الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

إسرائيل والثورات المضادة لـ”جوناثان هوفمان” في تقويم تحالفات تل أبيب الإقليمية المتطورة بعد الانتفاضات العربية

أحمد عيشة *

المحتوى:

– مقدمة

– إسرائيل، والثورة المضادة، والانتفاضات العربية

– تطور تحالفات المصالح

– دور الولايات المتحدة

– الاستنتاج والطريق إلى الأمام

مقدمة:

شهد الشرق الأوسط تقاربًا عاليًا غير مسبوق، بين دولة إسرائيل والأنظمة الإقليمية التي سعت لإخماد موجة النشاط الشعبي التي اندلعت أثناء الانتفاضات العربية عام 2011. إن الرغبة المشتركة، بين كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر بعد عام 2013 وإسرائيل، في الهيمنة على توازن القوى الإقليمي والعودة إلى الوضع الكائن قبل الانتفاضات، كانت سببًا في نشوء تحالف خاص بهذا الهدف تحديدًا. تستند “كتلة الثورة المضادة” هذه أيضًا إلى المخاوف الجيوسياسية والأمنية المشتركة، وهي تعارِض التحالفين الإقليميين الأساسيين القائمين الآخرين اللذين ظهرا: الكتلة التي تمثّلها قطر وتركيا اللتين سعيتا لتحقيق قدر أعظم من الاستقلال في سياساتهما الخارجية؛ والكتلة الإيرانية ووكلائها/ حلفائها الإقليميين. هذا “الوئام” المتفشي بين الدول العربية الثلاث في كتلة الثورة المضادة وإسرائيل غيرُ رسمي، وتحركه النخب السياسية والعسكرية. ويُزعَم هنا أن النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية ما زالت تنظر إلى التيارات التي أطلقتها الانتفاضات العربية عام 2011، بالطريقة التي تنظر بها النخب في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر: باعتبارها تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي ومصالحها الإقليمية. فقد عملت إسرائيل -كما سوف يتبين لنا- جنبًا إلى جنب مع الدول العربية، في كتلة الثورة المضادة في جهود مشتركة ترمي إلى سحق الدعوات إلى الديمقراطية والشرعية الشعبية، وسحق الإسلام السياسي، وإجبار المنافسين (تركيا وقطر وإيران) على التراجع.

الثورات أساسية في الشؤون العالمية وبناء النظام الدولي المعاصر، والانتفاضات العربية، عام 2011، ليست مختلفة عن هذا. ومن خلال تغيير المشهد السياسي بصورة مفاجئة، وتحدي الوضع الراهن، يمكن للثورات أن “تتسبب في تحولات مفاجئة في توازن القوى، وتغير نمط التحالفات الدولية، وتلقي بالشك على الاتفاقات والمعايير الدبلوماسية القائمة، وتوفّر فرصًا مغرية للدول الأخرى لتحسين مواقفها”. علاوة على ذلك، تتحدى الثورات أيضًا المفهومات الحالية للنظام السياسي والاجتماعي، وغالبًا ما تُلهم الشعوب ضمن الحدود الوطنية، وتهدد سلطة وشرعية النخب في الدول الأخرى أيضًا. وبسبب هذا التحدي للوضع الراهن، وإعادة الهيكلة الجيوسياسية التي تحدث غالبًا في أعقاب الثورات؛ يمكن أن تعمل على زيادة حدة المنافسة الأمنية زيادة قصوى، بين النظام الثوري الجديد والدول الأخرى، وكذلك بين دول الطرف الثالث التي غالبًا ما تخشى أن “تستغل دولة منافسة الثورة، من أجل تحسين موقعها”. هذا التصعيد في تصورات التهديدات المحلية والأجنبية يُصبح حادًا، وبخاصة عندما تظهر بسرعة موجة ثورية (مجموعات من الثورات ذات أهداف مماثلة) بدلًا من حدوث حلقة ثورية واحدة، وتشهد كثير من الدول المجاورة حشدًا جماهيريًا في تعاقب سريع. ويمكن أن تؤدي هذه الظاهرة، كما ثبت خلال الانتفاضات العربية عام 2011، إلى تغيير كبير في المشهد الاستراتيجي للمنطقة.

وفي إطار هذا المشهد الاستراتيجي المتغير إلى حد بعيد، تجسدت “كتلة الثورة المضادة” التي تتألف من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر بعد عام 2013. وتشير الثورات المضادة إلى السياسات والجهود التي تتّبعها قوى الوضع الراهن “لمنع الحركات الثورية التي اكتسبت بالفعل بعض الزخم من الوصول إلى السلطة”. وبعبارة أخرى: تمثّل الثورات المضادة “جهودًا جماعية وتفاعلية من النخب المهيمنة، للدفاع عن الوضع الراهن ونطاقه المتغير، ضدّ تهديد ذي مصداقية، لقلبها من الأسفل”. وبما أن الثورات يمكن أيضًا أن تغيّر المشهد السياسي الدولي عن طريق إعادة الهيكلة الجيوسياسية، يجب أن تُفهَم الثورات المضادة على أنها أكثر من مجرد معارضة نشطة للتحركات الجماهيرية الثورية من الأسفل.

