الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حضور “الشخص في حالة إعاقة” في الأدب… “أحدب نوتردام” لفيكتور هوغو.. نموذجاً

د. ماهر اختيار *

نريد دراسة بعض أفكار رواية أحدب نوتردام، وبشكل خاص دراسة جوانب من شخصية كوازيمودو، ذاك الذي تمت صياغته على أنَّه إنسان في حالة إعاقة ظاهرة. الهدف من هذه الدراسة تبيان كيفية حضور هكذا أشخاص في الأدب العالميِّ، ومناقشة أسلوب تعامل الكاتب مع هكذا شخصيات حاملة لإعاقة ما. ومن المهم أيضًا إبراز التغييرات التي حدثت أو لم تحدث في النظرة إلى الأشخاص في حالة إعاقة انطلاقًا من نظرة الكاتب وأفكاره، وأسلوب المترجم وفهمه للنصِّ الأصليِّ، فهما (الكاتب والمترجم) يعبِّران، بشكل أو بآخر، عن الأفكار السائدة والمعايير المقبولة والقواعد الثابتة داخل بنى المجتمع. وتبدو رواية أحدب نوتردام مثالاً جيدًا في هذا الصدد وذلك لعدة أسباب:

– أولاً: كتب فيكتور هيجو هذه الرواية في القرن التاسع عشر، وشرح أن أحداثها دارت في القرن الخامس عشر، وقد تُرجمت إلى اللغة العربيَّة خلال القرن العشرين، وما تزال تصدر في نسخ جديدة تتنوَّع في حجمها وأسلوب ترجمتها. إذًا، سيكون من الممتع دراسة بعض أحداث هذه الرواية وأفكارها انطلاقًا من ثلاث مراحل متفاوتة في الزمان والمكان والأنموذج المعرفي (paradigm). فعلى سبيل المثال، يمكن دراسة المفردات التي استخدمها هيجو نفسه، ثم تحليل بعض الآراء والمواقف التي أعلنتها شخصيات الرواية، والتدقيق أيضًا في كيفية ترجمتها في النسخة العربيَّة. بمعنى آخر، بما أن هذه الرواية ذات طابع تاريخي[1] (فضلاً عن البعد الاجتماعي والفلسفي)، فإنَّ تعرُّف جانب من أفكار الناس ونظرتهم التي كانت سائدة خلال تلك الحقبة التاريخيَّة بشأن “الأشخاص المعاقين” ممكن جدًا، كما يمكن استنتاج موقف هيجو تجاه هؤلاء الأشخاص بعد مضي أربعة قرون من الزمن، فهو من صاغ الرواية وجعل شخصياتها تقول كلمات وتعبِّر عن أفكار اختارها هو بنفسه. وأخيرًا يمكن التأمل في فهم المترجم للنصِّ الفرنسيِّ، وكيف ترجمه في المرحلة المعاصرة.

– ثانيًا: لقد شدَّ انتباهنا ترجمة عنوان الرواية إلى اللغة العربيَّة بـ أحدب نوتردام، واعتمادُ هذه الترجمة خلال عقود من الزمن، علمًا أنَّ عنوان الراوية في لغتها الأصليَّة (الفرنسيَّة) هوNotre Dame de Paris التي يمكن ترجمتها إلى نوتردام باريس[2]. لا تبدو لنا واضحة الأسباب التي سوَّغت للمترجمين القيام بتعديل العنوان وحصره في شخصية واحدة، مع العلم أن شخصية كوازيمودو، حامل الإعاقة المرئيَّة، هي إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية، وليست هي الشخصية الأولى. لذلك من المفيد أيضًا مقارنة النصِّ الفرنسي مع ترجمته العربيَّة، فمضمون الترجمة وكيفية حذف جمل كاملة أو إضافة كلمات من أجل التعبير عن أفكار أو مشاهد مكتوبةٍ باللغة الفرنسيَّة، تعطي القارئ صورةً عن نظرة المترجم ومضمون أدواته المعرفيَّة حيال “الأشخاص المعاقين”.

– ثالثًا: إن تأمل الكلمات والعبارات والأفكار التي صاغت شخصية كوازيمودو سواءً كما صاغها هوجو نفسه بوصفه الكاتب أو كما عبَّرت عنها شخصيات الرواية، أو بحسب الترجمة العربيَّة يدفعنا كل ذلك إلى طرح الأسئلة التالية:

تتحدث الراوية وتؤرخ لأحداث جرت في القرن الخامس عشر، وكُتِبت في القرن التاسع عشر، وترجمت إلى العربيَّة خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين، فهل حدثت تغييرات بشأن معايير جمال جسم الإنسان ومقاييس توازنه وصحته على مدار هذه القرون والفترات التاريخية المتعاقبة؟ وإلى أي حدٍّ تعبِّر شخصيَّة روائيَّة حاملةٌ لإعاقةٍ عن البنى المعرفيَّة المحيطة بالكاتب والمترجم وعن ظروف المجتمع الحاضن لهما؟ وهل يؤثِّر دور هذه الشخصيَّة في اتجاهات القارئ ومواقفه حيال الإعاقة وحامليها؟ وما هي الجوانب الإيجابيَّة أو السلبيَّة في حضور شخصية حاملة لإعاقة معينة داخل رواية أو في الأدب بشكل عام؟ سنحاول الإجابة عن جميع هذه الأسئلة في السطور التالية:

من صور حضور “شخص في حالة إعاقة” ضمن هذه الرواية:

تمثَّلت إحدى الأحداث المهمة ضمن هذه الرواية في اقتراح تنظيم عملية انتخاب بابا أو سيد المجانين، على اعتبار أنَّه كان يوم “عيد المجانين” 6يناير 1482. وكان الاقتراح بأن يقوم المرشَّحون بإظهار وجوههم فقط من خلال فتحةٍ أُعدت على عَجَل، ثم يقومون بحركات معينة (تكشير أو تجهُّم أو عبس) تجعل من ملامح الوجه وتقسيماته غريبة وغير مألوفة. بدأت المسابقة مع حماسة المرشَّحين، وضحكات الحضور من الرجال والنساء، الذين كانوا يحاولون اختيار صاحب ملامح الوجه الأكثر بشاعةً مقارنةً بما هو مألوف. وهنا قام هيجو بوصف تلك الوجوه لكي تتضح جيدًا تلك اللحظات أمام القارئ:

لنتخيل سلسلة من الوجوه تتمثل فيها على التعاقب كل الأشكال الهندسية ابتداء من المثلث حتى المربع المنحرف، ومن المخروط حتى الشكل الهندسي ذي الصفحات المتعددة، كل التعابير البشرية، من كل الأعمار، ابتداء من تجاعيد الطفل الحديث الولادة حتى تجاعيد المرأة العجوز المريضة، كل الأشباح الأسطورية الدينية […] كل الصفحات الجانبية للوجوه الحيوانية من الشدق حتى المنقار، ومن رأس الخنزير البري حتى الخرطوم[3].

وبعد أن عجزت مخيلة المرشَّحين عن بلوغ بشاعة الوجه النموذجيَّة (كما قال هيجو) برز متسابق أدهش الحاضرين، وقد تمثَّل سبب الدهشة في

الأنف الصلب ذي الوجوه الأربعة، وذاك الفم الذي يشبه حدوة الحصان، وتلك العين اليسرى الصغيرة التي يسدها حاجب أصهب أشعث بينما كانت العين اليمنى مختفية اختفاء كاملاً وراء ورم شديد الضخامة، وهذه الأسنان المنخورة المتكسرة المفلولة والمنتشرة هنا وهناك في فوضى ظاهرة، كأنها شرفات الحصن، وهاتيك الشفة الجاسية على علتها سن من أسنان الفم فبرزت إلى الخارج كأنها ناب فيل[4].

يلفت نظر القارئ الكلمات والأوصاف التي سردها هيجو في نقله لما حدث عندما بدت وجوه المتسابقين مختلفة عمَّا هو سائد. فعلى الرغم من قول هيجو إنَّ ملامح وجوههم كانت تشبه ملامح وجوه كل الأعمار، إلا أنَّ ما يشدُّ الانتباه هو تشبيهه للوجه المكشر أو العابس بتجاعيد وجهي كائنين: طفل حديث الولادة، وامرأة عجوز مريضة. يبدو أن عدم تقبُّل غرابة ملامح الوجه هي حالة عابرة للأمكنة والأزمنة، إذ أبدى ويبدى عادةً الناس علامات الاستغراب حيال وجه لم تنضج بَعْدُ ملامحه ولم يصبح شبيهًا بما هو سائد، وأيضًا حيال وجه آخر أتعبه الدهر وأثقلت عليه مشاكل الحياة وأمراضها، فبدت ملامحه مختلفة عن ملامح أغلب الوجوه المحيطة به. ينتقي هيجو كلماته محاولاً رسم صورة واضحة بشأن مدى اختلاف ملامح الوجوه في حال قام أصحابها بتكشيرات غير مألوفة، فشبَّه – في النص المقتبس أعلاه – ملامح وجه مرشَّحٍ بأجزاء محددة من جسم بعض الحيوانات مثل رأس الخنزير البري، وحدوة الحصان، وناب الفيل وخرطومه. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هل تشبيه الفم الذي بات مختلفًا بحدوة الحصان، والأسنان بأنياب الفيل، واختلاف ملامح الوجه برأس خنزير بري هو مبالغة أدبيَّة تهدف إلى عرض صورة واضحة حول غرابة الموقف أم هو تهكم وسخرية؟

