الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

بن سلمان (إيكاروس) يُدرك الحقائق الصعبة أميركياً.. ولكن!

منى فرح *

هل يكون محمد بن سلمان “إيكاروس” السعودية؟ هذا ما يجادل فيه الكاتب ديفيد أوتاواي(1) في كتابه الجديد بعنوانMohammed bin Salman: The Icarus of Saudi Arabia. يحاول أوتاواي فهم المملكة وحاكمها الجديد أكثر، فهل بن سلمان “مُصلح اجتماعي” أم مجرد “دكتاتور وحشي آخر”؟ هذا ما يشرحه الكاتب في مقالة نشرها موقع “ميدل إيست آي”.

“إيكاروس” Icarus، قصة من الأساطير الرومانية الشهيرة، تحكي قصة البطل “إيكاروس” الذي صعد إلى الشمس فذابت أجنحته وسقط وغرق في البحر.

لكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (MBS)، بحسب الكاتب ديفيد أوتاواي، لا يزال يُكافح في المياه الدولية. فهو أنشأ “دولة بوليسية تقمع كل الأنشطة الإنسانية والسياسية والجماعات الحقوقية”، مما شكّل له صورة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا على أنه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وبرغم ذلك، فإن بن سلمان “بات مهمشاً للغاية في العالم العربي، ولم يعد لديه أيّ سيطرة على مجلس التعاون الخليجي”.

فمنذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي (قبل 3 سنوات)، يسعى بن سلمان بجد “لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعته وإخراج نفسه من العار الدولي”.

ففي تعليقه على الذكرى الثالثة لاغتيال خاشقجي، يقول أوتاواي: “لقد أمضيت أكثر من نصف قرن أتابع السياسة السعودية وأكتب تقارير عنها”، مضيفاً: “أعتقد أن بن سلمان سيكون ملكاً لا يملك أي وازع يردعهُ عن ارتكاب السلوك السيء”. وتابع “سيكون مجرد دكتاتور وحشي آخر”. وتنبئاً بسقوطه بطريقة صادمة، قائلاً “لقد فقد ميزة الانضمام إلى التحالفات الجديدة في المنطقة”.

مقتل خاشقجي.. السقطة المدوية:

برأي الكاتب، يعاني ولي العهد السعودي “من سقوط مُدمر طوال السنوات الثلاث الماضية، لقد فقد النعمة الدولية التي كان يتمتع بها عندما انكشف دوره في مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، بدماء باردة وعلى مرأى أعين العالم التي أرعبها ما رأت”.

كما يجادل المؤلف في كتابه الجديد كيف تضخم حجم سقوط بن سلمان. ويقول: “إذا أردنا معرفة حجم هذا السقوط، فلنتذكر كيف حظي باستقبال الأبطال خلال جولة له في الولايات المتحدة استمرت ثلاثة أسابيع، بين آذار/مارس ونيسان/أبريل 2018، وأذهل خلالها النُخبة الحاكمة في المؤسسة السياسية والمالية الأميركية، التي احتضنته في البداية بكل إخلاص.

“لكن، منذ لحظة مقتل خاشقجي، سعى بن سلمان بجد لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعته من خلال محاولة جذب الشركات الغربية الخاصة للاستثمار في واحد أو أكثر من “المشاريع الضخمة” التي يشرف عليها داخل المملكة، أبرزها مشروع مدينة “نيوم”، الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، ومن أهدافه تحويل السعودية إلى أمة حديثة للغاية. كما سعى، بشكل متقطع، إلى إخراج نفسه من العار الدولي من خلال عكس مسار السياسة الخارجية التي شابتها الكوارث المتتالية التي جعلت مملكته أكثر عزلة من أي وقت مضى”، ودائماً بحسب الكاتب.

ويشير أوتاواي إلى أن ولي العهد السعودي (36 عاماً)، وتحت حماية والده الملك سلمان، حقق تقدماً ملحوظاً في تعزيز قاعدة سلطته داخل العائلة المالكة، وبات يتمتع بشعبية حقيقية بين الشباب والنساء السعوديين “كما يبدو”.

