بدر الدين عرودكي *
رأت محكمة النقض أن المجموعة يمكن مقاضاتها لدفعها المال لجماعات إرهابية حتى عام 2014. “مجيد زروكي Madjid Zerrouky”
كان قرارًا ذا آثار هائلة ذلك الذي اتخذته محكمة النقض يوم 7 أيلول/ سبتمبر. فبعد أن تلقت سبعة طعون، في إطار المعلومات القضائية التي استهدفت شركة مصنع الإسمنت لافارج (التي غدت لافارج ـ هولسيم Lafarge-Holcim منذ اتحادها مع المجموعة السويسرية) من أجل نشاطاتها في سورية، كان على أعلى مؤسسة قضائية فرنسية أن تقرّر، بين مسائل أخرى، حول اتهام المجموعة بـ “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية”، التي ألغيت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 من قبل محكمة الاستئناف بباريس.
في هذا الحكم المنتظر بشدة، أبطلت المحكمة القرار القاضي بإلغاء الملاحقات الثقيلة جدًّا التي تقررت في إطار التحقيق حول نشاطات المجموعة في سورية حتى عام 2014.
فالشركة متعددة الجنسيات متهمة بدفعها، خلال عامي 2013 و 2014، بواسطة شركة تابعة لها، لافارج إسمنت سورية، ما يقارب 13 مليون يورو، لجماعات مسلحة، منها المنظمة الجهادية الدولة الإسلامية، وكذلك لوسطاء، من أجل المحافظة على نشاط مصنع الإسمنت في المنطقة، في الوقت الذي كان فيه البلد يغرق في الحرب.
كانت شركة صناعة الإسمنت قد اشترت المصنع عام 2007. وبعد أن جرى تحديثه وتدشينه في عام 2010، كان قيامه مع قدرة إنتاجية بلغت 3 ملايين طن من الإسمنت سنويًا، أهمَّ حدث في المنطقة، حين انفجرت الحرب عام 2011. لكن مصنع الإسمنت قائم على مسافة 90 كيلومتر من الرقة التي صارت عام 2014 “العاصمة” السورية للدولة الإسلامية. وقد انتهى الأمر بالمنظمة الجهادية إلى احتلاله، مُرغِمة بذلك لافارج على مغادرة البلد.
“الدفع عن سابق علم”:
كان هناك تحقيق قد فتح في حزيران/ يونيو 2017، بناء على شكوى قُدِّمَت بعد تشكيل طرف مدني مؤلفٍ من المنظمة غير الحكومية شربا (Sherpa)، وهي جمعية للنضال ضد الجرائم الاقتصادية وللدفاع عن ضحايا العولمة (هـ.م)، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وأحد عشر عاملًا سوريًا سابقين. كان قد جرى توجيه الاتهام إلى أحد عشر من موظفي المجموعة السابقين، بسبب “تمويل الإرهاب” و”تعريض حياة الآخرين للخطر”. أولُ طلقة تحذيرية.
ففي حزيران/ يونيو 2018، كانت الشركة، بوصفها شخصية معنوية، هي التي وُضِعَت موضع الاتهام، بسبب “انتهاك الحظر”، و”تعريض حياة الآخرين للخطر”، و”تمويل مشروع إرهابي”، و”تواطؤ في جرائم ضد الإنسانية”.
قرار تاريخي كانت قد احتجت عليه كما هو منتظر شركة صناعة الإسمنت. إذ أكدت شركة لافارج أن تهمة “الجريمة ضد الإنسانية” شديدة الخصوصية، وأنها الأشد خطورة في قانون العقوبات، وأنه في حال عدم القدرة على تقديم سند مادي على أن أموالها قد استُخدمت لهذه الجرائم، فلا بد من البرهنة على أن الشركة كانت تنتمي إلى مشروعات الدولة الإسلامية، تحت طائلة الاستخفاف بهذا المفهوم.