يبدو أن هيجو هَدَف في اختياره لمفردات محددة وفي طريقة وصفه لوجوهٍ مختلفة الملامح، إلى جذب انتباه القارئ وتشويقه بغض النظر عن تأثير هذا الوصف، سلبًا أم إيجابًا، في القارئ أو في قارئ يمتلك وجهًا لا يشبه شكل الوجوه المألوفة من حوله. ولم يتوقف الأمر عند الكاتب، وإنما تعداه إلى مترجم الرواية رمضان لاوَند، إذ إن مبالغة هيجو في وصف مدى قبح وجه إحدى شخصيات الرواية، قادت المترجم إلى مبالغة أخرى تضمنت إضافة كلمات وتوصيفات غير موجودة في النصِّ الأصليِّ، مثل كلمة منخورة[5] في توصيف أسنان الوجه الذي بدا قبيحًا. فهل إضافة كلمة “منخورة” ذات دلالة معينة؟ هل تدلُّ على اعتقاد المترجم بأنَّ من يمتلك ملامح وجه قبيح ومختلف في تقسيماته، تكون أسنانه منخورة ويحتلها اللون الأسود وغير نظيفة؟ ليس من السهل الإجابة عن هكذا تساؤلات، لكن يمكننا القول إنَّ طريقة اختيار الكاتب والمترجم للكلمات والتوصيفات تقدم، أحيانًا أو غالبًا، إشارات إلى الأنموذج المعرفي الذي كان سائدًا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي إشارات غير كافية من أجل الإقرار بوجود أو غياب قطيعة واضحة بين هذه الفترة وماضيها، أي قطيعة متعلقة بـكيفية النظر إلى أو كيفية معاملة أفراد يمتلكون جوانب جسديَّة وحركيَّة مختلفة عمّا هو موجود لدى الآخرين. لذلك دعونا نستمر في دراسة نصوص أخرى ضمن هذه الرواية، ونتطلع على كيفية ترجمتها.

يلي مشهد دهشة الحضور (تجاه غرابة هيئة أحد المرشَّحين لنيل لقب بابا أو سيد المجانين) مشهد آخر أظهر إجماعهم على مرشَّح امتلك أكثر الوجوه بشاعةً وقبحًا، وذلك لسبب واضح عبَّر عنه هيجو بالقول: “لقد كانت التكشيرة هي وجهه. بتعبير آخر، كان شخصه كله تكشيرة”[6]. يُلاحَظ أنَّه مع تطور أحداث الرواية أصبحت صفات صاحب ملامح الوجه الغريب أكثر تحديدًا وربما ضيقًا، إذ قام هيجو باختزال وجه هذا الشخص إلى مجرد تكشيرةٍ، أي إنَّ التكشيرة أصبحت الجانب المعرِّف للشخص كلِّه. ربما لم يقصد هيجو اختزال هذا الإنسان إلى الجزء الغريب من وجهه، ولكنه أراد شدَّ انتباه القارئ وترغيبه بقراءة روايةٍ تتضمن شخصية مثيرة في شكلها وسلوكها ونمط حياتها. بالمقابل، لم يمر هذا الاختزال من دون ترك تأثيرات معينة في فهم المترجم وتأويله للنصِّ الأصليِّ، وبيان ذلك في ما يلي: يُلاحَظ في مقارنة النصِّ الأصليِّ مع ترجمته العربية أن المترجم قد أضاف إلى الجملة الفرنسيَّة فهمه الخاص، فارِضًا تصوره على القارئ العربي، فكتب: “بتعبير آخر، كان شخصه كله تكشيرة”. إذًا، في اللحظة التي اختزل هيجو فيها وجه المتسابق إلى مجرد تكشيرة، ذهب المترجم بعملية الاختزال إلى أقصى حدودها كاتبًا بأنَّ تكشيرة هذا الإنسان تعبِّر عنه كلِّه، وتتفوق على كلِّ ما يمتلكه من جوانب سلوكيَّة وأخلاقيَّة وتربويَّة وفكريَّة. بالنتيجة، يبدو اختزال الشخص إلى التشوه أو النقص الذي يحمله عابر للأزمنة، ولا يرتبط (الاختزال) فقط بالاعتقادات السائدة بين الناس، وإنّما يتمثَّل أيضًا في بعض أفكار الكتَّاب والمترجمين ونصوصهم التي تعمل على ترسيخ تلك الاعتقادات السائدة.

نعم، للكاتب الحق والحرية في توظيف كلمات وتوصيفات تساعد على جذب انتباه القارئ وخلق رغبة في متابعة أحداث الرواية، لكن ينبغي التمييز بين التوصيف والتقييم أو ينبغي الحذر من الوقوع في فخِّ التقييمات المسبقة، فوصف الشكل الغريب للمرشَّح يختلف كثيرًا عن تقييمه من خلال اختزال قدراته وإمكانياته الجسديَّة والنفسيَّة والعقليَّة إلى جزء غريب يحمله جسده. إن أمثال هذه النصوص في الراوية تنسجم مع المعايير الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة والجماليَّة التي سادت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ولم يوضِّح كاتبها أو لم يحاول إبراز تمايز واختلاف مقارنةً بما كان سائد في القرن الخامس عشر. بالنتيجة، إنَّ غياب هذا التمايز لم ينسجم مع اتجاه هيجو الفكري والفلسفي، فهذا الأخير يمثل عمومًا صوت الضمير والحق والحب، وحاول في كتاباته نصرة الفقراء والمظلومين والمهمشين في المجتمع.

زاد هيجو من فضول القارئ محاولاً جعل الشخصية – وذلك قبل الكشف عن اسم صاحبها ذي الملامح الغريبة وجهًا وجسدًا – مجهولة السلوك والفكر ومتخمة بالألغاز التي قد تتكشف بعضها مع التقدم في قراءة الرواية، فقال مقتبسًا قاعدة غير قابلة للتعديل أو التغيير لأنَّها، كما كتب، خالدة المضمون:

وهو مع هذا التشويه كله، يملك من الحيوية المرعبة والخفة والشجاعة شيئًا كثيرًا. إنه استثناء غريب عن القاعدة الخالدة[7] التي تفرض أن تكون القوة كالجمال نتاجًا للانسجام[8].

أكَّد هيجو، من خلال عرضه لهذه الصفات، أن الاستثناء الموجود في جسد هذا الشخص، وهو استثناء غريب وقبيح، ناتج عن كونه مخالفًا لقاعدة خالدة وصادقة في كل زمان ومكان “الجمال والقوة نتاجا الانسجام”. من الواضح هنا أن هيجو شرح، من جهة أولى، ملامح هذه الشخصية وبعض صفاتها، وأكَّد، من جهة ثانية، أن هذه الصفات عزَّزت غرابة حاملها، وجعلته غير مألوف الشكل والسلوك؛ لأن القاعدة العابرة في صدقها للزمان والمكان تقول إنَّ الانسجام العضوي والحسي وتجانس أجزاء الوجه والأطراف يسهمان في تكوين جمال الإنسان ويكرسان جيدًا أنسنته.

إذًا، شرح هيجو حالة شخص مصاب بإعاقةٍ، وبيَّن جوانب من عالمه الغامض، وذلك بهدف بلوغ فهمٍ أفضل للأحداث التالية في الرواية. لكن تبرز ملاحظة في هذا السياق: إنَّ وصف الوجه وغرابته، والكلام عن الأطراف واختلافها، والحديث عن اضطراب الحواس هي أمور ممكنة وربما مهمة من أجل التمهيد أو التعرِّيف بهذه الشخصية، أما الحكم المسبق – من طرف الكاتب – على استثنائيَّة سلوك الشخصية وغرابتها، والتنبؤ بتصرفاتها المخالفة لما هو سائد، فهما يمثِّلان تعزيزًا إضافيًا للأفكار المسبقة الموجودة لدى القرَّاء، وترسيخًا للاعتقادات السائدة القائلة إنَّ كل من لديه خلل ظاهر أو ضعف في إحدى حواسه هو في حالة إعاقة جسديَّة وسلوكيَّة وفكريَّة وربما أخلاقيَّة أيضًا. إنَّ مثل هذا الوصف والتقييم ضمن رواية عالميَّة الانتشار لا يساعد في تغيير نظرة الناس حيال “الأشخاص المعاقين”، وإنما يعمل على تكريس لا-عدالة المفاهيم والأفكار السائدة تجاه هؤلاء الأشخاص.

