرق (أوروبا)”، بنسخته الصادرة سنة 1991. وإذ تفسّر السردية الصربية ما جرى سنة 1912 بوصفه “تحريراً لكوسوفو، مهد الدولة الصربية الذي انتظرته أجيالٌ عديدة”، فإن السردية الألبانية تتحدّث عن “غزو” صربي، تخلّله “جرائم إرهابية دموية ضد الشعب الألباني”، الذي كان ضحية “عنف وإرهاب قومي”، بحسب ما ورد في بحث للمؤرّخ شكيلزن غاشي (Shkëlzen Gashi)، بعنوان “The History of Kosovo in the history textbooks of Kosovo, Albania, Serbia, Montenegro and Macedoni”، نُشِر سنة 2016.
حكم ذاتي ضمن صربيا:
لاحقاً، وبعدما خضعت ألبانيا لسيادة إيطاليا منذ أبريل/ نيسان 1939، ضُمَّت إليها كوسوفو وقسم من مقدونيا حيث يعيش ألبان. لكن البلقان تحوّل خلال الحرب العالمية الثانية إلى منطقة نزاع بين ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وحلفائهم من جهة، والمقاومات المختلفة، خصوصاً الشيوعية، المدعومة من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا. رغم أن موازين القوى كانت تميل لصالح الشيوعيين في كل من يوغوسلافيا وألبانيا، إلا أن مصير الحدود ومسألة كوسوفو كانا موضع خلافٍ بين “الرفاق”. قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي موقفٍ واضحٍ تبلغه الأميركيون، شدّدت حكومة المنفى اليوغوسلافية على أهمية كوسوفو بالنسبة للصرب واستحالة تخليهم عنها لصالح ألبانيا، إلا في حالة هزيمة عسكرية واستسلام كما حصل سنة 1389، كما يروي المؤرّخ، إيثيم سيكو (Ethem Ceku)، في كتابه بعنوان “Kosovo and Diplomacy since World War II: Yugoslavia, Albania and the Path to Kosovan Independence”، الصادر سنة 2020. هكذا، ومع نهاية الحرب، تأسّست يوغوسلافيا كدولة فدرالية من ست جمهوريات: صربيا، كرواتيا سلوفينيا، البوسنة، الجبل الأسود ومقدونيا، مع تكريس كوسوفو كمحافظة ذات حكم ذاتي ضمن صربيا.
لم تحسم التجربة اليوغوسلافية الشيوعية الصراعات القومية في البلقان، بل أجّلت انفجارها. في كوسوفو، الشرارة الأولى اشتعلت في خريف وشتاء 1968، حين “انتفض الألبان (…) مطالبين بتحويل الإقليم إلى سابع جمهورية في الاتحاد الفدرالي اليوغوسلافي”، أي الانتقال من الحكم الذاتي في إطار صربيا إلى دولةٍ قائمةٍ بذاتها داخل ذلك الاتحاد. بالطبع، رفضت بلغراد الفكرة وقمعت الناشطين الاستقلاليين، حسبما يذكر بوغدان. لاحقاً، وعلى الرغم من أن الدستور اليوغوسلافي الجديد عام 1974، عزّز الحكم الذاتي لكوسوفو، إلا أن الإقليم شهد اضطرابات عنيفة سنة 1981، “طالب خلالها الألبان في إلحاق كوسوفو بألبانيا”، كما ورد في كتاب بوغدان أيضاً.
