فيصل عكلة *
الخوف من الموت والتشبث بالحياة هما ديدن مرضى الفشل الكلوي المستلقين على أسرّة المرض في مراكز الغسيل الكلوي الموزعة على امتداد الشمال السوري والذي انخفض عنها الدعم مؤخرًا.
حياة مئات المرضى الذين يعانون الفشل الكلوي مهددة، ومن ينظر في وجوههم لا يخفى عليه الألم والقهر البيّن على ملامحهم الحزينة، عيونهم تحكي كمية المعاناة التي يكابدونها قبل أن تنطق بها ألسنتهم، وأغلبهم تبدأ الآلام المضنية تنهش جسمه قبل يوم كامل من موعد الغسيل ومنهم من تضغط السوائل على صدره وترغمه على النوم وهو جالس بعد أن يضع عدة وسائد تحت صدره!
حجم الألم الذي يتعرض له المرضى زاد مع انخفاض الدعم عن مراكز الغسيل، مما اضطرها لتخفيض عدد الجلسات إلى جلسة واحدة بالأسبوع علمًا أن أغلب المرضى يحتاجون إلى جلستين أو أكثر، كما أن انخفاض الدعم أدى إلى نقص في المستلزمات التي ترافق عملية الغسيل من أدوية وسيرومات وهو ما يعجز المريض عن شرائه.
مركز ابن سينا هو المركز الأكبر لغسيل الكلى في مدينة إدلب، ومرضاه قلقون من توقف جلسات غسيل الكلى المجانية التي يتلقونها في أي وقت، بسبب نفاذ مواد هذه الجلسات، الأمر الذي يرتب عليهم كلفة تتراوح من 25إلى35 دولار، حسب نشرات الشركة المصنعة للدواء، ومعظم المرضى غير قادرين على تأمين هذا المبلغ، ذلك ما أوضحه المدير الإداري لمركز ابن سينا لغسيل الكلى “طه طقيقة”، مضيفًا:
“أكثر من200 مريض يستفيد من خدمات المركز شهريًا، بمعدل 1700جلسة شهريًا ولكن بعد انخفاض الدعم، اضطررنا إلى تخفيض عدد الجلسات إلى أدنى ما يمكن بما لا يزيد عن جلسة واحدة في الأسبوع لكل مريض”. وناشد “طقيقة” كافة المانحين والداعمين والمنظمات تأمين مستلزمات جلسات الغسيل لمرضى الفشل الكلوي.
“أم محمد” ترقد داخل جناح الغسيل وعلى سرير المرض وهي نازحة من ريف المعرة الغربي وتقيم في مخيم “كفرجالس”، قالت إنها تعاني أيضًا ألمًا في الصدر، يترافق مع أوجاع الغسيل الطويل والذي يستمر لساعات، وأنها تحتاج إلى جلستين في الأسبوع أو ثلاثة، وأضافت أنها ستموت لا شك إن توقفت عن الغسيل.
أما الشاب “أبو الجود” فهو يرقد على سرير الغسيل في جناح آخر من مركز ابن سينا وبجانبه زوجته التي تنوي التبرع له بكليتها.
“أبو الجود” يشكو إضافة للفشل الكلوي من عدد من الأمراض حدثنا عنها: ” ولدت وأنا مصاب بشلل نصفي، وقبل ثلاث سنوات بدأت غسيل الكلى بعدما أصبت بالفشل الكلوي إضافة إلى شلل في المثانة العصبية “.
يقول أبو الجود أن آلامه قبل الغسيل بيوم أو يومين حيث تتجمع السوائل في منطقة الصدر الأمر الذي يرغمه على النوم جالسًا طوال الوقت، ذلك ما سبب له مرض الدسك أيضًا.
وللأطفال المصابين بالفشل الكلوي نصيب في مركز ابن سينا، ونقص الدعم ينعكس عليهم، حسب ما قاله أخصائي غسيل الكلى في المركز “عبد الله الخضر”، موضحًا توزع مراكز الغسيل في محافظة إدلب على الشكل التالي: ” مركز ابن سينا إدلب، مشفى الهداية قاح، مشفى الفردوس دارة عزة، مشفى باب الهوى، مشفى معارة الأتارب، مركز شفق إدلب، مركز كفر تخاريم، ومركز أرمناز ومركز دركوش “.
وأضاف الخضر أن هناك جملة من المخاطر المرافقة للغسيل عند مرضى الفشل الكلوي وتزداد الخطورة بزيادة تأخير الغسيل منها انخفاض ضغط الدم، وزيادة كمية السوائل المتراكمة في الجسم خلال غسيل الكلى والتي تتم إزالتها في وقت قصير نسبيًا، وهو أمر غير طبيعي مما يسبب التعب والإجهاد، لذا ينبغي على مرضى غسيل الكلى تجنب السوائل بين جلسات غسيل الكلى، كما أن شرب الكثير من السوائل يسبب ضغط على القلب، حيث أن جسم الإنسان لا يمكنه أن يواجه كل كمية هذه السوائل وإزالتها في هذه الفترة القصيرة من الزمن.
