جمال زحالقة *
- الحرب: أوكرانيا
ما من شك في أن الحرب في أوكرانيا هي الحدث الأهم في عام 2022. منذ أكثر من ربع قرن، تنبّأ هنتنغتون في كتابه «صراع الحضارات» أن تسعى روسيا إلى ضم شرق أوكرانيا إليها، وطرح تحليلا مستفيضا حول مركزية القضية في الوجدان السياسي والأمني والحضاري لروسيا. وقبل الحرب بأشهر قليلة قدمت أجهزة مخابرات بريطانية وأمريكية تقارير عن إمكانية نشوب الحرب. لكن أحدا لم يصدّق إلى أن بدأت الحرب فعلا. وهي لم تكن سهلة كما أوهم الجنرالات الرئيس بوتين، ولم تكن مناورة عابرة، كما ظنّ البعض. نتائج الحرب كارثية في كل المجالات، ولم يربح منها أحد. قتلى وجرحى ومشردون وخسارات لا تقدّر بثمن، وكذلك أزمة طاقة وغذاء وسباق تسلّح وانهيار مفهوم السلم الدولي، وتصعيد في الصراعات على المستوى الكوني. ومع نهاية العام، يبدو وقف إطلاق النار أمرا مستبعدا، لكن القرار الفعلي سيكون في واشنطن، التي هي إن أرادت ستجد الطرق للضغط على كييف وللتوصل إلى تفاهمات مرضية لموسكو. الحرب على أرض أوكرانيا، لكن أسبابها الفعلية متعلّقة بصراع روسيا للحفاظ على مكانتها ومصالحها وأمنها إزاء الولايات المتحدة وحلف «الناتو».
- الصراع: الصين – الولايات المتحدة
شهد عام 2022 تصعيدا في المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، وازدادت حدّة التوتّر بينهما. ومن المرجّح أنّه سيتفاقم في السنين المقبلة، تبعا لعمق المخاوف الأمريكية من تعاظم قوّة الصين الاقتصادية وغير الاقتصادية. وجاء في نص «استراتيجية الأمن القومي»، التي نشرتها إدارة بايدن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بصريح العبارة وبلا مواربة: «لدى الصين النيّة والقدرة المتزايدة لإعادة تشكيل النظام العالمي، بحيث تنتظم ساحة الملعب الدولي بما يفيد مصالحها». الولايات المتحدة من جهتها مصرّة على «كسب المنافسة». أمّا الصين فقد أوضحت خلال مؤتمر الحزب الشيوعي، أنّها مصرّة على استعادة تايوان، وعلى تسريع تطوير الاقتصاد والتكنولوجيا، على الرغم من القيود الأمريكية. لقد التقى الرئيسان الصيني والأمريكي في قمة الـ20، ووعدا بتجاوز التوتر القائم، لكن كل الدلائل تشير إلى أن التصعيد بينهما سيكون سيد الموقف في السنين المقبلة.
- فلسطين: احتقان
تشهد الساحة الفلسطينية احتقانا ليس له مثيل منذ نهاية الانتفاضة الثانية، ويجري التعبير عنه كحالة شعبية باستعداد عدد كبير من الشباب لاجتياز حاجز الخوف، ومواجهة قوّات الاحتلال مع المعرفة المسبقة بأنها مدججة بالسلاح وبالمعلومات وبنوايا القتل. ويتميّز الاحتقان الفلسطيني بأنّه لا يدفع الشباب إلى الانتظام في صفوف الفصائل القائمة، بل إلى إقامة تنظيمات محلية جديدة تضم شبابا من مختلف المشارب والتيارات. لقد تجاوز عدد الشهداء في الضفة الغربية هذا العام المئتي شهيد، وهو أكبر عدد منذ الانتفاضة الثانية. وإذ تتواصل المواجهات مع قوّات الاحتلال، فإن التصعيد المقبل سيكون ارتطاما مدويا بين فلسطين أكثر إصرارا للدفاع عن نفسها وحقها وكرامتها، وإسرائيل أكثر تطرفا وعنفا وإجراما وتسلّحا.