انقلاب ميلوسوفيتش وتداعياته:
قوبل تنامي الحركة القومية الاستقلالية الألبانية في كوسوفو في ثمانينيات القرن العشرين بتأجيج عصبية صربية إقصائية. هكذا، وبينما دخلت يوغوسلافيا في مسارٍ من الانقسام السياسي أدّى لاحقاً إلى تفكّكها، اختار الصرب التصعيد. في تلك الفترة، كان يعيش في كوسوفو مليون و700 ألف ألباني و200 ألف صربي. بدلاً من ترويج حلٍّ توافقي، اختار الرئيس الصربي، سلوبودان ميلوسوفيتش، استغلال “النزعة القومية الصربية في كوسوفو لتعزيز سلطته، ودعم الحراك الصربي في كوسوفو بين 1987 و1989، وألغى وضعية الحكم الذاتي التي كانت تتمتّع بها كوسوفو، وقمع الأقلية الألبانية” في يوغوسلافيا، كما يروي الدبلوماسي والأكاديمي الفرنسي، ماكسيم لوفيفر، في كتابه: (Le jeu du droit et de la puissance. Précis de relations internationales)، الصادر بنسخته الرابعة سنة 2013. وفي 1997، أي بعد عامين من انتهاء حرب البوسنة والهرسك، أثارت سياسة “الفصل العنصري” التي اتّبعتها الحكومة الصربية سخط ألبان كوسوفو، فأطلقوا تمرّداً عسكرياً بقيادة “جيش تحرير كوسوفو”، الذي نفذ سلسلة عمليات، قوبلت برد فعل عسكري صربي عنيف، اعتباراً من شتاء- ربيع 1998، أخذ منحى “التطهير العرقي”، وتسبب بنزوح حوالي 800 ألف من ألبان كوسوفو.
من التدخّل الأطلسي الى الاستقلال:
تدخّل حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في 24 مارس/ آذار 1999، وألحق الهزيمة بصربيا… بعد انتهاء حرب كوسوفو، أصدر مجلس الأمن القرار 1244 في 10 يونيو/ حزيران 1999، وتم بموجبه وضع الإقليم تحت إشراف دولي، مدني وأمني، ومُنِح حق التمتع بـ”بقدر كبير من الاستقلال الذاتي” لكن “داخل جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية”، التي أكّد القرار نفسه على سيادتها وسلامتها الإقليمية. القوة المدنية الدولية المنتشرة في كوسوفو، إلى جانب القوات العسكرية الأطلسية، اضطلعت بمهام عدة، أهمها: إدارة الإقليم والإشراف على الانتخابات (نجح فيها التيار الاستقلالي سنة 2001) وتمكينه من إدارة نفسه بنفسه ورعاية مفاوضات حول الوضعية النهائية للإقليم.
يتحدّث القرار 1244 عن “تسوية سياسية” لا بد من إبرامها لاحقاً. هذه التسوية لم تبصر النور. على العكس، أعلنت كوسوفو انفصالها أو استقلالها بشكل أحاديّ الجانب، على وقع اعتراض صربيا التي لا تزال ترفض الاعتراف بدولة كوسوفو المستقلة. استحال التوافق الصربي- الكوسوفي. في إطار رد الفعل العقابي، قرّرت بلغراد، سنة 2008، حظر دخول المنتجات الكوسوفية إلى الأسواق الصربية. وسنة 2010، لجأت صربيا إلى محكمة العدل الدولية للطعن بقرار كوسوفو، لكن المحكمة اعتبرت أن الإعلان عن الاستقلال لا ينتهك القانون الدولي. رغم ذلك، تصرّ صربيا على عدم الاعتراف بكوسوفو، مدعومةً من روسيا والصين في مجلس الأمن، ولكن أيضاً من خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، إسبانيا، قبرص، اليونان، رومانيا وسلوفاكيا، وذلك لأسبابٍ تتعلق بحذرها من نزعات انفصالية داخلية، كما هو حال إسبانيا مع كاتالونيا أو حال قبرص مع منطقتها الشمالية التركية…
مشكلة مع صرب كوسوفو:
ثمّة مشكلة مفتوحة إذاً. تعصف الدينامية الصراعية خصوصاً بمنطقة ميتروفيتسا ذات الغالبية الصربية والمتاخمة للحدود الصربية شمالي كوسوفو. منذ الاستقلال عام 2008، تشكّل هذه المنطقة تحدّيا لسلطة الحكومة الكوسوفية. تعاني كوسوفو من “سيادة منقوصة”. هذا ما لاحظه الباحث سيباستيان غريكور (Sébastien Gricourt)، في دراسة له بعنوان “Kosovo Deux ans après la déclaration de l’indépendance”، نشرها “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”، في يوليو/ تموز 2010، ويعالج فيها إشكالية إدماج الصرب في كوسوفو.