بحسب أحداث الرواية، اختار الجمهور (الذي كان حاضرًا مسابقة انتخاب بابا أو سيد المجانين) صاحب أكثر الوجوه بشاعةً الذي كان كوازيمودو، وهو المسؤول عن قرع أجراس كنيسة نوتردام، إذ اكتشفوا أن قبحه أو اختلافه من فعل الطبيعة وليس مصطنعًا، لذلك أجمعوا على فوزه بلقب سيد المجانين واحتفلوا به. ومن أجل إتاحة الفرصة أمام القارئ لكي يعيش هذه اللحظات المهمة ضمن الرواية، عرض هيجو بعضًا من ردود أفعال الناس وكيف نظروا إلى شخص حامل لإعاقةٍ ظاهرةٍ، فنقل ما ردَّدوه عند رؤيتهم كوازيمودو “نحن نرى أن لهذا الشيطان المسكين ألقابًا كثيرة للاستعمال”[9]، مثل تلك التي قيلت على ألسنة الناس: “قرد كريه، وخبيث، وشيطان، وقبيح”. إنَّ هذا الأسلوب في الأدب يدفع حتمًا القارئ إلى طرح التساؤلات التالية: إذا كان هيجو قد كتب، في القرن التاسع عشر، رواية ذات جوانب تاريخيَّة واجتماعيَّة وفلسفيَّة، ونقل للقارئ نموذجًا عن الأفكار التي كانت سائدة تجاه الأشخاص المعاقين جسديَّا في القرن الخامس عشر، فلماذا وظِّف ضمير الـ نحن في جملته أنفة الذكر؟ ولماذا استخدم هيجو توصيف شيطان مسكين للإشارة إلى كوازيمودو؟ فلماذا لم يقل على سبيل المثال “نحن نرى أن لـ كوازيمودو ألقابًا كثيرة للاستعمال”؟ هل هذا دليل على وجود استمراريَّةٍ زمنيَّةٍ حاملة وحاضنة لنمط من التوافق الذي يجمع الواقع مع الأدب فيما يخص النظر إلى حاملي الإعاقات؟

يبدو أن هيجو كان يريد شيطنة شكل هذه الشخصية من أجل شدِّ انتباه القارئ، ثم تركه حرًا في تخيل مدى قبحها شكلاً وجسدًا وربما سلوكًا (فالشيطان ليس قبيح الشكل فقط وإنما سيء السلوك أيضًا بحسب المعتقدات السائدة). بالمقابل، كان باستطاعة هيجو أن يذكر اسم كوازيمودو من دون تبنِّي صفة أو تقييم هذه الشخصية من خلال كلمة شيطان، وكان بإمكانه أيضًا فصل أفكاره عن الأفكار التي كانت سائدة في القرن الخامس عشر، متجنِّبًا خلط موقفه تجاه “شخص معاق” مع موقف شخصيات روايته.

في متابعة أحداث أخرى ضمن الرواية يراقب القارئ جيدًا كيف وصف الأدب حالة شخصية تحمل إعاقة مرئيَّة. فمثلاً، من الأحداث التي تشدُّ الانتباه هي القبض على كوازيمودو من قِبل كتيبة رماة الحرس الملكيِّ، وذلك بعد أن حاول، ثم فشل في خطف اسميرالدا، إذ كتب هيجو واصفًا هذا المشهد:

وقبض على كوازيمودو وقُيَّد. فكان يزمجر، ويعض، ولو كان الوقت نهارًا، لما كان هناك من شك في أن وجهه وحده، الذي يزيده الغضب قبحًا وبشاعةً، جدير بأن يبعث الرعب في أفراد الكتيبة كلها ويدفعهم إلى الهرب، ولكنه في الليل، يفقد أشد وأعتى أسلحته، أعني قبحه[10].

لقد سرد هيجو الأحداث بشكل ممتع ومشوق، لكنه أضاف إلى سرده أفكارًا تبدو صادمة، لأنّها اختزلت الإنسان إلى جانبٍ واحدٍ ضيقٍ وجامدٍ. فما الذي دفع هيجو إلى إيراد هكذا أفكار لم تتبنَّاها أية شخصية في الرواية، وإنّما هو من تبنَّاها كما هو واضح من نصِّه؟ وإذا كانت شخصية كوازيمودو مثَّلت وتمثِّل أحد أهم عناصر نجاح الرواية وشهرتها، فكيف تمَّ ويتمُّ قبول أو حتى تجاهل (من جانب النقّاد والمترجمين والقرَّاء) هكذا أفكار ظالمة تجاه كلِّ شخص يحمل نقصًا ما أو تشكِّل الإعاقة جزءًا واضحًا في جسده؟ فعندما تصبح إعاقةٌ في الوجه بمثابة سلاحٍ، فإنَّ هيجو، في روايته هذه، لم ولا يتحدث عن إنسان أو حيوان أو نبات أو حجر، وإنما تحدث عن مخلوق أسطوري يرتعد الناس لمجرد ذكر اسمه في الليل ورؤيته في النهار. إذًا، ليست شخصية كوازيمودو وسلوكها ونمط حياتها وفكرها هم الذين سمحوا لها بالاستمرار والعيش في المجتمع، وإنما استمرت بفضل سلاحها المتمثِّل في بشاعة وجهها، وقبح هيئتها العامة. وللمفارقة أن هذا السلاح لا يكون فعَّالاً إلا خلال النهار، أي خلال الفترة التي يستعرض فيها الآخرون أسلحتهم المتمثِّلة في انسجام الأجساد والأطراف والحواس بحسب معايير سائدة ومقبولة منذ قرون. تبرز تساؤلات عديدة تبحث عن إجابات في نصِّ هيجو، بوصفه الكاتب الذي عبَّر بقلمه عن شخصية كوازيمودو المصاب بإعاقة: هل من مسوِّغٍ يبيِّن لماذا بالغ هيجو في وصف وجه كوازيمودو وشكله وتقييمهما بأنَّهما بمثابة سلاح؟ ألا يكفي وصف أسنانه بأنياب الفيل، وفمه بحدوة حصان، ورأسه برأس خنزير بريٍّ؟ وهل يحتاج القارئ إلى مثل هذا الوصف – الناتج عن مخيلة وبنية فكرية غير منصفة – وإضافتها إلى أفكاره المألوفة حيال “الأشخاص المعاقين” مرئيَّة من أجل أن يقتنع جيدًا بمدى غرابة هذه الشخصية، والوحشية المُفترَضة لسلوكها؟ إن تشبيه هيجو لقبح وجه كوازيمودو بأنَّه سلاح لا يسهم فقط في وضع حامل الإعاقة على هامش المجتمع، وإنما ينتزعه أيضًا من كوكب الأرض، ويجعل منه كائنًا آتيًا من كوكب آخر لا ينتمي إلى عالم البشر.

من المهم الإشارة أيضًا إلى أن المترجم رمضان لاوَند قد أضاف كلمة في ترجمته لهذا النصِّ، وهي كلمة “أعني”، ومن غير الواضح لماذا أضافها؟ فلم يكتب هيجو أعني، وإنما وضع فاصلةً وبعدها أشار إلى أن سلاح كوازيمودو هو قبحه. فهل تعود كلمة “أعني” إلى إقرارٍ صريحٍ من هيجو بقبح هذه الشخصية، أم تعود إلى فهم المترجم وتأويله لموقف هيجو ولما أراد قوله ولم يكتبه؟ هل أضاف المترجم هذه الكلمة لكي يعزِّز الفكرة القائلة إنَّ سلاح كوازيمودو هو قبحه، وإنَّ هذه الفكرة تبنَّاها هيجو نفسه بوصفه كاتبًا كبيرًا وصاحب هذه الرواية ذات الشهرة العالميَّة؟ إن إضافة كلمة “أعني” تعمل على تقييد حرية القارئ، لأن كاتب الرواية أدرى بظروف شخصياتها وصفاتها، وبالتالي إيراد كلمة “أعني” فيه إصرار من جانب المترجم على الإشارة إلى قبح شخصية كوازيمودو، يقابله تسليمُ القارئ بذلك أو سكوته عنه. نلاحظ أن الأدب في مثالنا هذا لم يتضمن رسائل إنسانيَّة تدعو إلى ضرورة تغيير شكل ومضمون التعامل مع “الأشخاص المعاقين”، وإنما تضمنت نصوصه تشبيهات وعبارات سلبية في تكريسها للظلم ولا-عدالة محيط هؤلاء الأشخاص، فلم يسبق لأحد أن وصف حامل إعاقةٍ مرئيةٍ بأنَّ شكله غير المألوف هو بمثابة سلاح.

الأشخاص في حالة إعاقة ضحية أنموذج معرفي:

مع التقدم في قراءة الرواية تجذب القارئ بعض الأحداث التي تعطي صورةً معينةً حول نظرة بعض الأدباء إلى الأشخاص في حالة إعاقة، وهي أحداث تدفع إلى التساؤل والتأمل بشأن هذه المفاهيم التي توظَّف في ميدان يكتب نصوصه إنسانٌ معبِّرًا عن حالة إنسانٍ، ومتوجهًا بما كتبه إلى الإنسان. ففي نهاية الفصل الذي تحدث فيه هيجو عن قصة تبنِّي كلود فروللو لكوازيمودو، وما الذي قدمه لهذا الأخير من تربية وتعليم وعناية داخل الكنيسة، تستوقف القارئ الجملة التالية: “والواقع أن كوازيمودو، الأعور، الأحدب، الأقفد، كان شيئًا قريبًا من الإنسان ولكنه ليس إنسانًا أبدًا”[11]. والجملة كما وردت في النصِّ الأصليِّ هي: “Quasimodo, borgne, bossu, cagneux, n’était guère qu’un à peu près” [12]

يمكن القول، وبأسفٍ، أنَّه عندما لا يكون شكل كوازيمودو ضحية إحدى أفكار الكاتب وبعض جمله في هذه الرواية، فإنَّه يصبح ضحية اجتهاد المترجم وتأويله للنصِّ الأصليِّ. تبيِّن مقارنة الجملتين أن المترجم رمضان لاوند قد أضاف على النصِّ الفرنسيِّ الجملة التالية “ولكنه ليس إنسانًا أبدًا”. بالمقابل، إذا أردنا ترجمة الجملة الفرنسيَّة إلى العربيَّة كما وردت وبحسب سياقها، فمن الممكن ترجمتها على النحو التالي: “إن كوازيمودو، الأعور، الأحدب، الأقفد لم يكن سوى كائن[13] شبيه بالإنسان”. من المعلوم أن استخدام صيغة ne guère que في اللغة الفرنسيَّة يهدف إلى تأكيد وجود عناصر إيجابيَّة، مع أنّها قليلة. فمثلاً يمكن القول إنَّه لم يعد عندي سوى قطعة من الخبز والجبنة، وتفاحة واحدة. كما يمكن القول لم أعد أمتلك سوى عين واحدة تعمل بشكل جيد، ويد واحدة أقوم بفضلها بالكثير من أعمالي ونشاطاتي، وقدمين مختلفتين في طريقة سيرهما، ولكنهما تساعداني في السير مثل الآخرين. إذًا، يبدو أن هيجو وظَّف هنا صيغة ne guère que لكي يعطي القارئ حرية تصور المقدرات المحتملة لدى كوازيمودو. فالأعور يمتلك عمليًا عينًا أخرى يبصر بها، والأحدب لديه أربعة أطراف يستخدمها مثله مثل الآخرين، والأقفد يمشي على قدمين اثنتين ولا يمشي على أربعة أطراف مثل كائنات مختلفة شكلاً وسلوكًا عن الإنسان.

