الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

هل كانت «الوحدة المصرية- السورية عام 1958» استعماراً مصرياً؟

محمد عمر كرداس

يردد البعض، جهلاً أو بقصد الإساءة للعروبة ولشعبي مصر وسورية أن الوحدة المصرية السورية التي قررها شعبي مصر وسورية ووافق عليها برلمان سورية المنتخب ومجلس الأمة المصري المنتخب أيضا في 1 شباط / فبراير عام 1958 واستفتي عليها الشعبين في 22 من الشهر ذاته، أنها كانت استعماراً مصرياً لسورية استولت بموجبه الخزانة المصرية على الأموال السورية وجاء المصريون ليحتلوا الوظائف العسكرية والمدنية وليصبح المواطن السوري مواطن من الدرجة الثانية.. وهذا قولٌ مغلوط وترويجٌ لأفكار الرجعية العربية في حينها ومقولات استعمارية تحاول منع أي وحدة أو حتى تقارب بين أي بلدين عربيين خوفاً من تكرار ما كان يحدث عندما يلتقي البلدان  سورية ومصر.

فقد كان لقاءهما ووحدتهما في مختلف العصور يشكل منعطفاً تاريخياً سطرته كتب التاريخ وروته الأخبار، وكان مصدر فخر واعتزاز للأمة العربية والإسلامية بانتصاراته المدوية التي رفعت الأمة من الحضيض الذي كانت تعيشه إلى المرتبة التي تستحقها من الوحدة والنهوض، فقد توحد البلدان- في العصر الوسيط بعد غزو الصليبيين- على يد القائد صلاح الدين الأيوبي الذي كان على رأس الدولة المصرية وكانت النتيجة تحرير بيت المقدس من أيدي الصليبيين واندحار جيوشهم إلى خارج المنطقة بعد احتلالٍ بغيض دام أكثر من مئتي عام، ثم توحدت مصر وسورية أيضاً على يد الملك الظاهر بيبرس حاكم مصر المملوكي، وكان من نتيجتها دحر المغول الذين كانوا يهددون مصر، وكانت معركة عين جالوت على الأراضي السورية نهاية عصر المغول وبداية عصر جديد ساده الاستقرار والعمران، وشواهد ذلك مازالت موجودة إلى الآن فالمكتبة الظاهرية والبيمارستانات وغيرها من العمران تدل  على ذلك العصر. “   ”

وإذا انتقلنا لوحدة عام 1958 فقد كان أول تصريح لرئيس وزراء “إسرائيل” ديفيد بن غوريون أن الكيان الصهيوني بعد هذه الوحدة أصبح بين فكي كماشة، وانهار حلف بغداد الاستعماري الذي كان يستهدف إلحاق سورية بركب الدول المتحالفة مع أمريكا وبريطانيا لتفقد استقلالها التي ناضلت في سبيله مضحية بالغالي والنفيس، والتي رفضت ذلك الحلف الذي انهار مع بداية هذه الوحدة الرائدة.

لسنا هنا لنحصي ونعدد الإنجازات وما حققته تلك الوحدة في سنواتها القليلة قبل أن يتحالف ضدها كل من في الأرض من دول غربية إلى الدول الرجعية العربية وحتى الاتحاد السوفييتي الذي لم تروق له تلك الوحدة، فقد عارضها الشيوعيون في سورية من أول يوم وهم المُسفيتين الذين يتلقون أوامرهم من موسكو.

عملت القوى التي أجهضت الوحدة على منع تكرار أي وحدة حقيقية تكون قادرة على تغيير واقع المنطقة وأخذه باتجاه النهوض وتحقيق التنمية الحقيقية، فسمحت مثلاً بتشكيل مجلس التعاون الخليجي الذي لم يستطع تحقيق أي خطوة فيها الفائدة المرجوة لشعوب هذا التجمع حتى وصل بهم الأمر لحصار أحد أعضاء هذا التجمع لسنوات، وسمحت أيضاً بتشكيل مجلس التعاون العربي في الثمانينات الذي ضم مصر والأردن واليمن والعراق والذي سرعان ما انفرط عقده ووصل النزاع بين أعضائه إلى أن ترسل مصر جيشها ليحارب العراق تحت أمرة الأمريكان، أما مجلس الوحدة المغاربي فقد كان على الورق وما زال الصراع بين المغرب والجزائر سيد الموقف وبينهما كما يقال ما صنع الحداد.

هذا هو البديل التي تريده الدول الغربية وتساندها به رجعية المنطقة، إنه البديل عن الوحدة الحقيقية بكاريكاتيرات مضحكة ومبكية في نفس الوقت على الحال الذي وصلت إليه المنطقة العربية تحت حكام مُتسلطون وفاسدون وتابعون لا يهمهم سوى بقائهم في مراكزهم التي وضعهم بها أسيادهم وأولياء نعمتهم.

فتحية لوحدتنا الرائدة في ذكرى مولدها العطرة، وستظل تلك الوحدة هي الرائدة في العصر الحديث.. ويوم انفصالها كان يومَ الشؤم وبداية عصر الهزائم والنكسات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.