ولفت الانتباه إلى أن بن سلمان يحاول أن يظهر بصورة “المصلح الاجتماعي”، في إشارة إلى إطلاقه ما أسماها “ثورة اشتراكية علمانية” تتعارض وبشكل مباشر مع الثقافة الدينية السائدة في البلاد، ما أوجد حالة صدام لا تُصدق بين الثقافات داخل المملكة. فولي العهد أطلق العنان لفيض من العروض الفنية قدمتها فرق غربية ومغنيات وحتى حلبات مصارعة، وأنهى القبضة المُحكمة التي كانت تحكم بها المؤسسة “الوهابية” شديدة المحافظة المجتمع السعودي. كما أن بن سلمان ابتعد عن نظام الوصاية، والذي بموجبه يتم خنق النساء السعوديات تحت “حراسهن” الذكور، وفق الكاتب.

حقائق صعبة:

لكن وضع بن سلمان في الخارج مغاير، كما يقول أوتاواي، في إشارة إلى أن ولي العهد السعودي توقف عن محاولة إملاء من يجب أن يكون رئيس وزراء لبنان، وأصبح أكثر جدّية في السعي لتحقيق السلام في حرب اليمن المستمرة منذ أكثر من ست سنوات. كما أحرز تقدماً في الحدّ من طبيعته المتهورة، والتراجع عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على الرغم من ميوله الخاصة والضغط الهائل من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الراحلة للقيام بذلك.

ويتابع أوتاواي “لقد استسلم بن سلمان لبعض الحقائق الصعبة على الأرض”، بعد إدراكه تداعيات مجازفاته، مثل أنه لم يكن عليه إخضاع قطر، الدولة الصغيرة والجار الغني بالغاز، لحصار برّي وبحرّي وجوّي من أجل إجبارها على الخضوع للإملاءات السعودية والاصطفاف خلف سياساتها الخارجية.

ويوضح أوتاواي كيف أن بن سلمان اضطر لرفع الحصار عن قطر في كانون الثاني/يناير 2021، وحاول منذ ذلك الحين تعديل العلاقات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعدما كان يسعى للإطاحة به منذ عدة سنوات.

ومع ذلك، يقول أوتاواي، “يواصل بن سلمان رسم مسار ما نحو دكتاتورية دولة بوليسية ذات نطاق وشراسة غير مسبوقين. فهو لم يُسكت رجال دينه الوهابيين فحسب، بل عمد إلى إسكات كل شخص ينتقده أو ينتقد سياساته ولو بشكل طفيف، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي. وأحدث مثال على ذلك هو الحكم غير العادي بالسجن لمدة 20 عاماً الذي أصدرته محكمة مكافحة الإرهاب التابعة للدولة وأيدته محكمة الاستئناف ضد عبد الرحمن السدحان، وهو عامل إغاثة في منظمة إنسانية متهم بأنه استخدم تغريدة على “تويتر” تسخر من بن سلمان وخطته الاقتصادية.

في الخارج أيضاً، استدرك بن سلمان أن التدخل السعودي في اليمن أدى إلى انتكاسات متعددة. فالإمارات العربية المتحدة، الحليف الأهم، لم تكتف فقط بالإنسحاب من التحالف الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن؛ بل إنها أيضاً تدعم حركة انفصالية في جنوب اليمن. ويبدو أن هناك فرصة ضئيلة لأن تستعيد الحكومة اليمنية الدولية المدعومة من السعودية السيطرة على العاصمة، أو الشمال بأكمله، من المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ودائماً برأي أوتاواي.

كان التحالف الأمني المحلي الأساسي للسعودية هو مجلس التعاون الخليجي، الذي يتألف من دول الخليج العربية الست. لكن الآن لم يعد من الممكن وصف هذا المجلس بأنه “بقيادة السعودية”، بعد أن اتبعت الإمارات الكويت وعُمان وقطر في السير كلٌ على طريقه الخاص. وحدها البحرين لا تزال خاضعة للإملاءات السعودية. حتى أن الإمارات تحدَّت مؤخراً القيادة السعودية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول، ودفعت من أجل حصص إنتاج أعلى مما اقترحته المملكة.

إصلاح البين مع بايدن:

ويتحدث أوتاواي أيضاً عن نية بن سلمان في إزاحة الإمارات عن مكانتها كمقر إقليمي للشركات الأجنبية. ويكشف كيف أن ولي العهد أخبر الإماراتيين بأنه يتعين عليهم إنشاء قاعدة عملياتهم (التجارية) في السعودية “إذا كانوا يريدون حصة من عشرات المليارات من الدولارات في الأعمال السنوية مع الحكومة السعودية”. هذا تحدٍ مباشر لدبي وأبو ظبي اللتين جذبتا سهولة المعيشة (والشرب) معظم الشركات الأجنبية لتأسيس مقارها الرئيسية هناك.