- الصحافة: شيرين
كانت المرحومة شيرين أبوعاقلة صحافية مئة في المئة ووطنية فلسطينية مئة في المئة. هي لم تتهاون في مهنتها ولم تدوّر الزوايا «خدمة للقضية»، وهي في الوقت نفسه لم تقع في مصيدة الحياد الزائف، وبقيت منحازة بالكامل لشعبها ولقضيته العادلة، مع التعصّب للموضوعية في الأداء الصحافي. إنّها بنت فلسطين البارّة، اندمجت في تكوينها المهني والإنساني الحاجة الطبيعية للضحية، في الكشف عن الحقيقة وتبديد الأكاذيب، وضرورة الوفاء للمعايير الصحافية المهنية في نقل الحقيقة. لقد قتلت شيرين لأنّها صحافية ولأن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحافيين ويسعى لمنع تصوير الحدث الإجرامي، وقتلت لأنّها فلسطينية لتنضم إلى قائمة أكثر من مئتي شهيد قتلوا بنيران جيش الدولة الصهيونية. مؤخّرا، أعلنت أكثر من جهة دولية أنها ستقوم بالتحقيق في اغتيالها، ومن المهم متابعة الموضوع لإدانة القتلة والمسؤولين عنهم.
- التطرّف: إسرائيل
منذ إقامتها، إسرائيل هي دولة استعمار استيطاني إحلالي، وأنتجت، مثل كل استعمار، عنصريتها الخاصة بها. وبعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وإقامة حكومة نتنياهو ـ بن غفير، فإن من الواضح أننا بصدد أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرّفا في كل المجالات وعلى كل المستويات، فهي تسير وفق السياسات الاستعمارية السابقة وتزيدها تشدّدا وعدوانية، وهي حتما سوف تصطدم بالاحتقان الفلسطيني وبشباب لا يهاب ولا يلين. وإذ تحمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة طابعا فاشيا منفّرا للمجتمع الدولي، فهي فرصة لتكثيف حملات المقاطعة وفرض العقوبات والعزلة، على دولة عنصرية مارقة.
- الكتاب: رائف زريق
من النادر أن يُصدر باحث كتابا جديدا فيه تجديد عن كانط، الذي يعد أهم فلاسفة الأزمنة الحديثة. فقد سُطّرت عنه آلاف الكتب، وجرى فيها سرد ونقد وتحليل جوانب فلسفته كافة، لذا فإن كتاب، الباحث الجليلي الفلسطيني رائف زريق «عراك كانط من أجل الأوتونوميا: حول هيكلية العقل العملي» يستحق الاهتمام والتقدير. وقد حظي الكتاب بتقييم عال عند أكبر المختصين بفلسفة كانط في العالم، بول جايير من جامعة براون، الذي كتب: «هذا هو التأويل والنقد الأوسع والأعمق الذي أعرفه عن تعامل كانط مع مفهوم الأوتونويا». وكذلك كتب دونكان كندي من جامعة هارفارد: «الكتاب أصيل وبارع.. إنّه واضح ودقيق وشامل ومليء بالأفكار الجديدة، وهو مقدّمة مُثلى للأبعاد المعقّدة والمحيّرة لكانط كفيلسوف الحرّية». ووصفه بول كان، أستاذ الفلسفة في جامعة «ييل» بأنه «كتاب مبدع بنحو رائع».
- اليسار: أمريكا اللاتينية
كم من المرثيات كتبت عن اليسار في السنوات الأخيرة؟ يبدو أنّها كانت مرثيات مبكّرة. فاليسار يكتسح منذ عام 2018، دول أمريكا اللاتينية بلدا تلو الآخر، وجاء فوز مرشح اليسار «لويس لولا دا سيلفا» في البرازيل، كبرى دول قارة أمريكا الجنوبية، ليتوّج هذه السلسلة من الانتصارات. وقد سبق ذلك وصول اليسار إلى الحكم في المكسيك والأرجنتين وبوليفيا وتشيلي وكولومبيا وغيرها. اليسار مطالب بطرح وتنفيذ حلول عملية للأزمات الاقتصادية والبيئية والصحية والإيفاء بوعوده بأنّه «مختلف» عن اليمين. فمن أهم أسباب فوزه، التعامل الكارثي لبعض القيادات اليمينية مع جائحة كورونا. كما أن البشرية كلّها تتوقع من «لولا» العائد إلى السلطة في البرازيل، أن يعمل بجدّية لحماية غابات الأمازون، التي تعد رئة للعالم. وهو أيضا نصير لفلسطين، التي تنتظر منه أن يلقي بثقل بلاده لصالح التحرر وضد الاستعمار والاضطهاد.
