حسن الأشرف
الصفقة تأتي وسط وضع عسكري وأمني معقد في منطقة شمال أفريقيا. بإعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) موافقة وزارة الخارجية على بيع محتمل لأنظمة “هيمارس” الصاروخية وعتادها للمغرب سيحصل جيش الرباط على أسلحة متطورة ونوعية من شأنها تغيير “معادلة التسلح” في المنطقة.
يعتبر المغرب أول بلد أفريقي يتسلح براجمات الصواريخ “هيمارس”، وثالث بلد عربي بعد الإمارات والأردن، وذلك بعد موافقة وزارة الخارجية الأميركية على الصفقة بميزانية تصل إلى 524 مليون دولار.
أفاد “البنتاغون” قبل أيام قليلة بأن وزارة الخارجية الأميركية وافقت، إضافة إلى بيع أنظمة “هيمارس” الصاروخية، على بيع أسلحة ومعدات ذات الصلة إلى المغرب بكلفة مالية تناهز 250 مليون دولار.
وكان المغرب قد طلب من واشنطن 18 راجمة للصواريخ “هيمارس” من طراز M142 فائقة الحركة والتنقل، و40 وحدة من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش M57 (ATACMS)، و36 من أنظمة صواريخ الإطلاق المتعددة الموجهة أحادية، وعديد من العتاد العسكري المتطور.
وطلب الجيش المغربي أيضاً من أميركا 35 نظاماً لا سلكياً طويل المدى للمركبات العسكرية مزوداً بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، و24 راديو فردياً، ونظام مركبات طويل المدى مع نظام تحديد المواقع العالمي.
وشاركت أنظمة “هيمارس” الصاروخية في حروب ساخنة عدة في العالم، أبرزها حرب أفغانستان والحرب في سوريا والحرب الأهلية بالعراق، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، مما يجعلها سلاحاً مجرباً يحظى بفاعلية ونجاعة في الحروب العسكرية، وفق متخصصين.
وتفيد معطيات عسكرية متطابقة بأن وزن الوحدة من راجمات الصواريخ الأميركية “هيمارس” يبلغ 100 طن، والطول يصل إلى سبعة أمتار، والعرض مترين ونصف المتر، والارتفاع أزيد من ثلاثة أمتار.
وتبعاً للمعطيات المتداولة ذاتها فإن إطلاق صواريخ “هيمارس” يصل إلى مدى 80 كيلومتراً، كما أنه بإمكان هذه الأنظمة حمل ست قذائف نفاثة، وقد تحمل صاروخاً باليستياً واحداً، وتضم حاوية المنظومة ست مواسير متحكماً فيها أوتوماتيكياً.
إبعاد الصين
يرى مراقبون أنه جرى تسريع صفقة بيع أميركا راجمات صواريخ “هيمارس” للمغرب عقب زيارة رئيس الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي إلى العاصمة الرباط في مارس (آذار) الماضي، حيث التقى حينها قيادات عسكرية مغربية رفيعة المستوى، على رأسها المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال بلخير الفاروق.
وكان الجنرال الأميركي قد صرح في الرباط بأن “المغرب شريك وحليف كبير للولايات المتحدة، وبأنه بلد مستقر للغاية في قارة ومنطقة تحتاج إلى الاستقرار”، مشيداً باحتضان المملكة التمرين العسكري السنوي المشترك “الأسد الأفريقي”.
وتوالت زيارات متبادلة بين وفود عسكرية أميركية ومغربية خلال الفترة الأخيرة، تم خلالها توقيع اتفاقيات مهمة، من بينها اتفاق التعويض الصناعي مع شركة “بوينغ” الأميركية لصناعة الطائرات، إذ سيتم تسليم مروحيات أباتشي للمغرب بداية من العام المقبل.
ويبدو أن تسريع واشنطن إتمام صفقة راجمات صواريخ “هيمارس” جاء ليس فقط نتيجة هذه الزيارات والاتفاقيات الثنائية، لكن أيضاً لخشية الولايات المتحدة من جذب الصين للمغرب في شأن الصفقات العسكرية، لا سيما بعد تسجيل مماطلة سابقة من الإدارة الأميركية في تسليم نظام الباتريوت إلى الرباط.