أجابت محكمة النقض في البيان المرافق لقرارها: “من الممكن أن يكون المرء متواطئًا في جرائم ضد الإنسانية حتى ولو لم يكن لديه النية في المشاركة بارتكاب هذه الجرائم. يجب ويكفي أن يكون على علم بإعداد أو بارتكاب هذه الأفعال، وأن معونة ما أو مساعدة ما كانت قد سهَّلته؛ ليس ضروريًا الانتماء إلى المنظمة الإجرامية ولا تبنّي مفهوم أو تنفيذ مخطط إجرامي. في هذه القضية، كان دفع عدة ملايين من الدولارات عن سابق علم، لمنظمة عملها حصرًا إجرامي، يكفي لتوصيف التواطؤ، وليس مهمًا أن المعنيَّ يتصرف بهدف الاستمرار بنشاط تجاري”، كما فصَّلت.
وهو ما يعني أن أعلى مؤسسة قضائية في فرنسا فتحت مجدّدًا إمكان اتهام قادم بـ “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية” إذا ما قضت محكمة الاستئناف بباريس (التي عليها أن تجتمع في تشكيل جديد) في هذا الاتجاه.
اللجوء إلى وسطاء:
يؤكد كبار القضاة أيضًا اتهام لافارج “بتمويل الإرهاب”، نظرًا لوجود دلالات خطيرة أو متوافقة مع لجوء إلى وسطاء من أجل صرف أموال للجماعات المسلحة “في الوقت الذي لا يمكن فيه جهل الطابع الإرهابي لهذه الجماعات”. “تؤكد محكمة النقض بدورها أنه ليس من المهم ألا تكون الشركة تنوي رؤية الأموال تستخدم لغايات إرهابية. في الواقع، يكفي أن يعرف صاحب التمويل أن الأموال مخصصة للاستخدام من قبل جماعة إرهابية لكي تكون الوقائع قابلة للإثبات”، كما أضافت. على أن المحكمة بالمقابل نقضت الاتهام الخاص بـ “تعريض حياة الآخرين للخطر”. وعلى غرفة التحقيق أن تقرر مجدّدًا حول هذه المسألة.
“يرسل قرار محكمة النقض رسالة مهمة إلى كل الشركات التي يمكن أن تستفيد أو تسهل الجرائم المرتكبة خلال الصراعات المسلحة والتي تزعم أيضًا أن نشاطاتها التجارية حيادية، كما رحّب كانيل لافيت، قاضي النزاعات في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية (ECCHR). بنقلها مئات آلاف يورو إلى الدولة الإسلامية -وهي جماعة اعتبرت المحاكم الفرنسية أنها كانت قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية- كانت لافارج تعلم أن هذا المال يمكن أن يستخدم لغايات إجرامية من أسوأ نوع، وبذلك جعلت من نفسها بصورة ممكنة شريكة في هذه الجرائم”.
“لا يفترض القرار المتخذ اليوم من قبل محكمة النقض بأي حال من الأحوال مسؤولية لافارج، كما كان رد فعل الشركة في بيان صادر عنها. “فهذه القضية تعود إلى ماضي الشركة، ونحن نديرها بطريقة مسؤولة”، كما أضافت شركة لافارج ـ هولسيم، مؤكدة أن الشركة لم “تعد تمارس أيَّ نشاط في سورية منذ أكثر من ستة أعوام“، وتؤكد المجموعة أنها “تتعاون بصورة كاملة مع العدالة” وأنه سبق لها أن اتخذت “إجراءات فورية وصارمة”، من أجل تلافي وقوع مثل هذه الأحداث مرة أخرى.
عنوان المادة: « Complicité de crimes contre l’humanité » en Syrie : la justice relance l’affaire Lafarge
الكاتب: مجيد زروكي/ Madjid Zerrouky
المترجم: بدر الدين عرودكي
مكان وتاريخ النشر: Le Monde, le 08 septembre 2021
رابط أصل المقال: https://bit.ly/3FaTizR
ـــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب أكاديمي وصحفي ومترجم سوري
المصدر: حرمون
التعليقات مغلقة.