كما تدلُّ صيغة ne guère que من الناحية اللغويَّة وضمن هذا السياق إلى وجوب تقدير العناصر السليمة في جسم كوازيمودو مقارنةً بما لديه من عناصر ناقصةٍ أو في حالة تشوهٍ. فانطلاقًا من الجانب السليم لدى هذه الشخصية، يصبح لدى القارئ حرية تصور سلوكها ونمط حياتها بعيدًا عن الاختزال وعن القوالب الجامدة بسبب الإعاقة التي أصابتها. لكن إضافة المترجم أعطت معنىً معاكسًا، وقادت إلى فهمٍ لا تتضمنه الصيغة اللغويَّة التي استخدمها هيجو. إنَّها إضافةٌ تقول ما لم يقله النصِّ الأصليِّ، وتحكم على كوازيمودو بأنَّه شخصيةٌ ليست إنسانيَّة لأنَّها تمثّل الكائن الميت-الحيّ الحامل لإعاقةٍ جسديَّةٍ بشكل تامٍ وإلى الأبد.

في الواقع، تبرهن بعض أفكار هيجو وإضافات المترجم، على صعوبة التخلي أو تخطِّي الاعتقادات السائدة بشأن أصحاب الإعاقات المرئيَّة، وهي اعتقادات استمرت لمدة قرون من الزمن، وما يزال استمرارها يؤثر – كما هو واضح من النصِّ المقتبس – سلبًا في أفكار الكتَّاب، وفي طريقة تعبيرهم عنها ضمن نصوصهم الأدبيَّة أو تلك المترجمة. بالنتيجة، فإنَّ شخصية كوازيمودو – وبعد إضافة المترجم لجملةٍ غير موجودةٍ في النصِّ الأصليِّ – بدت أنَّها بعيدة عن مرتبة الإنسان، ولن تبلغها “أبدًا”. أي، بسبب إعاقةٍ جسديَّةٍ، عملت وتعمل هذه الجملة على نفي صفة الإنسانيَّة عن هذا الكائن، وعن كل كائن يحمل مثل هذه الإعاقة. إنَّها جملة تتضمن أحكامًا جامدة وقاسية، وتحكم بالموت على إنسان قادر، بالإمكان، أن يفعل الكثير من النشاطات بالرغم من الإعاقة التي يحملها. فكم هو مؤسف أن نرى هكذا أفكار في نصوص أدبيَّة مشهورة ومترجمة إلى لغات عديدة، هي أفكار لا تختلف كثيرًا عن الأفكار السائدة بين الناس والتي تسهم في جعل “الأشخاص في حالة إعاقة” بمثابة ضحيةِ مفاهيم غامضة واعتقادات ضيقة موجودة ومقبولة في مجتمعاتنا المعاصرة.

ولكي ندلِّل على الظلم المحيط بـ”الأشخاص في حالة إعاقة”، وعلى غياب قطيعة واضحة بين الأفكار السائدة تجاه هؤلاء الأشخاص، ومضمون الأدب السائد الذي وضعه كتَّاب يقال إنَّهم مدافعون عن المظلومين والمهمشين اجتماعيًا، نتابع مناقشة بعض نصوص الرواية وتأمل كيفية ترجمتها.

فمن ضمن النصوص التي ترجمها السيد رمضان لاوَند وتثير دهشة القارئ، نصٌ يتحدث عن الجانب الانفعالي والنفسي والفكري لشخصية كوزيمودو:

الثابت أن النفس تتشوه حين تكون في جسد ناقص. فلم يكن كوازيمودو يحس بحركة نفسه في جسده المصنوعة على شكله إلا حركة بطيئة عمياء. أما صور الأشياء التي تنفذ إليها فقد كانت تخضع لعملية انعكاس ضخمة معقدة قبل أن تبلغ غايتها. لقد كان رأسه وسطًا خاصًا: تخرج الأفكار منه بعد دخولها إليه عقفاء ملتوية. ومن هنا تنشأ أوهامه البصرية، وأخطاؤه في الحكم على الأشياء، وانحرافاته التي كانت تضيع بها أفكاره، المجنونة تارة، والبلهاء تارة أخرى.[14]

يكمن سبب الدهشة في ترجمة فعل atrophier[15] بـ تَشَوُّه، في حين يُلاحظ أن مترادفات هذا الفعل في قاموس روبير تأتي بمعنى تراجع أو تقلص أو أنطفئ أو تخلَّف أو ضَمِر أو ضَعُف أو فَقَدَ، وليس تَشَوَّه. فيصاب عادةً الجسد بتشوه في شكله أو أطرافه، ولكن النفس لا تتشوه، وإنما تبدو متخلفة عما هو سائد أو ربما تفتقر، لأسباب معينة، الكثير مع المعايير الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة المألوفة. لذلك، يمكن ترجمة الجملة موضع النقاش على النحو التالي: “الثابت أن النفس (تتخلف أو تخسر الكثير من فطرتها، أو تنطفئ جوانب فيها) حين تكون في جسدٍ ناقصٍ”.

إنَّ التشوُّه يعني الانحراف والتغير إلى الأسوأ مقارنةً بما هو سائد، وربما يدلُّ أيضًا على إظهار صورة غير مطابقة للحقيقة. ومن هنا التحفُّظ على كلمة تشوُّه، إذ بدا هيجو حريصًا، في هذا النص تحديدًا، على تعليل سبب تخلُّف بعض الجوانب النفسيَّة والسلوكيَّة والفكريَّة لدى كوازيمودو، وتأكيد أنَّه ليس شخصًا سيئًا بالفطرة. لقد بيَّن هيجو، بشكل واضح، أن تصرفات وأفكار كوازيمودو، التي تبدو بلهاء وملتوية، هي نتيجة أو ثمرة وسط اجتماعي يعادي هذه الشخصية، إذ نما كوازيمودو وتربى وسط كراهية الناس لشكله واحتقارهم لإعاقته. ففي استقباله لهذه الأفعال السيئة والأفكار الظالمة من قِبل أفراد المجتمع، كان لا يصدر، غالبًا أو كما بدا، عن كوزيمودو سوى الأفعال الشريرة والملتوية اجتماعيًا. لذلك كتب هيجو أن النفس تنحرف أو تتخلف عن المعايير السائدة عندما تكون في جسد ناقص أو تحمل إعاقة ما، وبالتالي ليست النفس منحرفة بالفطرة، ولكن انحرافها هو نتيجة مجتمع غير عادل، قاد وأحاط هذه النفس في عملية انحرافها[16] وليس تشوُّهها. بالنتيجة، إن رفض ترجمة فعل atrophier بالتشوُّه مردُّه إلى أن التشوُّه مادي أو جسدي، ويشير غالبًا إلى الطرف المناقض للجمال والانسجام والحقيقة وما هو معقول بشكل عام. لكن عندما نقول إنَّ النفس، وبسبب إعاقتها والظروف المحيطة بها، تخلَّفت أو تراجعت أو فقدت بعضًا من فطرتها، فذلك يعني أنَّها قابلة للإصلاح في حال توافرت الشروط المناسبة والبنى التي تحثُّ الناس على الاعتراف بصاحب هذه النفس وبالقدرات التي يمتلكها، وعلى تجنب السخرية منه ووضعه على عتبة المجتمع. نستنتج هنا أيضًا أن ترجمة بعض نصوص الرواية شاركت في تكريس الصعوبات التي يعاني منها “الأشخاص في حالة إعاقة”، وبالتالي بدا أن هذه الترجمة لا تتعاطف مع المظلومين والمهمشين في المجتمع.

في متابعة البحث عن كيفية حضور “شخص في حالة إعاقة” في هذه الرواية، يصل القارئ إلى مشهد اقتياد كوازيمودو إلى ساحة عامة من أجل معاقبته أمام الناس، فقد حُكم عليه بالجلد والتشهير لأنَّه حاول خطف اسميرالدا لأسباب ستتضح عبر الفصول اللاحقة. وصف هيجو الأجواء العامة التي كانت سائدة في هذه الساحة لحظة وصول كوازيمودو بصحبة الجنود والجلاد:

لقد ذكرنا من قبل أن كوازيمودو كان موضع كره عام وهذا صحيح.

توجد هنا جملة هامة تخطَّاها السيد رمضان لاوَند في ترجمته العربيَّة، وهي:

كان يوجد ضمن جموع الناس على الأقل مشاهد واحد لا يرى بأنَّ شكل حدبة كوازيمودو تجعله متضايقًا أو منزعجًا[17].

لقد كان المرح شاملاً، وكانت الفرحة طاغية بظهور كوازيمودو مربوطًا إلى وتد عربة التعذيب، وبدلاً من أن تبعث الشدة التي عومل بها كوازيمودو والآلام التي تحملها، شفقة هؤلاء الناس، فإنها جعلت الحقد العام أكثر خبثًا وأشد سوءًا

ثم أضاف كانت النساء أكثر حقدًا عليه، كن كلهن ينطوين على حقد دفين. منهم الحاقدات على خبثه، ومنهن الحاقدات على قبحه، وقد كانت الحاقدات على قبحه أشدهن نكرًا[18].

