بعد سنوات من المنافسة الشديدة، فإن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية لإعادة فتح السفارات في غضون شهرين، من شأنه أن يخفف التوترات بشكل كبير، كما يمهد لتطبيع العلاقات بين القوتين الإقليميتين.
يرى مقال بيجان خاجيبور في موقع “أمواج”، والذي ترجمه “الخليج الجديد”، أن الدافع الرئيسي لإيران في متابعة الاتفاقية يتركز على الجوانب الأمنية لخفض التصعيد في المنطقة. وتشارك المملكة هذا التركيز، حيث تنظر إلى السلام كوسيلة لمتابعة أجندة التنويع الاقتصادي في رؤية 2030.
ويضيف أن من الواضح أيضًا أن الاستراتيجية الإيرانية لخفض التصعيد الإقليمي تسير على قدم وساق، وهو ما يفسر سبب سفر علي شمخاني – أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني – إلى كل من العراق والإمارات عقب رحلته الى الصين.
ووفقا للمقال، بالنظر إلى حقيقة أن إنعاش الاقتصاد من المرجح أن يكون على رأس أولويات الجمهورية الإسلامية على مدى السنوات القليلة المقبلة، فإن السؤال هو ما إذا كانت الاتفاقية مع المملكة ستساعد من الناحية الاقتصادية؛ الإجابة القصيرة هي نعم.
من الواضح أن خفض التصعيد سيقلل من تكلفة الأمن الإقليمي لجميع الأطراف وسيحرر المزيد من الإمكانات التجارية والاستثمارات والشراكات العابرة للحدود التي تحتاجها المنطقة.
القيود والحواجز
ويشير الكاتب إلى أنه من الضروري التغلب على الحواجز الأولية في المرحلة الحالية، وما تحتاجه طهران هو الاستثمار، ومن الواضح أن المملكة قد أدركت ذلك. بعد أيام قليلة من توقيع الاتفاقية في الصين قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان: “هناك الكثير من الفرص للاستثمارات السعودية في إيران. لا نرى معوقات طالما أنه سيتم احترام شروط أي اتفاق”.
ويعتبر بيان الجدعان مؤشرا هاما على الإرادة السياسية الكامنة على أعلى مستوى في المملكة، ومع ذلك، يتفق الخبراء على أن العقوبات الأمريكية والقيود المصرفية يمكن أن تشكل تحديًا لبعض الشركات السعودية المهتمة بإشراك السوق الإيرانية.
ومن وجهة نظر الكاتب، فإن التحدي الآخر متأصل في تعليقات الجدعان، وهو الغموض القانوني والتشغيلي الذي يواجهه المستثمرون الأجانب في إيران.
وبالنظر إلى هذه العوائق، من المرجح أن تكون الحكومات هي الجهات الفاعلة الرئيسية في المرحلة الأولية لأي إعادة مشاركة اقتصادية أوسع لدول مجلس التعاون الخليجي مع إيران.
وستتمثل مهمتهم الرئيسية في وضع الجسور التي يمكن أن تسهل سيناريوهات التجارة والاستثمار المجدية.
وعليه يجب أن تكون الأهداف الأساسية هي تحصين الاستثمارات المتصورة من العقوبات الأمريكية وكذلك التحديات القانونية والتشغيلية. ويمكن أن تتشكل الموجة الأولية من الاستثمارات الخليجية في الصناعات غير الخاضعة للعقوبات، مثل الأغذية والأدوية، تليها القطاعات الأخرى، حيث سيتم وضع حلول مصرفية ومالية إبداعية.
ويمكن أن تسعى الرياض أيضًا إلى الحصول على إعفاءات من واشنطن لتنفيذ مشاريع ذات أهمية استراتيجية، بما في ذلك الاستثمارات لمواجهة التحديات البيئية الإقليمية مثل ندرة المياه وآثار تغير المناخ.
الفرص المستقبلية
بالنظر إلى حقيقة أن كلا الجانبين منخرط في التنويع الاقتصادي، هناك أيضًا عدد من الفرص في القطاعات الأخرى. وأحد هذه القطاعات هي صناعة التعدين؛ فإيران لديها مشاريع استثمارية طموحة في هذا القطاع ويمكن للمستثمرين السعوديين بالتأكيد الاستفادة من توفر عدد من المنتجات المعدنية في حملة التنويع.
من جانب آخر، يتناول المقال بعدا آخر للتعاون بين الطرفين تم ذكره في محادثات الوفدين الإيراني والسعودي في بغداد، وما طرحه الجانب العراقي حول فكرة “طريق سريع دولي” يربط مشهد (أكبر موقع حج في إيران) ومكة (أهم مركز لجميع المسلمين) عبر مدينة كربلاء المقدسة في العراق.
كذلك يمكن للبلدين التعاون في قطاع البترول، وبالرغم من أن التفكير التقليدي يرى أن نطاق التعاون بين متنافسين محدود، إلا أن الحقائق الجيوسياسية الجديدة وقطاع الطاقة يمكن أن يجعل التعاون مفيدًا.