وبرأي أوتاواي أن الأكثر أهمية لبن سلمان في المرحلة الحالية هو علاقته “المتأزمة” مع الرئيس الأميركي جو بايدن. فقد توترت العلاقات بينهما لأسباب كثيرة ومختلفة – منها مقتل خاشقجي. صحيح أن الرئيس الأميركي لم يف بالوعد الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية عندما تحدث عن جعل محمد بن سلمان “منبوذاً”، لكنه منعه من زيارة البيت الأبيض ولم يكلف نفسه حتى عناء تعيين سفير جديد للولايات المتحدة في الرياض. كما علَّق بايدن صفقات بيع الأسلحة الأميركية “الهجومية” للسعودية، على الأقل حتى تجد طريقة لإنهاء تورطها في حرب اليمن.

وحسب أوتاواي “يُفترض أن يعني كل هذا أن إدارة بايدن لن تبيع للمملكة الطائرة الحربية الأميركية الأكثر تطوراً، وهيF-35، والتي سمحت للإمارات بشرائها بالفعل. يمكن لبن سلمان أن يختار بدلاً من ذلك شراء الطائرات المنافسة لروسيا، Su-35، أو نظام الدفاع الجوي الروسيS-400. لكن هذا يمكن أن يؤدي إلى شرخ دائم في العلاقات الأميركية – السعودية، وربما إلى فرض عقوبات، إذا قررت واشنطن تطبيق قانون مكافحة أعداء أميركا.

طموحات إيران النووية:

تلوح إيران في الأفق كقضية أخرى من المحتمل أن تكون مثيرة للخلاف في العلاقات بين ولي العد السعودي وبايدن، بحسب أوتاواي. قد تتوصل إدارة بايدن إلى اتفاق مع إيران بشأن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه الرئيس السابق (ترامب). في هذه الحالة، ستحل الصين وتايوان محل إيران كنقطة تركيز رئيسية لها، ومن المرجح أن يتسارع “التحول بعيداً عن الشرق الأوسط” – “وهذا أكثر ما تخشاه الرياض”.

ويتابع أوتاواي: “من ناحية أخرى، إذا لم يكن هناك اتفاق بين واشنطن وطهران – وهذا ما تفضله كل من إسرائيل والسعودية بشدة، أي منع تحول بايدن إلى آسيا بعيداً عن الشرق الأوسط – فإن الأحداث على الأرض قد تدفع بالرئيس الأميركي المتردد وبن سلمان القلق نحو القيام بأعمال (عسكرية) معاً مرة أخرى”. فقد أعلن بايدن أن القنبلة النووية الإيرانية هي خط أحمر، وإسرائيل تضغط عليه بالفعل لوضع “خطة ب” لعمل عسكري لمنع طهران من تجاوز الخط الأحمر.

وبحسب أوتاواي، فإن ولي العهد السعودي يُدرك جيداً الأولوية الآسيوية لبايدن، وبحثه الدائم والجدي عن انفراجة حقيقية في الملف النووي الإيراني. كما يدرك بن سلمان جيداً أن بايدن يشعر بنفور قوي منه بسبب مقتل خاشقجي. “إنه الآن يواجه مهمة شاقة تتمثل في اضطراره لرسم مسار جديد في العلاقة الأميركية – السعودية. فبعد 75 عاماً، بدأ الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذه العلاقة باعتبارها “حجر الزاوية” لأمن المملكة يتلاشى.

– الترجمة عن “ميدل إيست آي” بتصرف من الرابط:

https://www.middleeasteye.net/opinion/saudi-arabia-mbs-social-reformer-dictator

(1) ديفيد أوتاواي، من معهد ويلسون “Wilson Center” الأميركي للعلماء الذي يُعنى بالدراسات الدولية (مركزه واشنطن). عمل في صحيفة “الواشنطن بوست” لأكثر من 35 سنة كمراسل لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب أوروبا. من مؤلفاته أيضاً كتاب “قصة أربعة عوالم: المنطقة العربية بعد الربيع العربي”

ــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحافية ومترجمة لبنانية

المصدر: بوست 180

التعليقات مغلقة.