الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ما هي الوطنية والسيادة الوطنية؟ 

سمير خراط *

يحتاج هذا السؤال إلى إجابة من الجميع،  حيث تتردد بيننا كلمة الوطن والمواطنة الحقيقية، لكن هناك الكثير لا يدركون معنى المواطنة الحقيقية وقد لا يعي البعض مدلولات هذه الكلمة (الوطنية) التي من أهمها أن المواطنة تعني معايشة المرء مع القوم في وطن واحد، متضمنًا الانتماء إليه والولاء له وفق أداء الواجبات المقررة والتمتع بالحقوق المتفق عليها، وحب الوطن فطرة، فطر الله الإِنسان عليها، حيث إنه يجب أن يدرك الإِنسان أين حق الوطن الذي يعيش فيه ويستظل بسمائه ويفترش أرضه وينعم من خيراته، ووطننا الذي نعيش فيه هو وطن الإخاء والمحبة والوئام  فلنتعرف بالشكل الصحيح على الوطنية وخاصة إذا تم فقدان السيادة الوطنية وماذا يحدث حينها للوطن والمواطن .

اختلف الباحثون  باختلاف مناهجهم الفكرية على تحديد البعد للوطنية، فمنهم مَن جعل الوطنية جزءً من العقيدة يوالي ويعادي عليها، ومنهم مَن عرَّفها بأنها تلك العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء الإنسان لبلده، أو أنها التعبير عن واجب الإنسان نحو وطنه، ومنهم مَن يرى أن الوطنية هي قيام الفرد بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، بحيث يكون هناك موازنة بين ما يمليه عليه الدين وما تفرضه حقوق وواجبات الوطن، والتي من الضروري أن لا تتعارض، بل تلتقي مع الصالح العام، وهناك آخرون يحصرون تعريف الوطنية بالنسبة لهم في مصالحهم أو في تاريخهم أو موقعهم الجغرافي، أو أنه المكان الذي يجني رزقه منه.

بلا شك هناك فرق بين الوطنية والمواطنة، فالوطنية شعور وممارسة، وحب ووفاء، وانفعال وجداني وارتباط عاطفي بالأرض والمجتمع، وضمير حي يتفاعل مع قضايا الوطن دون تردد أو تغيير أو تبديل في المواقف، أما المواطنة فهي قبول ورضا وسلوك وتصرفات وأداء فردي للواجبات اليومية، وتكيُّف ومرونة وتناغم، فالوطنية مشاعر تكمن في الانتماء للوطن والأرض، والتراث والحضارة، وتتجلى مظاهرها في الالتزام بالحقوق والواجبات واحترام القوانين السائدة في الوطن، والتوحد معه والعمل على حمايته والدفاع عنه في كل الأوقات، حرصًا على وحدته وتماسكه وتقدّمه، أما المواطنة فهي مشتقة من فعل (واطن)، أي عاش، وهي تعني علاقة بين الفرد والدولة، كما يُحدِّدها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق -متبادلة- في تلك الدولة.

بعض الناس تراه ينادي بتعزيز الوطنية والمواطنة، ولكنه في نفس الوقت تجد مواقفه تجاه قضايا الوطن متعددة ومتذبذبة ورمادية وغير واضحة، ففي الوقت الذي يحتج فيه بشدة على تصريحٍ ما، تراه يدعم نفس التصريح إذا وافق هواه، أو جاء من طرف آخر، وفي الوقت الذي ينكر موقفًا ما، تجده يساند نفس الموقف إن صدر من أحد المقربين إليه، بل إنه أحيانًا قد يجيز لنفسه فعل المخالفات، اعتقادًا منه أن ذلك في مصلحة الوطن.

الوطنية الحقيقية أكبر من مثل هذه المواقف المتقلبة، فهي ليست شعارات رنانة أو إعلانات جوفاء، بل هي شعور حقيقي بالانتماء للأرض والمجتمع، والوطن الذي نعيش فيه، ونضحي من أجله، ونبذل الغالي والنفيس لحمايته والدفاع عنه، وهي ثبات على المواقف والعهود وقول الحق ومحاربة الباطل والفساد، والحرص على تراب هذا الوطن من حقد الحاقدين والمفسدين إن كانوا من داخله أو خارجه.

أما السيادة الوطنية بمعناها المطلق، هي الحفاظ على حقوق الوطن والمواطن اتجاه أي تعديات تفقدهم حق من حقوهم أو قد تخدش بتلك السيادة، والتمسك بجميع القرارات الصادرة عن المخولين بإدارة البلاد من قبل الناخبين بمجلس الشعب أو البرلمان والدفاع عنها مهما كان الثمن وبقرارات تتوافق مع رؤى الشعب محافظة على دستوره ومبادئه وخُلقياته المجتمعية وقيمه الانسانية المستمدة من مكونات المجتمع بحد ذاته، إن كانت دينية أو عقائدية أو قوميات تعيش تحت سقف الوطن.