كان صيف 2011 ساخناً. عندما قرّرت حكومة كوسوفو السيطرة على الحدود مع صربيا، عبر نشر شرطتها على نقطتي عبور في ميتروفيتسا، تحت ذريعة تطبيق قرار حظر دخول المنتجات الصربية إلى كوسوفو كمعاملة بالمثل منذ الحظر الصربي، حصلت مناوشاتٌ مع السكان الصرب الذين رفضوا دخول شرطة كوسوفو إلى مناطقهم. لم يغطّ الأميركيون والأوروبيون التحرّك الكوسوفي الأحادي الجانب، وفضّلوا حل الخلافات بواسطة الحوار. هكذا فشلت أول محاولة تقوم بها حكومة كوسوفو لفرض سيادتها على تلك المنطقة الشمالية. اتخذ التحرّك الصربي شكل قطع الطرقات لمنع قوات الحلف الأطلسي وموظفي الحكومة الكوسوفية من دخول مناطقهم. يتكرّر هذا الشكل من التحرّك، مع اللجوء إلى العنف أحياناً.
اتفاق 2013: إطلاق مسار التطبيع
بمثابرة من الاتحاد الأوروبي، توصل الطرفان إلى انفراج. من بروكسل أعلنا عن “الاتفاق الأول بشأن المبادئ التي تحكم تطبيع العلاقات” بينهما، في 19 إبريل/ نيسان 2013. يتكوّن الاتفاق من 15 بنداً. أبرزها يتعلق بأربعة مسائل أساسية: إنشاء رابطة للبلديات ذات الأغلبية الصربية في كوسوفو؛ إدماج الشرطة والسلطة القضائية في الشمال ضمن الشرطة والسلطة القضائية الرسمية في كوسوفو؛ عدم عرقلة أيٍّ من الطرفين مسار انضمام الآخر إلى الاتحاد الأوروبي؛ فضلاً عن مسائل تقنية أخرى، تتصل بالخدمات العامة، سيما الطاقة والاتصالات، لكي تضطلع بها حكومة كوسوفو.
على الرغم من اختلاف التأويلات الكوسوفية والصربية لهذا الاتفاق واعتراضات بعضهم عليه، إلا أن أهميته تكمن، أولاً، في وضع آلية لدمج تقني ومؤسّساتي لمناطق الصرب ضمن دولة كوسوفو في إطار احترام دستورها وسيادتها مع مراعاة خصوصية مناطق الصرب. وتكمن ثانياً في أن الإقرار بعدم عرقلة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يعكس “شكلاً من الاعتراف الضمني باستقلال كوسوفو” من صربيا، بحسب ما يخلُص إليه تقرير تحت عنوان “صربيا وكوسوفو: الغموض البنّاء”، لمجموعة الصداقة بين فرنسا ودول غرب البلقان، في البرلمان الفرنسي، صدر في خريف 2013. واستكمالاً لمسار التطبيع، وقّع الطرفان، في 25 أغسطس/ آب 2015، اتفاقاً جديداً برعاية أوروبية، ينصّ على إسراع وتيرة الإدماج في مجال الطاقة والاتصالات، وضمان حرية الحركة على جسر ميتروفيتشا الذي يربط الحيّين الألباني الصربي. ويدعو إلى إنشاء رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية على أن تعمل وفق قوانين كوسوفو، وأن تضطلع بمهام تتعلق بالتنمية الاقتصادية والتعليم والرعاية الصحية، مع منحها صلاحية عقد اتفاقيات تعاونٍ مع بلديات محلية ودولية أخرى. أي تمكينها، بمعنى آخر، من الحفاظ على علاقات خاصة مع صربيا.
