الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حرب أمريكية باردة مع الصين لا يمكن تجنبها

محمد المنشاوي *

يعد التشدد تجاه العلاقات مع الصين إحدى القضايا النادرة التي يتفق عليها سياسيو/ات الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة. ولم يختلف الرئيس الديمقراطي جو بايدن عن نهج سلفه الجمهوري دونالد ترامب في هذا الإطار.

ومنذ الأسبوع الأول له في الحكم، تخرج إشارات سريعة وخطوات مختلفة من إدارة بايدن تدفع تجاه سياسات متشددة تبدو في الأفق بين علاقات واشنطن المتوقعة مع بكين.

وخلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ أكد وزير الخارجية تونى بلينكن أن الصين تشكل التحدي الأكبر للولايات المتحدة، وتعهد باتخاذ «نهج أكثر صرامة تجاه الصين»، وقال بلينكن «اسمحوا لي فقط أن أقول إنني أعتقد أيضاً أن الرئيس ترامب كان على حق في اتخاذ موقف حازم تجاه الصين»، ثم جاء بلينكن ليقول في أول مؤتمر صحفي له إن «إدارة بايدن تتفق مع تقييم إدارة ترامب بأن بكين ترتكب إبادة جماعية ضد الإيجور المسلمين في الصين».

ووصف وزير الدفاع الجنرال أوستن لويد كذلك الصين بأنها تمثل «خطراً متزايداً وأن التصدي لها سيكون من أبرز اتجاهات أنشطة البنتاجون» في عهد بايدن. أما مستشار الأمن القومي جيك سوليفان فقد أشار في حديث له أمام معهد السلام بواشنطن إلى أن «الصينيين يعتقدون أن نموذجهم أنجح من النموذج الأمريكي، وهذا ما يروجون له حول العالم».

                                                                                                   ***

وصل الرئيس بايدن للحكم وسط تعرض بلاده والعالم لجائحة فيروس كورونا والتي نتج عنها وفاة أكثر من 600 ألف أمريكي وإصابة ما يقرب من 25 مليونا. ونتج عن الجائحة تعرض الاقتصاد الأمريكي والعالمي لكساد وانكماش غير مسبوق. وتسبب سوء الأداء الأمريكي في مواجهة تداعيات فيروس كورونا في هز الثقة العالمية بقدرة الولايات المتحدة على قيادة المنظومة الدولية، في وقت حاولت الصين استغلال أزمة تداعيات انتشار فيروس كورونا لتثبيت مكانتها الدولية خاصة في مواجهة النفوذ الأمريكي حول العالم.

من هنا وعلى الرغم من ارتفاع درجة الاستقطاب في النظام السياسي الأمريكي حاليا وبصورة غير مسبوقة، إلا أن هناك قدرا لا بأس به من الإجماع حول ضرورة مواجهة سياسات الصين بين الديمقراطيين والجمهوريين، وأعتقد أنه قد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة نسبيا بين الاثنين، لكن ليس بدرجة كبيرة كما قد يعتقد البعض، وقد تكون السياسة التجارية هي محل الاختلافات بين الطرفين، وقد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة، من حيث إن بايدن قد يحاول المزيد من التواصل مع الصين حول بعض القضايا الحرجة مثل تغير المناخ، ولكن من المرجح أن يحافظ على نهج قوى إلى حد ما تجاه الصين، مثل ترامب، بشأن قضايا التكنولوجيا، والقضايا التجارية، والقضايا الأمنية، وما إلى ذلك. أعتقد أنه قد تكون هناك لهجة عامة أقل عدائية قليلا، ولكن الكثير من السياسة نفسها ستكون في الواقع هي نفسها.

                                                                                                  ***

وقبل ثمانية أيام من انتهاء حكم الرئيس السابق ترامب، رفع مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض السرية عن وثيقة استخباراتية تفصل للتوجيهات الاستراتيجية الشاملة تجاه الصين.

وجاءت الوثيقة، التي اطلعت عليها في 10 صفحات، وشرحت التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة من قوة الصين الصاعدة والحازمة. ودعت الوثيقة لوضع خطط تخدم مصالح واشنطن في الأقاليم المجاورة للصين من خلال حشد الحلفاء الإقليميين ومساعدتهم على تحقيق مصالحهم المشتركة مع واشنطن في مواجهة تطلعات الصين.

وتنص الوثيقة على أنه يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ على «التفوق الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي» في المنطقة مع «منع الصين من إنشاء مناطق نفوذ جديدة غير ليبرالية».

واعتبر عدد من المعلقين/ات أن إدارة ترامب، من خلال نشرها العلني للوثيقة، كانت تحاول ربط إدارة بايدن الجديدة بسياساتها تجاه العداء للصين.

                                                                                                  ***

ولا يمكن التنبؤ بكيفية عدم بدء حرب باردة بين بيكين وواشنطن في وقت يمثلان فيه أكبر اقتصادين في العالم، مع تزايد عمق التنافس والصدام على أسس أيديولوجية وعسكرية وتكنولوجية.

من المؤكد أننا بصدد حرب باردة جديدة، لكنها ليست كالحرب الباردة السوفيتية الأمريكية لأن اقتصاد الدولتين مترابطتان بصورة شديدة التعقيد. الصين ليست الاتحاد السوفيتي المنغلق، ولا يمكن اتباع أمريكا والغرب سياسة احتواء الصين بالتضييق عليها.

ويضاعف من مخاطر تصادم القوتين على العالم ترابطهما الاقتصادي الضخم وتأثر بقية العالم به. وتشير بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي إلى وصول حجم التجارة بين الدولتين إلى ما يقرب من 560 مليار دولار عام 2020، وذلك على الرغم من التشدد تجاه الصين وتبنى ترامب سياسة الحرب التجارية ضد الصين. وصدرت الصين منتجات قيمتها 433 مليار دولار للولايات المتحدة، في حين بلغت قيمة صادرات أمريكا للصين مبلغ 125 مليار دولار.

ويتفق بايدن مع ترامب على ضرورة محاسبة الصين على دورها في انتشار فيروس كورونا، ولكن على عكس ترامب، يؤمن بايدن بضرورة تقوية تحالف متعدد الأطراف من الحلفاء ذوى التفكير المماثل لمواجهة ما يعتبره تهديدات صينية وممارسات غير عادلة.

وترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانتها كأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، وهو ما يدفع البعض للضغط تجاه تبنى معادلات صفرية في علاقتها مع الصين التي تنازع الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا.

من هنا رأى عدد من المعلقين/ات أن الوثيقة، التي رفعت عنها السرية، يمكن اعتبارها «مخطط للحرب الباردة 2.0»؛ حيث لا يمكن تجنب المواجهة بين الدولتين في مجال التجارة الدولية والوصول للموارد الطبيعية إلى الصراع على مستقبل التكنولوجيا، وصولا للتنافس الجيو ــ استراتيجي خاصة في جنوب شرق آسيا.

* كاتب صحفي مصري

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.