الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الطائفة والقبيلة

معقل زهور عدي

تُفكك المدنية التي هي روح المدينة الروابط القبلية، لكن الروح القبلية لا تستسلم، فتلجأ الى استعارة أجساد أخرى، تختفي خلفها، لتعاود الحياة من جديد.

ففي بلاد مثل بلاد الشام، ثمة صراع ملحمي يكاد يكون أزلياً بين مدنية من أعرق المدنيات وأقدمها وبين بداوة أمواجها لا تكاد تهدأ عبر القرون ومن زخم ذلك الصراع تولد الطائفية..

ولأول وهلة تظهر الطائفية كرابطة مغايرة تماما للقبلية، فمرجعيتها دينية مذهبية، ومرجعية القبلية هي رابطة الدم، لكن ذلك الاختلاف لا يعدو أن يكون لباساً شفافاً، فما بين الطائفية والقبلية من التشابه أعمق بكثير من أن يخفيه ذلك اللباس.

فالطائفية كما قيل دائماً ليست الدين، هي شيء مختلف تماماً، لذا ترى أن الطائفيين أقل تديناً وأكثر تعصباً، الطائفية هي “نحن” الذين نختلف عن “هم” وهذه هي أول تجليات الروح القبلية..

والطائفية هي السير خلف القطيع دون تفكير، فالقطيع هو كل شيء، وما عداه لا شيء، والأنا تذوب تماماً في القطيع، بل إن استقلال النفس عن القطيع هو الكفر بعينه، سواء جرى تسميته بالكفر، أو الخيانة، أو التمرد، وتلك واحدة من أهم صفات الروح القبلية.

وفي الطائفية ثمة انغلاق نحو الخارج وانفتاح نحو الداخل، فعالم الطائفة ليس الوطن، ولا الدولة بل الطائفة.

وهناك الزعيم الرمز، الذي يأمر فيُطاع دون تردد، فان لم يكن هو ذاته أبا الطائفة، فهو تمثُل واستعادة لروح ذلك الأب الغائب الذي قد يرتفع أحياناً لمنزلة الآلهة.

ومثلما جسدت اليهودية التوراتية الروح القبلية في تمييزها لـ”نحن” عن “هم” الذين أصبحوا ‘غوييم’، وبذلك استحلوا دماء وأرزاق الآخرين “الغوييم”، كذلك تفعل الطائفية حين تحفر وادياً نفسياً بين “نحن” و”هم” بحيث لا يعود ابن الطائفة- القبيلة يشعر بأي ذنب حين يستحلُ دم وأرض وأرزاق الآخرين.

أليس ذلك ما يشعر به ابن القبيلة تجاه القبائل التي يغزوها فينهبها ويسبي نسائها؟

وفي الطائفية دائماُ مكان للعنف، وفي حين أن القبلية تولد العنف كفعل فإن الطائفية تولّد العنف كرد فعل، فالقبلية لا تحتاج لتبرير ذاتها في اللجوء للعنف إذ هو في أصل بنيتها وتكوينها، لكن الطائفية تحتاج لمثل ذلك التبرير لتُخفي صلتها ونسبها القبلي.

تقول الطائفية “لا بد من العنف لنحمي وجودنا المهدد من الآخر”. لكن الحقيقة أن الطائفية تكذب فهي تولد العنف لأنه جزء من طبيعتها القبلية سواءٌ كانت الطائفة مهددة أم لا..

وإذا لم تكن الطائفة مهددة فإن الروح الطائفية تفعل كل ما في وسعها من الأعمال التي تستفز الآخرين لتُبرهن أن الطائفة مهددة فعلاً، وتلك حيلة قديمة ومعروفة..

وأخيراً نأتي لرابطة الدم..

لا يمكن بالطبع للطائفية ادعاء رابطة الدم، لكن لا بأس. فما تفعله الطائفية هو أن تغلق الأبواب على تزاوج أفرادها مع الطوائف الأخرى وهكذا جيلاً بعد جيل يصبح لدى الطائفة رابطة تشبه رابطة الدم.

الطائفية ليست سوى القبلية ذاتها متحولة من مجتمع البداوة إلى مجتمع أكثر استقراراً لكنه ليس متمدناً على الاطلاق.

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.