عبد الباسط حمودة
لقد كان من ترهات انفصاليو البعث وعملاء الاستعمار في سورية ضد الوحدة دفاعهم عن السيادة الوطنية ودحر الهيمنة المصرية واستقلال القرار الوطني! وها هي الأحداث بعد 65 سنة تفصلنا عن إعلان الوحدة في 21 شباط/ فبراير 1958 وعن توقيع ميثاقها في 22 شباط/ فبراير 1958 تُثبت كذب ادعاء هؤلاء وأمثالهم حتى اليوم، فكم كانوا أدوات رخيصة، عميلة، بيد اللاعبين الرئيسيين لقوى الاستعمار البريطاني والفرنسي فضلاً عن الإمبريالية الأمريكية وذيولهم في المنطقة من الرجعيين والخونة العرب، لفصل عرى الوحدة وتمكينهم من التسلط على أمجاد سورية وشعبها خدمةً للمشروع الصهيوني وداعميه ممن سلخ أعز المناطق العربية عن الجسد العربي لدعم أنشطته.
ففي هذا اليوم والذكرى /65/ لقيام أول نواة وحدة عربية حقيقية في التاريخ العربي، بين بلدين عربيين شقيقين هما مصر وسورية بقيام الجمهورية العربية المتحدة، التي بدأت مراحلها بين الدولتين بجلسة تاريخية عُقدت في القاهرة في الأول من شهر شباط/ فبراير 1958 ضمت ممثلي الدولتين، ليتداولو في الإجراءات النهائية لتحقيق إرادة الشعب العربي، وتنفيذ ما نص عليه دستور الدولتين من أن شعب كل منهما جزء من الأمة العربية؛ لنجد هذه الأيام أن أولئك الانفصاليين ما كانوا سوى مرتزقة وأعداء للأمة والشعب السوري حتى هذه الأيام.
لقد تذاكر أعضاء الوفدين، حينها، بما قرره كل من مجلس الشعب المصري ومجلس النواب السوري من الموافقة الجماعية على قيام الوحدة بين البلدين، كخطوة أولى نحو تحقيق الوحدة العربية الشاملة، وتذاكروا بشأن الأدلة الثابتة على أن القومية العربية كانت روحاً لتاريخٍ طويل ساد العرب في مختلف أقطارهم، ولحاضر مشترك بينهم ومستقبل مأمول من كل فرد من أفرادهم؛ وأنتهى المجتمعون على أن هذه الوحدة التي هي ثمرة القومية العربية، وطريق العرب إلى الحرية والسيادة وسبيل من سبل الإنسانية للتعاون والسلام، لذلك فإن واجبهم هو الانتقال بهذه الوحدة من نطاق الأماني إلى حيز التنفيذ في عزم ثابت وإصرار، وخلُص المجتمعون إلى أن عناصر قيام الوحدة بين الدولتين مصر وسورية وأسباب نجاحها قد توافرت بعد أن جمع بينهما كفاح مشترك زاد معنى الالتزام القومي وضوحاً، وأكدوا إنها حركة بناء وتحرير وعقيدة تعاون وسلام، لهذا أعلن المجتمعون أتفاقهم التام، وإيمانهم الكامل وثقتهم العميقة في وجوب توحيد مصر وسورية في دولة واحدة اسمها الجمهورية العربية المتحدة، وأعلنوا أتفاقهم على أن يكون نظام الحكم في الجمهورية العربية المتحدة ديمقراطياً رئاسياً، يتولى فيه السلطة التنفيذية رئيس الدولة يعاونه وزراء بعينهم ويكونون مسؤولين أمامه، كما يتولى السلطة التشريعية مجلس تشريعي واحد، ويكون لهذه الجمهورية علم واحد، وشعباً واحداً في وحدة يتساوى فيها أبناؤها في الحقوق والوجبات ويدْعون جميعاً لحمايتها ويتسابقون لتثبيت عزتها وتأكيد منعتها، وقد تقدم كل من جمال عبدالناصر وشكري القوتلي ببيان إلى الشعب.