- الرياضة: المونديال
بطبيعة الحال كان المونديال الخريفي في الدوحة الحدث الرياضي الأضخم والأهم هذا العام. ويمكن تلخيص ما كان فيه عبر سلسلة من علامات التعجّب وبعض علامات الاستفهام. المونديال كان ناجحا جدّا بكل المعايير، فالتنظيم كان بأعلى المستويات، ومباراة النهائي كانت مثيرة، وهناك من يصفها بأنّها الأفضل في التاريخ، والأرجنتين تستحق الفوز، وبلا مقارنات ومماحكات أثبت ميسي أنّه من أفضل ثلاثة لاعبين على مر العصور. ولأول مرة يشارك فريق عربي وافريقي في الدور نصف النهائي، ولأول مرّة تحقق الفرق العربية أكثر من فوز تاريخي: تونس تهزم فرنسا، والسعودية تتغلب على الأرجنتين والمغرب يفوز على إسبانيا والبرتغال. ومن الناحية السياسية فازت فلسطين، التي هتفت الجماهير باسمها ورفعت علمها والتحف به لاعبو الفريق المغربي، ما أثار غضب إسرائيل وفخر فلسطين وأنصار فلسطين. لقد برز في المونديال مدى تأثير التكنولوجيا على سير اللعب في كرة القدم، فكيف سيستمر ذلك مستقبلا؟ وهل سيجد اللاعبون أنفسهم يلعبون في الفضاء المحوسب وليس على أرض الملعب فقط؟ وماذا سيكون التأثير الأمريكي في ظل تزايد شعبية كرة القدم في الولايات المتحدة؟ وهل فعلا سيجري توسيع المرمى؟ ومتى سيبدأ نقاش فعلي حول العلاقة المربكة بين المال وكرة القدم؟ وهل من وريث للمرحومة زها حديد، المعمارية عراقية الأصل التي أبهرت العالم بالإستاد الذي أبدعت في تخطيطه؟
- الطاقة: الانصهار النووي
مع اقتراب نهاية العام، وتحديدا يوم الثلاثاء 13.12، أّعلن عن نجاح تجربة للانصهار النووي، بحيث تمكّن العلماء للمرة الأولى من إنتاج كمية من الطاقة أكبر من تلك التي استهلكتها التجربة. ولا مبالغة في القول إن هذه بداية انقلاب في مجال الطاقة الآمنة والنظيفة، فالانصهار النووي هو عكس الانشطار ولا يؤدي إلى بث إشعاعات نووية خطيرة وهو يحاكي إنتاج الطاقة في الشمس. وجاء في إعلان وزارة الطاقة الأمريكية «لقد صنع فريق مختبر لورانس ليفرمور الوطني التاريخ بتحقيق الاشتعال الاندماجي، وهذا اختراق سيغيّر مستقبل الطاقة النظيفة والأمن القومي الأمريكي إلى الأبد». وبغض النظر عن النغمة الأمريكية الشوفينية، فإن الطريق قد فُتحت أمام البشرية جمعاء للحصول على طاقة نظيفة لا تنضب. المشكلة أن هذا سيستغرق عقودا من الزمن وما زالت البشرية بحاجة إلى محاصرة الانفلات الكربوني الرهيب، وتوفير طاقة متاحة ريثما يتم تحويل تجربة الانصهار النووي إلى تكنولوجيا عملية لإنتاج الكهرباء.
- السينما: كاميرون
بعد 13 عاما من الانقطاع يعود جيمس كاميرون بفيلم جديد هو «الافاتار: طريق الماء»، وهو استمرار لفيلم «أفاتار» السابق، الذي أنتج عام 2009، وحظي بمشاهدة واسعة جدّا، فاقت حتى «تايتانك»، الذي أخرجه هو أيضا وأصبح أيقونة سينمائية. هناك من يقول بأن كاميرون هو أكبر المخرجين قاطبة، وهذه مبالغة مبالغ فيها، فهو لم يدخل نادي العباقرة، الذي يضم أمثال هيتشكوك وفيليني وبرغمان وكورو ساوا وكوبريك وكوبولا وسكورسيزي وشابلن وأيزنشتاين وتاركوفسكي. المهم أن الفيلم الجديد لكاميرون هو أفضل أفلام هذا العام بلا منازع، وفيه يعود إلى الاستعمال المكثّف والذكي للتكنولوجيا في التصوير، وهذه المرّة تحت الماء. كاميرون يسعى إلى الإبهار البصري، انطلاقا من مفهوم السينما كمتعة بصرية، ولكن الأهم أن للإبهار وظيفة فهو رسالة جمالية فنّية غير مبطّنة ضد الاستغلال والقمع والجشع الرأسمالي ومن أجل الحفاظ على البيئة التي يدمّرها البشر. وفي مقابلة هذا الشهر مع مجلّة «ناشيونال جيوغرافيك»، بمناسبة عرض فيلمه الجديد، قال كاميرون: «إذا شاهد الناس هذا الفيلم فهم ببساطة سوف يحبّون الحياة تحت الماء لما فيها من وفرة وتنوّع وسحر وغموض ويرتبطون بهذا العالم الذي نفقده هنا على الكرة الأرضية».
* كاتب فلسطيني ورئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48
المصدر: القدس العربي