فيصل عكلة *
أرعبت الأصوات الغريبة في زاوية الخيمة أسرة أبو محمد، ففي كل ليلة تكثر هذه الأصوات وتعلو الخربشات، لدرجة أن الأطفال باتوا يخافون دخول الخيمة والنوم فيها، قبل أن يتمكن أبو محمد من إخراج جرذ من الخيمة.
“من الأفاعي والعقارب وصولاً إلى الجرذان هكذا هي حياتنا”، بهذه الكلمات يشكو أبو محمد الحال الذي وصل إليه، وهو الذي اضطر إلى سكن هذه الخيمة بعد أن دمر زلزال شباط/ فبراير منزله في جنديرس.
مضيفاً في حديثه إلى “صحيفة إشراق”، لم تتوقف مأساتي بخسارة بيتي وممتلكاتي، بل تبعت المأساة حياتي إلى داخل هذه الخيمة، عدت متأخرًا من عملي فتفاجأت بوجود عائلتي خارج الخيمة، إنهم يخافون من دخولها بعد أن رأوا جرذاً يتنقل فيها. لم يعد يخلو حي ومخيم وأرض زراعية من وجود الفئران والقوارض بصورة عامة، ما يعني مضاعفة مخاطر انتشار الأمراض الوبائية إذا ما علمنا ضعف الاستجابة العلاجية للمدنيين في عموم شمال سورية، يقول الدفاع المدني في بيان له نشره مؤخرًا على صفحته الرسمية أوضح من خلاله نشاطه في ترحيل الركام، يترافق ذلك مع موجات الحر الشديد في فصل الصيف بظهور القوارض والأفاعي وانتشارها بشكل كبير في مخيمات النزوح، وأضاف البيان:
“كثّف متطوعو الدفاع المدني السوري من جهودهم في توعية قاطني المخيمات من خطر الأفاعي والعقارب والوقاية من لدغتها وطرق التعامل الأولي السليمة معها، كما تم تجهيز طرقات للمخيمات لتسهيل وصول المدنيين إلى خيامهم، وتسوية عدة حفر في طرقات رئيسية وإزالة الركام والأوساخ منها، والمساهمة في عملية إصلاح وتمديد شبكات الصرف الصحي، في قرى وبلدات ‘حربنوش’ و’حفسرجة’ و’أرمناز’ و’كفرتخاريم’ وقرى سهل الروج”.
المناطق المدمرة بفعل الزلزال ومدفعية النظام وحلفائه، أمست مستعمرات للقوارض التي اتخذت من بين الركام مساكن لها وخاصة في مدينة جنديرس المنكوبة، حيث التقت صحيفة إشراق المهندس الزراعي عثمان حاج عثمان العامل في دائرة الزراعة وسألته عن انتشار القوارض فأجاب:
“في هذه السنة ارتفعت أعداد القوارض في جميع المناطق المنكوبة مما يعود بالضرر الكبير على الصحة العامة وانتشار الأوبئة، ولا يقتصر ضرر القوارض على صحة الإنسان، بل يتعدّى ذلك إلى المحاصيل الزراعية، وخاصة جنديرس بلد زراعي كما الحال في حارم وسلقين وكل المدن التي تعرضت للتدمير بفعل الزلزال، حيث تحيط بها الأراضي الزراعية من كل الجهات، والآن هو موسم اخضرار المزروعات، التي انتشر بينها فأر الحقل والذي يتكاثر بسرعة مذهلة ويؤدي إلى تدهور كبير في إنتاجية المحصول وقد يتحول الوضع في هذه المنطقة إلى جائحة ونفوق المحصول بشكل كامل في حال عدم المكافحة.
عن أسباب هذا الانتشار أوضح الـ عثمان: “تكاثر القوارض يأتي ليس من بقايا الطعام فحسب، وإنما من النفايات البشرية المنتشرة رغم محاولات الدفاع المدني وبعض المنظمات العمل على ترحيل الركام خارج المدينة هربًا من جائحة قد تحصل في حال اشتداد الحرارة وبقاء الركام”.