حيث ألقى عبدالناصر ببيانه أمام مجلس الشعب المصري في 5 فبراير/ فبراير 1958، وألقى شكري القوتلي بيانه في نفس التاريخ أمام مجلس النواب السوري، وشرحا ما انتهى إليه الاجتماع التاريخي لممثلي الدولتين من قرارات في الأول من شهر شباط/ فبراير 1958، وشرحا أيضاً أسس الوحدة التي تقوم عليها دولة العرب الفتية، ومن الجدير ذكره ما جاء في بيان عبدالناصر بقوله:
“ .. لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث في قلبه؛ لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق، ليست دخيلة فيه، ولا غاصبة، ليست عادِية علية ولا مستعديه، دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوي ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق وترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها ولمن حولها للبشر جميعاً بقدر ما تتحمل وتطيق.. ”.
وقد تم الاستفتاء على الوحدة وعلى رئيس الجمهورية العربية المتحدة في يوم 21 شباط/ فبراير 1958، ووافق الشعب في سورية بما يشبه الإجماع على وحدة الدولتين عندما سنحت له الحرية لإبداء رأيه، كما وافق أيضاً على انتخاب جمال عبدالناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة .
لقد شكل قيام هذه الوحدة خطراً على مصالح الغرب في المنطقة العربية وعلى وجود الكيان الصهيوني في فلسطين وعلى وجود النظم العربية الرجعية الموالية للغرب، وفي مقدمتها السعودية والأردن المعاديتين للوحدة والمرتبطين بذيولهما في البعث السوري وطوائفه، فقامت الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان الصهيوني في فلسطين بتوجيه السعودية على اغتيال عبد الناصر للتخلص من مشروعه الوحدوي الذي يهدد مصالح الغرب ووجود إسرائيل في المنطقة، فقامت في عهد الملك سعود بالاتصال بالمرحوم عبد الحميد السراج الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس المجلس التنفيذي في سورية، كمنصب رئيس وزراء، وقدمت له شيك بمبلغ مليونا دولار لاغتيال عبدالناصر حين قيامه بزيارته المعلنة إلى سورية “الإقليم الشمالي” عام 1959، وقد سلم المرحوم ‘السراج’ هذا الشيك إلى المرحوم عبدالناصر الذي استخدم هذا المبلغ في بناء برج القاهرة الحالي.
غير أن محاولات الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً والكيان الصهيوني والرجعية العربية واصلت مساعيها لفصل عرى دولة الوحدة وقد نجحت في ذلك، حيث شكل قيام الجمهورية العربية المتحدة نهوضاً قومياً وحدوياً لدى الجماهير العربية على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بفعل المشروع الوحدوي النهضوي الذي قادته ثورة تموز/ يوليو الناصرية منذ قيامها عام 1952، حيث شكل قيام الجمهورية العربية المتحدة كطوق وكماشة للكيان الصهيوني في فلسطين بين سورية شمالاً ومصر جنوباً، كما أدى قيام دولة الوحدة إلى استنفار القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية ومعهم النظم العربية المرتبطة بهم، لمقاومة دولة الوحدة العربية الوليدة “النواة” والعمل على إسقاطها، حيث كانت الجمهورية العربية المتحدة، تحمل مشروعاً وحدوياً تحررياً لإسقاط النظم العربية المرتبطة بالاستعمار والصهيونية، ولتحقيق هذا الهدف قادت الجمهورية العربية المتحدة حركة التحرر الوطني العربية دعماً وأسناداً لقيام الثورات في العالم العربي بدءاً بالعراق واليمن وليبيا فضلاً عن دعم ثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي منذ قيامها عام 1954 حتى استقلالها عام 1962.
لقد أثبتت الأيام أهمية الوحدة العربية، وأثبتت خيانة أعدائها في سورية والمنطقة لكل ما كانوا قد أعلنوه، ونُحيل من يشكك بذلك لتصريحات قائد الانفصال وأداة البعث ولجنته العسكرية “عبدالكريم النحلاوي”، كاشفاً أعداء الوحدة بالأسماء والشخوص وأنهم مهدوا للحكم الطائفي في سورية بنظام صنعته دوائر استخباراتية أرادت تدمير مجتمعاتنا العربية وخاصة مجتمعنا السوري وتسميم الحياة السياسية العربية حتى هذه الأيام؛ وصولاً لذبح الشعب العربي في سورية بتسليم مقاليد البلاد لميليشيا أسدية صهيونية وطائفية إيرانية.