الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أيلول وما أدراك ما أيلول

محمد عمر كرداس

أمن تذكرِ جيرانٍ بذي سلمِ …….. مزجتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدمِ

    ما يذكرنا به شهر أيلول غير طقسه الخريفي الجميل كمْ المآسي التي مررنا بها في هذا الشهر؛ يذكرنا كل يوم أنه في 28 أيلول عام 1961 انقضَ مجموعة من الضباط السفلة في الجيش السوري {الجيش الأول} على أنبل وأقدس ظاهرة أنتجها العصر الحديث وهي الوحدة السورية المصرية التي قامت في 22 شباط 1958 باستفتاء شعبي في كل من مصر وسورية، على رأس هؤلاء الضباط السفلة كان ضابطان: العقيد- المتآمر- عبد الكريم النحلاوي كاتم أسرار الجيش والعقيد- المغامر- حيدر الكزبري قائد حرس الحدود {الهجانة}، والصفتان المرفقتان باسميهما مستعارتان من الأستاذ محمد حسنين هيكل من كتابه ما الذي جرى في سورية الذي يصف ما جرى يوم 28 أيلول بأنه خيانة ومؤامرة دنيئة حطمت آمال الأمة العربية بنهضة شاملة كانت نواتها هذه الوحدة العظيمة، وحسب معلوماته أن من خططَ وموّلَ هذه المؤامرة أساساً الملك الأردني حسين؛ ملك الأردن- وسليل الخيانة كما كان يسميه الرئيس جمال عبد الناصر- والملك السعودي فيصل مغتصب عرش الحجاز حليف أمريكا وبالتالي صنيعتها إسرائيل…

    كما يذكرنا أيلول بمجازر الأردن عام 1970 عندما سلط الملك العميل ضباطه من البدو الأردنيين على تشكيلات المقاومة الفلسطينية الناشطة من الأردن، فقتل منهم أكثر ما قتلت إسرائيل حتى أن بعض الفلسطينيين فروا باتجاه إسرائيل لينقذوا انفسهم من الموت، وكان الرئيس جمال عبد الناصر منعزل في استراحة برج العرب في الإسكندرية حسب طلب الأطباء ليتعافى من احتشاء في عضلة القلب يتطلب الراحة الاجبارية، فما كان من معمر القذافي الاّ أن أتى إلى الاستراحة واصطحب الرئيس بالرغم من اعتراض الأطباء وذهبا الى القاهرة ليلتئم مؤتمر قمة عربي حضره الجميع، وجاءوا بملك الأردن وياسر عرفات المحاصر وبقي الرئيس في فندق النيل هلتون مكان انعقاد المؤتمر ثلاثة أيام بلياليها دون راحة ليُنهوا المجزرة، ولكن الثمن كان باهظاً فمع نهاية المؤتمر وتوديع أخر الحاضرين للقمة أمير الكويت اشتد التعب على الرئيس وكانت الفاجعة، فقد غاب عبد الناصر مرهقاً وهو يحمل هموم الأمة وكان ذلك أيضاً في يوم 28 أيلول… وبدأ عهد الردة والخيانة وانحرفت البوصلة. ومن مآثر أيلول أيضاً أن قام أحد زعماء المنظمات الفلسطينية وهو صبري البنا المكنى بأبي نضال  بتشكيل منظمة أسماها أيلول الأسود لينتقم من أعداء الأمة- حسب زعمه- ولكنه لم يستهدف جندياً واحداً من الإسرائيليين، وكل الذي فعله أن عرض بندقيته لمن يدفع من الأنظمة لتصفي حساباتها مع من تريد، وقد وثّق أعمال هذه المنظمة باتريك سيل- الصحفي المهتم بالشرق الأوسط وكتب أكثر من كتاب عن سورية والشرق الأوسط- وعنون كتابه بـ “صبري البنا أبو نضال- بندقية للإيجار” وطبعاً كانت نهايته على يد الأنظمة الثلاثة التي وظفته: سورية الأسد وعراق صدام وليبيا القذافي.

    لم يكتفي أيلول بهذه الكوارث فأضاف في 16 منه عام 1982 مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت ضد الفلسطينيين العزل من نساء وأطفال وشيوخ، وبعد حصار المخيمين من قبل قوات الاحتلال الصهيوني اجتاحته قطعان الانعزاليين من كتائب وقوات لبنانية ليقتلوا أكثر من ثلاثة آلاف مدني تحت أنظار العالم والقوات السورية في لبنان…

     هذه ذكرياتنا عن أيلول الذي سمي بحق من قبل الدكتور جمال الاتاسي بأيلول الكوارث والنكبات…

    لكننا اليوم في عصر حكامنا الأشاوس نعيش أيلول يومياً، فالتدمير والقتل والتشريد من قبل الأنظمة الحاكمة فاق كل تصور، والمصيبة  الكبرى أن ما يجري يتم تحت نظر المجتمع الدولي والعالم المسمى بالحر وفي بعض الأحيان بتشجيع منه، ولا ننسى أن ماكرون الرئيس الفرنسي قال عندما سألوه لماذا يُترك نظام مجرم يحكم سورية قال لأنه يقتل السوريين لا الفرنسيين، ولا ننسى أيضاً أن أمريكا التي احتلت أفغانستان للتخلص من القاعدة وطالبان الارهابيان برأيها، خرجت بعد عشرين عاماً من هذا البلد وودعتها القاعدة بمجزرة لقواتها وخرجت وطالبان تسيطر على البلد بأكمله في هزيمةٍ مدوية هي الثانية بعد هزيمتها المذلة في فيتنام.

التعليقات مغلقة.