يذكر أن القوات المسلحة الملكية المغربية كانت قد أجرت في العام الماضي مفاوضات حثيثة مع شركة الصين لعلوم وصناعة الطيران (CASIC) للحصول على صواريخ متطورة وقنابل دقيقة التوجيه، كما أنها تسلمت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 دفعة من أنظمة الدفاع الجوي الصيني بعيدة المدى FD-2000B.
أهمية السلاح
الخبير في الشأن العسكري والاستراتيجي محمد عصام لعروسي قال إن راجمات الصواريخ “هيمارس” شبيهة بنظام صواريخ متعدد الإطلاق ومتعدد الانطلاق (MLRS)، لكنها تمتاز من الناحية التقنية بخفتها وقدرتها الفائقة على الانتقال بسرعة إلى مناطق أخرى.
وأضاف لعروسي أنه “من الناحية العملياتية تساعد هذه الصواريخ في ضرب البنيات الثابتة، خصوصاً البنية التحتية المتعلقة بالمستودعات وباقي الأهداف بدقة متناهية قد تصل إلى أزيد من 200 ميل”، فضلاً عن كونها “خفيفة الوزن وسريعة ودقيقة وتصل إلى أهدافها بشكل ناجع”.
ولفهم أهمية مثل هذا الطراز من الصواريخ من الناحية العسكرية والعملياتية، ومن ناحية دعم المنظومة الدفاعية والهجومية، استرشد لعروسي بمثال الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث إن تزويد أميركا أوكرانيا براجمات الصواريخ “هيمارس” مكن من ضرب بنى تحتية روسية، مثل مستودعات البطاريات المتعلقة بالمدفعيات في دونباس، إذ استطاعت أولاً تحرير خيرسون بفضل تلك الراجمات، علماً أن أميركا فرضت على أوكرانيا اشتراطات عدة، أهمها عدم ضرب الأهداف داخل الأراضي الروسية والاكتفاء بتحرير أوكرانيا.
قوة الردع
جواباً عن سؤال في شأن السياق الذي جاء فيه طلب المغرب هذا النوع من العتاد الأميركي، أفاد لعروسي بأن هناك وضعاً عسكرياً وأمنياً معقداً في منطقة شمال أفريقيا، بالنظر إلى العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، وأيضاً بالنظر إلى التقاطبات الشديدة مع إيران وروسيا الشريك الثابت والموثوق للجزائر، إذ ترتقب زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى موسكو الشهر المقبل، وقد يتم التوقيع حينها على اتفاقية تزود الجزائر بأنظمة دفاعية وهجومية جديدة.
واسترسل المحلل ذاته بأنه أيضاً يتعين فهم أن قاذفات الصواريخ “هيمارس” تعد أسلحة متقدمة ونوعية يحتاج إليها بالفعل الجيش المغربي لدعم آليات الردع في إطار ارتفاع وتيرة التسلح بمنطقة شمال أفريقيا، لافتاً إلى أن “الجزائر رفعت ميزانية الدفاع لتصل هذه السنة إلى 23 مليار دولار”.
وأضاف لعروسي عاملاً آخر يفسر رغبة الجيش المغربي في امتلاك هذا النوع من الأسلحة، هو “الوضع المشتعل بمنطقة الساحل جنوب الصحراء، لهذا ارتأى الجيش المغربي التسلح بما يمكن تسميته قوة الردع في حالة إذا ما حصل طارئ ما، أو تم استخدام طائرات مسيرة في المنطقة ضد مصالح المغرب”.
وذهب المتحدث إلى أن بيع هذا النوع من الأسلحة للمغرب يدخل في إطار توطيد العلاقات المغربية – الأميركية، واعتبار الرباط شريكاً عسكرياً وأمنياً ثابتاً وموثوقاً به، كما يدخل في إطار استراتيجية التنافس مع روسيا وعدد من القوى داخل المنطقة الأفريقية، خصوصاً الساحل جنوب الصحراء.
المصدر: اندبندنت عربية