في الواقع، يجب أيضًا التفكير في الثورة المضادة على أنها العملية التي تقوم من خلالها قوى الوضع الراهن بالتحوّط ضدّ تلك الدول التي تسعى للاستفادة من الاضطرابات من أجل تحدي القواعد والهياكل القائمة، وتعزيز مصالحها الجيواستراتيجية الخاصة. يجب اعتبار مثل هذه الروح المعادية للثورة (التي غالبًا ما تؤدي إلى توليد تحالفات مع دول أخرى تتمحور حول الحفاظ على النظام وصورة السلطة) مسعًى جماعيًا لاحتواء ثلاثة تهديدات رئيسة: معيارية؛ أيديولوجية؛ استراتيجية. وهذا المسعى الجماعي المضاد للثورة هو الأساس لكتلة الثورة المضادة في الشرق الأوسط، بعد اندلاع التحرك الجماعي الإقليمي عام 2011.

على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية، بين دولة إسرائيل ودولتي مجلس التعاون الخليجي العربي (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، فالنخب السياسية والعسكرية في كلّ من هذه الدول قد بدأت تنظر إلى توسيع التعاون في أعقاب الانتفاضات العربية، كاستراتيجية مربحة للنهوض بالمصالح الاستراتيجية المتبادلة على المستويين المحلي والإقليمي. كان التعاون غير الرسمي بين هذه الدول قبل الانتفاضات العربية يتمحور بشكل أساسي حول الكراهية المشتركة لإيران، وكان في الغالب من وراء الكواليس، لكي تتجنب ردّة الفعل الشعبي العنيفة بين الجماهير العربية. ومع ذلك، في المدة التي أعقبت اندلاع التحركات الجماهيرية الإقليمية، عام 2011، نمت هذه العلاقات بصورة كبيرة، وأصبحت ذات طبيعة علنية جدًا، حيث استمرت النخب السياسية والعسكرية، في كل من هذه البلدان، في تصوير التيارات التي أطلقتها الانتفاضات باعتبارها تهديدًا وجوديًا لمصالحهم. وكما أشار الاقتباس أعلاه لـ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن هذا التعاون لم يسبقه أي تعاون مماثل، من حيث الدرجة والضجة الإعلامية. إن قضية فلسطين (التي كانت تقليديًا نقطة خلاف إقليمي خطيرة، ثم حاجزًا أمام التقارب) تمّ إلغاؤها إلى حد بعيد، بسبب استمرار النخب السياسية والعسكرية في هذه البلدان في إعطاء الأولوية لمصالح النظام فوق أي شيء آخر. لذلك، لا ينبغي عدّ هذا التعاون رفيع المستوى تطبيعًا عضويًا، من القاعدة إلى القمة، بين الدولة الصهيونية والشعب العربي، بل هو فرض من الأعلى إلى الأسفل، يتم من خلاله تهميش الرأي العام، واعتراضات الشعب الفلسطيني. بكلمات أخرى: هذا “التطبيع” السطحي هو تطبيع ناتج عن توافق سياسي بين النخب الحكومية التي ترتكز أسسها على الأولويات المشتركة المهيمنة للحفاظ على النظام وإبراز القوة الإقليمية.

كان الدور المركزي الذي أدته الولايات المتحدة، ولا سيّما في ظلّ إدارة ترامب، حاسمًا في تشكيل هذا التحالف الخاص. في الواقع، تلاقت جهود جميع الجهات الفاعلة في كتلة الثورة المضادة في رغبتهم المشتركة في التأثير على واشنطن لصالح سياساتهم الإقليمية، واستمرار الولايات المتحدة في الضغط من أجل التطبيع “من الأعلى إلى الأسفل” مع إسرائيل في المنطقة، التطبيع الذي يُهمّش الإرادة العربية الشعبية، ويزيد محنة الفلسطينيين. إن الدعم الخارجي المستمر الذي قدمته واشنطن لمناهضي الثورات منحَهم شبه إفلات من العقاب في متابعة سياساتهم المحلية والإقليمية. وبدعم قوي من الولايات المتحدة، بدأ هذا التحالف الموسع بالفعل في التأثير في عدد من بؤر التوتر الإقليمية الرئيسة، من ضمنها الخلاف المستمر داخل مجلس التعاون الخليجي، والحصار المفروض على قطر، وتهميش القضية الفلسطينية، وتقديم “خطة السلام” التي اقترحتها الولايات المتحدة بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتنافس السعودي الإيراني والإسرائيلي الإيراني، ودور الإسلام السياسي في المنطقة، والآفاق الإقليمية للديمقراطية، وغير ذلك. لذلك، فإن فهم دور الدعم الأميركي الثابت لهذه الجهات الفاعلة أمرٌ بالغ الأهمية، لفهم الواقع الإقليمي الجديد الذي ظهر في الأعوام التسعة منذ انطلاق انتفاضات 2011. الغرض من هذا البحث هو دراسة جذور هذا التحالف القائم، وكيف يعيد تشكيل المشهد الاستراتيجي للمنطقة بشكل كبير، في المدة التي أعقبت الانتفاضات العربية، والدور المركزي للولايات المتحدة، واستمرارية هذه الشراكة في المضي قدمًا.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة الرابط:

https://www.harmoon.org/wp-content/uploads/2021/07/إسرائيل-والثورات-المضادة.pdf
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مهندس وكاتب ناشط ومترجم لغة إنكليزية في مركز حرمون

المصدر: حرمون

التعليقات مغلقة.