إن قراءة هذا النصُّ في نسخته العربيَّة، تعزِّز الفكرة التالية: تبدو شخصية كوازيمودو – بوصفها حاملة لإعاقة مرئية ضمن الرواية – ضحية الكاتب حينًا والمترجم حينًا آخر. يصف هيجو هنا المشهد ويشرح موقف الناس ويبين وجهات نظرهم من خلال كلمات يختارها هو، ناقلاً للقارئ النظرة الاجتماعيَّة التي كانت سائدة في القرن الخامس عشر تجاه كوازيمودو وتجاه كل حامل إعاقة تشبه إعاقة هذه الشخصية. وقد يتفق القارئ مع هيجو بشأن الوضع السيئ الذي كان يحيط بـ”الأشخاص في حالة إعاقة”، وبمسألة غياب إنصافهم من قبل المجتمع والسلطة الحاكمة في تلك المرحلة، إلا أنَّ إشارات هيجو المتكرِّرة إلى، أو المصرِّة على قبح شخصية كوازيمودو ترسم الدهشة على وجه القارئ. فقد يعطي هذه الإصرار على قبح شكل كوازيمودو انطباعًا بوجود أهداف يسعى الكاتب إلى بلوغها، ولكنها تبدو أهدافًا يغلب عليها الطابع التجاري-التسويقي بعيدًا عن العمق الأدبي. إن هذا التكرار والإصرار ترافقا مع تغييب الرأي الآخر القادر على نقد سلبيَّة موقف الناس من شكل كوزيمودو، أي تغييب لا-عقلانيَّة حقد الناس تجاه لا-جماليَّة وجه كوازيمودو وغرابة تضاريس جسده مقارنةً بما هو سائد. بمعنى آخر، اقتصر هيجو، في نصوصه هذه، على عرض موقف الناس إزاء شخصية معاقة ضمن روايته، من دون العمل، في الوقت ذاته، على نقد هذا الموقف مميزًا بين آرائه بوصفه كاتبًا ومناضلاً ضد الفقر والظلم، وسلبية مواقف الناس ضمن روايته.

بالمقابل تخطَّى المترجم جملة هامة في هذا النص (نعلم مسبقًا أنَّه لم يترجم صفحات كاملة تتحدث عن تاريخ باريس والكنيسة)، من دون سبب واضح يشرح لماذا تم تخطِّي هذه الجملة بالذات ضمن هذا النصِّ. إن حذف جملة هيجو القائلة “كان يوجد ضمن جموع الناس مشاهد واحد على الأقل لا يعتقد أن شكل حدبة كوازيمودو تجعله متضايقًا أو منزعجًا” يدفع إلى التساؤل حول هدف المترجم من اتباع أسلوب غير منصف شبيه بموقف الكثير من الناس تجاه “الأشخاص في حالة إعاقة”، فهل من أهداف تجاريَّة-تسويقيَّة تقف وراء حذف جملة تقول بوضوح أنَّه كان “يوجد مشاهد واحد على الأقل” تعاطف مع كوازيمودو صاحب الإعاقة الجسديَّة؟ لقد أظهر حذف هذه الجملة في النسخة العربية وكأن هناك إجماع ووحدة موقف بين الناس في ازدرائهم شكل كوازيمودو، ولكن أحداث الرواية تشير إلى ما يخالف هذا الإجماع، والدليل هو وجود شخصية اسميرالدا التي تعاطفت مع شخصية كوازيمودو، أو لم تشعر أن شكل هذه الشخصية المعاقة تسبِّب لها إزعاجًا في تلك اللحظة. بالمقابل، إذا كان هيجو نفسه قد قصد – في إشارته إلى وجود مثل هذا الشخص المتعاطف مع كوازيمودو – فقط اسميرالدا، فإن تساؤلاً آخر يبرز: هل اسميرالدا هي “الوحيدة” التي تمتلك استعدادًا تربويًا واجتماعيًا وأخلاقيًا للتعاطف مع أصحاب الإعاقات المرئيَّة خلال القرن الخامس عشر[19]؟ أم أن هذا الأسلوب في الكتابة والترجمة يعمل، فقط وكما هو سائد، على أنسنة أبطال الرواية ومنحهم صفات مثاليَّة واستثنائيَّة، في حين يتم تجاهل الأفراد المحيطين بهم وكأنَّهم يفتقرون للحدود الدنيا من المشاعر الإنسانيَّة؟ إن هذه الجملة في الأصل وخطوة حذفها في الترجمة أسهما معًا في تأكيد سلبيَّة موقف عامة الناس تجاه كوازيمودو، وذلك من أجل دفع القارئ إلى الإعجاب بشخصية اسميرالدا، أي بشخصية المخلِّص الذي لا يوجد إلا بوصفه واحدًا ووحيدًا في سلوكه وصفاته وأفكاره. إذن، بفضل هذا الأسلوب غير المنصف تجاه الإعاقة والأشخاص الذين يحملونها تضمنت الرواية تشويقًا وأحداثًا جذابةً من خلال عرض صفات استثنائيَّة تتمتع بها شخصيتان متناقضتان في شكلهما وسلوكهما، الأولى في غاية القبح والبشاعة وسوء السلوك والأفكار، والثانية في غاية الجمال والرشاقة والاستعداد لعمل الخير. حقًا، إنَّ الكاتب حرٌّ في صياغة شخصيات روايته، وفي تعداد خصائص سلوكهم ومضمون أفكارهم، ولكن ينبغي أن لا يسهم أسلوبه الروائيُّ في تكريس معاناة أشخاص مظلومين ومهمشين أساسًا في المجتمع، وفي المقابل الإعلاء من شأن أشخاص يتلقون أساسًا المدح والتقدير من جانب الوسط المحيط بهم. إن هذا الأسلوب في صياغة شخصيات الرواية يعزِّز لا-عدالة الواقع والنصوص الأدبيَّة على حدٍّ سواء.

في استحضار شخصية اسميرالدا هنا، سيكون من المناسب دراسة نصوص الرواية التي من خلالها وصف هيجو لحظات جمعت هذه الفتاة بكوازيمودو، وتأمل الكلمات والعبارات المستخدمة في هذا السياق. فعندما اقتربت اسميرالدا من كوازيمودو لكي تقدم له الماء بعد أن عاقبه الجلاد، وأهانته جموع الناس، وصف هوغو المشهد على النحو التالي:

والحق أنه كان مشهدًا مثيرًا، فتاة جميلة، ظريفة، طاهرة، بالغة الضعف في الوقت نفسه، تسرع ورعة لإنجاد مثل هذا البؤس العظيم والبشاعة الكبيرة، والخبث البالغ. لقد كان مشهدًا نبيلاً فوق وتد التعذيب[20].

وبعد عدة فصول، نقل هيجو موقفًا مشابهًا لهذا جمع هذين الكائنين الغريبين عن بعضهما بعضًا (بسبب اختلاف شكل الوجه والجسد وطريقة الحركة)، ووصف مشهد التقاء كوازيمودو باسميرالدا في مكان اختبائهما في الكنيسة:

وهنا تجمعت بجمالها المعهود فوق فراشها، وعنزتها جاثمة عند قدميها. وبقي كلاهما جامدين فترة من الزمن، يتأملان صامتين، أما هو فيتأمل هذا الجمال الرائع، وأما هي فتنظر إلى هذا القبح الفظيع، وكانت تكتشف في كل برهة جزءًا جديدًا من قبحه. لم تكن قادرة أن تفهم كيف يمكن أن يعيش إنسان مشوَّه التكوين ناقص التأليف مثله[21].

ومع ذلك فقد كان في هذه الكتلة من القبح[22] قدر كبير من الحزن والألم بحيث أنها بدأت تعتاد النظر إليها وتألف مجاورتها[23].

يمكن هنا استنتاج ثلاث ملاحظات:

1- يلاحظ القارئ كيف أرسى هيجو وثبَّت قبح كوازيمودو من خلال استعانته بالمقارنة، وبدا واضحاً أسلوبه في ترسيخ لا-طبيعيَّة شكل كوازيمودو، والإشادة في المقابل بصفات اسميرالدا ومدح الخصائص التي تتمتع بها. تسهم المبالغة في احتقار أو مدح بعض الشخصيات في جذب انتباه القارئ وزيادة عناصر التشويق ضمن الرواية، ولكن هذه المبالغة في وصف هاتين الشخصيتين، قادت إلى إصدار أحكام قِيْمة بشأن شكليهما وسلوكيهما. فبرزت اسميرالدا فتاة جميلة تمتعت بأخلاق نبيلة، وكوازيمودو حاملاً لإعاقة ظاهرة وخبيث (السلوك والفكر). بالنتيجة، يختلط الوصف بالتقييم مانعًا القارئ من استنتاج جوانب وقدرات وإمكانيات أخرى قد تكون موجودة لدى هاتين الشخصيتين، ولدى كلِّ من يشابهما في الوسط الذي يعيش فيه القارئ.