حصيلة غير مثالية:
مرّت عشر سنوات على هذا الاتفاق “التاريخي” الذي استحال تنفيذه بحذافيره. يشير التقييم الدوري للأمين العام للأمم المتحدة عن “بعثة الأمم المتحدة للإدارة المؤقتة في كوسوفو”، من خلال تقارير يرفعها إلى مجلس الأمن في نيويورك، إلى حصيلة غير مثالية. ويظهر أن تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا يصطدم بواقع سياسي وميداني مليء بعقباتٍ لا يمكن تخطّيها إلا بمعجزة، أو بالأحرى بمعجزة أوروبية.
لا تزال العلاقات بين ألبان وصرب كوسوفو رهينة عداء متبادل يتجسّد بأشكال مختلفة. من مشكلات كوسوفو استمرار حالة الكراهية التي تتسبّب بعددٍ لا بأس به من الاعتداءات ضد صرب كوسوفو وضد مواقع دينية وثقافية أرثوذوكسية صربية. ثمّة عمليات تخريب وسرقة أو “كتابات على الجدران تحمل خطاب الكراهية”، واعتداءات على متاجر يملكها صرب وأعمال عنف بدني ضدهم. في المقابل، تعاني كوسوفو من اعتيادية التظاهرات التي تنظّمها مجموعات صربية تحت شعار “كوسوفو هي قلب صربيا”، في تعبيرٍ عن رفض صربي لاستقلال كوسوفو. ويترافق ذلك أحياناً مع تحريضٍ على الكراهية ضد الألبان واعتداءات استهدفت في صيف 2022 شرطة كوسوفو في الشمال، إضافةً إلى تفجير كابل لنقل الكهرباء عالي التوتر. كلها أحداث يوثقها الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير رفعه إلى مجلس الأمن، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وآخر رفعه في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وذلك كله في ظل عدم طي كامل صفحات الماضي الدموي، تحديداً صفحة المفقودين لدى الطرفين، وصفحة المهجّرين وإنجاز العودة، سيما عودة النازحين الصرب.
ترفض الحكومة الكوسوفية التنازل مجّاناً لصرب مناطق الشمال، سيما في ما يتعلق بالعلاقة الخاصة بين هذه المناطق وصربيا. هي لا تريد تحويل شمال كوسوفو إلى منطقةٍ تمارس فيها سيادة ثنائية بين بريشتينا وبلغراد. لذا، تصرّ حكومة كوسوفو على رفض تنظيم أي استحقاقٍ انتخابي صربي في أراضي كوسوفو، “من دون طلب رسمي مباشر من حكومة صربياً”. وتلزم الناخبين بالتوجّه إلى داخل صربيا للاقتراع، كما حصل خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية الفرعية الصربية، في 3 إبريل/ نيسان 2022، وفق تقرير 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وقبل ذلك، كانت سلطات كوسوفو قد رفضت إعطاء إذن “بالزيارات التي يقوم بها مدير مكتب الحكومة الصربية لشؤون كوسوفو وميتوهيا”، تحت ذريعة أن صربيا تستخدم هذه الزيارات من أجل “تعزيز هياكل غير قانونية” في كوسوفو”، وفق تقرير 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
العصيان الصربي:
في المقابل، ثمّة عصيان صربي “مزمن”، نتيجة رفض الإقرار بسلطة حكومة كوسوفو على مناطق ذات الغالبية الصربية. إضافة إلى مظاهر العداء والكراهية والعنف، هناك احتجاج جماعي مختلف الأشكال والأبعاد ضد سلطة كوسوفو. مثلاً، لم تتردّد مجموعاتٌ صربيةٌ، في شتاء 2021، بالتضييق على الحملات الانتخابية لمرشّحين من ألبان كوسوفو في مناطق مختلطة إثنياً في ميتروفيتسا، بحسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في 5 أبريل/ نيسان 2021.