أما العلاج والحد من الضرر، أوضح العثمان أن حجم الكارثة الكبير يحتاج إلى تدخل دول ولا يستطيع مجلس محلي أن يقوم بتنظيف المدينة، كما أن البنية التحتية المتضررة ساعدت على انتشار القوارض، وصيانة هذه الشبكات وإعادة اصلاحها وتنفيذها بشكل علمي ومدروس من أهم بنود مكافحة القوارض، كما طالب بترحيل القمامة بشكل يومي، والمحافظة على نظافة المدينة واستخدام الطعوم السامة وتخديم الأبنية عبر وضع إطار إسمنتي حولها لمنع القوارض من إنشاء جحور وأنفاق داخل البناء إضافة إلى فلاحة الأرض بشكل جيد واتباع طرق زراعية في الريّ لا تساعد على تكاثر الفئران”.
عضو اللجنة الصحية المشرفة على مركز الإيواء في تجمع مخيمات ‘الكمونة’ القريبة من مدينة حزّانو عساف الخليل قال في جوابه عن الأسباب الإضافية التي توفرت مؤخرًا لانتشار القوارض:
“تنتشر القوارض في هذه الفترة التي أعقبت الزلزال نتيجة توفر المواد الغذائية التي خلفها الدمار والظروف البيئية المناسبة للتكاثر، حيث أنها تتكاثر بسرعة، وضررها يأتي من أنها تتغذى على المحاصيل الزراعية مما يسبب التلف والدمار إضافة إلى تلف الحبوب المخزنة في المستودعات في المناطق التي تعرضت للزلزال نتيجة وجود الثقوب والشقوق، كما أن القوارض تنقل العديد من الأمراض للإنسان عن طريق الاحتكاك أو العض أو عن طريق بقايا الأطعمة لأنها تعيش مع الإنسان وتشاركه حياته الجديدة بشكل كامل”.
وكشف الخليل عن آفات منتشرة مؤخرًا أشد خطرًا على الصحة وأكثر فتكًا وهي “العقارب والأفاعي حيث وجدت المكان المناسب للانتشار وخطر العقارب أكبر لأنها تلدغ كل ما تلمسه، وخاصة أن الأهالي قاطنين في خيم غير مجهزة ومكشوفة وقريبة من المناطق المدمرة، ذلك ما يعرضهم للإصابة بلدغات العقارب وذلك ما نستقبله في مركزنا الصحي.
منظمة( منسقو الاستجابة السريعة) العاملة في الشمال الغربي السوري قالت في بيان لها نشرته مؤخرًا على صفحتها الرسمية:
“إن مئات المخيمات وعشرات القرى والبلدات في شمال غربي سورية، تعاني من نقص كبير في خطوط الصرف الصحي خاصةً بعد الزلزال الذي أدى لتضرر كبير في البنية التحتية، إضافة إلى انتشار مكبات القمامة المكشوفة التي تعد بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات السامة”.
وأوضح البيان أن: “عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال بشكل فوري 1,983، وعدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 4,073 مبنى، فيما عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 12,043 مبنى (أضرار متوسطة)، وعدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة 19,446، وعدد المباني الآيلة للسقوط التي تم هدمها بعد الزلزال 124 مبنى حتى الآن”.
مع ارتفاع حرارة الجو هنا في الشمال السوري، وغياب وسائل المكافحة المتطورة، واعتماد الأهالي على طرق بدائية، يزداد انتشار القوارض والزواحف وسط أطنان الركام الجاثمة وسط الأحياء المدمرة في مدن الشمال والتي عجزت كل المنظمات والجمعيات عن ترحيلها بعيدا عن الأهالي المنكوبين.
* كاتب سوري
المصدر: إشراق