2- وصف هيجو اسميرالدا بالطاهرة pure، وصفة الطهارة هنا وبحسب سياق أحداث الرواية (أي، تقرُّبها من كوازيمودو لكي تعطيه الماء، بعكس ردود فعل جموع الناس التي عبَّرت عن نفورها من شكله وإعاقته) أتت بمعنى الفتاة البريئة من الأحكام المسبقة التي لا تتعامل مع الآخرين انطلاقًا من الأفكار السائدة. لكن، بعد عدة فصول، وكما هو واضح من خلال النصِّ أعلاه، قال هيجو عن اسميرالدا أنَّها “لم تكن قادرة أن تفهم كيف يمكن أن يعيش إنسان مشوَّه التكوين ناقص التأليف مثله”. إنَّ عدم القدرة على الفهم يعني، في هذا السياق، امتلاك خلفية فكريَّة وأحكام أخلاقيَّة ومعايير جماليَّة تمنع أو تعيق المرء من فهم الاختلاف الماثل أمامه. فكيف تكون اسميرالدا في أحد مشاهد الرواية طاهرة الأفكار وبريئة من المواقف المسبقة، وفي مشهد آخر مثقلة بالأفكار والمعايير بحيث تجد صعوبة في اعتياد النظر إلى شخص مختلفٍ في شكل وجهه وحركة أطرافه؟ ليس هذا وحسب، وإنما تساءل هيجو على لسانها: كيف يمكن لهذا المخلوق الغريب في ملامح وجهه وشكل جسده وأطرافه أن يوجد بين الآخرين؟ إنَّ أمثال هذه النصوص لا تساعد على فهم وتفهُّم حالة من لديه إعاقة، وإن صياغة هكذا شخصيات ذات مواقف متعاطفة حينًا وظالمة ومتعالية أحيانًا أخرى غالبًا ما تعمق لا-عدالة تعامل أفراد المجتمع مع حاملي الإعاقات على اختلافها، والدليل على ذلك متضمن في الملاحظة الثالثة.

3- بإمكان القارئ ملاحظة كيف أثرت أفكار هيجو في المترجم قبل تأثيرها المحتمل في القارئ العربي، فقد ترجم رمضان لاوَند عبارة tout cela بـ”هذه الكتلة من القبح”، أما ترجمتها إلى اللغة العربيَّة فهي: “كلُّ ذلك”. هذه ليست ترجمة حرفيَّة أو اجتهاد من المترجم، بل إضافة ناتجة عن خلفيَّة المترجم الفكريَّة ورغبته في شرح مبالغات هيجو إزاء شخصية كوازيمودو. لقد دُقِّقت الرواية في نسختها العربية في عام 2007 ومع ذلك لم تُحذف أو تُعدَّل عبارات كهذه، ولم تُشطب الجملة التي توحي بأنَّ شخصية كوازيمودو هي بمجملها “مجرد” كتلة من القبح. يقال عادةً كتلة من الحجر أو الطين أو الحديد، لكن من الغريب القول عن شخصية في الرواية أنَّها كتلة من القبح بسبب إعاقة تحملها، فهذه الشخصية تعكس حالة أفراد كثر في مجتمع القرَّاء، وبالتالي لا يبقى هكذا وصف أو تعبير حبيس الأوراق، وإنَّما قد ينفلت من بين السطور ليجد نفسه حاضرًا في نظرات الناس ونمط معاملتهم مع أشخاص يحملون الإعاقة ذاتها.

حقاً، تكرس هذه النصوص الأدبيَّة وأمثالها لا-عدالة التعامل مع “الأشخاص في حالة إعاقة”، ومع أن الكاتب، وبقدر أقل المترجم، لديهما الحرية في وصف شخصيات الرواية والحديث عنها، وفي انتقاد مواقف ظالمة أثناء سرد أحداثها، إلا أنَّهما سارا مع مضمون تلك المواقف ولم يستطيعا البرهنة على تمايز موقفهما عن منطق الأحداث وترابطها في الرواية. وهكذا تعمل، بشكل مباشر أو غير مباشر، شخصيات الرواية وأفكارها على ترسيخ الوضع الظالم والاعتقادات السائدة تجاه الإعاقة وحامليها، فتأثر المترجم بمضمون هذه النصوص بدا واضحًا، ويبدو أن تأثيرها في أفكار القرَّاء واعتقاداتهم السابقة ستكون في غير مصلحة ظروف “الأشخاص في حالة إعاقة”، وستزيد من العوائق الماديَّة والفكريَّة المحيطة بهم.

“الأشخاص في حالة إعاقة” في الأدب: مَنْ يسيء إلى مَنْ؟

بعد اقتباس نموذج من النصوص التي عبَّر من خلالها هيجو عن النظرة التي كانت سائدة في القرن الخامس عشر بخصوص إعاقة كوازيمودو، ومناقشة أسلوب الكاتب في وصف هذه الشخصية، ثم الإشارة إلى بعض الأخطاء في الترجمة العربيَّة، سيكون من المفيد هنا تأمل بعض المواقف التي نسبها هيجو إلى كوازيمودو، وبشكل خاص نظرة هذا الأخير إلى نفسه وإلى الإعاقة التي أصابته. فمثلاً، عندما لاحظ كوازيمودو مدى خوف اسميرالدا منه، قال لها: “إنني أخيفك. وأنا جد قبيح، أليس كذلك؟ فلا تنظري إليَّ، بل أصغي إليَّ فقط”[24]. لقد زاد خوف الفتاة من شعور كوازيمودو بالنقص الذي أصاب جسمه، وبالإعاقة التي جعلت منه إنسانًا غريبًا في نظر أفراد مجتمعه، ولذلك عندما تحدث معها، لم يتردد في إجراء مقارنات عملت على مدح اسميرالدا وتقبيح أناه

لم أر قبحي كما الآن أبدًا، حين أقارن بك نفسي، فأنا مشفق على هذه النفس، كم أنا وحش بائس مسكين! وقد وجب أن أبعث فيك الشعور بحيوانيتي، أما أنتِ، فأنتِ من الشمس، قطرة من الندى، بل تغريدة عصفور! أما أنا فشيء مخيف، لا رجل ولا حيوان، بل شيء أقسى، وأكثر تمرغًا تحت الأقدام، وأشد قبحًا من الحصاة![25]

حاول هيجو أن يشرح طريقة تفكير كوازيمودو بوصفه شخصية حاملة لإعاقة مرئيَّة، ويبين مضمون ردود فعله أثناء تواجده مع الآخرين. وعلى الرغم من مبالغة هيجو في جعل كوازيمودو يقوم بجلد نفسه وشتم غرابة شكله والتلفظ بكلمات قاسية وتشبيهات تدلُّ على بأسه، إلا أنَّه أشار إلى نقطة ذات أهمية كبيرة، وهي أن ازدراءه لنفسه جاء بعد تنبهه إلى خوف اسميرالدا من شكله. تشير هذه النقطة إلى أمرين مهمَّين: الأول، إن اسميرالدا لم تكن طاهرة أو بريئة من الأفكار المسبقة، بل هي بنت زمانها ومثقلة بثقافة مجتمعها واعتقاداته السائدة. فلقد وقعت، بحسب أحداث الرواية، في حبِّ قائد كتيبة رماة الملك، وهي لم تحبُّه فقط لأنَّه أنقذها من عملية خطفٍ، بل لأنَّه أيضًا شاب وسيم وجميل وقوي ويشبه الآخرين. بالمقابل، ارتعدت من شكل كوازيمودو الذي كان بدوره قد أنقذها من الموت وليس من الخطف، ولكنه لا يشبه الآخرين، بل يحمل إعاقة جعلت منه مختلف الوجه والأطراف. والثاني، أنَّ حامل الإعاقة يشكِّل، في كثير من الأحيان، مواقفه ويصوغها بناءً على آراء الآخرين، وعلى ردود أفعالهم تجاه حالته. فخوف اسميرالدا من اختلاف شكل كوازيمودو هو الذي دفع هذا الأخير إلى المقارنة، باحثًا عن مسوغات خوفها وتجنُّبها النظر إليه. إنَّ خوفها هو الذي استحضر بقوة اختلافه، معزِّزًا من غربته ومن فكرة أنَّه لا ينتمي إلى الجنس البشري.

ثم يلاحظ القارئ، في متابعة قراءة أحداث الرواية، كيف واصل هيجو شرح جوانب من شخصية كوازيمودو وطريقة تفكيره، فبعد أن شاهد اسميرالدا تلعب مع عنزتها وتقوم بضمِّها قال: “إن بؤسي الشديد ناتج عن أنني شديد الشبه بالإنسان. لكم أتمنى أن أكون حيوانًا كهذه العنزة”[26]. على الرغم من شهرة شخصية اسميرالدا في هذه الرواية، وميل القارئ إلى التعاطف مع شروط حياتها وقصتها ومصيرها، إلا أنَّها ليست استثنائيَّة في مواقفها وأفكارها (كما حاول هيجو أن يبرز ذلك في سياقات متعددة من الرواية)، إذ بدت متفقة مع السلوكيات والاعتقادات السائدة في مجتمعها بشأن “شخصية في حالة إعاقة”. فلقد اعتادت التقرُّب من العنزة التي تمتلكها، واللعب معها واحتضانها، فهي عنزة تشبه كل العنزات، لكنها خافت ممن يمتلك وجهًا وأطراف تختلف عن المألوف. إذًا، تفضِّل اسميرالدا التشابه على الاختلاف، لا بل وتخاف من كلِّ فرد مختلف عن بقية أفراد نوعه، لأنَّها تجهل أو غير مبالية بعالمه وظروف إعاقته وأسبابها ونتائجها. لا يختلف موقفها عمَّا هو سائد في الوقت الحاضر، فهناك الكثير من الأفراد الذين يمتلكون حيوانات أليفة ويعتنون بها، إلا أنَّهم يخشون الاقتراب من حاملي الإعاقات، ولذلك لا يهتمون بمشكلاتهم وظروفهم الصعبة، ويتجنبون النظر إليهم وكأنهم ظلال المجتمع وجانبه المظلم. بالنتيجة، كانت ردة فعل كوازيمودو تشبه ردَّات فعل الكثير من حاملي الإعاقات، إذ تمنى لو أنَّه كائن محبوب ومقبول من الناس، بغض النظر عن شكل هذا الكائن أو النوع الذي ينتمي إليه. إنَّه يفضِّل أن يكون لا-إنسان محبوب ومقبول على أن يكون إنسانًا مطرودًا وغريبًا في مجتمعه بسبب إعاقةٍ يحملها.