وتحصل، أيضا، عرقلة محاولات كوسوفو بسط سلطتها على كامل أرضها حتى عندما يتعلّق الأمر بعمليات “مكافحة التهريب في عدة مواقع في جميع أنحاء كوسوفو”، حيث “أدّت مقاومة صرب كوسوفو وجود الشرطة الخاصة (في هاتين البلدتين)، إلى مشاجرات أسفرت عن إصابة ضبّاط شرطة ومتظاهرين ومارّة بجروح”، في خريف 2021. وعندما تتمسّك كوسوفو بحقها السيادي في تنفيذ خططها الأمنية والردعية ضد “الجماعات الإجرامية”، تقابل بتسييس للمسألة من قبل صربيا التي لم تتردد بالتلويح باستخدام القوة “أي محاولة لاستخدام العنف ضد صرب كوسوفو”، وفق تقرير 12 نيسان/ أبريل 2022. تواجه برشتينا صعوبة إذاً في تطبيق سياساتها الأمنية في شمال كوسوفو، خصوصاً عندما تقرر تعزيز حضور الشرطة عبر “فتح مراكز ميدانية جديدة (بقيادة) ضباط من ألبان كوسوفو”. تدبير كهذا، وتنفيذ عمليات “من دون مشاركة” ضباط محليين، أي صرب، يثير التوترات، وفق تقرير 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
الإشكالية المحورية:
تُعتبر مسألة إنشاء رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية، انسجاماً مع اتفاق 2013، إشكالية محورية، قد يكون حلّها بمثابة مفتاح لتسوية شاملة ونهائية. لكن التوفيق بين شروط الطرفين ليس مهمة سهلة. ردّاً على إصرار بلغراد وصرب كوسوفو على إنشاء هذه الرابطة، تطالب بريشتينا بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في ما يتعلق بالتعامل مع الأقليات، وفق التقرير الأممي الصادر في 5 أبريل/ نيسان 2021. أي أن تطبق صربيا على الألبان المقيمين على أرضها ما تريد أن تطبّقه كوسوفو على الصرب لديها. يتعامل رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، بحزمٍ مع هذه المسألة، طارحاً ستة شروط للموافقة على إنشاء الرابطة: أنْ تنتظم في إطار إطار قوانين ودستور كوسوفو؛ ألا تكون أحادية الإثنية؛ ألا تمتلك سلطة تنفيذية؛ تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على ألبان صربيا، حل الهياكل غير الشرعية الصربية شمالي كوسوفو وتسليم السلاح غير الشرعي إلى سلطات كوسوفو؛ أنْ يسحب صربيا رسائل بعثتها إلى الدول الأوروبية الخمس التي لا تعترف بكوسوفو، والتي تطلب فيها من هذه الدول رفض طلب ترشيح كوسوفو للعضوية إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب تقرير نشره موقع European Newsroom (تعاونية وكالات الأنباء الأوروبية)، في 17 فبراير/ شباط 2023.
على صعيد آخر، ينص اتفاق 2013 على أن تشكّل محكمة الاستئناف في كوسوفو “هيئات حكم تكون أغلبية قضاتها من صرب كوسوفو في جميع القضايا التي تكون في بلدياتٍ ذات أغلبية من صرب كوسوفو”، بحسب ما ورد في التقرير الأممي في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. لذا، عندما يحاكم صربي في محكمة تقتصر على قضاة ألبان، من دون مشاركة لقضاةٍ صربٍ فيها، يقابَل ذلك باحتجاج من صرب كوسوفو ومن بلغراد أيضاً. هذا ما حصل مع السياسي الصربي، إيفان تودوسيفيتش، الذي حكم بالسجن عامين، سنة 2019، “بتهمة “التحريض على الكراهية أو الفتنة أو التعصّب لدواع قومية أو عنصرية أو دينية أو إثنية”، على أساس إنكاره المذبحة التي وقعت بحق الألبان سنة 1999 في قرية راتشاك”. عادت المحكمة العليا وألغت الحكم، وقرّرت إعادة محاكمته بمشاركة قضاة صرب وألبان معاً، كما يظهره تقريرا 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 و12 أبريل/ نيسان 2022.