في الواقع، يمكن لشركتين كبيرتين في قطاع البترول أن يتشاركا لإكمال سلاسل القيمة الخاصة بهما، والابتعاد عن النفط والغاز الطبيعي نحو المنتجات البترولية والبتروكيماويات.
ويلفت المقال الانتباه إلى أن حقيقة أن أمين ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، ينظر إلى الاتفاقية الموقعة بين إيران والسعودية في الصين على أنها تطور إيجابي، ستساعد بالتأكيد في تمكين المشاريع المشتركة المستقبلية بما في ذلك صفقات التبادل التي يمكن أن تزيد من كفاءة العمليات.
كما يعتقد المقال أن هناك العديد من الفرص لمشاريع التعدين المشتركة في بلدان ثالثة، والتي يمكن أن تولد فرص عمل وزخم اقتصادي في المنطقة وتبني الثقة بين الشركات الإيرانية والسعودية.
ويشير أنه من الممكن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية ثلاثية بين الكويت والسعودية وإيران بشأن حقل “درة / أراش” للغاز الطبيعي البحري، والذي سيكون مثالًا يربح فيه الجميع للمنطقة.
وقد تمت إزالة إحدى العقبات الرئيسية أمام هذا التعاون العام الماضي، عندما وافقت الكويت والمملكة على تطوير الحقل. ويرى الكاتب أنه بالرغم من أن إيران اعترضت على الترتيب على أساس استبعادها، إلا أنه يمكن القول بشكل معقول أن نطاق الاتفاق الثلاثي أكبر اليوم مما كان عليه في عام 2022.
كما أن هناك سابقة لكيفية التعامل مع مثل هذا المورد المشترك؛ من خلال النظر في كيفية تطوير إيران وسلطنة عمان لحقل “هنغام”، وسيكون لربط شبكات الكهرباء المعنية مزايا كبيرة للرياض وطهران.
يشير الكاتب إلى أن الجسر الذي سيحدث الربط هو العراق، الذي يعتمد على الكهرباء الإيرانية لتلبية حوالي 10% من الطلب، ويساهم الغاز الإيراني في توليد حوالي ثلث إمداداته.
ونظرًا لأنه من المقرر توصيل الشبكة العراقية بشبكة دول مجلس التعاون الخليجي العام المقبل، فإن دمج إيران في الترتيب سيكون أمرًا ممكنًا للغاية.
يمكن للاستثمارات السعودية أيضًا أن تعزز قطاع المواصلات الناشئ في إيران؛ وهو تطور من شأنه أن يفيد أيضًا التجارة المتنامية بين روسيا واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
يمكن أن تترجم مثل هذه المشاريع إلى زيادة الترابط عن طريق البحر والسكك الحديدية والطرق وتشمل المشاريع المتوخاة بالفعل مثل خط سكة حديد شلمجة – البصرة والذي لديه إمكانية نقل الحجاج بين مشهد وكربلاء، وكذلك مكة.
ومن شأن ذلك أن يربط فعليًا المراكز الروحية الرئيسية في البلدان الثلاثة، وبشكل منفصل قد يتم قريباً ربط مشهد بجنوب العراق عبر السكك الحديدية.
والأهم من ذلك، وفقا للمقال أيضًا، أن العلاقات المحسنة مع المملكة يمكن أن تمهد الطريق لعلاقات تجارية أفضل مع القوى الإقليمية الأخرى، وخاصة مصر. في هذا السياق، فإن التنمية الاقتصادية التي تحركها الصادرات الإيرانية مع التركيز على المنطقة ستستفيد بشكل كبير من الوصول إلى الأسواق الرئيسية غير المستغلة.
من الواضح أن هناك فرصًا متعددة للمملكة العربية السعودية للاستثمار في إيران ومساعدتها على الخروج من المسار السلبي لاقتصادها.
في الوقت نفسه، يحذر الكثيرون من أن خفض التصعيد مع المملكة لن يعوض عن عدم استعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وعليه، يرى المقال أن التطبيع بين إيران والسعودية يمكن أن يعيد طهران إلى استراتيجيتها الإقليمية الأصلية، التي تركز على الترابط بين الطاقة والتجارة مع جيرانها المباشرين. وقد تم توضيح الجوانب الأمنية لهذه الاستراتيجية في ما يسمى بمبادرة هرمز للسلا (HOPE) ، والتي لم تتحقق أبدًا.
ويختتم المقال بالقول إن الاتفاق لن يعني إنهاء المنافسة في المنطقة، بل يعني الابتعاد التدريجي عن المنافسة الصفرية نحو المنافسة لتحقيق مكاسب مطلقة؛ والأخيرة فقط هي القادرة على مساعدة المنطقة بشكل مستدام على تحقيق إمكاناتها الاقتصادية الكاملة.
المصدر | بيجان خاجيبور/ أمواج – ترجمة وتحرير الخليج الجديد