وقد تابع هيجو، في الصفحات التالية، وصف حالة كوازيمودو، ناقلاً تقلبات أمنياته، فقد تمنَّى أن يكون كائناً حيًا مقبولاً بغض النظر عن نوع هذا الكائن، ثم تمنَّى أن يكون إنسانًا مثل الآخرين عندما شاهد مدى تعلق اسميرالدا بالقائد فوبوس، هذا القائد غير الاستثنائي الذي يحمل صفات مألوف وموجودة لدى الآخرين. إنَّه ليس استثنائيًا ولكنه يشبه الآخرين، لذلك قال كوازيمودو: “يا للعنة! هكذا يجب أن يكون المرء في شكله الخارجي!”[27].

بعد هذه الدراسة التي تناولت “شخصية في حالة إعاقة” ضمن رواية مشهورة عالميًا، يمكننا قول ما يلي: ليس صعبًا على القارئ التمييز بين الكلمات والأفكار التي قيلت على لسان الناس الموجودين في الرواية، وبين تلك التي كتبها هوجو بصفته كاتبًا، واصفًا الهيئة العامة لكوازيمودو وحركته وشكل وجهه وعينيه وأسنانه وطريقة تفكيره. لقد بالغ – لأسباب مفهومة وأخرى غير واضحة – في وصف بشاعة هذا الجسد الذي يحمل كائنًا يدعى كوازيمودو. ثم، بدت الترجمة العربية وعملية تدقيقها في عام 2007 وكأنَّهما يستكملان خطوة المبالغة في توصيف شخصيات محددة في الرواية وتقييمها، وكانت أولى دلائل هذه المبالغة هو تعديل العنوان من “نوتردام باريس”، إلى “أحدب نوتردام”. من دون الإشارة إلى هذا التعديل أو عرض المسوغات التي دفعت المترجم ودار النشر إلى القيام بخطوة اقتصار عنوان الرواية على شخصية واحدة، ليست هي الشخصية الأساسيَّة[28].

نختم هذه الدراسة بأفكار ستمثِّل منطلقًا لأبحاث ودراسات لاحقة:

أولاً: إن “الأدب ليس، كما يفترض الكثيرون، تسلية. بل هو غذاء”[29]، وبدورنا نقول إن الأدب ليس فقط تسلية، وإنما أيضًا غذاء تربوي وأخلاقي واجتماعي. فعند صياغة شخصيات ضمن روايةٍ أو قصةٍ، ينبغي العلم بأنَّها غالبًا ما تترك أثرًا معينًا في نفوس القرَّاء وأفكارهم ونظرتهم للأمور. هكذا هي شخصية كوازيمودو التي بدت طيبةً وبسيطةً وتمتلك من الوفاء الكثير، ولكن وصف هيجو لها بكلمات قاسية ومتعسفة، وإضافة المترجم لبعض الجمل غير الموجودة في النصِّ الأصليِّ، أخرجت هذه الشخصية من دائرة الإنسان ووضعتها في دائرةٍ ضيقةٍ وموحشةٍ. فقد يسهم أسلوب صياغة مثل هذه الشخصيات في تبرير أفكار القارئ المسبقة إزاء “الأشخاص في حالة إعاقة”، تلك القائلة بأنَّهم بسطاء وطيبون ولكنهم لا ينتمون إلى النوع الإنساني، أو ينبغي أن يبقوا على عتبة المجتمع، فلا هم بالمقبولين ولا بالمطرودين. حقًا، هناك الكثير من النصوص الأدبيَّة التي تحقق التسلية والمتعة للقرَّاء (الصغار والبالغين)، لكنْ لا ينبغي أن تُؤسَّس هذه التسلية انطلاقًا من نصوص ساخرة تزدري المصاب بإعاقةٍ، ولا من نعت هذا الأخير بالقبح والبشاعة بغرض تسلية القارئ وشدِّ انتباهه وفضوله؛ فذلك يحوِّل النصَّ الأدبيَّ إلى مجرد مقصلة تحكم بالإعدام على الشخصية المعاقة وهي ما تزال تؤدي دورها في الرواية. ولا يعني الإعدام هنا استخدام أداة لإنهاء حياتها، وإنما استخدام كلمات وأوصاف وتقويمات تقود إلى قتل الشخصية نظريًا، وواقعيًا أيضًا. بمعنى آخر، أدى وصف شخصية كوازيمودو، من جهة أولى، إلى قتل الشخصية وهي ما تزال حية ضمن أحداث الرواية، وأيضًا في تعامل الكاتب والشخصيات الأخرى معها. ومن جهة ثانية، يؤدي مثل هذا الوصف إلى قتل شخصية كوازيمودو من قِبل القارئ وهو قيد قراءة مجريات الأحداث. فعندما تُوصف هذه الشخصية بأنَّها لا يمكن لها أبدًا بلوغ مرتبة الإنسان، فهي ميتة عمليًا في ذهن الكاتب والمترجم والقارئ. فالقارئ، مثل الكاتب والمترجم، يستحضر ويربط بين ما يقرأه من نصوص، وما يلاحظه في محيطه الاجتماعي.

ثانيًّا: إن “أدب الأطفال، كما الأدب عمومًا، يعبِّر عن طبيعة الحياة في المجتمع والقيم التي تحكم العلاقات بين أبنائه، وبالتالي يتغير مع تغير المجتمع بوسائله والمفاهيم التي ترافقها”[30]. بناءً على هذه الفكرة نستنتج أنَّه إذا كان هيجو قد نقل للقارئ مفاهيم وصورًا عن العلاقات التي كانت سائدة خلال القرن الخامس عشر، وشرح مواقف الناس ونظرتهم تجاه كوازيمودو “شخص في حالة إعاقة”، فإنَّ الكلمات والتوصيفات التي كتبها خلال القرن التاسع عشر، ثم تمَّ ترجمة الرواية في نسختها العربيَّة خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين، لم يقدم كل ذلك براهين حول تغييرٍ محتملٍ قد أصاب هذه المفاهيم، تغييرٍ يتوازى مع تطور بنى المجتمع ومؤسساته الغربيَّة منها والعربيَّة على حدٍّ سواء. لقد بدت كلمات هيجو والمفاهيم التي صاغها، وطريقة ترجمة رمضان لاوَند لبعض الأفكار ذات مضمون جامد وآفاق ضيقة، إذ لا يشعر القارئ بتمايز كلمات الكاتب عن موقف شخصيات الرواية، ولا يلمس أيضًا هذا التمايز لدى المترجم بعد أن أضاف أحيانًا أفكارًا غير موجودة في النصِّ الأصليِّ. لذلك ظلَّ كوازيمودو حامل الإعاقة المرئيَّة بمثابة الضحية، ضحية مفاهيم وعلاقات عاجزة عن إحداث قطيعةٍ تؤكد إنسانيَّة هذه الشخصيَّة، وتسمح له بالاندماج داخل مجتمعه بدلاً من البقاء على عتبة هذا الأخير، وتقود إلى الاعتراف بـ أناه وبقدراته المتبقية والسليمة على الرغم من اختلف شكله وعدد حواسه ونمط حياته. إنَّ عدم خلق شخصيات في الأدب انطلاقًا من هكذا مفاهيم ومعايير جديدة وقابلة للتغيير باستمرار، يدلُّ على عجز ميدان الأدب وتخلفه عن اللحاق بتطورات ميداني الطبِّ والتقنية، وفشله في الإسهام في تغيير وتحسين ظروف وشروط “الأشخاص في حالة إعاقة”.

ثالثًا: لماذا لم ينجح الكثير من كتَّاب الأدب في إنجاز قطيعةٍ مع ماضي المفاهيم والأفكار التي أدت إلى سوء معاملة “الأشخاص في حالة إعاقة”؟ ذاك الماضي الذي أبى الاعتراف بقدرات هؤلاء الأشخاص، ووضعهم على عتبة المجتمع، فإذا بهم لا داخله ولا خارجه. تتمثَّل بعض هذه الأسباب في طريقة كتابة النصوص الروائية وفي القواعد العامة التي تحكم كيفية صياغة شخصياتها، فأثناء كتابتها: “يُفضل معظم مؤلفي الأطفال الالتزام بالمعايير والأفكار المتعارف عليها التي لا تثير الجدل”[31]. تنطبق هذه الفكرة على الأدب بشكل عام، ولا تتعلق فقط بأدب الأطفال، فالالتزام بالمعايير والأفكار السائدة يتيح للرواية الانتشار وتحقيق مبيعات كثيرة من دون صعوبات واضحة. كما أن مراعاة ذوق الناس، وصياغة شخصيات تتفق مع ما يتمنونه يسهم في جذبهم والإقبال على شراء الرواية والإشادة بمضمونها أمام الآخرين. فمثلاً، إن شيطنة شكل كوازيمودو وإبراز خبث سلوكه وفكره، وبالمقابل الإعلاء من صفات فتاة الرواية اسميرالدا، والثناء على سلوكها وجمالها ورشاقة جسدها، كل هذا يتفق مع المعايير التي سادت على مدار قرون من الزمن. فشكل جسم كوازيمودو يخالف معايير الجمال والانسجام المنتشرة بين الناس وضمن القوانين والأعراف الاجتماعية والطبية، في حين بدا شكل جسم تلك الفتاة على النقيض من جسم كوازيمودو، فهو منسجم مع المعايير السائدة والمقبولة منذ القرن الخامس عشر إلى يومنا هذا. وهكذا أسهم هيجو ويسهم، بطريقة أو بأخرى، في تكريس المعايير السائدة والمخالفة والظالمة لشكل وصفات وقدرات “الأشخاص في حالة إعاقة”، متجاهلاً مدى صحة مضمونها أو ضرورة تغيير جوانب فيها.