حرّية التنقل ولوحات تسجيل المركبات:
كلما حاولت حكومة كوسوفو فرض سلطتها، اصطدمت بمعارضة الصرب. حرّية التنقل هي واحدة من المسائل العالقة. عدم اعتراف صربيا بوثائق الهوية الكوسوفية قوبل بعدم اعتراف كوسوفو بوثائق الهوية الصربية. تدبير كهذا تسبب بمشكلة فعلية على نقاط العبور والحواجز الأمنية في كوسوفو خصوصاً. لكن بعد حوار برعاية أوروبية، في 27 أغسطس/ آب 2022، “وافقت بلغراد على إلغاء وثائق الدخول والخروج لحاملي وثائق الهوية في كوسوفو”، فيما تعهدت بريشتينا بعدم طلب “وثائق دخول وخروج لحاملي وثائق الهوية الصربية”، وفق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، بتاريخ 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
لكن المسألة التي أجّجت التوترات منذ سبتمبر/ أيلول 2021 إلى أن بلغت ذروتها أواخر 2022، تتمثّل في سعي حكومة كوسوفو إلى حظر مرور سياراتٍ تحمل لوحات تسجيلٍ صربيةٍ داخل كوسوفو. يُلزم القرار السكان باستبدال هذه اللوحات بأخرى كوسوفية رسمية، إلا أن رد الفعل الصربي كان غير متناسب. انطلقت المواجهات عندما حاولت الشرطة الكوسوفية تطبيق القرار. بدأ الصرب بإغلاق طرق العبور، وأحروقوا مكتبا لتسجيل المركبات. ودخلت الحكومة الصربية على خط الأزمة إلى درجة كان هناك إمكانية فعلية باندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين صربيا وكوسوفو. تجلّى التصعيد الصربي من خلال “تحليق طائرات عسكرية” وإعادة “تمركز قوة صغيرة للرد السريع في مناطق قريبة من الحدود الإدارية”، وفق تقرير أممي صادر في 12 أبريل/ نيسان 2022. وحين أصرّت كوسوفو على التعامل مع “المركبات غير المسجلة في نظام كوسوفو” باعتبارها “غير قانونية”، ومنعها من “التنقل داخل كوسوفو” في صيف 2022، نصب صرب كوسوفو “حواجز على الطرق التي تعبر خط الحدود الإدارية” وحصلت مناوشات عسكرية، فضلاً عن “حوادث قام فيها المحتجون بإساءة معاملة السكان الألبان في كوسوفو”. كما انتشر “عدد كبير من الأفراد المسلحين المدجّجين بالسلاح بين المحتجين من صرب كوسوفو”، وفق تقرير 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وكادت مسألة لوحات تسجيل المركبات تدفع صرب كوسوفو إلى أفعال أحادية الجانب، مثل إعلان تأسيس رابطة البلديات ذات الأغلبية الصربية من دون التوافق مع بريشتينا، وفق تقرير 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وبعد التهديد بالانسحاب من المؤسّسات الرسمية الكوسوفية، قدّم حوالي 600 ضابط شرطة صرب، استقالتهم، ثم حذا حذوهم قضاة ومدّعون عامّون وعدة موظفين رسميين، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
شهر ساخن:
هكذا، كان شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022 ساخناً. أي مبادرة سياسية من كوسوفو تُواجَه باعتراض صربي صارم. حين بدأت سلطات بريشتينا الإعداد لتنظيم الانتخابات البلدية في مناطق الشمال، قوبلت عمليات التحضير بإطلاق نار. تصدّى أحد عناصر الشرطة بالقوّة لمسؤولي مفوضية الانتخابات، ما دفع السلطات إلى اعتقال شرطيٍّ متهم بقيادة المواجهة. زاد هذا الإجراء من حدّة التوتر: مسلحون صرب خلف حواجز على الطرق في محيط مدينة ميتروفيتسا، يتبادلون إطلاق النار مع عناصر شرطة كوسوفو، احتجاجاً على اعتقال ذلك الشرطي. تم قطع معبريْن حدوديين مع صربيا. ولم يوفّر المسلحون الصرب بعثة المراقبة الأوروبية في المنطقة، إذ استهدفوها بقنبلة صوتية لم تلحق أي إصابة بالأرواح. وتأجّلت الانتخابات حتى شهر أبريل/ نيسان 2023.
