ماذا يخسر الشعب السوري الذي خرج مطالبًا بالحرية والكرامة والعدالة عام 2011 من عودة النظام السوري إلى الحظيرة العربية من خلال استعادة مقعده في الجامعة العربية الذي أُبعد عنه عام 2011 بعد رفضه نصائح الجامعة في التعاطي مع ما سمي بالأزمة السورية حين ذاك؟ سؤال يطرحه السوريون اليوم في خضم هستريا التطبيع مع نظام الإرهاب والكبتاغون بعد الزلزال الذي دمر مناطق سورية واسعة من الشمال السوري أغلبها خارج سيطرة النظام في حين ذهبت غالبية المساعدات العربية إلى النظام الذي استغلها لدعم وضعه الاقتصادي في مواجهة شعبه وليس في تخليصه من محنته. نعتقد أن شعبنا لن يخسر شيئًا، فالنظام العربي منذ نشأة الجامعة عام 1945 لم يستطع تقديم مايدعم قضايا الشعوب في مواجهة الاحتلالات الغربية والإيرانية، بل بالعكس، لقد شرعن هذا النظام احتلال العراق من قبل أميركا وسهل قصف ليبيا من قبل الناتو، وقبلها ترك الصومال لمصيره، وتدخل في اليمن بالشراكة مع إيران لمزيد من إفقار وإذلال الشعب اليمني العروبي المكافح ولم يستطع أو لم يسمح له بالتدخل لحل مشكلة الصحراء الغربية بين المغرب والبوليساريو وكثير من الأزمات الأخرى، وقف هذا النظام موقف المتفرج منها. إذن .. من هو المستفيد مما يجري؟ طبعًا المستفيد الوحيد هو النظام بإرهابه ومخدراته وميلشياته وهاهي آلته الإعلامية تصرخ بأعلى صوتها مظهرة الإنتشاء بالنصر المزيف الذي حققه النظام، وأن العرب هم من يسعون وراء النظام للعودة إلى الحضن وبشروطه. فهل هذا صحيح؟
بدأت القصة مع مبادرة أردنية طرحها ملك الأردن على الرئيس الأميركي بايدن أسماها مبادرة الخطوة خطوة، أي خطوة من النظام يقابله خطوة من العرب وبعد موافقة الرئيس بايدن تبنت مجموعة من الأنظمة العربية المشابهة لنظام الأسد من حيث وحشيته وقمعه وظلمه هذه المبادرة التي لم تتمخض في حينها عن شيء إلا فتح طريق التجارة بين سورية والأردن والخليج الذي قام النظام بإغراق أسواقها بالحبوب المخدرة. ثم تجدد السعي وراء المبادرة بعد كارثة الزلزال في شباط/فبراير من العام الجاري وذلك بطريقة هستيرية محموعة، فتعددت اللقاءات والتصريحات والزيارات استباقًا للقمة العربية التي ستعقد في أيار/مايو من العام الجاري في الرياض، إلا أن مايرشح من تلك الاجتماعات أن هناك شروط للعرب لقبول عودة النظام وتجمع الآراء على أن النظام غير قادر على تحقيق أي منها، فكما صرح سمير جعجع (وهو بالمناسبة إرهابي متقاعد وحليف سابق لإسرائيل والنظام) أن بشار الأسد أصبح جثة لايستطيع تلبية أي مطالب، فبلاده محتلة من خمس دول وقراره أصبح بيد طهران وموسكو وماعلينا سوى الانتظار لنرى قريبًا النتائج التي ستتمخض عنها هذه الهمروجة الغبية. لقد أدانت الأمم المتحدة النظام وأصدرت القرارات التي تشمل رؤيتها للحل في سورية وهو حل سياسي بعيدًا عن إجرام النظام وحلفائه ولو أنها لم تضع آلية للتنفيذ بفعل روسيا والصين، إلا أن الجميع يظهرون التزامهم بالقرار ولا يستطيعون تخطيه بإقامة أية علاقات حقيقية تؤهل النظام للعودة للمجتمع الدولي، وعندما حاولت روسيا تخطيه والالتفاف حوله بمساري أستانا وسوتشي، لم تحقق إلا بعض الاتفاقات الأمنية الهزيلة التي تحقق مصالح المحتلين لا مصالح الشعب السوري.
لقد سارعت إيران، وهي من الدول المحتلة لسورية بعد همروجة التطبيع إلى الإعلان عن زيارة هي الأولى لرئيس النظام الإيراني إلى دمشق وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ بدء الثورة السورية وذلك بهدفين الأول: تعطيل ومنع النظام من اتخاذ أي موقف يحد من سيطرتها وتغولها في سورية، والهدف الثاني استكمال إحكام سيطرتها على القرار السوري السياسي والاقتصادي بمزيد من الاتفاقات وهي اتفاقات وعقود إذعان تحكم فيها إيران سيطرتها على مابقي من الاقتصاد السوري بعد أن استحوذ الروس على أهم المرافق السيادية السورية بعقود تستمر لنصف قرن. الجديد في الاتفاقات الإيرانية هي تملك (وليس استثمار طويل الأجل) تملك الأراضي تحت شعار الأرض مقابل الديون كما فرض المحتل الأميركي على العراق بعد هزيمته الأولى عام 1991 أمام الأميركي، برنامج النفط مقابل الغذاء وما جره من استنزاف لثروات العراق وغنى فاحش للعوالق الانتهازية.
عند تأسيس جامعة الدول العربية بأوامر بريطانية عام 1945 بمشاركة سبع دول عربية قيل أنها مستقلة سئل الزعيم المصري سعد زغلول وكان زعيم الأغلبية في مجلس النواب عن رأيه قال: إذا جمعت عددًا من الأصفار فماذا يكون الناتج. إنها مجرد أصفار.