فيصل عكلة *
ما يقرب من ثلاثة أسابيع مرّت على الزلزال، وما زال الأهالي يتخوفون من العودة إلى مبانيهم، ولجان هندسية تجوب المدن والبلدات لتقييم الخطورة!
أم حسين تجلس أمام الخيمة التي نزحت إليها مع أسرتها ليلة الزلزال قرب مدينة الدانا على الحدود التركية، ترقب بيتها القريب ولكنها تخاف العودة فاللجان الهندسية خوّفتها من العودة، وقالت لهم أن البناء متصدع ويحتاج إلى ترميم، وتضيف القول:
“الترميم يحتاج إلى وقت ونحن هنا على وجوه الناس، كما أنه يحتاج إلى أموال ونعيش كما تعرف أوّلاً بأوّل، كما أننا نزحنا إلى هذا المخيم ولا نستطيع انتظار الترميم ولا أعرف ماذا نعمل”!
الناجون من الزلزال ما زال الكثير منهم مرابطين قبالة بيوتهم الطابقية خائفين العودة إليها بعد أن غزتها الشقوق، ومنهم من بنى خيمة قريبة اتخذها بديلًا آمنًا منتظرًا من يطمنه للعودة لبيته، أومازال ضيفًا على أحد معارفه في المخيمات.
المهندسة الإنشائية نعيمة القدور شرحت لنا الفروق بين أنواع المباني ومقاومتها للزلازل، من خلال إشرافها على العديد من المشاريع الإنشائية في الداخل السوري خلال السنوات الأخيرة، حيث قالت:
“يتألف البناء السكني بشكل عام من عناصر إنشائية وهي الأعمدة والجوائز والبلاطات والجدران المسلحة والأساسات، وهي تحمل المبنى وحمولاته الشاقولية، أما الحمولات الأفقية مثل الزلازل تحملها العناصر المعمارية الوظيفية مثل الجدران وهي تفصل بين الفراغات والغرف غير مصممة لتحمل أي نوع من الأحمال وتشكل نقاط الضعف بالبناء”. كما أوضحت المهندسة نعيمة أنواع التشققات بقولها:
” أول عنصر يظهر بالبناء هي الشقوق، وممكن تكون شعرية بسيطة وسطحية بطبقة الطينة فقط وليس لها أي خطورة ولا تستدعي القلق، أما إذا كانت الشقوق عميقة ومخترقة البلوك والجدار من الطرفين أو كانت على كامل حواف وإطار الجدار، هنا تكمن الخطورة الجزئية من احتمالية انهياره أو سقوط أجزاء منه دون أن يشكل خطورة إنشائية على البناء بالكامل، أما إذا كان البناء بالأصل محمل على بلوك فقط دون جوائز أو أعمدة وحتى الأدراج محمولة على البلوك فالخطر هنا حتمي وأكيد، بالإضافة للأبنية المبنية المتصلة ببعضها البعض ولا يفصل بينها سوى جدار مشترك فانهيار أحدها قد يعني انهيار كتلة مباني “.
وللتخفيف من الخطورة، فقد كانت نصائح المهندسة على الشكل التالي:
“تخفيف الحمل والأوزان عن جدران البلوك المتشققة بشكل كبير، وإزالة اللوحات والتأكد من تثبيت كافة أجهزة الإنارة بالأسقف وتفقد السقائف للاطمئنان من انزياح النظم الموجودة فيها كالبطاريات والسخانات والأسطح كذلك والتأكد من ألواح الطاقة الشمسية وثباتها.
كما أن البعض من الأهالي يعودون إلى بيوتهم خلال النهار، يقضون حوائجهم ويغسلون ثيابهم وفي الليل يذهبوا لمعارفهم في المخيمات للنوم عندهم، مؤكدين أن حركتهم في الليل تصبح صعبة عند تجدد الزلزال، كما أن نقل الصغار إلى مكان آمن خلال ثواني قليلة تحفّه المخاطر.
وزارة الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ السورية وبالتعاون مع نقابة المهندسين السوريين، شكلت لجان هندسية فنية للطوارئ موزعة على مديريات الخدمات الفرعية في المناطق المحررة مهمتها الكشف على الحالة الفنية والتأكد من سلامة المباني ومدى صلاحيتها للسكن بالمناطق المحررة، ونصحت اللجان الأهالي إخلاء المبنى بالكامل والاتصال معها لمعالجة الأمر إذا ظهرت في المبنى شروخ مائلة (يعني من الزاوية للزاوية) أو شقوق في بيت الدرج، والشرخ الأفقي اذا كان على الجسر (الجائز)، أو شرخ في أي عمود في المنزل، أو تشقق في الجدران إذا كان الجدار حمال (يعني بناء قديم بدون جسور وأعمدة) ويزيد عرض الشرخ عن ١ سم.