واتخذت المشكلة بعداً آخراً مع إعلان الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2022، عزم بلاده نشر قوة عسكرية وأمنية في مناطق الصرب في كوسوفو، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن، 1244، الصادر سنة 1999، الذي ينصّ على حقّ صربيا في نشر قوة محدودة هناك، بشرط الحصول على موافقة القوات الأطلسية والأمم المتحدة، وهذا ما لم يحصل. استنفرت القوات الصربية على الحدود مع كوسوفو، مع إبداء استعدادٍ للتدخّل في حال تم الاعتداء على الصرب لإزالة حواجزهم بالقوة، في حين كانت نبرة كوسوفو شديدة، متهمة المحتجين بـ”العصابات الإجرامية”.
تهدئة برعاية أوروبية … فتطبيع؟
لولا التدخّل الأوروبي، لما توصل الطرفان إلى خفض التصعيد. في 29 ديسمبر/ كانون الأول، بدأ الوضع يعود إلى مجراه الطبيعي. أزيلت الحواجز. انكفأت التعبئة الصربية. وبعد يوم، أُفْرِج عن الشرطي الذي تأجّجت الأزمة بسبب توقيفه، لكنه وُضِع قيد الإقامة الجبرية.
رغم ذلك، ثمّة حالة من عدم اليقين بشأن مدى التزام كوسوفو وصربيا بالخطّة الأوروبية لتطبيع العلاقات نهائياً بينهما. لكن الصيغة المقترحة مستوحاة من تجربة سابقة ناجحة. يتعلق الأمر بما تسمى “المعاهدة الأساسية” الموقعة في ديسمبر/ كانون الأول 1972، بحسب مقالة في مجلة لوموند ديبلوماتيك، في أبريل/ نيسان 2023، تحت عنوان “Une « normalisation » aux forceps”، للصحافيين فيليب ديكام وآنا أوتاسفيتش (Philippe Descamps, Ana Otašević). فتحت هذه المعاهدة الباب أمام تطبيع العلاقات بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية خلال الحرب الباردة، على قاعدة اعترافهما ببعضهما بعضا على قاعدة الحقوق المتساوية واحترام حرمة الحدود المشتركة والسلامة الإقليمية، فضلاً عن الالتزام بتبادل التمثيل الدبلوماسي الدائم. يوضح الصحافيان أن ألمانيا الغربية لم تعترف بألمانيا الشرقية بوصفها دولة أجنبية، لأنها أرادت ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية إعادة توحيد ألمانيا يوماً ما، بل اعترفت بالأمر الواقع المتمثل بوجود دولة ألمانية ثانية. وعلى هذا الأساس، انضمت كل من الألمانيتين إلى منظمة الأمم المتحدة سنة 1973. وما يريد الاتحاد الأوروبي فرضه على كوسوفو وصربيا هو الاعتراف بأمرين واقعين تكرّسا منذ انتهاء حرب 1999: وجود كوسوفو دولة، واحتفاظ صرب كوسوفو بـ”مصير خاص بهم وبعلاقات وثيقة مع بلغراد”، وفق المقالة نفسها. التحدّي كبير. الدبلوماسية التي فشلت 15 عاماً في تطبيع العلاقات ودفع صربيا إلى الاعتراف بكوسوفو، هل ستنجح اليوم؟ وكيف؟
معطيات متشائمة:
ثمّة تقديرات تفيد بأن مشكلة الاتحاد الأوروبي في منطقة البلقان الغربي تتمثّل في أنه “قلّل من أهمية الإرث الثقيل للحروب” الذي لم تتم تسويته بعد، بحسب ورقة بحثية للأكاديمي بيار ميرال (Pierre Mirel)، تحت عنوان “Union européenne-Balkans occidentaux : les illusions perdues ?”، في مجلة “Politique étrangère”، شتاء 2022. كان الاتحاد الأوروبي يعوّل على الجهود المبذولة من أجل تحقيق “السلام والمصالحة”. لكن الهدف يبدو بعيد المنال. وثمّة معطياتٌ تدفع إلى التشاؤم، إذ “تظهر استطلاعات الرأي (في البلقان) تنامي العصبيات الإثنية”. وبدلاً من القبول بالتعايش السلمي، تعزّزت النزعة “الانفصالية لدى الأقليات الصربية في البوسنة وكوسوفو” وسط “رفض كبير لاستقلال كوسوفو من الرأي العام في صربيا”، مقابل “طموح غالبية الكوسوفيين بالانضمام إلى ألبانيا الكبرى”، بحسب ما ورد في كتاب “الاتحاد الأوروبي والسلام”، الصادر بالفرنسية سنة 2017، تحت إشراف آن بازان وشارل تونونبوم (Anne Bazin, Charles Tenenbaum). بالفعل، لم يتخلّ رئيس حكومة كوسوفو عن مشروع الاتحاد مع ألبانيا بناء ألبانيا الكبرى، بحسب ما ورد في تحقيق آخر للصحافيين نفسيهما، فيليب ديكام وآنا أوتاسفيتش، في “لوموند ديبلوماتيك”، في أبريل/ نيسان الحالي، تحت عنوان “Au Kosovo, deux nations dos à dos”. لعل أوروبا كانت موهومة عندما اعتقدت أن تكييف العملية السياسية مع معايير الليبرالية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان يكفي لضمان التعايش السياسي السلمي بين الألبان والصرب. لكن النزعات القومية لا تزال تحول دون ذلك. لم يصل الطرفان بعد إلى حدّ تجديد الاقتتال، لكن أزمة خريف وشتاء 2022، يمكن أن تكون “بروفا” لحرب جديدة.
مخاوف من الدور الروسي:
ليست الحرب مستبعدة إذاً، خصوصاً في سياق حرب أوكرانيا. إثر بدء العدوان الروسي في 24 فبراير/ شباط 2022، تخوّف بعضهم من اشتعال البلقان من جديد إذا ما قرّر الصرب الاستفادة من “انتصار روسي” حاسم وسريع في كييف للانتقام من خصومهم في البلقان، من كوسوفو إلى البوسنة والهرسك، وصولاً ربما إلى كرواتيا والجبل الأسود. يعتقد الناس هناك أن صمود المقاومة الأوكرانية جنّبهم حرباً صربية ضدّهم، بحسب ما ورد من كلام في إطار برنامج “تحقيق حصري” على قناة M6 الفرنسية. لكن إذا كانت عملية قلب الطاولة على الجميع في البلقان هدفاً نهائياً لبلغراد وموسكو، فإن عدم القدرة على تحقيقه اليوم لا يعني عدم استخدام أوراق ضغط أخرى. من هنا ثمّة اعتقاد سائد بأن “لدى كل من روسيا وصربيا مصلحة في إبقاء مشكلة كوسوفو “مفتوحة” على الأجندة السياسية للاتحاد الأوروبي، وعرقلة أي حل فعّال لها”، كما استخلص الباحثان، فلوران مارثياك، ودونيكا أوميني (Florent Marciacq, Donika Emini)، في ورقة بحثية لهما، تحت عنوان “كوسوفو، الدولة المعرقَلَة”، في مجلة “Politique étrangère” الفرنسية، شتاء 2022.
لذا، ومن أجل مواجهة أي سياسةٍ هادفة لإدامة حالة عدم الاستقرار، على الاتحاد الأوروبي أن يثبت قدرته على التأثير وإنجاح خطّته للتطبيع بين كوسوفو وصربيا. أي أن يستبق حربا جديدة، وأن يستبق أي تغيّر في الظروف وفي موازين القوى لصالح مقايضة كبرى ربما، تبدأ من كوسوفو، مروراً بشمال جورجيا ووصولاً إلى شرق أوكرانيا…
* باحث وكاتب أكاديمي لبناني
المصدر: العربي الجديد