سونيا العلي *
ﺃصبح جمع النايلون والحديد والكرتون من القمامة مهنة لعدﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍلنساء وﺍﻷﻃﻔﺎﻝ في إدلب، نتيجة النزوح وﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ، حيث ﻳﻨﺘﺸﺮ ﺃﻃﻔﺎﻝ ونساء ﻭﻛﺒﺎﺭ في السن بالقرب من مكبات القمامة ﺑﻬﺪﻑ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ القابلة للإحتراق في التدفئة ﻭﺍﻟﻄﻬﻲ، أو بيعها ﻭﺍلإﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ عائدها ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ تلبية ﺍﺣﺘﻴﺎجاتهم.
الطفل سليم الحسين (10 سنوات) من مدينة معرة النعمان، فقد والده بغارة جوية بداية عام 2019، يعيش ﻣﻊ ﺃمه وإخوته الثلاثة في خيمة صغيرة بأحد مخيمات مدينة أطمة الحدودية مع تركيا وعن ذلك يقول: “ﺗﺮكت ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺑﻌﺪ نزوحنا من منازلنا، وﺣﺎﻭلت ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺟﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻹﻋﺎلة أمي وأخوتي، وﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ .” قرر سليم أن يعمل ﻓﻲ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻬﻨﺔ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ، وﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﺨﺒﺮﺓ ﺃﻭ ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻝ، ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﺎ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺻﺎﺭ ﻳﺠﻤﻊ ﻳﻮﻣﻴﺎً مبلغ يتراوح بين 10- 20 ليرة تركية، ويمكن من خلاله تأمين الخبز وبعض الحاجيات الضرورية .
يشاهد سليم ﻋﻨﺪ ﺧﺮﻭﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻠﻪ ﺻﺒﺎﺣﺎً ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﻫﻢ ﺫﺍﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻮﺟﻪ برﻓﻘﺔ عدد من ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻭعن ذلك يقول: “أتمنى أن أترك هذا العمل الشاق لأتابع تعليمي، ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ بسبب الحاجة الماسة للعمل.”ويشير سليم إلى إصابته ﺑﺎﻟﺮﺑﻮ التحسسي ﻭﺑﺄﻣﺮﺍﺽ ﺟﻠﺪﻳﺔ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﺎلبحث ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ يصر على متابعة ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻳﻘﻮﻝ: “ﺇﺫﺍ لم أعمل سنموت ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ”، ﻓﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻠﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﺃﺳﺮﺗﻪ.
الترمل والنزوح هما من أجبر أم فؤاد (42 عاماً) النازحة من مدينة سراقب إلى مخيم حربنوش بريف إدلب الشمالي، للذهاب ﻣﻊ حفيدها إلى مكب للنفايات بالقرب من مكان سكنهم، بحثاً ﻋﻦ ﺧﺮﺩﺓ ﺃﻭ ﻣﻮﺍﺩ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﻟﺒﻴﻌﻬﺎ، وجني بعض المال من ثمنها، وعن معاناتها تتحدث لإشراق: “فقدت زوجي وولدي البالغ من العمر 25 عاماً بحادث سير، واكتملت معاناتنا بعد نزوحنا، تاركين ﻭﺭﺍﺀﻧﺎ أرزاقنا وبيوتنا التي ﺳﻴﻄﺮ عليها نظام الأسد بداية عام 2020، وأصبحنا مضطرين للعمل، حيث نجمع ﺍﻟﺒﻼستيك ﻭالأسلاك ﺍﻟﻨﺤﺎسية والخبز اليابس، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻴﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺐ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ .”
تشير أم فؤاد بحزن إلى أن ما تجنيه من جمع البلاستيك بالكاد يكفي لإعالة أسرتها التي تضم ابنتها المريضة بالضمور الدماغي وأحفادها الأيتام الثلاثة، بعدما تقطعت بهم سبل الحياة الكريمة بسبب ظروف الحرب والنزوح .
وترزح الشريحة الأكبر من النازحين في إدلب تحت خط الفقر نتيجة غلاء السلع وخسارة مصادر الدخل الأساسية.
عمر السعيد (42 عاماً) مدير مخيم في بلدة حربنوش يتحدث لإشراق عن أوضاع النازحين المعيشية بقوله: “ﻓﺎﻗﻢ ﺍﻟﺘﺪﻫﻮﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭشح فرص العمل وقلة الأجور من معاناة النازحين، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ عوائلهم، ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺗﺄﻣﻴﻦ الغذاء ﺍﻟﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻬﻢ ﻭﺇﻫﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﻮﺍﺣﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ .”
يتابع السعيد: “يضم المخيم أكثر من 200 عائلة يمكن وصف أوضاعهم ب”المأساوية”، حيث يعمل اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ ونسائها، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺍﻷﺳﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﺭﺏ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺃﻭ ﻋﺠﺰﻩ، كما تسرب ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ من ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، بهدف الذهاب ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ والعمل، يدفعهم إلى ذلك ﺍﻟﻔﻘﺮ والحاجة، ﻭضرورة ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ لفصل الشتاء، ﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ غياب المدارس عن معظم ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﻴﻦ .”ويدعو السعيد المنظمات الإنسانية والجهات المعنية لتأمين المساعدة لهؤلاء النازحين، وتجنيبهم مخاطر العمل في مكبات وحاويات القمامة التي قد تتسبب لهم بأضرار صحية وجسدية ونفسية.
مع وصول حافلة نفايات جديدة للمكبات يسارع أطفال ونساء إلى موقع التفريغ للبحث بين أكوام القمامة، رغم ما يسببه لهم العمل في أماكن تجمع القمامة وﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ من أمراض، على اعتبارها ﺑﻴﺌﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻠﺠﺮﺍﺛﻴﻢ، ﻭﻧﺎﻗﻼً ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻠﻔﻴﺮﻭﺳﺎﺕ ﻭالطفيليات مثل ﺍﻟﺒﻌﻮﺽ، كما ﺗﺤﺘﻮﻱ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻔﺎﺕ ﻃﺒﻴﺔ، وآلات حادة ومعادن ذات حواف قاطعة وثاقبة، ﻳﺸﻜّﻞ ﻟﻤﺴﻬﺎ ﺧﻄﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ العاملين بها، يضاف إلى ذلك ﺧﻄﺮ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺃﻛﻮﺍﻡ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.
أصبح جمع الخردوات من القمامة أحد مصادر الدخل للعديد من العائلات التي تعاني من فقدان المعيل والفقر الشديد وشح فرص العمل، مع غياب البدائل والحلول، ﺇﺫ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺄﻟﻮﻓًﺎ ﺃﻥ نشاهد ﺃﻃﻔﺎﻟًﺎ ونساء ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﻤﺎﻣﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ قابلة للبيع بهدف تأمين لقمة العيش اللازمة للبقاء.
* كاتبة صحفية سورية
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.