ينتج فقدان السيادة الوطنية عن عدة أمور تحدث خلال مسيرة الدولة والقائمين عليها، أهمها الفساد الذي إن أصاب ركنًا من أركانها دون العمل على قمعه، سيؤدي في آخر المطاف إلى إصابة باقي الأركان لبناء الدولة من قمتها وحتى أصغر طفل فيها، ولكن كيف يتسلل هذا الفساد الى جسم الدولة، أيضاً هناك مسببات عديدة منها الوعي الوطني ومفهوم المواطنة و حقوق الوطن حتى نصل الى غياب الثقافة العامة والدينية ومعنى المسؤوليات انطلاقا من رب الأسرة حتى نصل الى أكبر مسؤول بالدولة، لو انحصرت الخسارات على بعض المرافق بالداخل لكان الأمر من السهولة بمكان ويمكن تلافيه، ولكن حينما يصل الى العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى ولم يعد لنا أي قرار أو حرية للقرار بما يخص مصلحة الوطن والمواطن، حينها يكون الوطن عليه السلام، وهذا ما نلمسه وبشكل كبير في سورية، حيث فقد القائمون عليه أحقية أي قرار يخص جميع مرافقها الاقتصادية والسياسية والأمنية وحتى الغذائية البسيطة، باتت تأتي اليه بعد وساطات وتنازلات عن الكثير من الوطن ، بلا شك هذه النتائج كانت متوقعه من عدة عقود وفقاً للأسلوب المتبع بإدارة أمور البلاد ورؤية الفساد الذي تشعب وتغلغل بكل مؤسساته، العسكرية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية مما أعطانا الاحساس بأننا نعيش مفهوم (الفساد لإدارة البلاد) وكأننا في وسط عصاباتي بامتياز، اليوم المواطن همه الأكبر كيفية تأمين لقمة العيش، فقد كل حماسته للمطالبة بأمور أخرى وهو ما يريد الوصول اليه القائمون على ادارة البلاد، علما أنه ومنذ عشر سنوات خلت يتصارعون مع النظام وثاروا عليه  من أجل أبسط الأمور وهي العدالة الاجتماعية وحقهم كمواطنين من ثروات الوطن التي نهبت . أكيد هذا لا يعني أننا فقدنا الأمل، مازال هناك وطنيون يعملون ليلاً نهاراً للرقي بالمواطن الى المعنى الحقيقي للوطن والمواطن وايصال الرسالة الحقيقية لمفهوم المسؤولية من قبل كلا الطرفين (القائمون على الدولة والمواطن).

تتجاوز السيادة الوطنية  بعض الاحيان حدود الوطن لتفرض كيانها ومكانتها الاجتماعية عبر تشابكات وتداخلات لحماية حقوقها وكيانها كدولة ذات سيادة مطلقة، حيث نعيش اليوم زمن لم يعد مفهوم الحدود الجغرافية وسقف الوطن فقط هو ما نراه على الخرائط بل يتجاوزه ليظهر من جديد عبر خطوات دبلوماسية وتحالفات تعطي بعدا جديدا لهذا الوطن وهذا يعتمد بلا شك على حنكة وقوة القائمين على ادارة مصالح الوطن فيجعلون منه دولة عظمى، ليس من الضروري بقوة عسكرية بامتياز بقدر ما هو اشارات يفهمها المجتمع الدولي، وأكبر مثال على ذلك ما صدر عن تركيا مؤخرا بقرار إعادة آيا صوفيا الى مسجد الذي يعتبر قرارا سياديا بامتياز، علما أن تركيا ليست بحاجة الى جامع ولا حتى كنيسة بل هو رسالة الى المجتمع الدولي أن تركيا قادرة على أخذ قراراتها دون أي تخوف أو تبعية وأنها دولة ذات ماضي تاريخي له مكانته عبر الزمن وأنها ستحافظ على تلك المكانة، وفي الوقت ذاته نراها تثبت وجودها هنا وهناك موصلة تلك الرسالة أنها دولة من الدول صاحبة القرار في المجريات الدولية ويتوجب التعامل معها كدولة كبرى، وهنا نعي معنى السيادة الوطنية الخارجية لحماية السيادة الداخلية للوطن.

* كاتب وباحث اقتصادي سوري مقيم في باريس


سمير الخراط :
كاتب وباحث اقتصادي سوري، مقيم في باريس

 

التعليقات مغلقة.