نستنتج مما سبق أنَّ هذا النموذج من الرواية، وطريقة ترجمتها يقدمان دلائل على صعوبة إنجاز تغييرات فعليَّة بشأن المعايير السائدة والمقبولة مسبقًا فيما يخصُّ جمال جسم الإنسان، وانسجام أطرافه، وتوافق وظائفه الحيويَّة. فعلى مدار قرون من الزمن، دأبت البنى الاجتماعيَّة والطبيَّة والأدبيَّة على اختزال “الشخص في حالة إعاقة” إلى الجزء الناقص أو الضعيف لديه، وعلى تجاهل القدرات السليمة ووضع صاحبها في دائرة النسيان، ولم تجرؤ في كثير من نصوصها على إعادة مناقشة معايير الجمال والانسجام والصحة والتوازن. لذلك نقول إنَّه من الصعب إنجاز التغييرات المأمولة في هذا الميدان في حال ظلت أمثال هذه الروايات بعيدة عن النقد أو مناقشة الأفكار التي تتضمنها، وإعادة تأمل صفات الشخصيات التي تؤثَر، سلبًا أو إيجابًا، في المترجم والقارئ على حدٍّ سواء. فإذا كانت شخصيات الرواية تعكس واقعًا ما، فإن من واجب كاتبها أن يتخطَّى عيوب هذا الواقع، مقدمًا البديل الأفضل، إذ تمثِّل روايته غذاءً تربويًا ومعرفيًا وأخلاقيًا لحاضر القارئ ولمستقبله أيضًا.

*** *** ***
هوامش:
[1] جمع هيجو الكثير من الوثائق حول فترة نهاية العصور الوسطى من أجل كتابة هذه الرواية، ويمكن استنتاج هذا الجانب التاريخي من خلال فصول الرواية التي شرحت تاريخ مدينة باريس وتاريخ كنيسة نوتردام التي تدور أغلب الأحداث بداخلها، فضلاً عن الحديث عن سياسة ملك فرنسا لويس الحادي عشر.
[2] ترجم الرواية مؤخرًا زيادة العودة، وكان أمينًا في ترجمته للعنوان نوتردام باريس. صدرت الترجمة عن وزارة الثقافة السوريَّة في عام 2010، ولم تتح لنا الفرصة للإطلاع عليها، وإجراء مقارنة مع النصِّ الأصليِّ وترجمات عربيَّة أخرى.
[3] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 2007، ص 44.
[4] المرجع السابق، ص 47.
[5] لم يذكر هوغو كلمة منخورة في نصِّه الأصليِّ، إذ قال: “de ces dents désordonnées, ébréchées ça et là, comme les créneaux d’une forteresse”.
Hugo Victor, Notre-dame de Paris, éd. Gallimard, Paris, 1984, p.59

عند مقارنة ترجمة هذا النصِّ بنصوص أخرى موجهة للناشئة، أي تختصر الرواية وتجعل فصولها تدور فقط حول شخصية كوازيمودو، فإنَّنا نلاحظ تنوعًا في ترجمة حالة أسنان هذه الشخصية: “وأما الأسنان فهي مشتتة هنا وهناك كأنها سور قلعة قديمة” أحدب نوتردام، ترجمة محمد نديم خشفة وذكرى حاج حسين، دار الربيع، حلب، سورية، ص17. نلاحظ أنَّ المترجمين لم يضيفا معنىً غير موجود في النصِّ الأصلي. فيما ترجمت أميرة علي عبد الصادق هذه الجملة بـ : “وشفتان يبرز منهما سنٌّ محزز”. أحدب نوتردام، ترجمة أميرة علي عبد الصادق، كلمات عربية للترجمة والنشر، القاهرة، مصر، 2012، ص 12.
[6] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 47. كتب هيجو باللغة الفرنسيَّة فقط الجملة التالية : “la grimace était son visage”. P. 59
[7] “étrange exception à la règle éternelle qui veut que la force, comme la beauté, résulte de l’harmonie”. P. 60.
[8] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 47.
[9] المرجع السابق، ص 48. تمامًا مثلما كتب هيجو في نصِّه الأصليِّ: “On voit que le pauvre diable avait des surnoms à choisir” p. 60
[10] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 73.
[11] المرجع السابق، ص 125.
[12] Hugo Victor, Notre-dame de Paris, p. 183.
[13] يمكن البحث في الأسباب التي دفعت المترجم إلى توظيف كلمة “شيء” في حديثه عن شخصية كوازيمودو، لكن فضلنا مناقشة نقاط أخرى، على أمل معالجة هكذا عبارات في دراسات مقبلة.
[14] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 128.
[15] “Il est certain que l’esprit s’atrophie dans un corps manqué”.
Hugo Victor, Notre-dame de Paris, p. 187
[16] من الممكن الاستدلال على صحة ما ذهبنا إليه في وصف هيجو لكوازيمودو من خلال عرض النصِّ التالي: “لقد كان خبيثًا، لأنه كان متوحشًا، وكان متوحشًا، لأنه كان بشعًا. ففي طبيعته من المنطق كما في طبيعتنا” . ثم يتحدث عن خبثه: “ثم إن هذا الخبث خبث مكتسب لا فطري. لقد كان منذ خطواته الأولى بين الناس، يشعر بأنه مرذول، مهان من قبل الجميع. فكان النطق البشري في شأنه سخرية أو لعنة ليس إلا. حتى أنه لم يجد خلال نموه غير الحقد من حوله. فأخذ هذا الحقد، واكتسب الخبث العام. لقد التقط السلاح الذي كانوا قد جرحوه به”. فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 128
[17] “Il y avait à peine un spectateur dans cette foule qui n’eût ou ne crût avoir sujet de se plaindre du mauvais bossu de Notre-Dame”. P. 283
وعلى الرغم من أن ترجمة أميرة علي عبد الصادق لهذه الرواية مختصرة وموجهة للناشئة، فقد ترجمت هذا النصَّ بطريقة مقنعة أكثر وقريبة من النصِّ الأصليِّ: “أخذ الحشد المجتمع حول عمود التشهير يضحكون ويلقون بالحجارة على كوازيمودو، فقد كان هدفًا سهلاً، وغالبًا ما كانت الحشود المتجمعة ترمي السجناء في عمود التشهير بكافة الأشياء”. أحدب نوتردام، ترجمة أميرة علي عبد الصادق، ص 39. تؤكد هذه الترجمة والاجتهاد في فهم نصِّ هيجو على أن حشود الناس كانت تشتم المعاقبين وتحاول إذلالهم بغض النظر عن شكل أجسادهم، فالناس تقوم بهذا الفعل سواءً كان الشخص المُعاقَب في حالة إعاقة أم كان سليمًا منها.
[18] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 166.
[19] إن هذا التساؤل مشروع وضروري في هذا السياق، لأنَّ القارئ سيجد- خلال الأحداث التالية من الرواية- أن اسميرالدا خافت من شكل كوازيمودو، ولم تتقبله أو تقترب منه أثناء إقامتها في الكنيسة، وإنما اعتادت، مع مرور الوقت، على شكله وغرابة تضاريس جسده، وذلك بعد أن تأكدت من أنه لا يشكل خطرًا على حياتها.
[20] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 169.
[21] “Elle ne pouvait comprendre qu’un être si gauchement ébauché existât ». p. 459.
[22] “cependant il y avait sur tout cela tant de tristesse et de douceur répandues qu’elle commençait ç s’y faire” p. 459
[23] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 296. يستمر هيجو في وصف اسميرالدا الطاهرة pure أثناء إقامتها بقرب كوازيمودو في الكنيسة، ولكنه وصف وتقييم لا ينسجما مع ما يكتبه فيما بعد: “وكثيرًا ما كانت تلوم نفسها بسبب عدم عرفانها للجميل الذي يجب أن يغمض عينيها على قبحه، ولكن الثابت أنها لم تكن قادرة على تعوُّد النظر إليه بصورة نهائية. لقد كان شديد القبح حقًا”. فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 300.
[24] فيكتو هيجو، أحدب نوتردام، نقلها إلى العربية رمضان لاوَند، ص 294 .
[25] المرجع السابق، ص 297.
[26] المرجع السابق، ص 301.
[27] المرجع السابق، ص 302.
[28] نلاحظ كيف تصرُّ دار النشر – على الغلاف الخلفي للرواية في ترجمتها العربيّة – على القول بأن الترجمة هي كاملة، وتشدِّد على أن الشخصية الرئيسة في الرواية هي كوازيمودو: “لقد ترجمت رواية “أحدب نوتردام” إلى جميع لغات العالم، وها هي ترجمتها العربية الكاملة […] في هذه الرواية تصوير جميل ورائع لبشاعة الوجه والجسد، الذي يكتنف أرق المشاعر النبيلة والوفاء”.
[29] سيسيليا ميرايل، مشكلات الأدب الطفلي، ترجمة مها عرنوق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1997، ص36.
[30] نجلاء نصير بشور، أدب الأطفال العرب، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 9.
[31] نيكولاس تاكر، الطفل والكتاب، دراسة أدبية ونفسية، ترجمة مها حسن، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1999، ص287.
……………………………..

* دكتوراه في الفلسفة، فرنسا

المصدر: معابر

التعليقات مغلقة.