محمد عمر كرداس
(( إنني أقول لكم صراحة أن جمال عبد الناصر كان أخطر على مصالحنا من الاتحاد السوفييتي ولم تستطع كل جهود روسيا أن تضعفنا كما استطاع أن يفعل جمال عبد الناصر )) – “هارولد ماكميلان” رئيس وزراء بريطانيا
هَزمَ امبراطوريتا الشر الاستعماريتين اللتان نكلا بأكثر من نصف شعوب الأرض وقتلاً ونهباً على مدى قرون، وبضربة محكمة من شعب مقهور وقيادة حكيمة صادقة أنهى وجودهما وتركهما يعيشان أزماتهما وبذلك بدأ عهد تصفية الاستعمار في العالم بجهوده وجهود حلفائه في حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز…
ساهم في تحرير الجزائر التي استقلت في عهده بعد أكثر من 130 سنة من الاستعمار البغيض ولأكثر من مليون شهيد، وساهم في تحرير الجنوب اليمني ودول الخليج بالإضافة لتونس والمغرب ودعم حركات التحرر في أفريقيا إلى أن نالت استقلالها، لذلك قال رئيس وزراء بريطانيا ماكميلان أن عبد الناصر شكل خطراً على مصالح الدول الاستعمارية…
رفع شعار الحرية والاشتراكية والوحدة وبدأ بتحقيقه في تحرير مصر عندما قال أن على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل، وفي الاشتراكية أعاد ثروات مصر إلى أصحابها بالإصلاح الزراعي بعد أن كان نصف في المائة من السكان أصحاب النفوذ شركاء العائلة المالكة الألبانية الفاسدة يملك 99% من أرض مصر، ثم أمم قناة السويس التي حفرها الشعب المصري بالسخرة ومات منه أكثر من مئة ألف أثناء الحفر بالسُخرة لتصبح ملكية خالصة للاستعمارين ويحرم الشعب من ثرواته على أرضه، أمم وصادر كل الملكيات المنهوبة وأعادها لشعبه واهتم بالتنمية فتضاعف الدخل القومي المصري بفترة قياسية، بنى أكثر من ألف مصنع ثقيل ومتوسط وصغير لتدور عجلة الاقتصاد، لذلك أطلق على الثورة المصرية التي قادها بأنها الثورة الأم في الوطن العربي…
لكن الاستعمار المهزوم وحلفاؤه من رموز الرجعية والاستبداد لم يستكينوا للهزيمة، إلى أن وجدوا ضالتهم المنشودة في حركة ترفع شعارات الثورة وتشكل الثورة المضادة لثورة عبد الناصر لتخرب ما يقوم به ولتحقق للاستعمار والرجعية العربية ما حلموا بتحقيقه بأدوات “ثورية وحدوية” إنها حركة البعث التي حكمت سورية والعراق بعد الالتفاف على المناضلين الحقيقيين الذين قاموا بتلك الثورات وانفردوا بالحكم تحت اسم التجربة الرائدة والتجربة الخاصة التي سماها فيما بعد أمينهم العام “منيف الرزاز” في كتاب روى فيه تجربته مع البعث بـ”التجربة المرة”…
إنها مُرة بحق، فسورية تحت حكم البعث تحولت لأشلاء في زمن المجرمين حافظ ووريثه منذ عام 1970 إلى الآن كانت السمة الأساسية لحكمهما القتل والتدمير والفساد والنهب والقيام بالوظيفة المُسندة إليهما بتدمير سورية وتحويلها إلى أشلاء فبعد أن باع الأب الجولان أجمل مناطق سورية للصهيونية، حوّل الأبن سورية إلى مقاطعات خمس تحكمها وتتحكم بها دول خمس وميلشيات من شذاذ الآفاق لا عدد ولا حصر لها، نُهبت ودمرت وقتلت ما يعجز عنه أي غاز أو محتل مهما بلغت وحشيته…
أما في العراق الذي كان يسمى البوابة الشرقية للعرق وبلاد الرافدين صاحب حضارة 7000 عام، فحالهُ لا يخفى على أحد بعد أن تحكم به مهووس مصاب بحنون العظمة وليخوض الحروب والغزوات الفاشلة التي انتهت باحتلال العراق من قبل أمريكا في عهد رئيسٍ مأفون يرى أن العراق مرتع ليأجوج ومأجوج وقد أتته رسالة سماوية للتخلص منهم وما هي إلا رسالة رؤوس الأموال العالمية وحليفتها الصهيونية العالمية بتدمير أقوى وأغنى الدول العربية لترتع إيران حليفة الصهيونية والغرب في هذا البلد، ومن فم أبنائه وشركاء الحكم فيه خرج من يقول أن حكامه الطائفيين صرفوا 600 مليار دولار منذ الاحتلال إلى الآن ولم يستطيعوا إعادة ربع الكهرباء التي كان ينعم بها هذا البلد العريق…
هذا غيض من فيض من انتقام تلك الدول الاستعمارية التي خرجت مهزومة من أرضنا على يد زعيم قد آمن بالشعب ومشى على طريق تحقيق أهدافه ليخطفه الموت وهو بنصف الطريق وليأتي من يرتد عليه وعلى إنجازاته إلى الآن، ولنعرف كم الإنجازات التي أنجزها يكفي أن نشاهد إلى الآن أن كل حكومات الردة في مصر التي أتت بعده لم تستطع التخلص من كل تلك الإنجازات، فهي إلى الآن تبيع وتبيع المعامل والمصانع ولا تنتهي، وعلينا أن نعلم أن الدولار الذي كان يساوي في زمانه أقل من نصف جنيه أصبح يساوي الآن أكثر من ثلاثين جنيها…
لقد شكل عهد عبد الناصر مشروعاً لنهضة عربية طال انتظارها ولا بد من إعادة النهوض فالبرنامج واضح أرساه ووضع لبناته جمال عبد الناصر وأجمعت عليه الأمة وعلينا التمسك به لإعادة النهوض ولنأخذ من جديد مكاننا بين الأمم…
فسلام عليه في يوم ميلاده والرحمة له في يوم وفاته وإنا على العهد باقون.