المهندس الاستشاري في فرع النقابة بإدلب أوضح:” أنّ أكثر الأبنية المنتشرة في مناطقنا، هي الأبنية ذات الجدران الحجرية الحمّالة، مع أعمدة بيتونية تسند زوايا الشرفات، وقواطع محمولة من البلوك، أما الأبنية التجارية تكون ذات جملة إنشائية مختلطة، يكون فيها عادة، طابقا القبو والدكاكين من الأعمدة والجسور البيتونية، وباقي الطوابق حجر حمال، وقد انتشر البناء الهيكلي على كامل الطوابق مؤخرًا، وأغلبه مدروس ومرخص أصولًا، ولكن لا يخضع للإشراف الهندسي الجيد، ويتلاعب فيه أحيانًا جشع المقاولين، وجهل بعض المالكين من أصحاب العقول التي يعتريها مركب النقص فتعتقد أنها تطرز الفن”. وعن دور النقابة فقد أوضحه العبادي بالقول:
“باشرت نقابة المهندسين ومنذ أكثر من عشرين سنة، بتقديم المخططات المصدقة لأبنية مدروسة على مقاومة الزلازل، وتتوفر فيها الاشتراطات الضرورية لمقاومة الزلازل وخاصة للسكن الأول من سبعة طوابق واثبتت فعاليتها، أما الأبنية
الأكثر انتشاراً فهي الأبنية المخالفة والعشوائية، والممتدة عبر الضواحي والأرياف والمزارع، وهي غير مدروسة وغير مرخصة غالباً، ولا تتوفر فيها الشروط الفنية ومقومات السلامة، وبالسنوات الأخيرة تم تجميد النقابة والمهندسين، وتم التوجيه إلى البلديات بتقديم جميع التسهيلات للمواطنين، بمجال البناء وإعطاء الرخص والتغاضي عن الروتين السابق والتغاضي عن التدقيق في نقابة المهندسين، لاعتبارهم نقابة المهندسين مبتزة للمواطنين، وعبء عليهم وكانت التوجيهات قصيرة النظر، وضيقة الأفق وغير مهنية، وتقضي بتخفيض كلفة البناء، وكان من نتيجة ذلك زيادة المخالفات، والبناء دون ترخيص، أو الترخيص الشكلي، واعتماد دراسات وإشراف المهندسين لا يحققون الشروط الواردة في نظام مزاولة المهنة لدى النقابة، وحتى أنه مخالف في بعض الأحيان كتصدّر المهندسين الموظفين لأغلب الأعمال، مستفيدين من موقعهم الوظيفي وظهرهم القوي، كما شهدت السنوات الماضية نشاطًا كبيرًا في إشادة المخيمات والجمعيات السكنية والضواحي، وللأسف كان يُعتمد على دراسات وإشراف مهندسين غالبيتهم مبتدئين ولا يملكون الخبرة الكافية، كما اقتصر الاعتماد غالبًا على المهندسين الجدد والمقربين والموالين لمن عينهم، وزاد نشاط المنظمات، وأعطت رواتب عالية جدا”. وعن رؤياه للواقع الإنشائي كما رسمه الزلزال فقد أوضح المهندس العبادي: “لقد بين الزلزال الحقائق، وسجلت صور ووثائق، فالتاريخ القادم كفيل بنطق ذوي الشهداء الذين قضوا في الزلزال، والمغرومون الذين فقدوا الممتلكات والمنازل، والمهندسون الذين استضعف حيطهم، فقزم الغالبية في قفص البطالة، بغض النظر عن الكفاءة والمهنية، ومن خلال تكرار الكشوف على الأبنية الحجرية المتصدعة، نبين بعض الملاحظات:
تزداد التصدعات في زوايا البناء، وخاصة عندما يوجد أبواب ونوافذ قريبة من هذه الزوايا، وتزداد عندما تكون هذه الفتحات عريضة وعالية، وتزداد عندما تكون الغرف كبيرة، ولاحظنا أيضًا وعلى الرغم من الأمان الكبير لتحمل الحجارة على الضغط الشاقولي، فهي تفوق تحمل البيتون العادي، لكنها لا تتحمل القوى الأفقية الناتجة عن الزلازل، فقد شوهدت تلك الحجارة منخلعة من مكانها ومبتعدة عن بعضها، وقد تهشمت وسقطت المونة المالئة للفراغات بين هذه الأحجار عند التكحيل، وقد تكررت هذه المشاهد خلال تجوالنا، ورأينا الانهيارات والتصدعات والتشققات لألوف المباني في ساعة الغفلة عندما فاجأنا الزلزال الأخير”.
في آخر إحصائية نشرها منسقو استجابة سورية عن الأضرار التي أصابت المنازل في الشمال السوري، أوضحوا أن عدد المنازل المدمرة بلغ 1123 منزلًا، و 3484 منزل معرض لخطر الإنهيار، فيما عدد المنازل غير الصالحة للسكن وصل 13733 منزل، منها 9637 منزل فيه تشققات، علما أن عدد المتضررين من الزلزال في الشمال السوري اقترب من مليون شخص.
رهاب الخوف من التصدع ومن الهزات الارتدادية التي تنشط في الليل ، يمضي السوريون هنا في الشمال السوري لياليهم الباردة ، وسط رباعية الخوف والبرد والفقر والموت، مستذكرين النظام المجرم الذي أرغمهم على النزوح إلى هذه الديار البعيدة، آملين أن تكون عودتهم إلى بيوتهم قريبة.
* كاتب سوري
المصدر: إشراق