منى فرح *
إن الإتفاق المفاجئ، يوم الجمعة الماضي، على عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، سوف يتردد صداه في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، وسيتطرق لملفات أخرى لا تقل أهمية: من حرب اليمن إلى دور الصين في الإقليم، بحسب مجموعة من المحللين والمراقبين، تحدثوا لموقع “المونيتور”(-).
أبرز ما جاء في البيان الثلاثي، مع الصين؛ التي استضافت مباحثات سرّية بين الطرفين اعتباراً من السادس من الشهر الحالي حتى العاشر منه؛ أن المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قررتا “استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح السفارات، وتبادل البعثات في غضون شهرين”.
هذا الإتفاق يُنهي “التمزق” الذي أصاب العلاقات الثنائية منذ عام 2016 بعد أن هاجم متظاهرون في إيران مقار البعثات الدبلوماسية للسعودية، وذلك في أعقاب إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر.
ولكن القوتين الإقليميتين؛ ذات الثقل؛ كانتا أيضاً على طرفي نقيض في عدد من النزاعات الدموية، حتى قبل تلك الحادثة بفترة طويلة. ويبدو أن المحادثات الثنائية الأخيرة، التي جرت في بكين، لم تُسفر عن تقدم كبير في هذا الخصوص.
ومن هنا يمكن القول إن الإعلان الذي صدر يوم الجمعة كان “مفاجئاً جداً، لا بل لم يكن مُتوَقعاً أبداً”، بحسب “دينا أسفندياري”، من “مجموعة الأزمات الدولية”.
وأضافت أسفندياري: “الشعور العام هو أن السعوديين كانوا محبطين جداً، وأنهم شعروا بأن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران ورقة رابحة. لقد، بدا الأمر وكأنهم مقتنعون بالاتفاق ولا يريدون التراجع عنه.. وهذا، بالطبع، أمرٌ مرحب به جداً”.
ويتفق “حسين إيبيش”، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن (AGSIW)، مع أسفندياري، وبدوره يصف الإتفاق على أنه “تطور كبير في دبلوماسية الشرق الأوسط”.
السحر السعودي يفعل فعله:
من المنتظر أن تظهر الآثار الفورية للاتفاق في اليمن، حيث تدور حرب مستمرة منذ العام 2015 بين تحالف عسكري تقوده السعودية وجماعة الحوثيين المدعومة من إيران.
وكانت آخر هدنة أُعلن عنها بين الطرفين قد انتهت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكن المحادثات التي جرت بينهما في الأسابيع الأخيرة أثارت تكهنات بشأن “صفقة” قد تسمح للرياض بالإنسحاب جزئياً من القتال، كما صرح دبلوماسيون معنيون.
من هنا، يرى العديد من المحللين أن السعوديين ما كانوا ليوافقوا على عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران لو لم تُقدّم الأخيرة “تنازلات” بشأن دورها في اليمن.
وفي هذا الخصوص، يقول إيبيش: “لا نعرف، حتى الآن، ما هي التفاهمات التي توصل إليها السعوديون والإيرانيون وراء الكواليس. لكن من المحتمل جداً أن طهران اضطرت إلى الالتزام بالضغط على حلفائها في اليمن، والتعهد بالتعاون من أجل إنهاء الصراع هناك”.
من خلال إصلاح العلاقات مع إيران؛ وربما الإنسحاب من اليمن لاحقاً؛ يمكن للسعودية مواصلة حملة دبلوماسية أوسع نطاقاً، تشمل أيضاً التقارب الأخير مع قطر وتركيا.
وهذا بحد ذاته تفكير منطقي جداً، خصوصاً في ظل عدم وجود أي تحرك جدّي بخصوص إحياء الإتفاق النووي بين واشنطن وطهران، كما يقول “توربغورن سولتفيدت”، من معهد “فيريسك مابليكروفت” البريطاني لتحليل المخاطر والإستراتيجيات العالمية.
ويضيف سولتفيدت: “الرياض تُدرك جيداً أنه في ظلّ استمرار التوتر بين واشنطن وطهران، من الأفضل لها أن تلعب دوراً استباقياً في إدارة علاقاتها المشتركة مع إيران”.
من جهته، يرى “آرون لوند”، من مركز “أبحاث القرن” الدولي، “أن الهجمة السعودية الساحرة يمكن أن تطال أيضاً إعادة الاندماج الإقليمي لدمشق، وهو ما كانت تعارضه الرياض بسبب العلاقات الوثيقة بين الرئيس السوري بشار الأسد و إيران”. ويضيف لوند: “ليس من الواضح بعد ما إذا كانت كل هذه الملفات مرتبطة ببعضها البعض في هذه المرحلة. لكن ما هو مؤكد أن خفض حدَّة العداء السعودي-الإيراني يعني حُكماً تقارب سعودي-سوري قريب”.
انتصار دبلوماسي لـ”العرّاب” الصيني:
بالإضافة إلى تداعياته الإيجابية داخل المنطقة، فإن كيفية إتمام الإتفاق السعودي-الإيراني لها أيضاً أهميتها وتداعياتها الإيجابية؛ والمقصود هنا الدور الصيني.
لعقود طويلة من الزمن، كان يُنظر إلى بكين على أنها لا تريد الخوض في مستنقع الشرق الأوسط الشائك. لكن يبدو أنها بدأت تغير موقفها، وقد تجلى ذلك في الزيارة التي قام بها الرئيس شي جين بينغ إلى الرياض، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، والآن في الوساطة الدبلوماسية التي أحرزت خرقاً في كسر العداء بين الرياض وطهران.
وقد أكد محللون سعوديون أن دور الصين مهم جداً، ويزيد من فرص صمود الاتفاق مع إيران والمضي فيه قدُماً لحل ملفات شائكة أخرى مشتركة.
ومن بين هؤلاء المحللين “علي الشهابي”، المقرب من الحكومة السعودية، الذي قال: “الصين الآن هي الأب الروحي للاتفاق الذي تم يوم الجمعة… وهذا له وزن كبير. فللصين تأثيرٌ كبيرٌ على إيران. وكونها عرّاب الإتفاق جعل السعودية تشعر بالراحة والاطمئنان، وشجَّعها على منح إيران الثقة”.
وبحسب “جوناثان فولتون”، من “المجلس الأطلسي”، فإن الإتفاق السعودي-الإيراني يشير أيضاً إلى أن الصين مستعدة للقيام بدور أكبر في المنطقة، “وهو دليلٌ على ثقتها المتزايدة في دورها الإقليمي، وأنها قادرة على تحدي الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط.. في كل الأحوال، يبدو أن ما تحقق حتى الآن هو انتصار دبلوماسي مهم للصين، وتغيير كبير في نهجها الإقليمي التقليدي”.
وكما يقول إيبيش، فإن كل هذا، بلا أدنى شك، سيجعل واشنطن؛ التي لديها شراكة معقدة عمرها عقود مع الرياض؛ “قلقة، ومرتبكة.. وفي الوقت نفسه، قد ترى في ما تحقق فائدة لجهة تعزيز الاستقرار في الإقليم. فالمعروف أن إدارة الرئيس جو بايدن تفضل تعزيز الدبلوماسية بدلاً من الصراع والمواجهة في الشرق الأوسط، وخاصة في منطقة الخليج. وبالتالي من المرجح أن تنظر إلى أي خفض في التوتر بين إيران ودول الخليج على أنه إيجابي بشكل عام”.
……………….
(-) النص بالإنكليزية على موقع “المونيتور“:
ــــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة لبنانية
المصدر: 180 بوست