وأضاف الأخصائي “الحمدو” أن الغسيل يسبب أيضًا انخفاض الوزن، وقد يعاني المريض من التعب والشد العضلي وبعض المضاعفات الأخرى، وننصح المرضى بعدم تناول الأدوية قبل غسيل الكلى، لأنه قد يبدأ عمل الدواء وخفض ضغط الدم أثناء الجلسة، مما يؤدى إلى الشعور بالتعب.
في جناح آخر، سألنا المريض “ابراهيم دعبول” (65) عامًا عن شعوره إذا انقطع الدعم فأجاب: فوجئت بخبر انقطاع الدعم عن المواد التي تدخل في غسيل الكلى وأنا أحتاج الغسيل مرتين في الأسبوع، وفي حال انقطاع الدعم يتوقف الغسيل وعند تأخري عن الغسيل ولو ليوم واحد أتعرض لآلام شديدة لا تُحتمل، وفي حال زاد الانقطاع تُمسي حياتي مهددة بالخطر!
أما جاره “أحمد زيدان” (50) عامًا، قال أنّه يتعب كثيرًا يوم الغسيل، وأشعر أني إذا لم أغسل سأموت في اليوم التالي، والآن الأدوية المرافقة لعملية الغسيل غير متوفرة بعد توقف الدعم وأشتريها على حسابي الخاص!
يشارك الدفاع المدني السوري في التخفيف من آلام مرضى الفشل الكلوي عبر قيامه بنقلهم إلى مراكز الغسيل وإعادتهم إلى منازلهم، جاء ذلك في بيان له مضيفًا:
” تعاني مراكز غسيل الكلى في المحرر من توقف الدعم عن العديد منها خلال الفترة السابقة ولجوء المدنيين إلى الاعتماد على شراء المواد على حسابهم الشخصي لضمان استمرار العلاج، بشكل يزيد من أعباء المدنيين والمرضى بشكل خاص، إضافة إلى تنقل المرضى من منطقة إلى أخرى بحثاً عن مراكز لاستقبال المرضى وفي كثير من الحالات لا يستطيع المريض عمل الجلسات بسبب إغلاق بعض المراكز “. ” نقلت فرقنا أكثر من 750 حالة لمرضى الكلى خلال الشهر الماضي، لتخفيف المعاناة عن المرضى، وبسبب بعد المراكز المتخصصة عن الكثير من المناطق “.
منسقو استجابة سورية حذروا في بيان لهم من توقف الدعم عن مراكز غسيل الكلى وخاصةً مع ازدياد الضغوط على المنشآت الطبية الأخرى وعدم قدرتها على تقديم الخدمات لكافة الحالات في المنطقة.
وطالب البيان جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري إلى عودة الدعم لمراكز الغسيل، وخاصةً في ظل الضعف الكبير للاستجابة الإنسانية ضمن القطاع الطبي والتي لم تتجاوز 33% خلال العام الماضي، وأنذر البيان كافة الجهات من العواقب الكارثية المترتبة عن إيقاف الدعم المقدم عن المراكز العلاجية المذكورة.
كما ذكر البيان أن عدد أجهزة غسيل الكلى ضمن المراكز الموجودة في إدلب: 88 جهاز، وعدد المرضى المحتاجين للجلسات: قرابة 500 مريض، وعدد الجلسات المطلوبة لكافة المراكز مع الجلسات الإسعافية لا تقل عن 5000 جلسة، علما أن نسبة العجز في توفير المواد للمراكز أكثر من 30 % من الاحتياج الشهري تقريباً، مع عدم توفر عدد من المستلزمات الأساسية ضمن المراكز.
من جهتها مديرية صحة إدلب قالت إن أكثر من 500 مريض فشل كلوي تخدمهم مراكز غسيل الكلية في محافظة إدلب وأن هذه المراكز تعاني من صعوبات كبيرة تعوق استمرار عملها وفي حال استمرار النقص فالوضع سيصبح أكثر مأساوية وكارثياً بكل المقاييس على هذه الشريحة من المرضى وذويهم.
خلال إعداد هذا التقرير وبعد التغطية الإعلامية الواسعة لنقص الدعم عن مراكز الغسيل الكلوي، تواردت الأخبار عن توفر الدعم لمركز ابن سينا في مدينة إدلب فقط ولمدة سنة كاملة، على أمل أن يعم الدعم باقي المراكز.
يبقى الخوف من الموت هاجس مئات من مرضى الفشل الكلوي، ومهما بيّنا ظروفهم، فلن نستطيع إيصال حجم الألم الذي يعيشونه بشكل دائم.
* كاتب سوري
المصدر: إشراق